Skip to main content

الأصحاح 15

عندما نقارن ما جاء في ص 14 وما جاء في ص 15 نجد في ص 14 اليأس والفشل لدرجة أن موسى يقول للعشب "لا تصعدوا لأن الرب ليس في وسطكم لئلا تنهزموا أمام أعدائكم "كما أن الرب يقول لهم "لن تدخلوا الأرض التي رفعت يدي لأسكنكم فيها.... فجثثكم أنتم تسقط في هذا الفقر (ع 31، 32)، أما في ص 15 فنرى كأنه لم يحدث شيء، والحالة هادئة تمتاماً إذ نقرأ "وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: مَتَى جِئْتُمْ إِلَى أَرْضِ مَسْكَنِكُمُ الَّتِي أَنَا أُعْطِيكُمْ".

في ص 14 نرى عدم نفع الإنسان ولكن في ص 15 نرى ما هو الله، وهذا ما نراه واضحاً في فصول الكتاب كله- فشل الإنسان وصلاح الله ونعمته، الإنسان يسقط ويفشل لكن الله يبقى أميناً، الإنسان يفقد كل شيء، ولكن الله يسترد كل شيء ويحول كل شيء للخير، ولكن ما هو الأساس لعمل الله هذا؟ الأساس هو ظهور المسيح في المشهد، وفيه يقوم مجد الله وخير الإنسان الأبدي، لقد قصد الله أن يجعل المسيح رأساً فوق كل شيء، أقيم كل شيء في المسيح على مبدأ جديد أنه رأس الخليقة الجديدة، الوارث لكل شيء متعلق بالأرض التي أعطيت لإبراهيم وإسحق ويعقوب، الوارث لجميع المواعيد المتعلقة بالملك والتي أعطيت لداود، ستكون الرئاسة على كتفه، سيكلل بالمجد والكرامة، فهو النبي والكاهن والملك، "مهما كانت مواعيد الله فهو فيه النعم والآمين لمجد الله بواسطتنا" (2 كو 1: 10) يستحيل أن تسقط كلمة واحدة من مواعيد الله من جهتنا لأن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة، أما العصيان والتمرد فكلها تطرح في بحر النسيان.

ونرى أيضاً في هذا الأصحاح كيف أن الله يسر بإعانة الإيمان في البرية بإعطاء نور عن الأشياء التي يجب عملها عند دخولهم أرض مسكنهم، قد شوت الأغلبية في القفر بسبب عدم الإيمان، لكن لا بد أن تدخل البقية إلى الأرض. والتعبير "أرض مسكنكم" يشير إلى الراحة أمام الله في النصيب الإلهي المعطى لهم، ويذكر لتعضيد الإيمان في البرية التي يجب عملها في الأرض يقترن بإدراك أكبر للمسيح لأنه هو الظاهر في التقديمات التي ورد ذكرها من ع 3- 16، وهو أيضاً خبز الأرض الوارد ذكره في ع 19، يشغلنا الروح القدس باستحضار المسيح كرائحة سرور للآب، فسواء كان خروف أو كبش أو ثور فإن المسيح هو المقدم ذبيحة. ونلاحظ أنه في الستة عشر عدداً الأولى أن كل الذبائح رائحة سرور، ليست ذبائح خطية، ومع أنها ليست ذبائح خطية ولكنها تأخذ في الاعتبار كل الأسئلة المثارة بسبب دخول الخطية لأن كل كماله المطلق ورائحته الذكية تصاعدت في موته كالمحرقة لشبع قلب الله وتمجيده بطريقة غير محدودة وفي نفس الوقت هي أساس قبولنا عنده، كما أن اجتيازه الموت أساس ومادة شركتنا معه وهذا تظهره ذبيحة السلام الوارد ذكرها في ع 8. في لاويين 1 يبدأ الروح القدس بذكر الثور، يبدأ بالإدراك الأكبر وينزل إلى الأصغر، لكن هنا في ع 5 إلى 8 المقياس متصاعد واضعاً في الاعتبار النمو الروحي من جانب الشعب، يبدأ بالخروف، إلى الكبش، إلى الثور، إنها القدرة المتزايدة لاستحضار المسيح إلى الله من أجل سروره.

