الحقيقة حول الواقع قابلة للمعرفة
إن نقطة الانطلاق في البحث عن الحقيقة يجب تكون العالم الفعلي. فالحقيقة متطابقة مع الواقع. وبالتالي، لأجل معرفة أن كان الخبر صادقاً فعلاً، لا بدّ أنْ يكون لدينا موضوع واقعي معين يخص هذا الخبر عن الحقيقة.[3] فجملة «أنا أكتب على طاولة مكتب بنية» صحيحة لأنه يوجد في الواقع مكتب بني أكتب عليه. ونقطة الانطلاق في البحث عن الحقيقة هي العالم الحقيقي. وبالتأكيد ثمة بعض الشكيين، الذين يرفضون وجود عالم حقيقي فعلاً وعلى ذلك، يجب أن نبدأ ببيان أنه يوجد شيء حقيقي.
يوجد عالم حقيقي
إن وجود شيء حقيقي أمر لا يمكن نفيه على الإطلاق. مثلاً، أنا موجود. ولكي أنفي وجودي، فيجب في هذا الحال أن أثبت أني «لست على قيد الحياة». ولكن لكي أقوم بذلك، فيجب أن أكون على قيد الحياة. وبما أن وجودي هو أمر لا يمكن نفيه فعلياً. فيتأتى من ذلك أنه يوجد شيء حقيقي موجود فعلياً، هو: أنا موجود.
والسؤال، هل بوسعنا أن نعرف إنْ كان يوجد شيء آخر موجود؟ نعم، بمكننا أن نعرف. وإلاّ، كيف لنا أن نقرأ هذا الكتاب؟ إلاّ إنْ رغبنا في نفي جميع حواسنا، وبكل حال، ثمة عالم خارج ذاتنا نحن. ويستحيل أن ننفي أي شيء آخر موجود لسببين:
أولاً، لا يمكن أن يكون كل شيءٍ وهماً لأنه كيف يمكن أن نعرف ما هو غير الحقيقي إن لم يكن لدينا خلفية من الواقع الذي يمكن أن نعرف به ما ليس حقيقياً.
ثانياً، المرء الريبي، الذي يطالبنا بعدم تصديق حواسنا، يناقض نفسه لأنه يتوقع أن نصدق حواسنا عندما نسمع لمحاضراته ونقرأ ما يكتبه!
إذاً، فثمة عالم حقيقي، ولا يمكن لنا أن نرفضه، بدون على الأقل نفترضه ضمناً.
الحقيقة حول الواقع قابلة للمعرفة
والسؤال: هل يمكن لنا أن نعرف الحقيقة بشأن العالم الواقعي؟ نعم، فليس بإمكاننا نفيه. فأولئك الذين يقولون إننا لا نقدر أن نعرف أي شيء حقيقي عن العالم الفعلي يعتقدون أنهم يعرفون الحقيقة عن العالم الفعلي. ومن هنا، فتصريحاتهم هي هزيمة لأنفسهم. فعندما يعلن الريبي أنه لا يمكن معرفة أي حقيقة عن العالم الواقعي، فهذا التصريح بمثابة حقيقة بخصوص هذا العالم الواقعي. وبالمثل، أي تصريح يفيد أن الواقع يقع خارج نطاق قدرتنا على معرفته، لهو تصريح حول الواقع الذي يدعون أنه غير حقيقي. فعلى سبيل المثال، تقول بوذية الزن، أننا لن نعرف التاو (الحقيقة المطلقة). وعندما يقول البوذيون ذلك، يصرحون بشأن التاو الذي يدّعون أننا غير قادرين عن الإدلاء ببيانات عنه. ومثل هذا الكلام هزيمة لأنفسهم لأن تصريحهم يجب أن يكون خاطئاً لكي يكون صائباً. وهذا بدون شك هزيمة ذاتية.
ويسعى آخرون لتفادي معرفة الواقع، فيقعون في نفس الفخ. فعلى سبيل المثال، يدّعي البعض أنه ليس بإمكاننا أن نعرف الحقيقة الإلهية (الله) لأن الله غير متناهٍ. وبالتالي، فنحن نبقى جاهلين بشأنه. وهذا الأمر عرضة لسلسلة إشكاليات. لأنه يفترض عن خطأ أنه لكي نعرف الله، فيجب أن تكون معرفتنا كاملة عنه. ولكن هذا ليس الحال، إذ يمكننا أن نفهمه بدون أن ندركه بشكل كلي. مثل أن نقبض على حبل طويل بدون أن نرى أياً من نهايتيه، وبإمكاننا أن نفهم الله الذي هو بدون حدود بدون أن نفهم كل شيء عنه. إن المعرفة المنقوصة لا تعني عدم المعرفة. في الواقع، لا يمكن أن نعرف إنها منقوصة (غير كاملة) إنْ لم يكن لدينا فكرةٌ عن الكمال. وبهذا، فالعالم الحقيقي قابل المعرفة. ولإنكار هذا الأمر يجب معرفة هذا الأمر.
وبهذا، يمكننا أن نعرف أشياءً عديدة. نعرف أننا موجودون. نعرف أن ثمة عالماً حقيقياً. نعرف أن شيئاً ما لا يمكن أنْ يكون موجوداً وغيرَ موجودٍ بنفس الوقت. ونعرف أنْ بعض الأشياء تتغيّر وأشياءً كثيرة أخرى (انظر الفصل الثالث فيما بعد).
