Skip to main content

الأصحاح الرابع - عدد 7-10

الصفحة 4 من 11: عدد 7-10

وهذه هي العادة سابقاً في إسرائيل في أمر الفكاك والمبادلة لأجل إثبات كل أمر. يخلع الرجل نعله ويعطيه لصاحبه. فهذه هي العادة في إسرائيل. فقال الولي لبوعز اشترِ لنفسك. وخلع نعله. فقال بوعز للشيوخ ولجميع الشعب أنتم شهود اليوم أني قد اشتريت كل ما لأليمالك، وكل ما لكليون ومحلون من يد نعمي، وكذلك راعوث الموآبية امرأة محلون قد اشتريتها لي امرأة لأقيم اسم الميت على ميراثه ولا ينقرض اسم الميت من بين اخوته ومن باب مكانه. أنتم شهود اليوم" ( ع 7-10)

اعترف الآن الولي الأقرب علانية أنه غير قادر على أن يفدي. والنعل يرمز إلى القوة والملكية (قارن يو 27:1، يش 24:10، مز 8:60، 9:108). لم تكن بين هذا الولي الأقرب وبين بوعز أية عداوة، وهذا حق بالنسبة لمبدأي المسئولية والنعمة. فمع أنهما على طرفي نقيض، إلا أنه لا توجد خصومة بينهما، بل يعملان كل في مجاله. كذلك بر الله ومحبة الله، لا يمكن أن يحدث بينهما نزاع على الإطلاق، بل لكل مبدأ منهما دائرة تأثيره الخاصة. فالمسئولية هي كل ما ينبغي على الإنسان أن يعمله في كل ما أعطاه الله. أما النعمة فهي ما هو الله بالنسبة للإنسان الذي أفسد كل شيء وأضاعه، وفشل فشلاً ذريعاً في مسئولياته. وطالما أن الإنسان حي فالناموس يسود عليه (رو 1:7). ولكن عندما يأتي الموت تبطل قوة الناموس (رو 4:7،6،13:6،14) عندئذ فإن الذي عنده القدرة على أن يخرج الحياة من الموت - الذي يستطيع أن يعطي حياة القيامة، يمكنه أن يعمل. لذلك قال الولي الآخر لبوعز «اشتر لنفسك».

إن الذي واجه ساردس بمسئولياتها، فقال لها «تب» (رؤ 3:)، الذي يمسك السبعة الكواكب في يمينه، والماشي وسط السبع المنائر الذهبية، هو ذاته الذي يقول ليوحنا عن نفسه «لي مفاتيح الهاوية والموت» رؤ 1:3، 16:1-18). هو ذاته أيضاً الذي يقدم نفسه للكنيسة في فيلادلفيا كمن له «مفتاح داود، الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح» (رؤ 7:3). هذا هو بوعز الكنيسة. وهو القادر على أن يفدي، بل هو الذي يفدي فعلاً.

إن كل ما في ساردس يبدو وقد ضاع فعلاً. فلم تعد عندها أفكار الله من نحو الكنيسة. وهي لم تظهر أيا من هذه الأفكار كشهادة على الأرض. بل هي لم تعرف المركز المسيحي للمؤمن كفرد، وأسمى ما كان يمكن أن يتطلع إليه من فيها هو أن يتيقن من أن خطاياه قد غفرت. وحتى هذا اليقين قلما وجد. وهكذا ماتت ساردس. فهل كان الميراث يفقد بهذه الصورة إلى النهاية؟ وهل يصبح من المستحيل بعد ذلك أن يتمتع أحد على الأرض بالبركات العجيبة التي أعطاها الله لخاصته أفراداً ولكنيسته مجموعاً؟ إننا نجد الإجابة عند ولي فيلادلفيا.

