Skip to main content

هل يَنكسر ويُهزَم مـَن "معه الرب"؟!

هل ينكسر ويهزم من معه الرب؟ لأول وهلة يجيب الكثيرون منّا على هذا السؤال بالنفي، ويجزم معظمنا على انه لا يمكن ان يواجه الهزيمة مَن "يتكل على الرب" وينادي باسمه. لكن افكار الله ليست افكارنا وكل شيء مكشوف امامه ولا يختبئ من وجهه انسان او شيء.

لا نجد افكار الله في مخيلتنا او تحليلنا، لان الله قد وضع جانباً حكمة البشر، لكنها مدوّنة في كلمة الله - الكتاب المقدس. ونتعلم من سفر صموئيل الاول (ص4) انه يمكن ان يُهزم مَن "يتكل على الرب"، اذا كان اتكاله شـكـلـيـاً او جزئيا، ويكون السقوط عظيماً.

ندّعي احيانا ونقول بصوت عال ان الرب متّكلنا وهو هدفنا وهو حياتنا، أمّا حقيقة الامر فهي اننا نعمل ارادتنا نحن، وفي الواقع نحن لسنا في شركة حقيقية مع الرب، بل نحيا متممين شهواتنا ومعظّمين ذواتنا، ومنادين بهتافات انجيلية وآيات مقدسة في آنٍ واحد!.

 

لماذا انكسر شعب الله وهرب، وقد تساءلوا - دون ان يقصدوا رأي الرب- "لماذا كسّرنا اليوم الرب"(1 صم4: 3، 10)، مع انهم تمسكوا بتابوت الرب اي بامور الهية مقدسة، وهتفوا هتافاً عظيماً حتى ارتجّت كل الارض؟!. (تابوت الرب هو صندوق خشبي كبير، فيه الوصايا وهو رمز لحضور الرب في وسط شعبه). ان الجواب على هذا السؤال الهام هو واضح في كلمة الله وبسيط للفهم، لكن الانسان لا يريده ويرفض ان يسمعه ويخادع الرب لكي يجد مسربا للهروب من الرب. ويسير الانسان وكأن الرب لا يراه ولا ينتبه الى عمله. ولماذا لا يريد الانسان طريق الرب؟، لانه يتطلب التواضع والحكم على الذات، وبدل ان نرفع ذواتنا، يشدّنا الى ان نعطي المجد للرب أوّلاً وأخيراً. لكن الانسان يحاول جاهداً ان يخفي ان قصده تمجيد ذاته تحت غطاء الكلمات الرنانة مثل:"التعليم الصحيح، الحق، او الطريق الضيق، او الخدمة للرب".

ان الكتاب المقدس يقول ببساطة:"ان يد الرب لم تقصر عن ان تُخلِّص ولم تثقل أذنه عن ان تسمع بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين الهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع"(اشعيا59: 1) "لماذا يشتكي الانسان الحي الرجل من قصاص خطاياه!. لنفحص طرقنا ونمتحنها ونرجع الى الرب، نحن أذنبنا وعصينا"(مراثي3: 39). وهكذا يبدأ الاصحاح الرابع من سفر صموئيل الاول، بكلمات صموئيل النبي الى الشعب، لكن الشعب تجاهل ولم يُرد ان يسمع، بل خرج واصطفّ للعمل غير مبالٍ سواء كان الرب معهم ام لا، سواء رَضيَ أم لا. ولمّا انكسروا، تساءلوا واستغربوا، لكنهم لم يتوبوا او يصغوا لصموئيل، بل أتوا بتابوت الرب(رمز لحضور الرب) وقالوا "يدخل التابوت في وسطنا ويُخلصّنا من يد أعدائنا"(4: 3). ظنوا ان حضور الرب معهم شكلياً يكفي متجاهلين الحاجة الماسة الى توبة حقيقية وانكسار قلبي عميق، ومتجاهلين ان الرب الحي لا يسكن الا مع المتواضع والمنسحق والمرتعد من كلامه(اشعيا57: 15/ 1 كو6: 17). اما هم فتجاهلوا كلام الرب ومطاليبه وهتفوا هتافاً عظيماً جدا متمسكين بالرب صُوَريّاً وشكلياً!. ربما قالوا:" أ لم ينتصر موسى ويشوع، فهم أجدادنا ونحن تابعون لهم، ولسنا كالفلسطينيين والكنعانيين والموابيين؟!. لكن الله لا يتغير ولا يُغيِّر مبادئ تعامله، سواء فَهِمَ الانسان أم لا، قَبِلَ أم تجاهل. فانكسروا وهرب كل واحد الى خيمته، وكانت الضربة عظيمة جداً وسقط كثيرون ومات اولاد الكاهن ايضا (4: 10). إن حِفْظ كلمة الله غيباً بدون التواضع لا يفيد شيئاً، والهتاف بدون التوبة خدعة، والمناداة بمبدأ الانجيل دون الخضوع لا يكفي، والاتكال ان اجدادنا كانوا أمناء وأبطال ليس كفيل بنجاح وانتصار شعب الرب.

