Skip to main content

الكتاب المقدس يرشد لضرورة المعمودية بعد الإيمان

جاء في مجلة الهدى، وهي المجلة الرسمية للكنيسة الإنجيلية بعددها الصادر يوم السبت 27 مايو سنة 1944 قصة رائعة بعنوان "توراة بدرو" وقد رأيت أن أنقلها كما جاءت لأهميتها.

 

"كان بدرو مسجوناً في أحد سجون البرازيل المظلمة محكوماً عليه بثلاثين سنة أشغال شاقة، وقد قضى منها عشر سنوات في حالة بؤس وشقاء ما عليها من مزيد، وكان أمامه عشرون سنة أخرى أشد بؤساً وأكثر شقاء في سجن مظلم ورطب وضار ومعاملة سيئة للغاية.

وذات يوم حدث في السجن حادث غيَّر حياة بدرو تغييراً تاماً، ذلك أن زار السجن مرسل انجليزي وبعد أن استأذن المأمور جال يوزع نبذاً وكراريس دينية على المسجونين لا سيما المحجوزين منهم داخل زنزانات فكان يقدم لهم نبذة من بين قضبان الباب الضيقة، وطبعاً كان بدرو واحداً من أولئك المحجوزين داخل القضبان فلما مد يده للمرسل طلب منه أن يعطيه توراة كاملة. ومع أنه كان لا يستطيع القراءة بسهولة ولكنه عزم على مداومة التمرن حتى يتقن القراءة لكي يسلي نفسه في السنين السوداء الباقية له في السجن، ولكي يحمي عقله من الضياع كما جرى لكثيرين غيره ممن حكم عليهم بالسجن الشديد مثله، فوعده المرسل الذي فرح إذ وجد شخصاً يطلب الكتاب المقدس من تلقاء نفسه وفي الزيارة التالية أحضر له كتاباً وبعد الاستئذان سلمه له فكان فرح بدرو به عظيماً جداً وشرع في الحال يتهجأ كل كلمة بمفردها لأنه لم يكن يعرف إلا الحروف الأبجدية، ويوماً بعد يوم كان يصرف أغلب ساعات الفراغ في التهجئة وكان تقدمه في المعرفة بطيئاً جداً، ولكن مع الزمن استطاع أن يقرأ وأن يفهم أيضاً وقد فهم أيضاً أنه إنسان خاطئ في عين الله ومحكوم عليه بالموت الأبدي، ومع توالي الأيام ومداومة القراءة بتلهف وجد لشدة فرحه واطمئنانه أن الله أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح إلى العالم وق مات ليخلص الخطاة الذين "بدرو" واحد منهم، ففرح لأنه تأكد أن المسيح مات لأجله وإنه ليس بعد خاطئاً محكوماً عليه في عيني الله بالهلاك الأبدي. وهكذا قبل "بدرو" المخلص بإيمان بسيط بواسطة الكلمة المقدسة التي قرأها في توراته الثمينة، فأنارت كلمة الله قلبه المظلم وجعلته خليقة جديدة، ومن بعد ذلك الحين لم تبق غرفة سجنه المظلمة الباردة موحشة ومرعبة كما كانت لأن النور الذي أشرق في قلبه بدد ظلام السجن المحيط به.

فكان حالما تدخل في حجرته المظلمة أول شعاعة من أشعة نور الصباح ينهض ويفتح كتابه المقدس وينصب على مطالعته وإعادة ما قرأه واستظهار بعض الآيات منه ويظل على هذه الحال حتى تغيب الشمس ويخيم على الحجرة الظلام.

مضت بضع سنوات وبدرو مستمر في درس كتابه، وإعادة درسه وتفهم معانيه وروح الله كان معلمه ومرشده إلى أن جاء ذات يوم المرسل ذاته لزيارة تلك المدينة التي فيها سجن بدرو وأرسل بعض معاونيه لتوزيع بعض النبذ على المسجونين كما فعل منذ سنين مضت فعادوا إليه وقالوا له "وجدنا بين المسجونين شخصياً يقتني كتاباً مقدساً كاملاً وقد تحدث إلينا كشخص متجدد فاهم معنى كلمة الله بل متضلع في حفظها وفهم أمور كثيرة جوهرية منها"

