Skip to main content

الأصحاح 29

يأتي عيد الفطر وعيد الباكورات في بداية السنة (ص 28: 16- 31)، ولكن عيد الأبواق الذي يأتي في أول الشهر السابع يأتي في نهاية السنة ويشير إلى تحرك الله بين شعبه في نهاية طرقه، ونرى فيه شهادة خاصة عند اقتراب النهاية، ومع أنه يختص بطرق الله مع إسرائيل في يوم قادم ولكن في فكر الروح القدس أيضاً يطبقه على طرق الله في وقت النعمة الحاضر إذ في الأيام الأخيرة ظهرت نهضة للحق الذي يخص المسيح والقديسين، ويتطلع الله إلى تقدمات من شعبه السماوي تتناسب مع نعمته عليهم. ومع أن المسيحية التقليدية لا يوجد فيها شبع للهن ولكنه لا يترك الأمور تسير بهذا الشكل إذ أعطى في القرن الحالي وما سبقه أبواقاً مدوية. وفي سفر العدد ص 29 يستطيع القارئ أن يرى تطبيقاً لذلك- يرى الشهادة رائعة عن نعمة الله المتجهة إلى شعبه والتي جعلت الكثيرين يلقون بأنفسهم على الله بالإيمان، وهذه الشهادة لم تكن معروفة منذ عهد الرسل إذ أمكن للقديسين أن يجتمعوا إلى اسم الرب، يقودهم روح الرب كجماعة باعتبارهم أعضاء في جسد المسيح يتطلعون إلى المسيح الممجد في السماء كالرأس لهم، وفي غنى ما يمكن أن يصل إليهم عن طريقه تحرّروا من النظام الطقسي حتى أصبح في استطاعتهم أن يقدموا المسيح لله كشعبه وطعامه والرائحة الذكية التي يشتمها فتطيب نفسه.

والمسيح كالمدرك بمشاعر القديسين نراه في الثور والكبش والسبعة الخراف الحولية الصحيحة وتقترن بها تقدمة ذبيحة الخطية، كلها تشير إلى ما يمكن أن يقدمه القديسون لله بمشاعر مقدسة.

والتقدمات التي تقدم في اليوم الأول من الشهر السابع هي نفس التقدمات التي تقدم في اليوم العاشر في يوم الكفارة العظيم وهذا يرينا ارتباط اليومين ببعضهما، ونرى فيهما أنه يظهر فكر الله بالشهادة عن هذه الأيام الأخيرة فلا بد أن يكون هناك اتساع وإدراك أعظم للمسيح وموته. والشيء الذي يميز النهضة الخاصة بعمل الله بين شعبه هو أن عشاءه استرد وضعه الصحيح بين المؤمنين، وكل محب للمسيح يعرف كيف أن الرغيف والكأس يتكلمان عن المحبة التي قادت المسيح إلى الموت، من خلال هذين الرمزين يتذوق عمقاً وحلاوة. وفي اليوم العاشر من الشهر السابع حيث يسفك دم ذبيحة الخطية أمام كرسي الرحمة ويرش على وجه الغطاء إلى الشرق وقدام الغطاء سبع مرات (لا16: 14) فقد أصبح هو الأساس الذي به يقدم الكهنوت المقدس خدمته وتصبح الجماعة كلها طاهرة أمام الله ومقبولة عنده. إنه شيء رائع أننا نعرف الله ونقدم السجود له كمُمجد في الابن- بره وقداسته أصبحا معروفين من خلال موت المسيح في العالم كله بينما مجد محبته يشرق علينا. وقد أعطى الله تعليمات ذلك اليوم بعد تقديم النار الغريبة من ابني هرون حيث ماتا أمام والرب (لا 10: 1، 2) وورد ذكر هذا اليوم بعد فشل الكهنوت المريع (لا 16: 1، 2) ويرينا ذلك أن موت المسيح تم معرفته وتقديره بعد فشل الخدمة الكهنوتية ولذلك هو يقف بالارتباط بنهضة إلهية لأمور الله بين شعبه وهذا يفسر لنا وروده بعد عيد الأبواق وقبل عيد المظال الذي يأتي في نهاية العام. إن الله يقدر كل التقدير موت المسيح الذي كان في فكره حين أنهض عمله في نفوس القديسين باستحضار تلك النهاية التي كانت أمامه.