بقي الشعب على هذه الحالة من العناد والتشبّث بأفكار بالية، رغم انحطاط الحالة الروحية اليومية والفشل الجماعي والعائلي والفردي في الشهادة والخدمة والتطبيق من اصحاح الرابع حتى اصحاح السابع أي عشرين سنة!!. وبعد هذه المدة الطويلة، (7: 2) حينئذ ناح الشعب وراء الرب وقبلوا ان يسمعوا من رجل الله الذي قال:"ان كنتم بكل قلوبكم راجعين الى الرب، فانزعوا الالهة الغريبة من وسطكم وأعدّوا قلوبكم للرب واعبدوه وحده فيُنقذكم". يا لها من صدمة وصحوة!. لم يكن الشعب يُصدِّق - أتباع موسى ويشوع- ان في وسطهم الهة غريبة كباقي الشعوب، البعيدة عن الله!. وفي العهد الجديد نفهم ان الالهة الغريبة هي الطمع(كو3: 5) والزنا والكبرياء والتعظّم والتذمر(1 كو10: 14) والعناد(1 صم15: 23) وعدم المسامحة، التي اذا وُجدت أية منها في وسط شعب الله، تغيظ الرب وتكون فاصلاً بين الانسان والله، حتى ولو كان نبياً او رسولا.

والتاريخ يعيد نفسه، ففي ارميا (ص7) نادى النبي بكلام الرب وقال"يا جميع الداخلين في هذه الابواب لتسجدوا للرب، هكذا قال رب الجنود أَصلحوا طرقكم وأعمالكم..لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين هيكل الرب هيكل الرب هيكل الرب هو..ان لم تسيروا وراء الهة أخرى فاني أُسكنكم في هذا الموضع التي أعطيت لابائكم". لكن النبي يتابع قائلاً "كلمتكم مُبَكّراً ومُكلِّماً، فلم تسمعوا ودعوتكم فلم تجيبوا" "بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم".

ايها الاحباء، اولاد وبنات الله في كل مكان، لنرجع الى الرب بكل قلوبنا لأن الله لا يُشمَخ عليه (غلا6)، لنرجع الى الرب تائبين وخاضعين، لا شكلياً وجزئياً، لأن الرب رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر(التأديب)(يوئيل2: 12). ان الرب يَعِد التائبين المنكسرين بان يعوّض لهم عن السنين التي تعامل الرب معنا ليُخضعنا (يوئيل2: 25) فيغار الرب لأرضه ويرقّ لشعبه!. ليتنا لا نكتفي بالعبادة الشكلية وبالهتافات والمواعظ الرنّانة بل يحتاج العالم المسيحي بكل طوائفه وجماعاته ان يرجع الى الرب رجوعا قلبيا وروحيا وحقيقيا، عندها نختبر قوة الله وتدخّله وانتصاره على كل الاصعدة لان من معه الرب حقيقة، لا يمكن ان يهزمه شيء.. ولماذا اتباع المسيح يعانون ويُذلّون في كل مكان، مع ان الرب يسوع المسيح هو القدير والغالب وسيد الجميع!؟... من المؤكد ان الرب يغلب دائما ويعطي الانتصار لمن هو في شركة حقيقية معه ولا يكتفي بالتعلّق الشكل بالرب.. ان شعب المسيح يمكنه ان ينهض من ضعفه وينتفض من هزيمته ويتحوّل في لحظة الى ابطال يسجلهم التاريخ.. ان الطريق الوحيد الى ذلك هو التوبة الحقيقية والانكسار امام الرب والمغفرة والتمسّك الحقيقي بالرب والخضوع لكلمة الرب الحية ورفض كل تقاليد الناس الجامدة وتعاليمهم الفارغة وافكارهم البالية..

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

  • عدد الزيارات: 4932