الفصل الثاني: علماء يؤمنون
يزعمون أنه يستحيل على المرء أن يؤمن بالكتاب المقدس ما دام واحداً من العلماء. وهكذا تحت ستار العلم، تتعرض كلمة الله لأعنف الهجومات، ولا سيما في المدارس والكليات والجامعات المنتشرة في كل أنحاء العالم.
غير أنه لدى دراستنا لتاريخ العلوم، وإطلاعنا على سير أولئك العلماء الحقيقيين الذين كشفوا النقاب عن اكتشافاتٍ هامة، لا يسعنا إلا أن نندهش إذ نعلم أن عدداً كبيراً منهم كان من المؤمنين بالله، أو كانوا مؤمنين بحرفية الكتاب المقدس.
ونتناول الآن بعض الأمثلة عن علماء عظماء آمنوا.
جوانّس كبلر (Johannes Kepler ) (1571- 1630)
استحق، بفضل إنجازاته العظيمة واكتشافاته في مجال علم الفلك، أن يوصف "بالرجل الذي باشر العملية التي اعتمدت المنطق بدل الخرافات" [1]. فقوانينه الثلاث حول مسار الكواكب، هي التي أرست أسس علم الفلك الحديث:
* يتحرك كل كوكب حول الشمس في مدار بيضوي الشكل؛
* تزداد سرعة الكواكب كلما اقتربت من الشمس؛
* إن نسبة مربع الفترتين التي تستغرقهما الدورة الكاملة لأي كوكبين حول الشمس، توازي نسبة مكعّب معدّل مسافة كل كوكب من الشمس.
لخص كبلر إيمانه بقوله: "أنا مسيحي مؤمن"، معترفاً بأن الله هو "الخالق اللطيف الذي كوّن الطبيعة من لا شيء" [2]. كما أن قوانينه حول مسار الكواكب، جاءت وليدة إيمانه بأن الله هو إله ترتيب وليس إله تشويش. وهكذا فإن كتابه تحت العنوان "انسجام العالمين"، والذي أصدره في العام 1619 لتدوين مبدأه الثالث المتعلق بمسار الكواكب، وردت فيه هذه الكلمات: "عظيم هو الله ربنا، وعظيمة قدرته، ولا نهاية لحكمته" [3].
وما صرّح به كبلر في المرحلة المتقدمة من حياته، إنما يعكس الإيمان المسيحي لدى هذا العالِم العظيم: "أنا أومن... وأكرّس نفسي لخدمة يسوع المسيح وحده... ففيه حصني وملجأي، وكل عزائي". وقال أيضاً: "كنت أنوي أن أصبح لاهوتياً... لكني أرى الآن أن الله تمجد أيضاً من خلال نشاطي في مجال علم الفلك، ذلك لأن السماوات تحدثت بمجد الله" [4].
روبرت بويل (Robert Boyle) (1627- 1691)
بالإضافة إلى كونه رائد الكيمياء الحديثة، ساهم أيضاً كثيراً في تقدم التفكير العلمي. ومن جملة اكتشافاته الشهيرة، نذكر مثلاً، جهوده بشأن علاقة ضغط الغازات بحجمها، والتي لا تزال تُعرف في أيامنا بقانون بويل.
لم يرَ بويل أي تضارب بين العلم وإيمانه المسيحي. وقد ألّف بعض الكتب الدينية التي ضمنها مجموعة من التأملات الروحية التي فيها انطلق من عالم الطبيعة لتوضيح حقائق مسيحية. كان إيمانه قوياً بيسوع المسيح مخلّصه وربّه. هكذا ذكر في كتاباته عن "آلام المسيح، وموته، وقيامته، وصعوده، وعن كل تلك الأعمال المدهشة التي صنعها إبان وجوده على الأرض، بهدف التأكيد للجنس البشري بأنه إله وإنسان في آن" [5].
اسحق نيوتن (Sir Lsaac Newton) (1642- 1737)
كان من أعاظم العلماء، وصاحب اكتشافات كثيرة، كقوانين الجاذبية مثلاً، وقوانين الحركة، والحساب. كما أنه ساهم في تقدّم العلوم، ولا سيّما في حقول الفيزياء، والرياضيات، وعلم الفلك.
كان نيوتن يحبّ الله، ويؤمن بكلمة الله، كما انكبّ على دراسة الكتاب المقدس، وألّف كتباً حول دراسته هذه. وقدر ذكر في كتاباته: "إيماني راسخ بأنّ الكتاب المقدس هو كلمة الله، وبأنّ الله أرشد أناساً إلى تدوينها. وأنا أواظب يومياً على دراسة الكتاب المقدس" [6]. أمّا وجهة نظره كعالم، فقد عبّر عنها بوضوح حين قال: "الإلحاد هو ضربٌ من الغباء. فعندما أنظر إلى النظام الشمسي، أرى أن الأرض تقع على المسافة المناسبة من الشمس، والتي تمكّنها من الحصول على الكميات المناسبة من الحرارة والنور. وهذا بالطبع، لم يحدث من قبيل الصدفة" [7].
