Skip to main content

الإصحاح الثالث والأربعون: عــاقبة الـرب

أثر المعاملات الإلهية مع أيوب، وردّه إلى بركة أعظم من الأولى.

الآن يطالعنا الوحي بإعلان غرض الله الأعظم، ولا شك أنه لم يكن من الخير لأيوب أن يطّلع على هذا الغرض ويعرفه قبل ذلك، بل كان الأفضل له أن يسير في بساطة الإيمان وأن يتعلم كيف يثق بالله الثقة المطلقة، وأن يتأكد أن الله ما كان ممكناً إلا أن يكون أميناً جواداً منعماً مهما كانت الظروف والأحوال. ومع ذلك فالتجربة كانت ولاشك قاسية ومرّة، ونحن نعلم أن عزيمة أيوب خارت تحت ثقل وطأتها وإن نفسه صغرت من هول شدتها كما فعل كل شخص سواه منذ ابتداء العالم ما عدا شخص واحد فريد هو الرب نفسه. والحق أن لمن الأمور المليئة بالتعزية والتعليم لنفوسنا أن نقارن بين أقوال السيد له المجد، وهو يتحدث عن آلامه وهالة المجد والجلال والهدوء تحوطه في مواقف الألم المرير وبين حالة الضجر والهياج التي ظهرت حتى في رجل، رجل يعتبر أعظم الصابرين وأجدرهم بإعجابنا وهو أيوب. ولكن ها هو الله في جميل عنايته يصوّر لنا الفرصة من أولها لآخرها ويوقفنا على كل دقائقها وتفاصيلها ويحدثنا عن القضية من مختلف زواياها وجوانبها، ونحن إذا نصل إلى نهايتها نهتف موقنين أنه لم يكن ممكناً أن يكون هناك ما هو أجمل ولا أروع ولا أكثر تعليماً وبنياناً لنفوسنا من الاستماع إلى القصة بأكملها والإطلاع على السفر بأجمعه.

فنحن نلاحظ أننا في الإصحاح الختامي فقط نرى القصة من ناحية تداخل "الرب" في المعاملات التي أجريت على أيوب، ولاشك أننا نرى ذلك أيضاً فيما قاله الرب لأيوب في الإصحاحات الأخيرة السابقة (ص 38-41) ولكن هذا كان لتوصيلنا إلى الخاتمة أو "عاقبة الرب" التي هي بيت القصيد.

لقد أتقن أيوب درسه، ونستطيع أن ندعه جالساً في الرماد، مضروباً ومذلولاً بعد، لكنه سعيد بالبهجة التي عثر عليها حديثاً – أي معرفة الله معرفة تامة. قد "يخمع على حق فخده" بفعل ثقل الأيام، لكنه في غنىً عن إشفاقنا.

ولئن كان الله لا يؤدب من غير مقتضً حتى في حياة الألم والحزن هذه، لكنه "لا يذل من قلبه". فعلينا إذاً أن نرى "عاقبة الرب" أي رجوع هذا المتألم وردّه في نظر الناس، وهو ما سوف نراه في هذا الجزء الموجز الأخير من السفر.

ومع أنه جزء موجز كما قلنا، غير أنه على أهمية كبرى. فإذا كان أيوب قد أخذ مكانه، فإن الرب يدفع أصحابه لكي يأخذوا هم أيضاً مكانهم: ليس فقط قدامه تعالى، بل أمام ذاك الذي اتهموه ظلماً وأساءوا إليه كثيراً.

وبعدئذٍ يحدثنا المؤرخ عن استرداد الصحة والثروة والأسرة والكرامة في وصف موجز، على أننا نرمق أيوب، كآخر لمحات السفر، في شيخوخة سعيدة وقد أوفى على نهاية حياته.

وإليك الأقسام الأربعة:

(ع 7- 9) استرداد الأصحاب.

(ع 10- 11) رجوع سبي أيوب.

(ع 12- 15) العودة للنجاح والرخاء.

(ع 16- 17) العاقبة أو النهاية.


(ع 7- 9) استرداد الأصحاب.

