Skip to main content

من صلب المسيح - خالق الأكوان

الصفحة 5 من 5: خالق الأكوان

رابعاً، يأتي خالق الأكوان أي الله، له المجد. ولعلك تستغرب هذا القول وربما تتساءل: هل لله يد في صلب المسيح؟ والجواب هو نعم، وإليك الأسباب :

أولاً، أن الله لا يتراجع عن كلامه ولا يغير ما خرج من فمه. فالله قال لأبينا آدم محذراً: «لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت.» فلما عصى الإنسان الله وقع تحت حكم الموت الجسدي والأبدي.

ثانياً، أن الله يحب الإنسان جداً، ولذلك كان عليه أن يجد حلاً يوفق بين عدله من جهة ومن رحمته من جهة أخرى؛ فكان الحل هو الصليب. لأن المسيح دفع عنا أجرة الخطية التي هي الموت. وقد تمكن من فعل ذلك لأنه بلا خطية. ولماذا بلا خطية؟ لأنه ابن الله بالإضافة إلى كون ابنه الإنسان، بكلام آخر، كان موت المسيح موتاً بديلياً نيابياً أي أنه مات نيابة عنا. وهذا يتفق مع أقوال الأنبياء والرسل الأبرار، ففي الإصحاح 53 من نبوة إشعياء نقرأ العبارة التالية: «هو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه وبحبـره شفينا، كلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحد إلى طريقه والرب (الله الآب) وضع عليه (على المسيح) إثم جميعنا...» والمسيح نفسه، في حديثه مع المعلم نيقوديموس، أكد على هذه لحقيقة قائلاً: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد. . . " وقد أيد الرسول بولس هذا القول في الإصحاح 8 من رسالته إلى رومية فهتف يقول: «الله لم يشفق على ابنه بل بذله من أجلنا أجمعين.» قال هذا بقلب يفيض الشكر والتقدي للآب السماوي الذي آثر أن يشفق علينا على ابنه، ولذلك ضحى به حباً بنا وبخلاصنا من الخطية والموت الأبدي.

يخبرنا الرسول يوحنا في الأصحاح 18 من بشارته أنه لما حاول بطرس الدفاع عن المسيح بالسيف، وبخـه يسوع قائلاً له: "اجعل سيفك في الغمد. " ثم تابع يقول: «الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟» وقد قصد أن يوضح لبطرس (ولنا) أن الله هو الذي عيّن أن يكون الصليب علاجاً لمشكلة الخطية، ولذلك أعطى ابنه كأس الموت ليمنحنا كأس الخلاص. وهكذا يصبح في مقدور الإنسان أن يمد يده بالإيمان إلى يسوع قائلاً: «كأس الخلاص أتناول وباسم الرب ادعو. »

من صلب المسيح؟ جماعة الرومان وأمّة العبران وعدونا الشيطان وخالق الأكوان. وخامساً، ابن الإنسان. أي المسيح بالذات. هل تعلم يا عزيزي أنه كانت ليسوع في موته على الصليب؟ لا تسئ فهمي. فأنا لا أقصد أن المسيح انتحر أو استشهد بل أقصد أن المسيح مات طوعاً واختياراً ساعة شاء وكيفما شاء. ففي مؤتمر الثالوث الأقدس في الأزلية «قدم المسيح نفسه لله»، متبرعاً متطوعاً للموت عن الإنسان الخاطي. كان بوسعه أن لا يموت لو شاء. وكان بوسعه أن يقضي على خصومه لو أراد. مراراً كثيرة أرادوا قتله قبل أن تأتي ساعته، ولكنه كان ينسل من وسطهم ويمضي. عندما أتت الساعة جاء خصومه جاؤوا ليلقوا القبض عليه. فلما سألهم من تطلبون، أجابوا: يسوع الناصري. فقال لهم: "أنا هو. " ولما قال هذه الكلمة «رجعوا جميعاً إلى الوراء وسقطوا على الأرض. » فالمسيح كان سيد الموقف ولذلك مات باختباره ساعة شاء. قال الرب يسوع في الأصحاح العاشر من إنجيل يوحنا: «لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً. » وهكذا عندما دنا من ساعة الصفر رفع عينيه نحو السماء وقال: «أيها الآب قد أتت الساعة. » وبعد ذلك علق رب السماء والأرض بين السماء والأرض. ولا يسعني إلا أن أقول مع المرنم:

     ما أعجب حبك لي           إذ قد صلبت ذا من أجلي

      محتملاً كل الهـوان           لكي تـعدّ لـيَ مكـان

من صلب المسيح؟ جماعة الرومان وأمّة العبران وعدونا الشيطان وخالق الأكوان وابن الإنسان وأخيراً "كل إنسان"، وهذا يشملك أنت ويشملني أنا أيضاً. نحن جميعاً صلبنا المسيح. فإن كنا نظن أننا نحن أفضل من الرومان واليهود فنحن على خطأ. الكل سواسية من هذه الجهة، لأن كلمة الله تقول: «الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. » ولفظة "الجميع" تشمل البشرية كلها. يقول إشعياء النبي: «كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه (أي المسيح) إثم جميعنا. » ويقول الرسول بولس: «ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. » وفد أكد المعمدان على هذا الأساس يمكن لكل منا أن يقول بصدق: كل شوكة قد غرزتها أنا... ويمكن لكل منا أن يقول مع باراباس: كان يجب أن أكون أنا على الصليب ولكن يسو أخذ مكاني لأنه أحبني...

في مقال في إحدى المجلات تحدث الكاتب عما تفعله بعض الدول بأقذارها ونفاياتها، فقال أن هذه الدول أقامت مصانع خاصة استطاعت بواسطتها أن تحول القمامة إلى مواد كيماوية ومواد بناء وسواها من المواد النافعة للناس. وهذا ما فعله الله بالذات بواسطة مصنع الصليب. فمع أن خطايانا هي التي صلبت يسوع فقد حول الله الصليب إلى وسيلة للخلاص. فهل ترغب في الاستفادة من خلاص الله بالمسيح؟ هل تطرح نفسك على رحمة الرب الآن فتتوب معترفاً بخطاياك ومتكلاً على المصلوب وحده لخلاص نفسك؟ هل تقبل نعمة الله بالإيمان بالمسيح؟

إن الرب الذي فتح ذراعيه على الصليب، ومازال فاتحاً ذراعيه ليرحب بك.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 2747