الملائكة يراقبون
كيف كنت تحيا لو علمتَ أنك في كل عمل تقوم به تظل مراقباً، لا من قِبل الوالدين أو الزوجة أو الزوج أو الأولاد فقط، بل من قِبل ملائكة السماء؟ جاء في الكتاب المقدس أن الملائكة تراقبنا (1 كور 4: 9). ويقول بولس إننا أصبحنا "منظراً" لهم.
يقول أحد المفسرين إن هذه الكلمة تشير إلى الملاعب القديمة، حيث كان الناس في القرن الأول الميلادي يحتشدون بالألوف ليشاهدوا البطش بالحيوانات في الملعب كرياضة مسلية، كما يرون الرجال يتصارعون حتى الموت. وصار الناس في ما بعد يشاهدون المسيحيين يُطرحون للأسود الجائعة فتفترسهم. إن بولس، باستعماله الكلمة "منظراً"، صور لنا هذا العالم ملعباً أو مسرحاً ضخماً يجري عليه مشهد ضخم. وكل المسيحيين الحقيقيين يشتركون في هذا المشهد عندما يسعون ليطيعوا المسيح، إذ إن هذا يُدخلهم في صراع مرير مع قوات الشر التي تصرّ على السيطرة عليهم وإذلالهم. ويقول الكتاب المقدس إن أولئك المؤمنين "لم يحبّوا حياتهم حتى الموت" (رؤيا 12: 11).
في أثناء هذا الصراع، وهو حقيقي أبعد ما يكون عن التمثيل، يقف الملائكة يراقبون ما يجري لأولئك المؤمنين وهم يتشوقون للحظة التي فيها يُسرعون لتحرير أولئك الرجال والنساء الذين كثيراً ما ساروا إلى الموت بفرح. لكن الله يمنع الملائكة من الإسراع للإنقاذ قبل الوقت. إنه لم يسمح لهم بالتدخل وإنقاذ يسوع من الصلب عندما كان وحده يتجرع كأس الموت، كأس الانفصال عن الله الآب. كان الملائكة يقفون وهم يشهدون صلب يسوع. كانوا متهيئين للتدخل، ولكن لم يأتهم أي أمر بذلك. لماذا؟ لأن اللحظة التي عيّنها الله للنصر الأخير على قوات الشر لم تكن قد حانت بعد.
سبق أن قلت في هذا الكتاب إننا نجد أنفسنا هذه الأيام أمام أسئلة محيرة كثيرة. من هذه الأسئلة: لماذا يسمح الله بالشر؟ لماذا يتمهل ولا يتدخل ويعاقب الشر؟ لماذا يسمح بانتشار الأموات؟ لماذا يسمح بالكوارث الطبيعية؟ إن الله يعمل بموجب أوقات دقيقة هو يختارها. وألوف الملائكة الذين يشاهدون كل ما يجري في عالمنا يخضعون لقيود تمنعهم من المبادرة إلى مساندة الأبرار وإنقاذ المظلومين حتى يقرر الله ذلك ويصدر أمره إليهم. وهو سيصدر أمره يوماً. قال لنا يسوع إن: "الحنطة والزوان" سينميان معاً، وهكذا يظل الأبرار والأشرار في هذا العالم معاً إلى أن يجيء وقت الحصاد. عندئذ يرسل الله الملائكة القديسين، فيجمعون مختاريه ويدخلونهم إلى ملكوته.
الملائكة في حالة تأهب
بينما يراقب ملائكة الله أحداث الزمن وهي تجري شيئاً فشيئاً، يرون كيف تتوطد الكنيسة وكيف تنتشر حول العالم. يراقبون تحرك الزمن ولا تخفى عليهم خافية، "لِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ" (أفسس 3: 10). ويقول بعض علماء الكتاب المقدس إن الكلمة "الآن" في هذه الآية تشمل في الحقيقة كل عصر الكنيسة منذ زمن بولس حتى اليوم. لقد شاهد الملائكة تكوين كنيسة يسوع المسيح، وراقبوا سير كل مؤمن وعمل الرب ونعمته ومحبته وقوته في حياة كل واحد. والملائكة يرون بأنفسهم، وفي هذه الساعة، كيف تُبنى الكنيسة الحقيقية في مواضع سلطان الله كلها.
