Skip to main content

الفصل السادس - سدوا أفواه أسود - حسد الشيطان

الصفحة 2 من 7: حسد الشيطان

حسد الشيطان

"حسن عند داريوس أن يولي على المملكة مئة وعشرين مرزباناً يكونون على المملكة كلها. وعلى هؤلاء ثلاثة وزراء أحدهم دانيال لتؤدي المرازبة إليهم الحساب فلا تصيب الملك خسارة. ففاق دانيال هذا على الوزراء والمرازبة لأن فيه روحاً فاضلة وفكر الملك في أن يوليه على المملكة كلها. ثم إن الوزراء والمرازبة كانوا يطلبون علة يجدونها على دانيال من جهة المملكة فلم يقدروا أن يجدوا علة ولا ذنباً لأنه كان أميناً ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب" (دانيال 6: 1 - 4)

يقول النقاد الذين يريدون هدم سفر دانيال والتشكيك في وحيه، إن الإصحاح السادس من هذا السفر النبوي العظيم يحوي تاريخاً زائفاً، لأنه يقدم الملك المادي داريوس باعتباره الملك الذي ارتقى عرش الملك بعد قتل بيلشاصر الملك، بينما التاريخ العالمي يسجل أن "كورش" الفارسي كان هو الملك الذي قاد الحملة التي هاجمت بابل وأنهى حكم الإمبراطورية البابلية.

وقد رد العلماء المسيحيون على هذا النقد، أظهروا بما لا يدع مجالاً للشك بأن سفر دانيال لا يتحدث عن مملكتي مادي وفارس كمملكتين منفصلتين، بل يتحدث عن مملكة متحدة تحت اسم المملكة المادية الفارسية وهذا واضح من الكلمات "فثبت الآن النهي أيها الملك وأمضى الكتابة لكي لا تتغير كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ" (دانيال 6: 8)

فالشعبان المادي والفارسي حسبا أمة واحدة.

وداريوس المادي الذي أكد الدكتور فريدريك تاتفورد أن "داريوس" ليس اسمه، لأنه ليس اسم علم بل لقب استخدمه عدة ملوك ومعناه "القاهر"، كما أكد الثقاة من علماء المسيحيين أنه المعروف باسم "جوبارو Gubaru". وقد جعله كورش الفارسي ملكاً على بابل والمنطقة الكلدانية المحيطة بها كما يتضح من النص القائل "في السنة الأولى لداريوس بن أحشو يروش من نسل الماديين الذي ملّك على مملكة الكلدانيين" (دانيال 9: 1) فهو قد ملّك بسلطة كورش الملك على مملكة الكلدانيين.

والماديون من نسل "ماداي" ابن يافث "بنو يافث جومر وماجوج وماداي" (تكوين 10: 2) وقد سجل قاموس الكتاب المقدس "أنهم اشتهروا بخيولهم وأفراسهم وكانوا يتصلون بالفرس في الجنسية واللغة والثقافة والتاريخ. وقد جاء الماديون إلى الحكم قبل الفرس، ولكن هؤلاء فاقوهم قوة وسلطاناً"

هذا هو داريوس الملك، وقد حسن عند أن يولي المملكة مئة وعشرين مرزباناً. والمرزبان عند الفرس هو الرئيس وكان بمقام أعلى من الوالي حيث تتقدم لفظة مرازبة لفظة ولاة (دانيال 3: 3).. "وحسن عند داريوس أن يولي على المملكة مئة وعشرين [رئيساً] يكونون على المملكة كلها. وعلى هؤلاء ثلاثة وزراء أحدهم دانيال.. ففاق دانيال على هذا الوزراء والمرازبة لأن فيه روحاً فاضلة وفكر الملك في أن يوليه على المملكة كلها" (دانيال 6: 1 - 3)

ووصف دانيال بأن فيه روحاً فاضلة يتكرر في هذا السفر (دانيال 5: 12). ويبدو أنه اشتهر بهذه الروح الفاضلة، وهي تعني روحاً ممتازة، أو سجايا نادرة حتى أن الملك فكر أن يوليه على المملكة كلها.

إن نجاح المؤمن في حياته الزمنية يأتي من رفقة الرب له كما نقرأ "وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً" (تكوين 2: 39)

لقد كان من الممكن أن يقضي الغزاة الماديين على كل رؤساء الملك السابق بيلشاصر وبينهم دانيال، ولكن الله أنجح دانيال خلال حكم نبوخذ نصر وحتى حكم كورش الفارسي "إن كان الله معنا فمن علينا" (رومية 8: 31)

لكن النجاح له ضريبة، هي ضريبة حسد الحاسدين وحقد الحاقدين. والحسد يعني زوال النعمة من المحسود وتحولها إلأى الحاسد. والحسد خطية منتشرة بين الناس.. بين غير المؤمنين وبين المؤمنين الجسديين على السواء.

فعن حسد غير المؤمنين نقرأ الكلمات "مشحونين حسداً وقتلاً وخصاماً ومكراً وسوءاً" (رومية 1: 29)

وعن حسد المؤمنين الجسديين نقرأ "فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر" (1 كورنثوس 3: 3)

والحسد يفتت ويبلي عظام الحاسد كما نقرأ في سفر الأمثال "ونخر العظام الحسد" (أمثال 14: 30). كما أنه يدفع الحاسد إلى تدبير كل شر للمحسود "ومن يقف قدام الحسد" (أمثال 27: 4)

حسد الوزراء والرؤساء دانيال، وكانوا يطلبون عليه علة من جهة المملكة "فلم يقدروا أن يجدوا علة ولا ذنباً لأنه كان أميناً ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب" (دانيال 6: 4)

والمؤمن الأمين المدقق في سلوكه هو محط أنظار الناس حوله، كما كتب بولس الرسول للكورنثيين يقول "أنتم رسالتنا مكتوبة في قلوبنا معروفة ومقروءة من جميع الناس. ظاهرين أنكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي. لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية" (2 كورنثوس 3: 2 و 3)

"لأننا صرنا منظراً للعالم للملائكة والناس" (1 كورنثوس 4: 9) ولقد راقب الوزراء والرؤساء دانيال علهم يجدون فيه علة، أو خيانة، أو تصرفاً غير سليم من جهة المملكة ليرفعوا ما يجدوه إلى الملك ويتخلصوا منه وتقول الكلمة المقدسة "فلم يقدروا أن يجدوا علة" لقد بذلوا جهداً كبيراً في البحث عن علة وباؤا بالفشل الذريع..

وقد نسأل: لكن لماذا أرادوا التخلص من دانيال؟ وفي اعتقادنا أنهم أرادوا التخلص منه ليخلوا لهو الجو للرشوة والاختلاس دون حسيب أو رقيب.

لم يجدوا في دانيال على ولا ذنباً!

والسر وراء حياة دانيال النقية أنه "آمن بإلهه" (دانيال 6: 23) "والبار بإيمانه يحيا" (حبقوق 2: 4) "وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا" (1 يوحنا 5: 4).

وقد عاش دانيال أميناً لله، أمينا للملك، فأعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

كبرياء الإنسان
الصفحة
  • عدد الزيارات: 24771