حينئذ تذكر المرسل "بدرو" الذي طلب منه منذ بضع سنوات أن يعطيه توراة كاملة فقام من فوره وتوجه إلى السجن واستأذن لمقابلة بدرو، فأخذوه إلى ذات الحجرة القذرة الرطبة المظلمة وأوقفوه أمام قضبان بابها الحديدية وأذنوا "لبدرو" أن يتحدث مع المرسل كما يشاء وكان قد مر على المقابلة الأولى خمسة سنوات فيكون لا يزال أمام بدرو خمس عشرة سنوات أخرى في السجن، فحالما وقع نظره على المرسل مد يده من بين القضبان وصافحه بفرح شديد وشكره من كل قلبه على هديته الثمينة هذه، وبعد تبادل الأحاديث اندهش المرسل من التغيير العجيب الذي حدث لبدرو بواسطة قراءة كلمة الله فوجهه الذي كان مقطباً متجهماً صار طلقاً فرحاً تعلوه ابتسامة مشرقة كنور النهار، ولما انتهت المقابلة طلب بدرو من المرسل أن يتكرم ويزوره مرة أخرى لأن لديه أموراً كثيرة في الكتاب يريد أن يستفهم عنها ويعرفها حق المعرفة فصار المرسل يتردد عليه مدة الشهر الذي أقامه بتلك المدينة ويصرف معه وقتاً طويلاً في مباحث كتابية، وفي آخر الشهر جاءه المرسل ليودعه فوجده مقطباً على غير عادته فقال له "ماذا حدث يا صاحبي، فإن هذه المرة الأولى مدة هذا الشهر أرى وجهك على غير ما عهدته من البشاشة والانشراح؟

قال "بدرو" إني حزين لسببين الأول سفرك وحرماني من رؤيتك مرة أخرى والثاني وهو أهم ويبعث في قلبي حزناً لا ينقطع وهماً دائماً هو أني أحب أن أعتمد بالماء قبل مبارحتك إيانا لأني قرأت أمر ربنا في الكتاب المقدس وهو يقضي بوجوب العماد، وقد حزمت أمري على إطاعة أمر ربي، فما السبيل إلى ذلك؟

فشرع المرسل يشرح له عدم إمكانيته ذلك لأنه غير مسموح له بالدخول في حجرة سجنه فازداد حزن بدرو مع أن المرسل بين له أن الله لا يؤاخذه إن كان لا يعتمد لأنه يعرف ظروفه واللوائح الرسمية التي تقف في طريق إتمام هذه الفريضة له ولكن كل هذا لم يعطه عزاء.

وفي اليوم التالي إذ كان المرسل مشغولاً بإعداد حقائبه للسفر، وقف بباب غرفته جندي وفد من السجن معه مكتوب من بدرو يقول فيه إن مأمور السجن اختار من المسجونين اثنين ليحملا "كناسة" السجن كل صباح الساعة السادسة إلى النهر وهو واحد منهما، ولذلك يمكن للمرسل أن يحضر إلى النهر في ذلك الميعاد ويقوم له بفريضة المعمودية.

ففي المرسل وأجل سفره وفي صباح اليوم التالي ذهب إلى شاطئ النهر وهناك سمح له الجند المراقبون للمسجونين أن يعمد بدرو. وكم كان فرح بدرو عظيماً جداً حتى تأثر الجنود، وبعد مرور بضع سنوات من مرافقتهم بدرو إلى شاطئ النهر كل صباح وسماعهم أحاديثه الدينية تجددوا هم أيضاً وصاروا مسيحيين ولم يقتصر الأمر على تجديد بدرو والجنود الذين حوله بل كان دائماً يكلم إخوانه المسجونين عن الخلاص العظيم الذي أعده لنا الرب يسوع المسيح ذاك الذي افتقر لأجلنا وهو الغني ونزل إلى عالمنا وهو رب الكل لكي يفتدينا حتى تجدد الكثيرون بواسطته. ولا يعلم إلا الله كم من النفوس خلصت بواسطة بدرو بل بواسطة نسخة واحدة من الكتاب المقدس دخلت السجن ففعلت كل هذا الخير العظيم".

  • عدد الزيارات: 2437