لكن ما الذي يدور في خَلَد الملائكة وهم يروننا في ميدان صراع العال؟ هل يراقبوننا ونحن نثبت راسخين في الإيمان سالكين في البر؟ وهل يستغربون إذ يروننا نُحجم عن الالتزام للمسيح؟ هذان إمكانان ذكرهما بولس في أفسس 3: 10. وإليك الآية نفسها بحسب ترجمتها أكثر وضوحاً: "والغاية أن يتجلى الآن أمام الرئاسات والسلطات في الأماكن السماوية ما يظهر في الكنيسة من حكمة الله المتعددة الوجود".
يقيُننا أن الملائكة يشاهدوننا الآن كيف نلك ونسير في الحياة. وهذا الوضع لا بد من أن يؤثر فينا وفي القرارات التي نتخذها. الله يراقبنا وملائكته أيضاً يتابعون حركاتنا باهتمام. وقد جعلنا الله في مسرح العالم معرضاً للبشر والملائكة جميعاً (1 كور 4: 9). إننا نعرف أن الملائكة يراقبوننا، وعندما يحمي وطيس المعركة كم نتمنى لو كنا نستطيع أن نسمعهم وهم يحيّوننا ويشجّعوننا.
حوافز على البرّ
إن الدعوة الموجهة إلينا لنعيش حياة التقوى في العالم الحاضر لا بد من أن تقودنا إلى التعقل، وعلى الأخص عندما نتحقق من أن سلوك المسيحيين المؤمنين والحروب الروحية التي يخوضونها هي موضوع اهتمام السماء ومن فيها من الملائكة. قال بولس: "أُنَاشِدُكَ أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْمُخْتَارِينَ أَنْ تَحْفَظَ هَذَا بِدُونِ غَرَضٍ...." (1 تيم 5: 21). وكأنما بولس يدعو تيموثاوس ليتذكر أن الملائكة المختارين يراقبونه باستمرار ويشاهدون خدمته للمخلّص وحياته المسيحية. هل من حقيقة أخرى تستطيع أن تشكل حافزاً على حياة البر أقوى من هذا الحافز؟ علي أن أقول لنفسي: "انتبه. الملائكة يرونك".
يظهر أن الملائكة يجدون لذة عظيمة إذ يرون كيف تقدّم كنيسة يسوع المسيح غناه الذي لا يُستقصى للناس الهالكين في كل مكان. وإذا كانت الملائكة تفرح بخاطئ واحد يتوب (لوقا 15: 10)، فالملائكة إذاً يقفون بين النظّارة الذين يتطلعون من السماء نحو ساحة الصراع على الأرض. إنهم يقفون مع الذين تتكون منهم "سحابة الشهود" (عب 12: 10)، وهكذا يطلّعون على رحلتنا على الأرض بكل تفاصيلها. على أنهم لا يهزأون أو يقبّحون، كما كان يفعل الجمهور اليوناني الذي كان يشاهد الألعاب في أيام بولس، بل إنهم، ونحن نعلن البشارة ونرى الأصدقاء يؤمنون ويخلصون، يطربون لذلك ويفرحون.
يروي أحدهم قصة واعظ شيخ كان يجلس ليعدّ عظته ليلاً في اليوم التالي على أفراد الكنيسة القليلين. وكانت زوجته تستهجن الأمر وتسأل عن النفع من بذل كل ذلك الوقت الطويل في إعداد رسالة لن يستمع إليها إلا بضعة أفراد. وكان الواعظ الشيخ يجيب زوجته: "يبدو أنك تنسين يا عزيزتي أن المستمعين لعظتي غداً جمهور غفير" (كان يقصد بذلك الناس والملائكة). وعليه، فلا يجوز لنا أن نستخف بأي شيء ما دامت السماء تنظر إلينا. سنقوم بدورنا بشكل أفضل إذا تذكرنا سحابة الشهود المحيطة بنا وفكرنا بالذين يقفون على منصة الشاهدين.
قد تكون أوديتنا ملأى بالأعداء والدموع، لكننا نستطيع أن نرفع أعيننا فوق الجبال لنرى مشاهدينا، الله والملائكة، يؤيدوننا ويدعموننا حسب حكمة الله غير المحدودة، ويُعدّون لاستقبالنا عندما نؤخذ إلى البيت السماوي.
- عدد الزيارات: 4467