ونحن كقديسين لنا تدريبات متواضعة في الأيام الأخيرة، وحين نفكر كيف أن الجماعة فشلت لكن الله يستخدم هذه التدريبات ليعمق تقديرنا لشخص المسيح وعمله، وكيف أن المسيح مجد الله بثمن عظيم التقدير، على هذا الأساس فإن الكهنوت المقدس يستطيع أن يستمر في خدمته، ويتكلم عما أتمه ابنه المحبوب بكل ما استحضرته محبته على أساس موت ابنه. وبالارتباط بذلك ينبغي أن نقدم لله تقدماته وطعامه وهذا ما نراه في الثور الواحد والكبش الواحد والسبعة الخراف الحولية وتقدماتها.

حين أحبنا المسيح وأسلم نفسه لأجلنا فإن ذلك تم كرائحة سرور (أف 5: 2) وعندما نتذكر الرب يسوع ونسبح له ونحن أمام عشائه الرغيف الواحد والكأس ينبغي ألا ننسى نصيب الله في كل ما تكلم به هذان الرمزان.

وفي عيد الرب السبعة الأيام (ع 12) والذي يسمى في (لاويين 23: 34) "عيد المظال" فهو تاج أعياد السنة وهو يشير إلى الوقت الذي فيه تكتمل أفكار الله للبركة حيث يستحضر الشعب الأرضي لدائرة الفرح في الملك الألفي وهو هكذا كما يذكر في سفري اللاويين والتثنية، ولكن نقرأ هنا فقط عن التقدمات التي تقترن به أي ما يريده الرب من شعبه لشعبه. ونلاحظ أن عدد الكباش والخراف هو نفس العدد في كل من السبعة الأيام وتمثل الشيء الثابت وهو قيمة موت المسيح كالأساس الذي أصبح عليه المفديون مقبولين أمام الله، وهم كذلك دائماً (1 بط 1: 18، 19، رؤ 5: 9) وهي قيمة لا تزيد ولا تنقص بالنسبة لكل مؤمن. ويؤكد الله لقلوب قديسيه في كل الأوقات وفي كل الظروف أنهم مقبولون عنده وقيمتهم هي ذات قيمة ذلك الفداء العظيم الذي أتمه المسيح.

أما بالنسبة للثيران فنرى أن عددها يتناقص يوماً بعد يوم، وهذا لا يشير إلى ما هو المسيح في ذاته بل إلى الضعف من جانب شعبه في تقديمه لله، وهو نتيجة فشل مشاعر التقدير والإدراك في قلوب المؤمنين. ونظراً لأن الثور هو الذبيحة التي تمثل الإدراك الأكبر للمسيح كان عدد الثيران هو المعرض للنقص حين تضعف الحالة الروحية وتبهت المحبة الأولى. ويذكر هنا عدد الثيران في أقصى ما تصل إليه هو ثلاثة عشر الأمر الذي يشير إلى أن المؤمنين الآن في أجساد الضعف لا يمكن أن يصلوا قط إلى الكمال في تقديرها للمسيح أي إلى الأربعة عشر (7× 2)، كما يرينا أيضاً أن إسرائيل في دائرة البركة في الملك الألفي لا تصل قدرتهم إلى تقديم المسيح لله إلى سمو أفكار الله من هذه الجهة.

ويأتي عيد الحصاد في نهاية العام (خر 23: 16) وهو يشير إلى ما أعطاه الله في كرمه وجوده. وكما يرى في سفر العدد ص 29 ومع هذا فإن نصيب الرب يقل يوماً بعد يوم ولا شك أن هذا يحركنا للاهتمام أكثر لئلا تكون هناك من جانبنا خدمة متناقصة مؤسسة على حالة روحية منحدرة.

والعدد 13 للثيران في عيد السبعة الأيام يرينا أيضاً أن وقت الكمال لم يأتِ بعد كما كان الحال في كنيسة كورنثوس (1 كو 13: 8- 12)، وهي كذلك بالنسبة لنا إذ لا تزال الأشياء في جزيئاتها إذ يوجد في الشهادة دائماً ميل للانحدار مما يستدعي السهر والصلاة. والرب يسمح بهذا التدريب ليعمق الشعور لليوم الثامن الذي يشير إلى الكمال، وحين يأتي ما هو كامل سوف نكون في حالة الثبات الأبدي حيث لا يكون هناك أي ميل للانحدار، ونظل في قوة القيامة، سوف نكون القديسين الأجساد الروحية الممجدة التي تتوافق مع صورة المسيح، ومع ذلك فإن وقت النعمة الحاضر يستحضر إلينا اليوم الثامن بطريقة روحية إذ نجد في النهاية ثوراً واحداً وكبشاً واحداً وسبعة خراف حولية صحيحة، إنه المسيح في كماله وذلك حين يكون القديسون محل العمل الإلهي الذين يجعلهم متمثلين بالمسيح حسب كمال قصد الله فيهم.

  • عدد الزيارات: 1493