اشترى بوعز كل ما كان لأليمالك ومحلون وكليون. ولو أنه قال إنه يشتري كل ما لأليمالك فقط لكان هذا كافياً. ولكن إذ ذاك كان يُظن أن هناك شيئاً ما قد فقد، ولكن بوعز كان لا يريد لأي شيء من الميراث أن يفقد، فكل ما أعطى للكنيسة في البداءة، وكل ما كان حسناً حتى في أيام الخراب وابتعاد الكنيسة، كل هذا استرد بواسطة بوعز. الكل رجع إلى راعوث ونعمي. صحيح أن كلمة الله كانت قد خُتمت، ولم يكن هناك حق جديد ليضاف إليها منذ أوحي بأسفار العهد الجديد وكُتبت. ولكن في الوقت الذي تغربت فيه نعمي وراعوث في بلاد موآب لاشك أنهما لمستا تأثير موآب ووثنيتها. وهكذا ونحن نقرأ تاريخ الكنيسة لابد وأن نمر على الآريوسية والبلاجيوسية، وبدعة الموحدين والفنائيين، وهرطقات أخرى كثيرة دخلت إلى الكنيسة، ولكن روح الله كان دائماً يرفع راية في مواجهة العدو. ومع أنه لم يكن هناك حق جديد على ما كان قد أعطي في كلمة الله، إلا أن روح الله كان يواجه تعاليم الشيطان الكاذبة بأفكار الله في حينها حتى في الوقت الذي فيه كانت الحالة العامة هي عدم تمييز أفكار الله أو فهمها. وفي هذا أيضاً فوائد لنا إلى اليوم، فلم يفقد شيء قد أعطي من الله، لأن بوعز اشترى مرة أخرى كل شيء ليعطيه للشهادة ذات القوة اليسيرة.

ولكن بوعز لم يستطع أن يشتري الميراث إلا بعد أن أبعد الولي الأول عن المسألة. ونحن لا نستطيع أن نفهم المقام المسيحي الصحيح، والحق الخاص بالكنيسة كجسد المسيح وكبيت الله طالما وضعنا أنفسنا تحت الناموس. فالناموس كان مؤدبنا -أي معلمنا - إلى المسيح. لذلك فإننا عندما نضع أنفسنا تحت الناموس فإننا نعيد أنفسنا إلى مركز المؤمن الذي كان يعيش قبل إتمام عمل الصليب وقيامة المسيح وانسكاب الروح القدس. فالناموس يسود على الإنسان الحي (رو 1:7)، ولكننا كمسيحيين قد متنا مع المسيح (كو 3:3)، وقد صرنا الآن أحياء مقامين معه. بل نوجد الآن جالسين حيث هو في السماويات (أف 5:2،6)، وقد اتحدت الكنيسة بالإنسان الممجد في السماء، فهو رأسها (أف 20:1-23). إن أي مؤمن لا يزال تحت الناموس لا يستطيع أن يفهم أو يدرك عمق هذا. ولكن في اللحظة التي فيها يفهم أنه مات مع المسيح وقام معه، في تلك اللحظة عينها سيدرك أنه لم يعد تحت الناموس.

بعد أن نحى الرب ساردس جانباً كان أول ما فعل بالروح القدس هو أنه أعطى الإدراك لمغفرة الخطايا وكمال عمله على الصليب. بعد ذلك كان ممكناً أن يعيد للكنيسة ميراث أليمالك، أي كل ما سبق أن أدركته كنيسة أفسس، التي هي المثال الأول للكنيسة، حسبما شرحه لها الرسول بولس في رسالته إليها، وهذه كانت بداءة فيلادلفيا.

إن مركز المسيحي ومركز الكنيسة هما من أسمى وأمجد وأبهج البركات، ولكن لا يتوقف الأمر عندها. فنحن قد بوركنا بكل بركة روحية، ولكن «في المسيح» (أف 3:1). وقد اختارنا الله قبل تأسيس العالم، أيضاً «في المسيح». وعيننا للتبني أيضاً «بالمسيح». كذلك لنا «فيه» الميراث (أف 10:1-13). و«فيه» أجلسنا في السماويات. والكنيسة هي جسد المسيح وعروسه (أف 23:1، 25:5-27).

