Skip to main content

الفصل السابع: كيف يخلص الإنسان

رُبّ سائل يسأل: ما هو نوع الخلاص الذي ينادي به شهود يهوه ما داموا لا يؤمنون بوجود عذاب أبدي يقتضي الخلاص منه؟ أقول، إنّ الخلاص بحسب مفهوم الكتاب المقدس هو خلاص من دينونة الله والعقاب الأبدي في الجحيم، واستتباعاً لذلك ينال الإنسان الحياة الأبدية. بينما الخلاص الذي ينادي به شهود يهوه يتعارض مع هذا المفهوم، وإن كان ظاهريا يتّفق معه في أوجه ثلاثة:

1 - الخلاص من عذاب الضمير في الحياة الحاضرة.

2 - الخلاص من غضب الله العتيد أن ينسكب على العالم.

3 - ونتيجة لذلك الحصول على الحياة الأبدية في ظلّ ملكوت الله.

هذا الاتفاق يدفعنا لنوضّح أمر الخلاص والسبيل إليه والردّ على مفهومهم الخاطئ له.

سأل حافظ السجن في مدينة فيلبي بولس وسيلا قائلاً: "يا سيّدي ماذا ينبغي أن أفعل لكي اخلص؟"، فأتاه الجواب واضحاً مبسّطاً: "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص" (أعمال 16: 30 و31). ولكن بماذا يجيب شهود يهوه لو طرح عليهم السؤال عينه؟ الجواب كما يستخلصه المرء من بشارتهم عن الخلاص، إن جاز لنا أن نسميّها بشارة، يقول: إن ابتغى الإنسان الخلاص عليه ممارسة الإيمان*، وهذا يعني بصريح العبارة:

أ - الأعمال الحسنة، ومنها حفظ الوصايا والخدمة الكرازية.

ب - المعرفة عن الله وملكوته، من خلال الدراسة مع معشر شهود يهوه.

ت - الانضمام إلى منظمة برج المراقبة، "سفينة نوح".

أمّا التوبة ووجوب التطهّر بدماء المسيح من دنس الخطية فيغيبان تماماً عن كرازتهم بالخلاص؛ لذلك تحدد الكنيسة موقفها من هذه الكرازة كما يلي:

-------------------------------

*في ترجمتهم للكتاب المقدس يحوّلون الكلمة "إيمان" إلى "ممارسة الإيمان" المزيد في الجزء الثاني.

بالإيمان أم بالأعمال؟

قالوا: "هل تريدون أن تحيوا إلى الأبد؟...السلوك البار مطلوب...أن يحفظ الناس شرائع الله...أن يكونوا متكلّمين ومنادين أكفاءً، بملكوت الله وأن يملكوا الإيمان بيهوه [وليس بالمسيح!] وأن ينذر الإنسان نفسه ليهوه...وأن يكون هدفه معاشرة شعب يهوه النذيرين وأن يحضر اجتماعاتهم." [96]

الرد: باطلاً يسعون إلى الخلاص بواسطة أعمال الناموس التي حرّرنا منها المسيح، "لأنّه إن كان بالناموس برّ فالمسيح إذاً مات بلا سبب" (غلاطية 2: 21). وإن جاز للإنسان أن يخلّص نفسه باتّباع  الشروط  التي  وضعوها  يكون  موت المسيح  أكبر  مهزلة  حصلت  في التاريخ. إننا نرى في وصاياهم قيوداً ناموسية وستاراً يحجب عن أنظار الناس عطية الله، التي أنعم بها علينا في ابنه المحبوب "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (أفسس 1: 7).

لقد رتّب الله  الخلاص  للناس بغضّ  النظر عن حالتهم  الداخلية وأعمالهم: "ولكنّ الله يبيّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا"(رومية 5: 8). وقد صرّح المسيح بأنّه أتى لكي تكون لنا حياة (يوحنا 10: 10). وهذه الحياة التي كلّفته ثمناً باهظاً على الصليب يهبها لنا مجّاناً،وذلك ليس لأننا مستحقّون بسبب أعمال برّنا وأمانتنا، بل: أ- محبةً بنا وإحساناً لنفوسنا الهالكة (تيطس 3: 4 و5). وأمر بديهي أن لا يتطلب الإحسان أجراً للحصول عليه. ب - ولكوننا عاجزين عن دفع ثمن الخلاص، إذ إنّ كلّ ما نقوم به من صلاح غير قادر أن يكفّر ولو عن خطية واحدة. فإنه لو ترك المسيح خطية واحدة لحتم علينا أن نعاني عقابها بؤساً وشقاءً الأبدية بطولها. لكنه أكّد لنا بأنه قد أكمل عمل خلاصنا (يوحنا 19: 30). لذلك نسأل معشر الشهود: إن كان المسيح قد أكمل عمل الفداء ولم تبقَ خطية واحدة لم يرفعها على الصليب فأيّة خطايا يبغون التخلّص منها بالأعمال الصالحة؟

يشير العهد الجديد بجملته إلى حقيقة كون الخلاص هبة مجّانية ينالها الإنسان بواسطة إيمانه القلبي بالمسيح، وأكتفي باقتباس آيتين في هذا المقام:

"متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدّمه الله كفّارة بالإيمان بدمه"(رومية 3: 24 و25).

