Skip to main content

الدرس الثالث والخمسون: وصايا الله وغايتها

لقد وصلنا الآن إلى موضوع وصايا الله تلك الوصايا التي لخّصها تعالى في أيام النبي موسى والتي ندعوها عادة بالوصايا العشر. وقبل الكلام عن هذه الوصايا بصورة عامة لنذهب إلى سفر موسى الثاني المعروف بسفر الخروج حيث نقرأ ما يلي في الفصل العشرين:

ثم تكلم الله بجميع هذه الكلمات قائلاً:

أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي.

لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن لأني أنا الرب إلهك إله غيور افتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي واصنع إحساناً إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي.

لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً، لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلاً.

اذكر يوم السبت لتقدسه: ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك وأما اليوم السابع ففيه سبتٌ للرب إلهك. لا تصنع عملاً ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونـزيلك الذي داخل أبوابك. لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع، لذلك بارك الرب يوم السبت وقدّسه.

أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك.

لا تقتل.

لا تزنِ.

لا تسرق.

لا تشهد على قريبك شهادة زور.

لا تشته بيت قريبك، لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك." (1- 17)

قد يظن البعض أن الله إنما أعطانا وصاياه المقدسة ليُحد من حريتنا وللتقليل من حقل حياتنا وأعمالنا. ولكن هذه الفكرة ليست إلا سوء فهم فادح لغاية الله في إعطائنا وصاياه. إن الله الذي خلقنا على صورته وشبهه والذي لم يترك الإنسان في وهدة الهلاك بل بادر إلى مساعدته فور سقوط آدم وحواء في بحر الخطية، إن الله إنما يعطينا وصاياه وأحكامه وشرائعه لكي نقف على مشيئته المقدسة. إنه من أجلنا ومن أجل خيرنا الزمني والأبدي أعطانا الله وصاياه. ألم نلاحظ أن الله قبل البدء في الكلام عن الوصايا تكلم في مقدمة تُظهر لنا محبته لنا عندما أخبرنا بأنه هو الرب إلهنا الذي أنقذنا من عبودية الخطية؟ إن الذي يتكلم معنا في وصايا الله العشر إنما هو الإله المحب الرحوم الغفور الذي لم يُحجم عن إرسال السيد المسيح إلى عالمنا هذا لإنقاذنا من براثن الموت والخطية. وصايا الله العشر هي وصايا محبته لنا ولا يجوز لنا مطلقاً أن نظن ولا لدقيقة واحدة بأنها تدل على رغبته في التحديد من حريتنا أو جعل نطاق حياتنا ضمن إطار ضيق.

طبعاً إن الله أعطانا بعض وصاياه في قالب سلبي، أعطانا الله بعض الوصايا التي تبتدي بكلمة لا، ولكن هذا لا يعني أن الحياة بأسرها تصبح مطلية بصبغة سلبية عقيمة. كلا إن الله الذي أعطانا الوصايا إنما هو خالقنا الذي جبلنا من تراب وأعطانا نسمة الحياة والميزة الفريدة بأن نكون على صورته وشبهه. وهذا يعني أن حياتنا مليئة بالنظام والفرح والمحبة. وبما أن الإنسان جزء من خليقة الله العظيمة فإنه من البديهي أن يكون الإنسان خاضعاً بصورة طبيعية إلى قوانين الحياة والوجود. إن سار الإنسان حسب قوانين ونواميس الحياة إنما يكون منصاعاً للمشيئة الإلهية وإن خالف قانون الحياة فإنه إنما يكون سائراً على طريق الموت والظلام. ليس من العجب مطلقاً أن يكون الخالق عز وجلّ قد أعطانا وصاياه وأحكامه وشرائعه بل من العجب جداً لو لم يكن الله قد أعطانا وصاياه.

يرغب الله في إعطائنا الحياة ولذلك يمنحنا وصاياه التي هي قوانين الحياة. وإن كانت الطبيعة الصماء تُطيع قوانين الوجود التي سنّها الله تعالى أفلا يُنتظر من المخلوقات العاقلة أن تُطيع الله طوعاً واختياراً؟ فلنذكر جيداً إذن ونحن ندرس كل وصية من وصايا الله العشر وتحت ضوء الكتاب المقدس بأسره في عهديه القديم والجديد أن كل هذه الوصايا إنما أُعطيت لخيرنا لنسير بمقتضى أوامرها ونواهيها ولنكون سائرين مع الله وفي طريق الحق والحياة لا ضد الله وفي طريق الضلال والموت. ولنذكر جيداً أننا وإن كنا لا نقوم بتنفيذ جميع هذه الوصايا في حياتنا وذلك نظراً لوجود آثار الخطية في قلوبنا، لنعلم علم اليقين أن الله ينظر إلى قلوبنا وإلى نياتنا ويقبلنا كأبرار لأننا وضعنا ثقتنا ورجاءنا في السيد المسيح الذي عندما كان على الأرض عاش حياة الكمال التام وأطاع جميع الوصايا الإلهية بصورة تامة وكفّر عن خطايانا نحن المؤمنين به وبآلامه البدلية وبموته الكفاري على الصليب وأعطانا النصر الأكيد على الخطية بقيامته المجيدة من الأموات.

  • عدد الزيارات: 5580