ملكوت الله
إن ملكوت الله يشمل في آن واحد سيادته العامة على الكون كله ومُله المخصوص على الناس الذين بإرادتهم يعترفون به ملكاً لهم. وبالمعنى الحصري، فالملكوت هو دائرة الخلاص التي يدخلها الناس من طريق التسليم الواثق ليسوع المسيح. وينبغي للمسيحيين المؤمنين أن يصلوا ويعملوا لكي يأتي الملكوت وتكون مشيئة الله على الأرض. أما بلوغ الملكوت ذروته الكاملة فتسبقه عودة الرب يسوع وانقضاء هذا الدهر.
تكوين 1: 1؛ أشعياء 9: 6 و7؛ إرميا 23: 5 و6؛ متى 3: 2؛ 4: 8- 10، 23.
من "معاني الملكوت" في اليونانية، فضلاً عن المملكة، المُلك، السلطان الملوكي والحكم الملوكي. فهو إذاً يحمل فكرة السيادة. وبمعناه الدنيوي قد يشير إلى المملكة التي يسود عليها ملك ما. لكن حين يُستعمل عن الله يُشير إلى حكمه الملكي أو سيادته. إذاً، بدل ملكوت الله على سيادة الله المطلقة سواء في الكون الطبيعي أو الكون الروحي- بما في ذلك قلوب الناس الذين يُخضعون أنفسهم لحكم الله طائعين. وقد سبق أن أشرنا في الفصل السابع إلى أن "ملكوت الله" و"ملكوت السماوات" تعبيران يستخدمهما كتّاب مختلفون في العهد الجديد للدلالة على شيء واحد بعينه، كذلك أشرنا أيضاً إلى أن الكنيسة، وإن كانت في الملكوت، ليست هي كامل الملكوت.
الملكوت باعتباره سيادة إلهية
نستخدم "السيادة" هنا للإشارة إلى حُكم الله سواء في الكون أو في قلوب المؤمنين. إن الله، بوصفه الخالق، له حق السيادة. وإذ يقدم الكتاب المقدس هذا الحق الواضح ذاتياً، يبين أيضاً أن الشيطان نازع الله في هذا الحق مدّعياً لنفسه السيادة (لوقا 4: 6 و7). وقد كان القصد من تجسد المسيح إثبات بطلان دعوى الشيطان (1 يوحنا 3: 8)، وهو- له المجد- أتم ذلك بموته وقيامته.
هذا الأمر تثبت صحته لدى التدقيق في معنى الكلمة اليونانية المترجمة "قوة" أو "سلطانا"، أعني بها "إكسوسيا" (exousia). فمعنى هذه الكلمة الحرفي هو "خارجاً من الكيان" أي القوة أو السلطة الممارسة صدوراً عن طبيعة الكيان. وحينما تستعمل عن الشيطان تعمي الحكم الطاغي، أما حينما تُستعمل عن الله فتعني الحكم الخيّر.
طبيعة الملكوت
لما سأل بيلاطس يسوع عن مملكته، قال: "مملكتي ليست من هذا العالم" (يوحنا 18: 36)، أي أنها ليست صادرة من هذا العالم. فهي ليست ذات طبيعة عالمية وما كانت لتوطد بوسائل عالمية. إن مملكته هي مملكة الحق الذي جاء ليشهد له (الآية 37). و"الحق" مرتبط بالخلاص، كما أن النعمة والحق مترابطان. ولكن في إنجيل يوحنا لا تُستعمل الكلمة "نعمة" بعد 1: 17، فيما تُستعمل "الحق" مراراً وتكرارً (خمساً وعشرين مرة في إنجيل يوحنا). وعليه، يمكننا أن نفهم الحق متضمناً النعمة أيضاً.
وهكذا، ففيما يقدم العهد الجديد سيادة الله على الكون المادي، يظهر التشديد الأكثر على سيادة الله في قلوب جميع الذين يقبلون إلى الرب يسوع المسيح مخلّصاً لهم. وقد حرص المسيح على التنبيه إلى أن مملكته ليست ملكاً أرضياً على رقعة معينة: "وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا هَهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ" (لوقا 17: 21). فمن الواضح أن الفكرة هي أن ملكوت الله ليس كياناً سياسياً ظاهراً للعيان، بل هو ملك الله بين الناس وداخلهم. وبعض المعمدانيين وغيرهم يعتقدون أن المسيح بعد عودته سيملك على الأرض ألف سنة. غير أن ما يعتقد المرء بهذا الخصوص ليس امتحاناً لسلامة العقيدة بين المعمدانيين.
قلنا، بالحقيقة، أن نعتبر الملكوت أنه قد جاء عندما ظهر الملك، وأنه آتٍ بمعنى كونه موطداً في قلوب المؤمنين، وأنه سيأتي بعد برجوع الرب لإتمام مقاصد الله في آخر الزمان. وقد علّم المسيح أن الملكوت هو هنا، كما علّم تلاميذه أن يصلّوا طالبين مجيء الملكوت، وأنه عند انقضاء الدهر سيأتي الملك بقوة عظيمة ومجد.
المسيحي المؤمن والملكوت
بوصف المؤمن المسيحي مواطناً في ملكوت الله، ما هو دوره في إتيان الملكوت؟ أعليه أن يُقيم الملكوت أو أن يذيعه؟ إن العهد الجديد يعلّم بأن للمؤمن دوراً في إعلان الملكوت. وعليه أن يصلّي لأجل إتيان الملكوت وإتمام مشيئة الله على الأرض كما هي في السماء (متى 6: 10). كذلك عليه أن يسعى لتحقيق ملكوت الله بإعلانه للهالكين (متى 6: 33). غير إن إقامة الملكوت هي من عمل الله في المسيح بالروح القدس (1 كورنثوس 15: 24- 28).
وينبغي للإنسان أن يقبل ملكوت الله، كما ينبغي للمسيحيين المؤمنين أن يعلنوه. ولكن الله وحده هو الذي يحقق إتمام الملكوت والوصول به إلى ذروته النهائية.
للمراجعة والبحث
1- هل التعبيران "ملكوت الله" و"ملكوت السماوات" مترادفان؟
2- ما هي طبيعة ملكوت الله؟
3- ما هي غاية التاريخ؟ أثمة بيّنات اليوم على أن الله يوجه الأحداث نحو قصده الفدائي النهائي؟
4- ما هو مكان الإنسان بالنسبة إلى ملكوت الله؟
- عدد الزيارات: 11954