وكل محرقة أو ذبيحة سلامة يجب أن تقترن بتقدمة تتمشى معها، وأيضاً سكيب يتمشى معها، ما ندركه عن المسيح ونستحضره لله في الذبائح للقبول أو للشركة ينبغي أن يقترن بالتقدير العميق للمسيح في كماله الأدبي كإنسان عاش على أرضنا هنا وهذا ما يشير إليه التدقيق، ونلاحظ أن المقدم للفرد ليس في إمكانه أن يمتد إلى كل كمال ناسوت المسيح، إذ يقدم فقط "عشراً" من الدقيق للخروف، وعشرين للكبش، وثلاثة أعشار للثور ويقف الأمر عند هذا الحد، وهذا يتفق مع ما ورد ذكره في 1 كو 13: 9، 12 "لأننا نعلم بعض العلم"، "الآن أعرف بعض المعرفة" نحن الآن نعرف بعض الكمالات عنها. ولكن الأمر المشجع أن المقياس متزايد في معرفة هذه الكمالات، عشراً وعشرين وثلاثة أعشار.

والدقيق المقدم يجب أن يكون ملتوتاً بربع الهين من الزيت للخروف، وثلث الهين من الزيت للكبش، ونصف الهين للثور، ويشير الزيت إلى الروح القدس، وهذا يعني أننا كلما نقترب إلى الله مقدمين المسيح في كماله الأدبي يمون لنا الإدراك أن المسيح كانت طرقه وكلماته وأفكاره ومشاعره كلها روحية بالروح القدس، فهو الدقيق الملتوت بالزيت.

كما أننا نرى الخمر للسكيب يتناسب مع الذبيحة المقدمة، وهو سكيب الفرح، ويشير بولس إلى ذلك بقوله "لكنني وإن كنت أنسكب أيضاً على ذبيحة إيمانكم وخدمته أسر وأفرح معكم أجمعين وبهذا عينه كونوا أنتم مسرورين أيضاً وافرحوا معي" (في 2: 17، 18)، كان الرسول يقصد أنه إذا أخذ إيمان أخوة فيلبي كما أخذ خدمة إيمانهم صفة الذبيحة فهو يفرح أن يسكب كتابع للذبيحة، وإذا كان هذا هو فرح الخادم، فكم بالحري فرح المسيح وهو يسكب نفسه خدمة لله ومحبة للقديسين "أن أفعل مشيتك يا إلهي سررت" (مز 40: 8).

ع 14- 16- نجد فيه تجهيزاً بالنعمة للغريب، وكان ينبغي أن يكون هذا كافياً في ذاته ليعطي إسرائيل فهماً عن أفكار الله من جهة استحضار الأمم إلى دائرة النعمة، يوضع الغريب هنا على نفس المستوى مع إسرائيل "فكما تفعلون ذلك يفعل.... وللغريب النازل عندكم فريضة واحدة.... مثلكم مثل الغريب أمام الرب. شريعة واحد وحكم واحد يكون لكم وللغريب النازل عندكم" إنها أشعة نور مباركة في العهد القديم لتشرق وتظهر أن المسيح أعظم من أن يكون لليهود وحدهم، وقال سمعان البار "نور إعلان للأمم" وأيضاً "مجداً لشعبك إسرائيل" (لو 2: 32) هذا ما كان عتيداً أن يكون بالمسيح، ونرى هذا أيضاً في أف 3: 6 أن "الأمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح بالإنجيل" هذه هي عظمة الله في نعمته، يريد أن يأتي الكل ليكونوا شركاء في المسيح، ويؤكد هذا ما جاء في خر 12: 48 عن الفصح "وإذا نزل عندك نزيل وصنع فصحاً للرب فليختتن منه كل ذكر ثم يتقدم ليصنعه" هذا في الوقت الذي لا نجد فيه في هذا الأصحاح ذكراً للختان الأمر الذي يشير إلى أن ذلك الجيل الشرير قد خسر كل شيء، وكان يجب أن يقطع، لكن مواعيد الله يجب أن نثبت، ولا بد أن يخلص إسرائيل بالنعمة ويمتلكوا الأرض ثم يقدموا تقدمات ويتذوقوا أفراح الملكوت على أساس النعمة الإلهية، وحين يقرأ إسرائيل هذا التعبير "مثلكم يكونوا مثل الغريب أمام الرب" لا يتجرأ على طرد الغريب.