كان بإمكان نيوتن، خلال تعقّبه لمسار الكواكب، أن يرى يد الله في هذا الأمر. وقد عبّر عن هذا بالقول: "إن هذا النظام الرائع الذي يتكوّن من الشمس والكواكب والمذنّبات لا يمكنه أن يصدر إلاّ عن مشورة وسلطان كائن فهيم وفطن... وهذا الكائن الإلهي هو الذي يتحكّم بالكل إذ هو رب الكل" [8].
مايكل فاراداي (Michael Faraday) (1791- 1867)
كان رائداً في حقل الكهرباء الذي كان مغموراً في ذلك الوقت. وهو المسؤول عن اختراع كل من المولّد الكهربائي والمحوّل الكهربائي. كما أنه كان من أوائل صانعي المحركات الكهربائية. وتقديراً لجهوده في حقل الكهرباء، أطلقوا التسمية فاراد (Farad) على وحدة المواسعة الكهربائية.
كان فاراداي مسيحياً مؤمناًن وكانت حياته مليئة قوّةً من الله. لقد استمر متواضعاً على الرغم من تناوله طعام الغذاء إلى مائدة الملكة فيكتوريا، وإقدام أعضاء من البلاط الملكي على حضور محاضراته. كان واحداً من الشيوخ في كنيسته المحلية، وغالباً ما يكرز للناس بالإنجيل. وعندما سأل أحدهم عن تخميناته بشأن ما يحصل بعد الموت، أجابه: "أنت تحدثني عن تخمينات؟ ليس عندي أية تخمينات. بل أنا مستند إلى أمور يقينية وأكيدة. "لأني عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم" [9].
صموئيل مورس (Samuel Morse) (1791- 1872)
اخترع التلغراف، ونظام مورس الذي دُعي باسمه. وهكذا فقد اختار كلمات سفر العدد 23: 23: "ما فعل الله" لتكون أول رسالة رسمية تم نقلها بواسطة التلغراف. كان مورس مسيحياً حريصاً على إعطاء المجد لربّه. وهكذا وصف عمله الذي أنجزه في حياته بهذه الكلمات: "أنه عمل الرب... ليس لنا، يا رب، ليس لنا، لكن لاسمك أعطِ مجداً" [10]. لم يجد أي صراع بين العلم والمسيحية.
متى موري (Mathew Maury) (1806- 1873)
كان رائداً في مجالي علم المحيطات (Oceanography)، وعلم وصف المياه (Hydrography). لقد أصبحت كل بعض مقالاته وكتبه من أشهر المراجع في هذين الحقلين. دعم بقوة مشروع مدّ خط اتصال عبر المحيط الأطلسي، والذي يُعبر أول إنجاز عظيم في حقل الاتصالات الدولية.
كان موري مسيحياً مكرّساً وقابلاً بسلطان الله على حياته. وهكذا استعان بانجازاته العظيمة إعطاء المجد لله، على اعتبار أنه الر ب على كل الخليقة، "سواء ما على الأرض، أو في البحار". كذلك، كان ماهراً في دفاعه من استعانته بالكتاب المقدس في سياق أبحاثه كما في كتاباته أيضاً. "لقد لامني العلماء على اقتباسي من الكتاب المقدس لتثبيت مبادئ الجغرافيا المادية. فالكتاب المقدس، في زعمهم، لم يُكتب لأهداف علمية، وبالتالي لا سلطة له في ما يتعلق بالمسائل العلمية. لكن أرجو منكم المعذرة. فالكتاب المقدس هو السلطة بالنسبة إلى كل شيء يأتي على ذكره... إن الكتاب المقدس هو حق وصحيح، كما أن العلوم أيضاً هي حق وصحيحة. وهكذا فإن قراءة كل واحد منهما، على نحوٍ صحيح، لن يعمل إلا على برهان صحة الآخر" [11].
جايمس جول (James Joule) (1818- 1889)
اشتهر بإنجازه في حقل الفيزياء، حيث بيّن العلاقة بين الحرارة والحركة الميكانيكية، وهكذا دُعيت وحدة الطاقة باسمه: الجول. وهو يقف أيضاً وراء قانون جول (JoulesLaw)، بالإضافة إلى كونه أحد مؤسسي العلم الحديث في العهد في ذلك الوقت، والذي عُرف بالطاقة الحرارية (Thermodynamics). ذلك بفضل تقديمه أساساً اختيارياً بالقانون الأول المختص بالديناميكا الحرارية، والذي يشير ضمناً إلى أن الكون عاجزٌ عن خلق نفسه بنفسه.