".. وكان بعدما تكلم الرب مع أيوب بهذا الكلام أن الرب قال لأليفاز التيماني.." ولماذا تكلم الرب مع أليفاز؟ ذلك لأنه لاحظ له المجد أن أحداً من هؤلاء الرجال الثلاثة لم ينطق بكلمة. فلم يستفيدوا من القضية كما استفاد أيوب إذ لو كانوا قد استفادوا كما يجب لكانوا قد اشتركوا مع أيوب وقالوا: أيها السيد الرب اغفر لنا غباوتنا، لقد أخطأنا ليس فقط ضدك بل ضد صديقنا العزيز أيوب. ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث. فقد صمتوا كما يفعل الكثير من الناس عندما يكتشفون أنهم كانوا على خطأ كبير، يلوذون بالصمت كما فعل هؤلاء الأصحاب الثلاثة وكان واجباً عليهم الاعتراف ولكنهم إذ لم يفعلوا، قال لهم الرب موجهاً كلامه لأليفاز باعتباره مقدامهم وأول من تكلم منهم "قال الرب" "قد احتمى غضبي عليك وعلى كلا صاحبيك لأنكم لم تقولوا فيّ الصواب كعبدي أيوب" وهنا نسأل: متى قال أيوب الصواب، وما هو الصواب الذي قاله؟ هو تلك العبارة الأولى التي اقتبسناها منذ وهلة من الإصحاح الأربعين والتي نطق بها أيوب بعد أن تكلم الرب إليه أول مرة. ثم العبارة الثانية التي وردت في مستهل هذا الإصحاح الأخير والتي تلت الجزء الثاني من حديث الرب. وهما لاشك عبارتان قصيرتان ولكنهما محملتان بالصواب كلّه، فلم تكن أقواله البليغة وأحاديثه الرائعة التي أسكت بها الفصحاء وحيّر العلماء. كلا، لم تكن هذه الأحاديث العلمية الرنانة هي التي قدّرها الرب. إنهما العبارتان البسيطتان الدالتان على اتضاع نفسه واتخاذه المكان الصحيح أمام الرب. وقد وضع الرب الآخرين في مكانهم أيضاً. فلم يخضعوا أنفسهم ولم يتضعوا ولكن الرب هددهم قائلاً: "قد احتمى غضبي عليك وعلى كلا صاحبيك لأنكم لم تقولوا فيّ الصواب كعبدي أيوب".

"والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران، وسبعة كباش واذهبوا إلى عبدي أيوب واصعدوا محرقة لأجل أنفسكم – وعبدي أيوب يصلي من أجلكم لأني أرفع وجهه لئلا أصنع معكم حسب حماقتكم لأنكم لم تقولوا فيّ الصواب كعبدي أيوب".

فكان لابد أن يقف أيوب شفيعاً لهم "لأني أرفع وجهه" أي لأني أقبله، لقد انحلّت الأمور الآن وأصبح كل شيء واضحاً لدرجة أن أيوب يستطيع الآن عن وعي وجدارة أن يتشفع في المخطئين. لقد اتضع الآن الأصحاب الثلاثة وانكسرت كبرياؤهم الروحية فبدلاً من جلوسهم قضاة يدينون أيوب ويصدرون أحكامهم عليه أخذوا مكان المسيئين إلى الله الذي يتطلعون إلى أيوب ليستعطف الرب لأجلهم.

إن أول ما نراه هو احتفاظ الله بكرامته تعالى. وهذا أساس كل بركة للخليقة ولو كان ممكناً أن نتصور إغفال كرامته والحط من قدرها، فمعنى ذلك يأس قاتل بلا بصيص من نور. وهي حقيقة بارزة في الكتاب: ففي الواجهة نجد مكتوباً بأحرف من نور "في البدء خلق الله" والقسم الأول من الوصايا كان مخصصاً لمجده، والطلبات الاستهلالية في الصلاة التي علمها الرب لتلاميذه تبرز هذه الحقيقة والإنجيل قائم عليها، وفي الأبدية سوف تبرزها السماوات والأرض وتظهرها المسكونة متعبّدة.