ولم يشترِ بوعز الميراث فقط، بل اشترى راعوث أيضاً. ولم يشترها أَمة له، بل لتكون امرأته، فصار مكانها هو الأقرب إلى قلبه. إنها لم تعد الأرملة الموآبية المسكينة، ولا حتى الملتقطة المتضعة في حقله تستجدي سيدها. بل صار مكانها أن توجد إلى جواره في بيته، بل في قلبه. كان الغلمان قبلاً ينسلون لها من الشمائل، وكم كان ما ينسلونه ذا قيمة عظيمة عندها آنذاك. أما الآن فإن الحصاد بجملته صار لها، بل الأعظم من ذلك، فهي لم تعد تمتلك ميراث أليمالك ومحلون وكليون فقط، بل صار لها كل غنى بوعز، بل صار «جبار البأس» هذا لها بجملته. هذا هو مركز من فداه بوعز، وهذا هو مركز فيلادلفيا الحقيقي.

ألا يؤثر فينا كثيراً ونحن نقرأ رؤيا 7:3-13 أننا نجد الرب هنا يربط كل شيء بنفسه؟ إنه هنا لا يقدم نفسه في منظور معين كما لباقي الكنائس، بل يقدم نفسه كما هو في طبيعته «القدوس الحق». إنهم حفظوا «كلامه»، ولم ينكروا «اسمه»، وحفظوا كلمة «صبره». وهو يجعل أمامهم باباً مفتوحاً، وهو الذي سيجعل أعداءهم يسجدون أمام رجليهم، فيعرفون أنه هو أحبهم. ثم أخيراً فإن مكافأة من يغلب كلها مرتبطة بشخصه.

حقاً لقد غطى وزاد الغنى الروحي الذي لفيلادلفيا، حتى أنها ليست مبالغة إذا قلنا إنه حتى في أيام الرسل لم يكن هناك النور والفهم والرؤيا لأفكار الله مثلما أعطى الرب في أواسط القرن التاسع عشر. لاشك أن الرسول بولس امتلك هذا النور، وربما بعض الرسل رفقائه، وكذلك بعض العاملين معهم والقريبين إليهم، ولكن لم يكن هكذا لكل المؤمنين عامة. فلم يكن عند الجميع -كل واحد شخصياً - امتلاكاً كاملاً لكلمة الله. حتى بعد ذلك عندما أعطى الله الكتاب المقدس كاملاً كان الانحدار بدأ بالفعل قبل ذلك بعشرات السنين. فمن المؤكد أن معظم الكنائس لم يكن عندها العهد الجديد كاملاً، ربما كان القليل منها لديه بعض الأسفار والرسائل، وكان أمراً نادراً أن توجد لدى الأفراد نسخ من سفر أو اثنين. ولكن لنا نحن الآن - لكل واحد - أن يمتلك كلمة الله كاملة، والنور الذي أعطي لأحد خدامه يمكن الآن أن ينتقل إلى الآلاف في كل مكان على صفحات الكتب. ولكن ما يجذب الأنظار أكثر من كل هذا هو الشركة الوثيقة مع شخص الرب، التي كانت هي الوضع العام في كل مكان في منتصف القرن التاسع عشر، فقد كان الرب يستحضر ذاته للقلوب، كما كان شخصه هو مادة الكرازة، وكانوا يتوقون بشوق إلى مجيئه. وهذا ما جعل لكتابات هؤلاء الإخوة في بداية فيلادلفيا قيمة عظيمة وجمال خاص لكل قلب محب للرب.

