عهد الفداء
ولأن الله قد اختار الآباء, فقد أحب أبناءهم واختارهم وفداهم من مصر (تثنية7: 8, 9). والفداء هو النغمة الفاتحة في إعلان الله الذي بلغ أوجه في عهد سيناء. وهنا تعتمد المبادرة أيضاً على الله وحده. فهو يأتي إلى مصر شخصياً (خروج3: 8) ويفدي بيده القوية وذراعه الممدودة. وهو يعين ذبيحة الفصح للتعبير عن المعنى الداخلي للخروج. وهذا الفداء يعتمد على دم مسفوك, ولأنه ينتظر من شعبه المفدي حياة مقدسة مميزة, يعطيهم الشريعة. وهذان الأمران: الفداء بالدم, والشريعة كطريق الحياة للمفدين, ظاهران في فرائض العهد المذكور في خروج24: 4-8. ولو بدا هذا الفصل بسيطاً وطفيفاً, إلا أنه بالغ الأهمية, فإن شعب الرب يرتبطون بعهده.
وقد كان عمل الأنبياء أن يحفظوا هذا الالتزام الأدبي نصب أعين شعب مرتد. وإن كانت الشريعة في نفس الوقت تفوق دائماً أفضل جهود البشر, فإن الرب قد نظم ذبيحة العهد بأنواع من القرابين والذبائح كفارة عن الخطية. ويوجد مظهران أساسيان في الذبائح وهما: وضع الأيدي (لاويين1: 4 إلخ) وسفك الدم (لاويين1: 5إلخ).
1- وضع الأيدي: كان الغرض منه الإشارة إلى بديل, كما يتضح من فرز اللاويين في سفر العدد 8 (خصوصاً عددي10, 12). فوضع الأيدي على الحيوان الذي يذبح, معناه أن الخاطئ قد عينه بديلاً عنه في إيفاء ديون خطاياه.
2- سفك الدم: لقد أثار معنى "الدم" جدلاً كبيراً. تأمل القول: "لأن نفس الجسد هي في الدم" (لاويين17: 11). وتفسيرنا نحن هو, حيث أن الحياة هي في الدم, ينتج من ذلك أنه عندما يراق الدم, تنطلق الحياة إلى معنى جديد. فالدم الذي كان يحفظ الحياة في جسد معين, عندما يعفى من هذا الواجب, يمكن أن يصبح رابطاً جديداً بين كائنين كانا من قبل منفصلين, وقد صار كل منهما شريكاً في الحياة الجديدة. وهكذا يرش الدم على المذبح, ليشير إلى اشتراك الله والإنسان معاً, وبذلك يصبح الله والإنسان مرتبطين معاً برباط الحياة. وهذا التفسير يرجع في منشئه إلى اعتقاد ديني كنعاني. على أنه توجد صعوبات في سبيل التسليم بهذا التفسير. فمثلاً أن كان كل أمر الذبيحة, هو أن مقدمها يشترك في حياتها بتناول دمها, فلماذا يمنع العهد القديم تناول الدم المسفوك منعاً باتاً (لاويين17: 10,12 إلخ)؟ ثم أن هذا ليس مخالفاً فقط للتشبيه الشائع الذي يعني أن سفك الدم يشير إلى "الموت" (مثلاً مزمور30: 9), بل هو مخالف أيضاً لما جاء في عبرانيين9: 15- 20, حيث بالإشارة إلى خروج24 نرى أن كلمة "الدم" تعني "الموت". وهذا ما يتفق مع حقيقة أدلة العهد القديم. فإن "الدم" يدل على "انتهاء الحياة قسراً بالموت". وفي النظام الإلهي الخاص بذبائح العهد القديم نجد أن الله قد سمح للخاطئ بأن يعيّن الذبيحة التي تموت "ذبحا"ً بدلاً عنه وكفارة عن خطيته.
ولكن, عندما راجع إرميا الموقف في أيامه, رأى الحاجة تدعو إلى شيء أكثر مما يمكن لذبائح العهد القديم أن تقوم به. وخلص من ذلك إلى النتيجة أن الله كان أميناً لعهده, لكن الشعب لم يكن أميناًَ (إرميا31: 32). فإما أن يخفض الله مطاليبه وينزل بها إلى مستوى مقدرة الإنسان, وإلا فلا بد من عمل شيء يغير الإنسان. ستبقى الشريعة كما هي لا تتغير (33) لكن الإنسان يتغيّر ويتجدّد, ليقبل طبيعة تتفق مع شريعة الله, وتكون أهلاً للشركة مع الله. ويتم ذلك بمعالجة الخطية علاجاً كاملاً شافياً وافياً "لأني أصفح عم إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد" (34).
- عدد الزيارات: 1635