كان جول مسيحياً مشهوداً لإيمانه. لقد تمكّن من رؤية الانسجام العظيم القائم بين عمله وبين حق الكتاب المقدس. كما أن العديد من زملائه العلماء شاركوه في نظرته هذه، وفي رفضه لتيار الداروينية الذي كان يكتسح انكلترا في ذلك الوقت. وعلى أثر ذلك، قام 717 عالماً، في العام 1864، بالتوقيع في لندن على بيان عظيم تحت عنوان "إعلان تلاميذ العلوم الطبيعية والفيزيائية"، يؤكدون فيه ثقتهم الكاملة بمصداقية الكتاب المقدس. فالعالِم جول كان لديه إيمان ثابت بأن الله هو الخالق، وعلى هذا الأساس، رتّب أولوياته: "بعد التعرّف بإرادة الله وإطاعتها، يجب أن يكون هدفنا التالي هو الإطلاع على خصائص الحكمة والقدرة والصلاح لديه، كما تبرزها أعماله" [12].
لويس باستور (Louis Pasteur) (1822- 1895)
هو مؤسس الصنف الجديد من العلوم والمعروف بعالم الأحياء المجهري (Microbiology) وعلم الجراثيم (Bacteriology). كما أنه اقترح التلقيح، وتحصين المناعة، والبسترة، والتي ساعدت على إنقاذ حياة العديدين من الناس. وهو أيضاً صاحب قانون النشوء الإحيائي (Biogenesis)، والقائل إن الحياة لا تأتي إلاّ من الحياة، داحضاً بذلك فكرة التولّد التلقائي (Spontaneous Generation)والتي كانت رائحة في ذلك الحين.
لم يرَ باستور أي تناقض بين العلم والمسيحية. بل كان يؤمن إيماناً راسخاً بأن "العلم يعمل على تقريب الناس من الله". وبصفته عالماً بارعاً، استوقفه ما في الكون من أدلّة على الترتيب والنظام أكثر منها على التشويش والفوضى. وهو صاحب القول المأثور: "كلّما أمعنتُ في دراسة الطبيعة، كلّما ازدادت دهشتي أمام عما الخالق" [13].
وليم طومسون (اللورد كلفن)
(William Thomson, Lord Kelvin) (1824- 1907)
اشتهر بإرسائه مبادئ الطاقة الحرارية، وبصياغته الدقيقة لكل من قانونها الأول الذي كان العالِم جول قد عرضه أولاً، ولقانونها الثاني، وهذان القانونان يّظهران أن نظرية النشوء لا تستند إلى أية أسس علمية. وهو مكتشف قياس الحرارة المطلقة (Absolute Temperature)، والتي أُطلق اسمه على وحدتها، لتكريمه. كما أنه سجّل نحو سبعين اختراعاً خلال حياته.
وكلفن، كان لديه إيمان قوي بالله. وقد صرّح قائلاً: "كل ما حولنا بشير، بوضوح تام إلى خطة حكيمة وصالحة... أمّ فكرة الإلحاد فهي بعيدة كل البعد عن المنطق السليم بشكل أعجز عن التعبير عنه بالكلمات" [14]. كما أنه لم يز أي تناقض بين العلم والكتاب المقدس، وهكذا صرُح بالقول: "في ما يتعلق بأصل الحياة، يأتي العلم ليثبت، بشكل إيجابي، حقيقة القوة الخالقة" [15].
جايمس كلارك ماكسويل (James Clerk Maxwell) (1831- 1879)
أن نظريته الكهرطاسية، مع ما يرافقها من معادلات، هي التي مهدت السبيل أمام فيزياء القرن العشرين.
كان ماكسويل مسيحياً مكرساً، يدرس كتابه المقدس بكل انتظام. كذلك كان من شيوخ الكنيسة، مشهوداً له بإيمانه والتزامه في أوساط أصدقائه وزملاءه العلماء. وقد عُثر، بين ملاحظاته، على الصلاة التالية: "اللهمّ القادر على كل شيء، يا من خلقتَ الإنسان على صورتك، وجعلته نفساً حياً حتى يتسنى له أن يطلب وجهك، كما سلّطته على المخلوقات، علّمنا أن ندرس أعمال يديك بهدف تسخير الأرض لخدمتنا، وعزّز دوافعنا المقدسة لخدمتك. ساعدنا أيضاً أن نقبل كلمتك المباركة، حتى نؤمن بالرب يسوع الذي أرسلته لكي يعرّفنا بالخلاص وغفران خطايانا. وهذا كلّه نسأله باسم ربنا يسوع المسيح نفسه" [16].