ولكن كيف نشأت فيلادلفيا؟ هل كان لهؤلاء الرجال ذكاء خاص وغيرة في فحص الكتب؟ وهل هذا هو الذي أعطاهم هذا النور والفهم والبصيرة؟ لاشك أنهم كانوا يفحصون الكتب باجتهاد وبروح الصلاة والاتكال على الرب، وهذا مالا نجده بيننا اليوم. ولكن ألم يوجد من كان يفعل مثلهم في كل القرون السابقة منذ أيام الرسل؟ وهل كانت أمانة هؤلاء الرجال هي التي جعلت المؤمنين يرجعون إلى ما كان في البداءة؟ لاشك كان هؤلاء الرجال أمناء جداً، ولو قارنا أمانتهم بما نحن عليه الآن فلسوف ننكس رؤوسنا خجلاً. ولكن هذا لا ينفي أنه حتى في العصور الوسطى كان هناك مؤمنون ساروا بالأمانة بحسب النور الذي كان عندهم مكرسين حياتهم للرب. لذلك فإن بداية فيلادلفيا لا يمكن أن تنسب لبشر مهما كانت أمانتهم أو تكريسهم. بل هي عمل فادينا وولينا العظيم ربنا يسوع نفسه. لقد فدانا على الصليب بسفك دمه الثمين، ولكن في فيلادلفيا نرى كيف هو يفتدي بقوته. والله أيضاً سيفدي إسرائيل، وكذلك كل الأرض بقوته، بل سيفدي العالمين عندما يطهرها في يوم قادم من كل إثم وشر. هذا ما نقرأ عنه في سفر الرؤيا كما في كثير من الأسفار النبوية في العهد القديم. ولكن فداء فيلادلفيا أمر مختلف، إنه العتق والفداء بقوة روح الله، إنه إقامة نسل جديد، وإيجاد حياة في الموضع الذي لم يكن في قبلاً سوى الموت. على أنه كان عملاً مشهوداً، تماماً كما كان فداء راعوث مشهراً علناً، إذ قد دُعي الشيوخ وجميع الشعب ليشهدوه رؤيا العيان، وليسمعوا بآذانهم ما فعل بوعز.

ولكن أليمالك ومحلون وكليون لم يعودوا إلى الحياة، ولا ساردس وثياتيرا استردتا المركز والحالة التي كانت لأفسس أولاً، بل بقيتا في صورة طوائف متعددة في المسيحية. ولكنها جميعها قد نحاها الرب جانباً، واليوم نستطيع أن نضم لاودكية إلى عدادها. لذلك فإن فيلادلفيا ليست هي الكنيسة كما كانت في البداية. إن حكومة الله العادلة لا تسمح لها بأن تضع يدها على الميراث كما أعطاه الله لشعبه أولاً. فحكومة الله العادلة هي التي لم تسمح لموسى أن يدخل الأرض، ولكن مع ذلك فقد رأى موسى كل الأرض وهو في الشركة مع الله، بل وبعيني الله، فرأى ما هو أبعد كثيراً مما كان لأي إسرائيلي أن يرى بعد دخولهم الأرض (تث 52:32، 1:34-4). هكذا ما هو لفيلادلفيا، فالمجد الأول للكنيسة لم يسترد ولن يسترد، وهذا مرجعه بر الله في حكومته. إلا أنه وإن كان الله لا يسمح لنا بدخول الأرض ذاتها، لكن لنا هذا الامتياز العظيم أن نراها في الشركة مع الرب، ونراها بعينيه هو في كل جمالها. لنا هذا الامتياز العظيم أن نرى الكنيسة في طابعها الحقيقي، في بركاتها، وفي اتحادها برأسها وعريسها، نرى مستقبلها وترتيبها الإلهي. في كل ما لها نراها كما يراها الرب نفسه، وكما ستكون في المجد عن قريب. حينئذ ستستعلن في كمالها حين يلبسها الرب مجدها، ويحضرها لنفسه بلا دنس ولا غضن ولا شيء من مثل ذلك، بل ستكون مقدسة وبلا عيب. كل هذا نستطيع أن نراه ونحن في ملء الشركة مع الرب، إذ هو في نعمته التي هي بلا حد يرينا ما يراه هو. حقاً يارب، ما أعظمك مخلصاً!

عدد 11
الصفحة
  • عدد الزيارات: 19723