"لأنكم بالنعمة مخلّصون بالإيمان وذلك ليس منكم، هو عطية الله، ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (أفسس 2: 8 و9).

اعتراض: "لا يكفي أن نقول إنّنا نؤمن بالمسيح..."الإيمان بدون أعمال ميت"، يقول الكتاب المقدس". [97]

الرد: طبعاً لا يكفي مجرّد الإيمان العقلي بشخص المسيح وتصديق الحقائق المتعلّقة بولادته ورسالته وموته وقيامته لنيل الخلاص. فالإيمان الذي يقود للخلاص يفيد:

أ - الثقة بكفاية عمل المسيح الكفّاري، ثقة الطفولة.

ب - قبول المسيح في القلب ربّاً ومخلّصاً.

ت - الاعتماد عليه وإراحة القلب في شخصه. ولهذا الإيمان ثمار تنمّ عن عمقه وصحته وهي أعمال البرّ التي من أجلها قد خُلق المؤمن من جديد (أفسس 2: 10).

فالإيمان الذي يرفضه الكتاب هو الإيمان العقلي المجرد والخالي من الثمار، وليس الإيمان القلبي الذي يقود إلى الولادة الروحية وتجديد شخصية الإنسان والإثمار في العمل الصالح.

بالمعرفة عن الله أم بالتعرّف به؟

قالوا: "فإذا أردنا نيل الحياة الأبدية نحتاج إلى المعرفة الصحيحة عن الله وابنه وملكوته (يوحنا 17: 3). كما أنّ أخذ المزيد من المعرفة عن يهوه وابنه يسوع المسيح يمكن أن يقودنا إلى البركة والحياة الأبدية."[98]والآية المشار إليها تقول: "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته"، وقد أدخلوا بعض التعديلات عليها في ترجمتهم، وبالتحديد في الكلمة "يعرفوك" فصارت العبارة "أن يستمروا في نيل المعرفة عنك وعن الذي أرسلته، يسوع المسيح". وغرضهم من هذه الترجمة هو بالطبع تثبيت سلطان هيئتهم الحاكمة التي تدّعي استلامها المعرفة عن الله لكي تعلنها بدورها للبشر. فإنه يتحتّم "على من يصير تلميذاً ليسوع ...أن يقبل المعرفة بأن الله يعطي الفهم بواسطة هيئته المنظورة على الأرض – إن سلامتك أيها الإنسان ومستقبلك كلّه...موقوف على نهوضك الآن إلى درس الكتاب المقدس، وإلى انضمامك إلى مجتمع العالم الجديد لشهود يهوه - وفي المستقبل القريب سيهلك يسوع جميع المشبهين بالجداء. (2 تسالونيكي 1:‌6-9) فإذا اردتم  ان تكونوا احد «خراف» يسوع، يجب ان تصغوا الى رسالة الملكوت وتعملوا بموجب ما تتعلمونه".[99] 

نقول: إنّ المسيح لم يأت ليعطينا المعرفة عن الله، بل ليعرّفنا به ويقرّبنا إليه. فهو لم يكن وسيلة للمعرفة عن الله كما كانت حال الأنبياء، بل كان الله ذاته معلناً. ولذا فإن الآية المذكورة أعلاه تستلزم معرفة الآب والمسيح معاً كأساس لا غنى عنه لنوال الحياة الأبدية. ولنلاحظ هنا التشديد على المعرفة الشخصية الاختبارية بالله وليس مجرد المعرفة عنه. وقد أكّد المسيح أيضاً في موضع آخر أن من لا يعرفه لا يعرف الآب (يوحنا 8: 19). لذلك حسب الرسول بولس كلّ شيء خسارة في سبيل معرفة الابن (فيلبي 3: 8). فهل عرف شهود يهوه الابن؟ إن أجابونا بنعم، سألناهم: كيف عرفوه وهم يرفضون كلّ اتصال روحي به عن طريق العبادة والصلاة؟ إنّ قوله له المجد "ليس أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي" (يوحنا 14: 6) لا يدع مجالاً للشك، بأنّ الاقتراب إلى الله والتعرف به لا يتمّان إلاّ من خلال معرفة الابن. ومعرفته لا تأتي عن طريق الدراسة والمطالعة في الكتاب المقدس واستيعاب مواضيعه غيباً، بل بواسطة الاتصال الروحي به.