التعبير "خبز الأرض" يشير إلى المسيح قائماً من الموت ومنتصراً عليه- وهكذا ونحن في الأرض أي في دائرة السماويات والبركات السماوية نتغذى بالمسيح المقام والممجد في السماء، ولكن قبل أن نتغذى عليه بهذه الصورة نرى العجين وهو خبز في حالة تجهيز، مرة في عملية خاصة حيث حصاد الحنطة وتذريتها وطحنها وعجنها، إنها المرحلة الأخيرة قبل أن يصير خبزاً في حالة مهيأة للتغذية، وهذه العمليات ليست إلا تدريبات نتيجة تأملنا في كل ما مر بالمسيح حتى وصل إلى الموت والقيامة. وقال الرب لموسى "كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: مَتَى دَخَلْتُمُ الأَرْضَ الَّتِي أَنَا آتٍ بِكُمْ إِلَيْهَا، فَعِنْدَمَا تَأْكُلُونَ مِنْ خُبْزِ الأَرْضِ تَرْفَعُونَ رَفِيعَةً لِلرَّبِّ. أَوَّلَ عَجِينِكُمْ تَرْفَعُونَ قُرْصًا رَفِيعَةً، كَرَفِيعَةِ الْبَيْدَرِ هكَذَا تَرْفَعُونَهُ" (ع 19، 20) والمقصود في هذه الأعداد إن ما حصلنا عليه من إدراك للمسيح المقام ينبغي أن نقدمه لله، يجب أن يأخذ الله شعبه أولاً ويحصل على النصيب الأول مما حصلنا عليه.

ع 22- 26- يسر الله بالنعمة في أن يعمل تجهيزاً لخطية السهو لجماعة بني إسرائيل في الأرض وهو رمز لمؤمني العهد الجديد في السماويات. إن عدالة الله لا تسكت على خطايا السهو، وكلمة "سهو" ترجمت في الإنكليزية "جهالة" والله في قداسته ينظر إليها باهتمام ويطالب الإنسان بها والحكم عليها وعندئذ يغفرها غفراناً زمنياً وهذا يرينا أن عيشتنا المسيحية يجب أن تحكمها وضبطها كلمة الله في ضوء الضمير الحساس للخطية الذي ينبغي وجودهم في المؤمن.

ونلاحظ فرقاً في التجهيز لخطية السهو في لاويين 4: 13- 21 وما ورد ذكره هنا في عدد 15: 22- 26 إذ هناك لا توجد محرقة أو تقدمة دقيق أو سكيب- الأمور التي نراها هنا. وقصد الروح القدس هنا إظهار النعمة بطريقة مؤثرة حيث تقف الجماعة وهي في أرض ملكهم التي تمثل بالنسبة لنا دائرة السماويات، ولا يسمح الله بشيء يمنعه من أن تكون في دائرة القبول عند الأمر الذي تشير إليه المحرقة بدقيقها وسكيبها، ومع ذلك فيلزم تقدمة ذبيحة خطية. وهذا يرينا أنه مع أننا في دائرة القبول لكن لا يوجد تساهل مع الخطية التي لا يمكن لشيء أن يقابلها أو يزيلها غير موت المسيح.

في حالة خطية فرد سهواً ( ع 27- 29) لا نجد محرقة أي أن القاعدة العامة لقبول الجماعة ليست محل سؤال هنا.

ولا توجد تقدمة للذي يخطئ بيد رفيعة سوى القطع لأنه سبب عاراً للرب، احتقر كلمته وكسر وصاياه، وهذ يمثل خطية الارتداد (عب 10- 26).

