Skip to main content

الإفتتاحية: وبها تحيات وأمنيات الرسول (ع1-3)

(بولس أسير يسوع المسيح وتيموثاوس الأخ إلى فيلمون المحبوب. والعامل معنا) ع1

تبدأ الرسالة بتحية مختصرة ولكنها مع اختصارها تحمل في طياتها عناصر موضوع الرسالة كلها حيث نرى بولس أسير يسوع المسيح وتيموثاوس أخ وفيلمون محبوب وعامل مع الرسول وهؤلاء جميعاً شركاء. وذكرهم بالاسماء يعبر عن الشركة القائمة بينهم ومع أنهم جماعة ليس بينهم أية علاقة طبيعية ولا شيء مشترك بين الواحد والآخر غرباء عن بعضهم البعض من حيث الوطن والعادات واللغة فقد صار لهم الآن باتحادهم مع المسيح علاقة مشتركة وعواطف مشتركة, خدمة مشتركة جهاد مشترك. وهنا قوة الصليب العجيبة فهي ليست فقط تمنح النفس السلام مع الله إذ تعلن محبته للخاطىء المتجلية في الدينونة والواقعة على الخطيئة التي من شأنها عرقلة الشركة معه بل أنها تأتي بأناس من مختلف المشارب والصفات المتناقضة وشتى ظروف الحياة المتعارضة وتربطهم معاً في وحدة مقدسة. كم كانت نفس الرسول وهو يكتب هذه الافتتاحية مليئة بهذا الحق المقدس أنه لا يعرف أحداً إلا يسوع وإياه مصلوباً. لقد رأى في الصليب نهاية تلك الفروق التي تفصل بين الناس وتجعلهم طبقات كما رأى في القيامة وحدة جديدة برأس جديد خليقة جديدة. هذا التعليم الصحيح من تعاليم الصليب نحن في شديد الحاجة لمعرفته وهذا ما أراد الرسول أن يُعرفه لفيلمون أراده أن يعرف أن نفس تلك القوة التي قتلت العداوة بين بولس اليهودي وفيلمون الأممي جاعلة إياهما إنساناً واحداً جديداً صانعاً سلاماً. نفس القوة التي جعلتهما يشتركان معاً في عمل واحد كافية وكفيلة بأن تصنع سلاماً بين فيلمون وعبده أنسيمس وأن تمنحهما وحدة في الغرض والمصالح. وحدة في العواطف والخدمة لم يعرفاها من قبل. ولسنا في حاجة للقول أن هذا هو تعليم المسيح الصحيح الوارد في (أف13:2_22) فهناك نرى الحق الإلهي معبراً عنه من هذه الناحية في أوسع مداه وأدق معناه وهو أنه قد أدخل إلى المشهد قوة كان من شأنها نقض حتى حائط السياج المتوسط الذي أقامه الله نفسه بين اليهود والأمم وجعل الأثنين رغم ما بينهما من تناقض متحدين ليس بصيرورة اليهودي أممياً ولا الأممي يهودياً بل بصيرورة الأثنين إنساناً جديداً في المسيح يسوع.

يقول الرسول عن نفسه (بولس أسير يسوع المسيح) على أنه وهو أسير وقف مرة وقفة ما كان أعجبها أمام فيلكس الوالي حتى ارتعب فيلكس فكان الحُر بحسب الظاهر أسيراً وكان الأسير في حقيقة الأمر حراً طليقاً. ولحكمة لم يشر بولس هنا إلى رسوليته كما فعل في معظم الرسائل لأنه كما ذكرنا لم يكتب هذه الرسالة كصاحب سلطان على فيلمون – ولو أنه بلا شك كتب هذه الرسالة كما في رسائله بالوحي باعتباره رسولاً بل فضل أن يذكر لقب أسير ليحرك عواطف قلب فيلمون ويجعله يستجيب لطلبه على أن كلمة ((أسير)) تقودنا إلى مشهد في غاية الروعة. مشهد السيد الرب الذي نسمعه يقول بروح النبوة ((أقترب إلى نفسي فكها)) (مز18:69) وفي هذا المزمور نجد الرب طبقاً للمقاصد الأزلية ذبيحة أثم حيث يقول ((ذنوبي عنك لم تخف)) فإنه وهو السيد البار كان على الصليب نائباً عنا وحاملاً في جسده كل خطايانا وبذلك صرنا مقبولين فيه قبولاً كاملاً...................(وتيموثاوس الأخ)

هذا دليل على أن تيموثاوس كان مع الرسول حين كتابته الرسالة (أنظر كو1:1) وكان معتاداً أن يذكر اسماء رفقاؤه في مقدمة رسائله (2كو1:1, في1:1, 1تس1:1, 2تس1:1). لم يكن تيموثاوس شريكاً لبولس كأسير ولكن هنا تأتي حلقة الوصل ((الأخ)) (أو أخونا) فهذه الكلمة تربط فيلمون ببولس وتيموثاوس. وإذا كان رب الكل لا يستحي بأن يدعونا إخوة فكم هو لذيذ لنفس عبده أن يضع نفسه في هذا المستوى الواحد الذي هوشريك فيه مع جميع القديسين.