فلا يدهشنا إذاً أن يتجه الله نحو أليفاز وصاحبيه معنفاً ثلاثتهم تعنيفاً صارماً من أجل نصيبهم في المخاصمة التي انتهت، فيما يتعلق بأيوب، نهاية سعيدة، وإذ يخاطب الرب أليفاز، بوصفه الزعيم، نسمعه يعلن غضبه على ثلاثتهم لأنهم لم يقولوا فيه الصواب كعبده أيوب. ومع ذلك فقد كانت خصومتهم ومجادلاتهم بحسب الظاهر من أجل برّ الله. أولم يتمسكوا بها منذ الوهلة الأولى، بكثير من الوصف الفخم والتشهير اللاذع بالشر؟ أولم يثبّتوا على أيوب بتهمة الإثم على الرغم من انعدام البيّنة، بل وعلى رغم الحقائق المعروفة التي تنهض دليلاً على فساد الاتهام؟ كانوا غيورين لكرامة الله!! – ألا فقد كان الموضوع موضوعهم هم.

أو في القليل هذا ما يبدو. لكن الله لا يرتضي الكرامة على حساب الحق. فإن مجده تعالى يقوم في امتزاج كل سجاياه في نور متطابق متوافق فهل يقبل إذاً دفاعاً أو تبريراً لصفاته وطرقه يكون قائماً على قاعدة من الاتهام الباطل؟ الذي يصم بالشر والرياء إنساناً قال عنه الله بنفسه. "ليس مثله في الأرض رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر". هل يسمح بأن تمر نظرية مرعبة عن الألم كتلك التي صاغها أولئك الرجال وهي أن الألم هو أبدي بمثابة إصبع يومئ إلى الشر؟ إن الألم هو دائماً مظهر من مظاهر الغضب الإلهي؟ إذاً فما القول في تأديبه لخاصته، وفي نتائج التأديب التقديسية؟

في الواقع، كان هؤلاء الرجال فيما قالوه ضد أيوب يسيئون إلى صفات الله. لكنه تعالى لا يرتضيه ولا يسمح أن يدعهم دون توبيخ ولن يكون له شأن معهم ما لم يعدلوا موقفهم باعتراف وذبيحة.

"كعبدي أيوب" متى قال أيوب "الصواب"؟ لم يقله طبعاً يوم كان يصبّ الاتهامات المريرة ضد الله. كلا ولا كان هذا "الصواب" هو تلك الومضات الإيمانية التي عبّر عنها في فترات مثل "ولو قتلني فإني أثق به" (ص 13: 15) أو "قد علمت أن وليّ حي" – أو في أقواله الفخمة عن الحكمة. كل ذلك حق، وفاضل وجميل، ومكانه الجدير هو بعد الاعتراف والندامة اللذين تأملنا فيهما قبلاً.

هذا القول "الصواب" في الرب، هو أن تتخذ مكان المخلوق الخاطئ الذي لا يستطيع أن يدرك الأقلّ في تلك الطرق الإلهية – الطرق الصواب بينما تبدو على غير صواب، هو الإقرار بأن الله هو الله – هو الرب الواجب الوجود الكامل، الكلي الحكمة البار الصالح القدير، العادل القدوس في كل طرقه مهما تكن، ولئن كان "السحاب والضباب حوله" ولكن تبارك اسمه "فالعدل والحق قاعدة كرسيه".

هو الدرس الذي تعلمه أيوب – تعلمه لنفسه كما للآخرين. ألا فليظهر هؤلاء الرجال حكمتهم ويأتون قدام الله متضعين – وعلى هذا الأساس. هو تعالى لم يطردهم، بل أرادهم أن يقتربوا إليه بالطريقة الوحيدة التي يستطيع الإنسان أن يأتي بها، أي بواسطة الذبيحة فليأخذوا سبعة ثيران – رمز الخضوع التام والخدمة حتى الموت، وسبعة كباش – برهان تكريس النشاط كله، ويصعدوا محرقة، وهل ينسى الرب أيوب المسكين الذي ساءت به الظنون؟ كلا. إنه يشفع في هؤلاء لئلا يحصدوا ثمر حماقتهم "لأني أرفع وجهه". ما أكمله تعنيفاً! ما أسخاه وأكرمه رجوعاً! وما ألطف وأرق اشتراك أيوب في هذا جميعه!

