الفصل الخامس: غاية موت المسيح (2)
وفي الوقت المعين مات المسيح على الصليب وقام من الأموات في اليوم الثالث حسب الكتب. فمن المهم جداً أن نذهب إلى كتابات العهد الجديد (أي القسم الثاني من كلمة الله, ذلك القسم الذي أوحى به الله في أيام ما بعد الميلاد).
كانت كلمات السيد المسيح في الفريضة التي أنشأها قبيل آلامه وموته (أي فريضة العشاء الربّاني): "لأن هذا هو دمي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل الكثيرين لمغفرة الخطايا." (الإنجيل حسب متى 26: 28) وما أكثر تعاليم الرسول بهذا الصدد! ففي رسالته إلى أهل الإيمان في مدينة رومية كتب قائلاً: "فبالأولى كثيراً ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب." (5: 9) وكتب الرسول إلى مؤمني مدينة أفسس في آسيا الصغرى: "يسوع المسيح ... الذي به لنا الفداء بدمه غفران الخطايا بحسب غنى نعمته." (1: 3) "ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح (2: 13) وفي الرسالة إلى أهل الإيمان في مدينة كولوسي كتب الرسول عن الموضوع عينه قائلاً: "لقد قام (أي السيد المسيح) عاملاً الصلح بدم صليبه." (1: 20).
أما صاحب الرسالة إلى العبرانيين فإنه يكتب بصورة مطوّلة عن هذا الموضوع قائلاً: "وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد – أي الذي ليس من هذه الخليقة وليس بدم تيوس أو عجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً. لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المُنجسين يُقدس إلى طهارة الجسد, فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب يُطهّر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي؟" (9: 11 – 14).
وكتب الرسول يوحنا قرب نهاية القرن الأول من الميلاد في رسالته الأولى: "ودم يسوع المسيح ابنه يطهّرنا من كل خطية." وأما في سفر الرؤيا فإنه يعطينا نص الترانيم التي يرقعها المؤمنون الذين عبروا شاطئ الأبدية يحمدون بواسطتها السيد المسيح الذي افتداهم من الخطية والموت: "مُستحق أنت أن تفتح السِفر وتُفك ختومه لأنك ذُبحتَ واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة ... مُستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة." (5: 9 و12).
وكل من يقبل تعاليم كلمة الله لا يجوز له مطلقاً بأن يجد عثرة في كلمة "دم", فيما أن يسوع المسيح قد كسب لنا الخلاص والفداء والتحرير بواسطة آلامه وموته الكفّاري والنيابي على الصليب, من البديهي أن يلجأ كتبة أسفار الكتاب المقدس إلى الكلام مراراً وتكراراً عن موضوع "دم" يسوع المسيح. وفي تاريخ الكنيسة حاول الكثيرون بأن يحصلوا على الخلاص بواسطة مجرد العضوية في الكنيسة أو بواسطة عزمهم الصادق بأن يحيوا حياة الكمال أو أن يقوموا بأعمال صالحة عديدة, ولكن هؤلاء الناس مُنُّوا بالفشل الذريع. ليس علينا إذن سوى الرجوع إلى التعاليم الرسولية اتي تؤكد بأن فاعلية وحيوية عمل المسيح يجب أن تُنسب إلى موته ودمه وصليبه. ويمكننا دوماً أن نفحص النظريات والآراء المختلفة التي تبرز إلى الوجود بواسطة مواقفها من هذا الموضوع الرئيسي في الإيمان: ما هو محل صليب المسيح في التعاليم التي يُنادي بها الناس؟
وبالنسبة للذين لم يختبروا خلاص الرب فإن التصريح بأن الخلاص هو بدم المسيح يظهر أنه غير مقبول وغير معقول! والكتاب المقدس يعترف بهذا الموقف الذي يصدر عن قلوب غير المتجددين ويصرّح بأن "كلمة الصليب عند الهالكين جهالة" ولكنه يضيف في نفس الوقت بطريقة المقابلة: "وأما عندنا نحن المُخلَّصين فهي قوة الله" (الرسالة الأولى إلى كورنثوس 1: 18). وجميع الذين اختبروا في حياتهم الغفران يعرفون بأن الرب الذي صُلب ومات وقام هو قادر على أن يُخلّص إلى التمام أولئك الذين يقربون إلى الله بواسطته وبأنه لا يوجد خلاص لأحد إلا به.
وعلينا أن نلاحظ أيضاً بأن المسيح لو لم يكن قد قدّم حياته ذبيحة عن الآخرين فإننا لا نعلم إذن لماذا مات على الصليب. ولقد احتمل السيد له المجد الموت (وهو عقاب الخطية) مع أنه لم يكن قد اقترف أي ذنب أو ارتكب أية خطية. كيف نُفسّر إذعانه الاختباري للموت وهو في سن مبكرة أي في الثالثة والثلاثين من عمره) إن لم يكن قد قام بذلك من أجل التكفير عن خطايا الناس؟
- عدد الزيارات: 3901