ويستلفت النظرما يخلعه بولس على فيلمون من ألقاب إذ يدعوه الأخ والمحبوب. والعامل. فالذين قبلوا المسيح غُفرت خطاياهم وتبرروا كما أنهم بالولادة من فوق قد صاروا إخوة بعضهم لبعض ليست الأخوة الطبيعية الجسدية التي نرى صورتها في قايين الذي قتل أخاه هابيل (تك4) بل أخوة روحية ما اسماها والمؤمنون كلهم محبوبون وكلهم عاملون على قياس ما أعطى الله لكل واحد.

 

(وإلى أبفية المحبوبة وأرخبس المتجند معنا, والكنيسة التي في بيتك) ع2

أبفية المحبوبة يُرجح أنها زوجة فيلمون وأرخبس يُرجح أنه ابن فيلمون الذي يصفه بالقول ((المتجند

(1) وردت في حاشية الإنجيل المشوهد وكذا في ترجمات أخرى كلمة (الأخت) بدلاً من المحبوبة معنا)) والتجند للرب شرف وامتياز لكل مؤمن وهو يشمل النساء أيضاً كم نقرأ في العهد القديم عن المتجندات اللواتي تجندن عند باب خيمة الأجتماع (خر8:38) ومن قوله المتجندات اللواتي تجندن أو المتجند معنا وما كتبه أيضاً عنه للأخوة في كلوسي ((قولو لأرخبس أنظر إلى الخدمة التي قبلتها في الرب لكي تتمها)) (كو17:4) نفهم أنه كانت له خدمة بين القديسين في كولوسي. ليتنا نفهم أن الرب الذي وضع حياته لأجلنا يستحق أن نكرس له الحياة لتنفيذ مشيئته بحسب الخطة التي رسمها لنا.

ونلاحظ هذا القول (الكنيسة التي في بيتكَ) الأمر الذي يتمشى تماماً مع الموضوع كله. فالكنيسة هي عائلة الله وما أبرك أن تكون هناك عائلة صغيرة مشابهة لعائلة الله الكبرى فها هو فيلمون وأرخبس اللذان كانا مرة بعيدين عن الله والآن بدم المسيح صارا قريبين وقائمين أمام الله فيه قد صارا من ضمن عائلة الله التي ليس بين أفرادها أمام الله فرق, وفي المسيح ليس عبد ولا حر ولهذا ما أنسب ذكر الكنيسة التي في البيت هنا. والأمر الذي يقود إلى فيلمون لأن يرى في الحال بركة قبول أنسيمس في المحبة الأخوية واعتباره عضواً في عائلة الله وبالتالي في الكنيسة التي في بيته...

(والكنيسة التي في بيتكَ) هي جماعة المؤمنين في تلك المنطقة الذين كانوا يجتمعون معاً في بيت فيلمون حول المسيح كمركز للسجود والعبادة وكسر الخبز (أنظر أع12:12, 9:19, رو5:16) وبالمثل كان أخوة مدينة لاودكية يجتمعون في بيت نمفاس (كو15:4) وواضح أنه حتى القرن الثالث الميلادي لم تكن هناك مباني خاصة لاجتماع المؤمنين معاً. بل كان المؤمنون يمارسون العبادة في البيوت وكما وعد الرب ((لأنه حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم)) (مت20:18).

(نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح) ع3

حسب عادته يطلب الرسول النعمة والسلام لفيلمون... والكنيسة التي في بيته, فالنعمة هي إظهار محبة الله لنا مجاناً بيسوع المسيح فأظهرها أولاً حين كنا خطاة بعيدين عنه وأعداء له إذ أحياناً وقربنا إليه وثانياً يظهرها لنا كمؤمنين وقديسين لأننا في النعمة مقيمين ولا غنى لنا عنها دائماً. وكلما سلكنا بحسب النعمة حصلنا على السلام في قلوبنا.

النعمة والسلام يقترنان معاً باعتبار أن الله الآب مصدراً لكليهما والرب يسوع المسيح واسطة وصولهما إلينا ونلاحظ أنه في الرسائل الموجهة إلى أفراد كتيموثاوس وتيطس وكيرية المختارة يضيف الرسولان بولس ويوحنا كلمة ((رحمة)) لأن المؤمن الفرد يحتاج إلى الرحمة بصفة خاصة (عب16:4) وتعجز الألفاظ عن التعبير عن مقدار البركة المتضمنة في نعمة الله وفي السلام الممنوح منه.

ثم ما أجمل هذا التعبير ((الله)) أبينا والرب يسوع المسيح فالله هو أبونا وطلباتنا تقدم إلى كل من الأقنومين بحسب ما تقضي الحالة التي نصلي لأجلها. لأن بعض طلباتنا تتعلق بنسبتنا إلى الآب والبعض إلى الرب يسوع المسيح.

ومما يدل على نمونا روحياً أننا نميز وندرك كلاً من هاتين النسبتين مع ما يتعلق بهما (أنظر 1يو12:2_17) فلا يليق بنا أن نخاطب الآب بعبارات تختص بالابن أو نخاطب الابن بنسبتنا التي لنا مع الآب لأن لكل أقنوم عمله الخاص لنا ونسبته الخاصة معنا, وعلاقته الخاصة بنا.

  • عدد الزيارات: 3228