ونحن الذين نملك نور نعمة الله الكامل، ما أبدع الصورة التي نراها هنا، والنعمة البارزة فيها، لقد خفضت كرامة الإنسان، والسامي في تقديره قد عدّ حماقة وهو نفسه قد تحول عن ذلك كله – عما فيه من خير وما فيه من شر – إلى المحرقة، إلى ذاك الذي هو بديلنا الكامل – كل الكفاية، فمن زاوية رمزية – الثور – نراه له المجد في كل قوة الخدمة المتواضعة "طائعاً حتى الموت، موت الصليب" ومن زاوية رمزية – الكبش – نرى تكريس النشاط الذي ينتهي به إلى "ذبيحة الفضلى" وهنا نتساءل: أين البر البشري وطاعة البشر من الصليب العجيب؟.

ولاحظ أنه لم يُطلب من الأصحاب تقديم ذبيحة خطيئة، ولو أن المحرقة تتضمن نزع الخطيئة، ولا ذبيحة سلامة، ولو أن المحرقة ندعو إلى أسمى شركة بل محرقة، وهي التقدمة الأولى الكبيرة التي هيأها الله في طرقه الحكيمة في أزمنة الآباء، تلك الذبيحة التي كلها لله. لذلك استطاع ذاك الذي أتى ليلغي كل ذبيحة وتقدمة أن يقول "هأنذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله.. فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة" (عبرانيين 10: 9، 10).

ويرتبط بهذه الذبيحة الكلية القيمة شفاعة الرجل الذي أتقن درسه والذي – في الرمز – لم يعد يفتخر إلا بالصليب. لنتصوره واقفاً، يده بأيدي أصحابه وهم يعترفون بخطيئتهم وهو يشفع فيهم. منذ قليل اتهمهم بأنهم "معزون متعبون كلهم". أما الآن فلم يعد هذا الاتهام العنيف يضربهم، كلا ولا تلك التهكمات المريرة مثل "صحيح، إنكم أنتم شعب ومعكم تموت الحكمة". أجل، فالمتهكم ومتهكموه كلهم يتحولون أحدهم عن الآخر، إلى المحرقة، ليجدوا قبولهم جميعاً فيها.

"هكذا أخفي حياء وجهي، عندما تجلو هيئته المباركة". ويتحلل قلبي شكراً، وأذيب عيني دموعاً، إنه لذو دلالة واضحة أن يختم السفر – كما بدأ – بالمحرقة. أجل، فالمسيح هو النهاية وهو البداية "المسيح هو الكل".


(ع 10- 11) رجوع سبي أيوب.

والآن يستطيع الرب أن يرفع يده عن المتألم، ويرد سبيه الحزين رداً كاملاً وفي نجاح. وهنا يستطيع أيوب أن يقول: "قبلت من يد الرب ضعفين". فالأقارب والمعارف الذين هربوا منه وازدروه، يعودون ومعهم هدايا ومواساة ولا يخطرن ببالنا أنها هدايا رسمية مجردة من العاطفة فإن الله قد جعل في قلوبهم الاعتراف بأنهم رأول وأحسوا رضاء الله على عبده وقبوله إياه. ومن الجهة الأخرى ضوعفت له ثروته من ماشية وغنم وسواها. انظر يا أخي مبلغ اهتمام الله بهذه التفصيلات، وهو مالك السماوات والأرض!!.

أن يخطر ببال أحد أولاد الله المتألمين أن يهمس بالقول: ليت الأمر كان معي هكذا. ليتني أسترد الصحة والرخاء والأعزاء الذين فقدتهم. ولكن يا أخي ماذا عندنا الآن؟ عندنا معرفة الله في المسيح، وسكنى الروح، وكلمة الله التامة الكاملة. وهناك خلف الآلام "اليسيرة" "ثقل مجد أبدي". فهل نتبرّم؟ ألا ليتنا بالاحرى ننتظر بالصبر إلى "فداء المقتنى" وكما عاد سبي أيوب هكذا من المحقق أن يدخل كل ابن لله "الميراث الذي لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل".