ع 32- 36- في هذه الأعداد نرى جزءاً من تاريخ البرية. ونرى فيه تعدى الإنسان على ما هو مجهز من الله في نعمته لراحته، وأعظم صورة لتجهيزات الله لراحة الإنسان هي تلك الأخبار المفرحة الخاصة بابنه، في ستة أيام عمل الخليقة، كان الله يعمل بنفسه، وعمل كل شيء حسناً، واستراح الله في اليوم السابع عندما أكتمل عمله، لكن سرعان ما دخل الخطية بنتائجها المرعبة، ولذلك لم نعد نسمع عن السبت حتى فدى الله شعبه بخروف الفصح وأصبح هو قوتهم وترنيمتهم وخلاصهم (خر 15: 2)، عندئذ ظهر إنه كان في فكر الله سبت مقدس للراحة ليس فقط لنفسه كما جاء تك 2 لكن أيضاً ما يتمتع به المؤمنون بالفداء، كان هناك مكان مجهز من الله لراحة الناس، ليس عليهم أن يعملوا شيئاً، أو يبذلوا مجهوداً ليس عليهم إلا أن يؤمنوا بالمسيح متروكاً من الله لأجل خطاياهم، عندئذ يدخلون إلى الراحة، وهذا هو الطريق الوحيد للبركة، إذا كان الإنسان خاطئاً هالكاً وميتاً بالذنوب والخطايا فقد ضمن الله له راحة في المسيح وموته، وليس راحة الإنسان فقط، بل وجد الله راحته في المسيح وعمله، وجد راحته من كل نتائج الخطية التي أدخلها الإنسان الأول، ولكن أصبح هذا اختباراً للمؤمنين- هل يصبح لديهم الشكر لهذه الراحة المجهزة من الله؟ نرى في الإنسان الذي كان يجمع حطباً في السبت نبوة عما كان عتيداً أن يحدث في المسيحية حيث الإنسان المستبيح يفضل أن يعمل في الوقت الذي فيه يقول له الله أن لا يعمل شيئاً. ومن هذا نرى أن كل إنسان يؤمن بمبدأ الأعمال ليس سوى كاسراً للسبت، ويأتي تحت اللعنة، لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة كما حدث لذلك الرجل الذي كان يجمع حطاباً ليوقد ناراً في مكان سكنهم في السبت، وكانت وصية السبت قد أعطيت في خر 35: 3، وكسر الرجل هذه الوصية عمداً وخطية العمد إذا ارتكبت بمحض إرادة الإنسان ليس لها سوى دينونة الله الرهيبة "لأن التمرد كخطية العرافة والعناد كالوثن والترافيم" (1 صم 15: 23)، وتعلمنا كلمة الله أن العنصرين الأساسيين لكمال الإنسان هما الاتكال على الله وكمال الطاعة، وهكذا كان الرب يسوع الإنسان الكامل- عند تجربته في البرية كان رده دائماً "مكتوب" كان يحيا بكل كلمة تخرج من فم الله، والمكتوب انتصر على الشيطان ولكن الإنسان الأول أدم أظهر عكس هذا تماماً، كان في روح الاستقلال عن الله. أعطيت هذه الوصية بعد أن أشرق المجد في وجه الوسيط الذي أظهر رمزياً ما نقرأه في 2 كو 3: 18 "ونحن جميعاً ناظرون مجد الرب بوجه مكشوف.... نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح" وبذلك يلمع الله بمجد النعمة في مشاهدة شعبه يتغيرون إلى نفس صورته عاكسين مجده.

النار التي كان كاسر وصية السبت يريد أن يوقدها لا تشير إلى النعمة بل إلى الدينونة، لم يكن الرجل في توافق مع روح العهد، نرى فيه الروح القضائية التي على استعداد أن تدين الآخرين، وتدين أيضاً طرق الله، وكان مثل الكتبة والفريسيين في وقت المسيح، على هذا الخط قد يرفع الإنسان ثوره أو حماره أو شاته من الحفرة في السبت لكنه يدين رب السبت لأنه شفى في السبت. راقبوه هل يشفي في السبت لكي يشتكوا عليه (مر 3: 2) تشاوروا عليه لكي يهلكوه (مر 3: 6)، أغتاظ رئيس المجمع لأنه شفى في السبت (لو 13: 14) إنها الروح القضائية التي أظهرها ذلك الرجل رمزياً في جمع الحطب ليوقد ناراً، لا يوجد شيء يمكن أن يضاد صفة الله السبتية أكثر من نشاط وقوة الروح الفضائية، ويقول المكتوب "لا تدينوا فلا تدانوا" (لو 6: 37).