ما هي الحقيقة؟
ولكن ما هي الحقيقة؟ الحقيقة هي ما تتطابق مع الواقع. الحقيقة تطابق موضوعها. إذا قلت: «يوجد قطعتان معدنيتان في جيبي»، فهذا الخبر حقيقة لأنه يوجد فعلياً قطعتان معدنيتان في جيبي. وهذا الخبر يطابق الحقيقة. الحقيقة أن تقول الشيء كما هو موجود.
ما هو الزيف؟ ألا تقول الشيء كما هو. هو خبر عن أمر لا يتطابق مع الواقع. وبهذا، فالحقيقة هي ما تتطابق مع الواقع، والكذب ليس كذلك. ولهذا تفشل الريبية واللاأدرية كلياً لأن ثمة أشياءً كثيرة يمكن أن نعرفها.[4]
الريبية تفشل
إن الريبية واللاأدرية خاطئتان. فالريبي الذي يقول إنه يشك في كل شيء. لكنه لا يشكُّ في شكِّه. ولا لا يرتاب بريبيته. وكما أظهر الفيلسوف الشهير رينيه ديكارت،[5] كلمّا ازددت شكّا، كلمّا كنت متأكداً من شكّك. وكلما غدوت أكثر يقيناً أنك منخرطاً في الشك، كلمّا أصبحت أكثر يقينية أنك موجود. لأنه ليس بوسعك أن تشك إنْ لم تكن موجوداً. فيجب أنْ تكون موجوداً لتقدر على فعل الشكّ. وبهذا، فالشك يؤدي فعلياً إلى اليقينية بخصوص الواقع ـ الواقع أنك موجود.
اللاأدرية تفشل
لقد قال الفيلسوف إيمانويل كانط إنه يجب أن نبقى لاأدريين بخصوص الحقيقة المطلقة.[6] ولكنه لم يكن لاأدرياً بخصوص اللاأدرية. فهو ادّعى معرفة عدم قدرته على معرفة الواقع نفسه. ولكن الدعوى نفسها التي تفيد أني أعرف عدم قدرتي على معرفة الواقع هي نفسها دعوى لمعرفة شيء عن الواقع. من الناحية العملية، لا يمكن أن نجد طريقة لنفي قدرتنا على معرفة الواقع بدون أن نعرفه.[7]
ماذا نعرف
خلاصة القول، يوجد واقع، ويمكننا أن نعرفه: أعرف أني موجود. أعرف أنّ العالم موجود خارجي. أعلمُ أنّ آخرين موجودون. وأعلمُ أيضاً أن قوانين المنطق صحيحة. وأعلم أنّ عكس الصحيح زيفاً (انظر الفصل 2 أدناه). أعرف أنّ الريبيين واللاأدريين على خطأ. وأعرف أنه بوسعنا أن ندرك أشياءً كثيرة[8]. وكما سنجد لاحقاً (في الفصل 3)، بإمكاننا أن نعلم إنْ كانَ اللهُ الواحد موجوداً، وإنْ كانت المعجزات ممكنةً (في الفصل 4)، وإنْ كان يسوعُ ابنَ الله (في الفصل 7 و8). باختصار، نستطيع أن نتحقق إنْ كانت المسيحية صحيحةً. فدعونا نبدأ في فحص هذه الإمكانية من خلال النظر إلى الفكرة الأساسية، أي، أنْ عكس الصحيح هو مزيف.
المسائل الاثني عشر |
موجز الفصل: لا يمكن أن يكون كلا النقيضين صادقين |
1. الحقيقة حول الواقع قابلة للمعرفة 2. لا يمكن أن يكون كلا النقيضين صادقين 3. إنها لحقيقة أن الله الواحد موجود 4. المعجزات ممكنة 5. يرتبط حدوث المعجزات بدعوى صادقة تعلن حق الله عبر رسل الله 6. العهد الجديد نص موثوق 7. كما شهد العهد الجديد، فيسوع المسيح أعلن أنه الله 8. إعلان يسوع أنه الله تأكد بمجموعة فريدة من المعجزات 9. وبهذا، فيسوع هو الله الظاهر بالجسد 10. كل ما أكّده يسوع (الذي هو الله) أنه الحق، فهو حق 11. يسوع أكّد أن الكتاب المقدس كلمة الله 12. إذاً، الحق أن الكتاب المقدس كلمة الله، ومزيف وكل ما يعارض هذا الحق الكتابي |
· النتيجة المنطقية لقانون عدم التعارض · لا يمكن لكل الآراء أن تكون صحيحة · يمكن لدين أنْ يكون صحيحاً · يمكن لدين آخر أنْ يكون صحيحاً في مسائل مختلفة · الله والمنطق · قوانين المنطق تنطبق على الله · هل الله خاضع للمنطق؟ |
ملخص الفصل إنَّ الحقيقة تتطابق مع الواقع. وحتى انكار هذه الدعوى يتطابق مع الواقع. إضافة لذلك، ليس بوسعنا أن ننفي معرفتنا بالواقع بدون أن نعرف شيئاً عنه. وبالمثل، فعكس الصحيح هو مزيف. ولا يمكن لكل الآراء أن تكون صحيحة. فعلى الأقل ثمة رؤية واحدة صحيحة من أصل اثنتين متعارضتين. ومثلاً، إما إنّ الله موجود أو غير موجودٍ. فإنْ كان خاطئاً أن الله ليس موجوداً، فهذا يستتبع أنه موجود. وبالمثل، من المحتمل أنّ ديانة واحدة صحيحة في كل دعاويها الأساسية، فإنْ صح ذلك، فيعني أن أي ديانة أخرى تحتوي على ما يخالف هذه الحقائق الأساسية يجعلها ديانة باطلة.
|
- عدد الزيارات: 1202