الآن استرد أيوب سبيه والبركة المضاعفة، كل أقاربه مع كل معارفه جلسوا معه. ماذا عن مرضه الجسدي؟ لا شيء يقال عن ذلك لكن بالتأكيد لمس الرب جسده المتألم والذي تكلم للأبرص لابد تكلم لأيوب "اطهر" واختفى البرص الكريه كما قال أليهو صار لحمه كلحم صبي صغير أحضروا له مالاً وخواتم من ذهب ولم تكن هدايا لتغنيه لكن الرب فعل ذلك لأيوب بكل بساطة ليظهر مقدار السعادة لشفاء واسترداد أيوب.


(ع 12- 15) العودة للنجاح والرخاء.

"وبارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاه". تماماً ضعف ما كان عنده قبلاً. وهذا، أو ما يقابله، هو عين ما سيتم هنا على الأرض.

إن هذه ليست مجازاة سماوية على الإطلاق، ولكنها صورة لما سيتم مع الإنسان على الأرض، إن العهد الجديد لا ينقلنا أبداً من دائرة هذا المبدأ وحتى في أيوب الذي لم يكن يهودياً ترى نفس الشيء. وعندما يأتي الوقت ليتبارك شعب الله الأرضي سيتبارك معهم بقية شعوب الأرض، ولكن ذلك الوقت لم يأت بعد، وعندما سيأتي سيكون علة نقيض الوقت الحاضر على خط مستقيم. ذلك فيما يتعلق بالأرض وشعوبها أما مركزنا نحن في المسيح، تماماً وبصورة رمزية كما كان البشر في آدم باعتباره الأب لجميعهم. ولكن هناك الآن رأس آخر هو المسيح. ونحن يشار إلينا دائماً باعتبارنا فيه – في المسيح وهذا هو الحق العظيم الذي تعالجه رسالتا أفسس وكولوسي، ففي أفسس نحن في المسيح للتمتع بكل بركاتنا، وفي كولوسي المسيح فينا لتتميم مسؤوليتنا الخاصة بإعلان حياته فينا. حتى أنه إذا كان الحق الأول هو التعزية الكبرى للمسيحي فإن الحق الثاني هو المنذر الخطير له "أنتم فيّ" – هناك كان الله مباركاً. ثم "أنا فيكم" – لكي يمكنكم الاعتماد عليّ لتتميم مسؤوليتكم هنا على الأرض. هذا هو الوضع الإلهي فيما يتعلق بنا – أما الممتلكات الأرضية وما إليها فليس لنا منها نصيب على الإطلاق وإن كان لنا في الواقع كل ما يمكن أن يتوق إليه قلب المسيحي تحت الشمس، أما أيوب فقد صار رجلاً أعظم بكثير من ذي قبل وإذا كانت العظمة تقاس بمقدار الممتلكات والمقتنيات الواسعة التي أصبحت في حوزته. يضاف إلى هذا أنه بورك في أسرته بصفة خاصة.

الآن نرى الصورة الكاملة لهذا الرجوع. فليس أن مقتنياته فقط قد ضوعفت، بل أعطاه الرب سبعة بنين وثلاث بنات. وهل في هذا استثناء لمبدأ مضاعفة الهبات؟ أو فيه إشارة أن أولئك الأولاد، أي السبعة بنين والثلاث بنات، لم يهلكوا وأن أيوب سوف يستردهم في يوم ما، وفي القيامة سيجد أن كل شيء قد أعيد إليه ضعفين.

ولاشك أن لأسماء البنات دلالات إلهية. اسم إحداهن "يميمة" ومهناها "حمامة" والأخرى "قصيعة" ومعناها "سليخة" والأخيرة "قرن هفوك" ومعناها "قرن الدهان" أو الزينة، هؤلاء هن ثمر تجارب أيوب، فالحمامة توحي بالرقة والمحبة اللتين يتصف بهما عصفور الألم والحزن، وزهر السليخة يحدثنا عن العطر الذكي الذي تضوّع من انسحاقه. أما قرن المساج فيحدثنا عن "جمال عوضاً عن الرماد" – الأمر الذي من حصته الآن. انظر أخي: المحبة، والعطر الفوّاح، والجمال: كل هاتيك تخرج من أحزاننا حقاً لا توجد بنات جميلات كهؤلاء! ولقد طالما أحاط بنوهن حول ركبتي أيوب ليمنحوه بهجة حتى في سني الشيخوخة.