مع هذا لا ينكر المسيحيون أهمية المعرفة الروحية الكتابية وعملها في بنيان النفوس، ولكنهم لا يضعونها أساساً للخلاص وقاعدة له. فلو كانت الحال كذلك لجاز لهم أن ينادوا "اعرف عن الله فتخلّص نفسك". أمّا نحن فنؤمن بأنّ الخلاص يتمّ بقبول المسيح في القلب والاتصال به بالإيمان، وليس من خلال السماع عنه؛ ولست أعتقد أن الشهود يعارضون القول، بأن السماع عن شريك الحياة هو غير الحصول عليه. وهكذا أيضاً "من له الابن فله الحياة؛ ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1يوحنا 5: 12).

ادّعوا أنّ الخلاص متوقّف على دراسة الكتاب المقدس والانضمام إلى مجتمعهم، ونسألهم بدورنا: هل يستطيع المرء أن يكفّر عن خطية واحدة أو يزيد على ما أكمله المسيح على الصليب، إن هو انضم إلى مجتمعهم أو قضى كامل سني حياته في دراسة الكتاب المقدس؟ إنّ عقيدتهم عن الخلاص بالمعرفة لا أساس لها البتة في كلمة الله، بل هي من مخلّفات هرطقة الغنوسيين، ولها جذورها في الفلسفات الإغريقية الوثنية.  

في المنظمة أم في المسيح؟

قالوا: "بواسطة هيئته المنظورة برئاسة المسيح كرأس معيّن يتعامل معنا يهوه اليوم. فلا نستنتج أنّ هنالك طرقاً أو سبلاً يمكن للإنسان أن يتبعها لنيل الحياة في نظام الله الجديد. هنالك طريق واحد فقط. وقد كان هنالك مجرّد فلك واحد نجا من الطوفان، لا عدد من السفن. وستكون هنالك هيئة واحدة فقط، هيئة الله المنظورة، هي تنجّي- نهاية نظام الشيطان باتت وشيكة ... يجب أن تكون تلميذا مجتهدا في درس الكتاب المقدس وتداوم على معاشرة مَن يسعون إلى فعل مشيئة يهوه- موقفك تجاه الممسوحين هو ما يحدد، إما دخولك الحياة الأبدية أو القطع الأبدي".[100] 

الرد: لقد بذل شهود يهوه قصارى جهدهم لسلب مجد المسيح الذي "يقدر أن يخلّص إلى التمام الذين يتقدّمون به إلى الله إذ هو حيٌّ في كلّ حين ليشفع فيهم" (عبرانيين 7: 25). وجعلوا من هيئتهم إلهاً معبوداً يحلّ محلّ المسيح في كلّ شيء، وما يُقال عنه يُقال عنها أيضاً. هنا بعض أقوالهم، التي ترفع من شأن هيئتهم إلى مرتبة المسيح، وليُصدر القارئ حكمه:

يقول الكتاب المقدس

يقول  شهود يهوه

"إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك إن الله أقامه من الأموات خلصت" (رومية  10:9)

  "الاعتراف بالمنّظمة الثيوقراطية يقود إلى الحياة"[101]

"لأنّه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح" (" 1تيموثاوس 2: 5 )

 "لا يتعامل الله مع الناس إلاّ من خلال منظّمته ولا وجود لحالات استثنائية"[102]

"(يسوع المسيح) ليس بأحد غيره الخلاص"(أعمال 4: 12)

 "لا خلاص إلاّ بالانضمام إلى منظّمة يهوه الثيوقراطية"[103]

"إن حرّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يوحنا 8: 36)

 "المنظمة تضمن للإنسان الحرية والقوة" [104]

" من هو الذي يغلب العالم إلاّ الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله" (1 يوحنا 5 : 5 )

   "لكي نغلب يستلزم  أن نؤمن بمنظّمة يهوه" [105]

في دراستنا لأسفار الكتاب المقدس ندرك أنّ كلّ شيء قد قُسم لنا في شخص المسيح وحده، "الذي صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء. حتى كما هو مكتوب من افتخر فليفتخر بالرب" (1كورنثوس 1: 30 و31).

في المسيح...نلنا كل البركات الروحية (أفسس 1: 3)

في المسيح...غُفرت خطايانا (1يوحنا 2: 12)

في المسيح...تبرّرنا (غلاطية 2: 16 و17)

في المسيح...لنا سلام مع الله (رومية 5: 1)

في المسيح... صرنا خليقة جديدة (2كورنثوس 5: 17)

في المسيح...أصبحنا ندعى قديسين (1كورنثوس 1: 2)

في المسيح... صار لنا حياة أبدية (رومية 6: 23)

ومع المسيح...وهبنا الله كل شيء (رومية 8: 32)

"إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع" (رومية 8: 1)، أمّا الذين احتموا في منظّمة برج المراقبة فإنّ دينونة الله العتيدة أن تنصبّ على العالم تهدّدهم كسيف مُصْلَت فوق رؤوسهم، وليس ما يقيهم منه إلاّ كفّارة المسيح ودماؤه الكريمة. فالله لا يدين الناس بحسب مواقفهم من منظّمات وجمعيّات وهيئات، وإنّما بحسب موقفهم من ابنه المبارك (يوحنا 3: 19 و36).

  • عدد الزيارات: 6490