إن ما سبق ليس سوى غيض من فيض مشاهير العلماء العظام الذين اكتشفوا أموراً ذات أهمية، ولم يجدوا أي تضارب بين إيمانهم بالكتاب المقدس بصفته كلمة الله الكاملة، وعبقريتهم العلمية.
علماء آخرون كثيرون من أمثال فلمنع (Fleming)، الرائد في حقل الإلكترونيك، وصاحب القول: "ثمة وفرة من الأدلة على أن الكتاب المقدس ليس نتاج الذهن البشري، مع أن أناساً كتبوه. فالذين يجلّونه على اعتبار أنه رسالة موجهة من الخالق إلى الكون، هم كثر، ولا حصر لهم" [17]. إلى ذلك، لدينا لِستر (Lister)، مُخترع الجراحة المعقّمة (Antiseptic Surgery)، الذي قال: "أنا مؤمن بعقائد المسيحية الأساسية" [18]. كما أن سمسون، مٌخترع البنج، عندما سئل عن أعظم اكتشاف قام به خلال حياته، أجاب: "كوني قد وجدت المخلّص" [19]. كذلك كانت دالتون (Dalton)الذي أرسى مبادئ النظرية الذرية، من المسيحيين الملتزمين. والإخوة رايت (Wright Brothers)، مخترعو الطائرة المزودة بمحرك، قَبِلا الرب يسوع المسيح مخلّصاً شخصياً خلال فترة الشباب. كما رفضوا أن يشتغلوا يوم الأحد حتى في وجه المنافسة الشديدة على تسجيل هذا الاختراع في تلك المرحلة الدقيقة جداً. وعلينا أيضاً ألا نسهو عن أعاظم العلماء من أمثال باباج (Babbage) في علم الكومبيوتر، وفون براون (Von Braun)في علم الصواريخ الفضائية، وأويلر (Euler)في علم الحساب، ومندل (Mendel) في علم الوراثة، وباسكال (Pascal)في علم الأرجحية، ورامسي (Ramsay) في علم الكيمياء... وكثيرين غيرهم من أعلنوا إيمانهم مجاهرةً أمام الملإ من دون أي مساومة [20].
تلك كانت بعض الأمثلة عن بعض أعاظم العلماء الذين آمنوا بأن الكتاب المقدس هو حقاً كلمة الله الخالق. غير أن هؤلاء العملاء لم يعيشوا جميعهم في الأزمنة العابرة حين كانت العلوم في المراحل الأولى من تطوّرها. إذ إن، في هذه الأيام، مجموعة كبيرة من العلماء المعروفين بمساهماتهم في شتى الحقول العلمية، والمؤمنين بوحي الكتاب المقدس من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا، وبضرورة تفسيره حرفياً. أنهم كلّهم يُجمعون على أن العلم الحقيقي والصحيح، يُثبت دائماً أن الكتاب المقدس هو كلمة الله الكاملة.
References in English
1. Tiner, J.H. Johannes Kepler- Giant of Faith and Science, Mott Media, Milford (Michigan), 1977, pp. 195- 6.
2. ibid. inside front cover.
3. ibid. p. 178.
4. ibid. p. 197.
5. More, L. T. The Life and Works of the Hounourable Robert Boyle, oxford University Press, Oxford, 1944, P. 171.
6. Tiner, J. H. Issac Newton- Inventor, Scientist, and Teacher, Mott Media, Milford (Michigan), 1975- inside front cover.
7. Ibid.
8. ibid.
9. Boreham, F. W. A Handful of Stars: Tests that Moved Great Minds, Epworth Press, London, 1933, P. 180.
10. Williams, E. L. and Mulfinger, G. Physiacal Science for Christian Schools, Bob Jones University Press, Greenville (South Carolina), 1974, P. 458.
11. Corbin, D. F. M. A Life of Matthew Fontain Moaury, USN & CSN, Sampson & Low & Co., 1888.
12. Crowther, British Scientists of the Nineteenth Century, Routledge & Kegan Paul, London, 1962, .p. 138.
13. Tiner, J. H. Louis Pasteur- Fouder of Modern Medicine, Mott Media, Michigan (1990), p. 75.
14. Thomson, W. Journal of the Victoria Institute, Vol. 124, p. 267.
15. Morris, H. M. Men of Science, Men of god, Master Books, Colorado Springs, 1982, p. 66.
16. Williams and Mulfnger (Ref. 10), p. 487.
17. Watson, D. C. C. Myths and Miracles- A Mew Approach to Genesis 1- 11, Creation Science Foundation, Acacia Ridge (Queensland, Australia), 1988, p. 113.
18. Morris (Ref. 15), p. 67.
19. Morris (Ref. 15), p. 52.
20. Lamont, A. 21 Great Scientists who Believed the Bible, Creation Science Foundation, Brisbane, 1995.
- عدد الزيارات: 5738