هكذا كانت النتائج المباركة لتجربة أيوب معبرة بهذه الأسماء تقية ومتواضعة مثل الحمامة والسليخة وهي الأريج والسجود والتعبد ولمعان سناء المجد.


(ع 16- 17) العاقبة أو النهاية.

"وعاش أيوب بعد هذا مئة وأربعين سنة". هذا لا يعني أن أيوب عاش مئة وأربعين سنة بعد إتمام التجربة وحوادثها، بل أن حياة أيوب كانت كلها مئة وأربعين سنة. وهو لاشك عمر محترم جداً. صحيح أنه لم يبلغ في طوله عمر إبراهيم أو اسحق ولكنه على ما يعتقد وصل إلى شيء يماثل عمر يعقوب، وأكبر من عمر موسى، وهنا دليل آخر على أن أيوب عاش في عصر سابق لموسى الذي يخبرنا في مزموره التسعين إن "أيام سنينا هي سبعون سنة وإن كانت مع القوة فثمانون سنة" ويبدو أن موسى هو كاتب السفر، وهو وأخوه هرون لم يعيشا مئة وأربعين سنة فذلك يجعله أطول عمراً من أي واحد من الآباء وليس القصد بطبيعة الحال بعض الشيوخ قبل الطوفان، فأولئك كانوا يعيشون أعماراً طويلة جداً، ولكن الناس بعد الطوفان لم يعيشوا مثل هذه الأعمار الطويلة – إلا في الفترة التي تلت الطوفان مباشرة. وهكذا ينتهي السفر بأيوب مائتاً شيخاً وشبعان أياماً.

وهكذا اختفى عن العين ذلك الرجل العزيز "شيخاً وشبعان أيام" ربما أراد مرة أن يقول أنه "شبعان ليالي" لكن النور أشرق عليه وهوذا يسير في النور "إلى النهار الكامل".

نصل إلى النهاية نهاية يوم سلام كامل يرى أربعة أجيال في العمر الكبير الناضج مائة وأربعين سنة وينضم إلى آبائه. في مراجعة الترجمة السبعينية نجد إضافة طويلة للعدد الأخير تبدأ بهذه الجملة: "ومكتوب أنه سيقوم أيضاً مع أولئك الذين سيقيمهم الرب". وتظهر هذه العبارة أن رجاء قيام الجسد كانوا يؤمنون به في الأيام القديمة وبكل تأكيد سيكون أيوب هناك "في ذلك اليوم" وتعبيره العظيم "أعلم أن وليّ حي" ورجاء رؤية الرب يتحقق. كل شعب الله يعلم هذا الحق المنقطع النظير إن الرب في كل معاملاته مع شعبه كثير الرحمة ورؤوف.

في تحليلنا قد أشرنا تكراراً إلى المقارنة بين أيوب وآلامه والرب مخلصنا وآلامه المقدسة وهي تبيّن كمال محبوبنا. استخدام يمكن أن يعمل لإسرائيل أن تتبعوا هذا كفائدة، مثل أيوب، تعاني البر الذاتي لكن يوماً ما ستأتي الأمة وجهاً لوجه إلى الرب وتتواضع في التراب من ثم في استردادهم سيقبلون من يد الرب ضعفين عن كل خطاياهم (أشعياء 40: 2).

"هل جعلت قلبك على عبدي أيوب؟"

"قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب. لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف" (يعقوب 5: 11).


معاني الكلمات الصعبة

للإصحاح الثاني والأربعون

ص   ع           الكلمة                      معناها

42: 6            أرفض       :     أرفض نفسي في كل ادعاءاتها.

42: 10          سبي         :     سباه – أسره أو غربه أو أبعده بغير إرادته.

42: 10          ضعفاً       :     الضعف مثل الواحد.

42: 11          رثوا         :    رقوا له.

42: 11          الشر        :    الفقر والمكروه.

42: 11          قسيطة      :     عملة غير معروفة.

42: 14          يميمة        :    يمامة، بنت أيوب الأولى.

42: 14          قصيعة      :    سنا، بنت أيوب الثانية.

42: 14          قرن هفوك  :    قرن الدهن، بنت أيوب الثالثة.

  • عدد الزيارات: 16536