أحضر الشعب الرجل إلى موسى وهرون وكل الجماعة (ع 33) ووضع في المحرس لأنه لم يكن معلناً ماذا يفعلون به، كان الكل يشعر بخطورة ما فعل، وشعروا أنهم يجب أن يلجأوا إلى الرب في انتظار قراره، وأصبح فكر الرب معروفاً "قَتْلاً يُقْتَلُ الرَّجُلُ. يَرْجُمُهُ بِحِجَارَةٍ كُلُّ الْجَمَاعَةِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ" (ع 35) الكل يجب أن يرفض هذا التصرف ويمثل هذا الرجل روح الناموسية التي لا تستريح على كفاية النعمة والتي كانت عاملة في مؤمني غلاطية، وأعلن الرسول اللعنة عليها، تعود هذه الروح إلى الاضطهاد (غلا 4: 29) كانوا ينهشون ويأكلون بعضهم بعضاً (غلا 5: 15) كانوا يغاضبون بعضهم بعضاً ويحسدون بعضهم بعضاً (غلا 5: 26) لأنهم كانوا معجبين بأنفسهم.

ودينة الروح الناموسة من كل الجماعة كشيء لا يتوافق مع روح النعمة والعهد، وهذا فتح الطريق أمام الوصية التالية- كان عليهم أن يصنعوا " أَهْدَابًا فِي أَذْيَالِ ثِيَابِهِمْ فِي أَجْيَالِهِمْ، وَيَجْعَلُوا عَلَى هُدْبِ الذَّيْلِ عِصَابَةً مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ" (ع 38) كان في فكر الله أن شعبه يجب أن يتميز باللون السماوي، كان الغطاء الخارجي للتابوت "ثوباً كله أسمانجوني" (عد 4: 6) وهي شهادة ينبغي حملها في البرية- أن الشعب شعب سماوي، وإذا كنا نريد أن نحمل هذه الشهادة يجب أن نحفظ متأملين في المسيح الذي قال لليهود "أنا من فوق"، "ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13)، ما هو حقيقي فيه يجب أن يكون طابعنا، يريد الله منا أن لا ننسى أنه "كما هو السماوي هكذا السماويون أيضاً" (1 كو 15: 48). العصابة التي من أسمانجوني ليست للآخرين لكي ينظروا إليها، هذا ما كان يفهمه الفريسيون وعرضوا عصابيهم لكي يكون لهم منظر ديني، ولكن القصد الإلهي أن لابس الثوب هو الذي يتطلع إلى العصابة الاسمانجونية "فَتَكُونُ لَكُمْ هُدْبًا، فَتَرَوْنَهَا وَتَذْكُرُونَ كُلَّ وَصَايَا الرَّبِّ وَتَعْمَلُونَهَا" (ع 39)، وبالنسبة لنا نحن مؤمني العهد الجديد فالمسيح هو مثال سلوكنا، كما سلك ذاك ينبغي أن نسلك نحن أيضاً، ومعنا وضع العصابة الزرقاء على أذيال ثيابنا هو أننا قبلنا المستوى الذي تضعه أمامنا، وهو شيء مختلف عن شهوات قلوينا وعيوننا. ودخول المسيح للمشهد يحسم الكثير من الأسئلة والصعوبات لأنه حين أشرقت بركة السماويات على نفس يوحنا المعمدان قال "الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" (يو 3: 31). كان يوحنا واحداً من أفضل الأرضيين، ولكن حين رأى الإنسان السماوي قال "ينبغي أن ذلك يزيد وإني أنا أنقص" إنها لحظة مباركو حين تعطي السماويات مكانها، هذا ينبغي أن يكون في كل زوايا ملابسنا الأربع (تث 22: 12)، في الركن الشخصي، وفي الركن البيتي، وفي ركن العمل، وفي ركن الاجتماع باسم الرب.

  • عدد الزيارات: 1642