الفصل العاشر: مخلوقون على صورة الله: الحلقة المفقودة باقية
"وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تكوين 1: 26).
يخبرنا الكتاب المقدس بأن الله خلق آدم على صورته، أي جعله خليقة مميزة. وعندما أخطأ الإنسان، دبر الله بدافع محبته العظيمة له ورحمته، سبيلاً لخلاصه. نحن إذاً مميزون في نظر الله لأنه أرسل ابنه الوحيد، الرب يسوع المسيح، ليموت على الصليب عوضاً عنا.
لا يقبل النشوئيون بأي شيء، من هذا القبيل؛ فالناس، بحسب مفهومهم، هم وليدة مجموعات لا نهاية لها من الحوادث الطارئة والتحولات الإحيائية والموت والألم وبقاء الأصلح. وهكذا لا مكان داخل اعتباراتهم لله إله المحبة والمقاصد.
ينبغي توافر مليارات المستحجرات لأنواع انتقالية من الكائنات حتى تصبح نظرية النشوء مقبولة. وقد رأينا أنه لم يتم العثور داخل سجل المستحجرات ولا حتى نوع واحد من هذه الأنواع الانتقالية. وهذه هي الحال أيضاً بالنسبة إلى افتراض نشوء الإنسان من القرد. فمعظم الكتب المدرسية والجرائد والمجلات والبرامج العلمية التي تبثها الاذاعات أو تظهر على شاشة التلفاز تدعي بأنه تم العثور على الحلقة المفقودة، الإنسان القرد. لكن، لدى تفحص الأدلة، تبين عدم صحة أية واحدة منها. ومن جديد، تأتي هذه المجموعة من الأضاليل المبرمجة لتثبت ما لدى الشيطان من اهتمام عظيم بإشاعة نظرية النشوء.
بدأ، في مطلع هذا القرن، بين العلماء والوجوديين، هواةً واخصائيين، سباقٌ للعثور على الحلقة المفقودة. لقد ظنوا أن التاريخ سيخلد أسماءهم كمن أزاحوا الله عن مسرح الخلق، لو تمكنوا فقط من العثور على الإنسان- القرد. كانوا في قرارة أنفسهم يرغبون في احتلال عرش الله. ولكن يؤسفني القول إن العديد من هؤلاء كانوا على استعداد لاستخدام جميع الأساليب الممكنة لتنفيذ مأربهم وتحقيق هذا "الاكتشاف". كانوا مستعدين أن يعتمدوا الاحتيال والخداع، ويستعينوا بضروب الأضاليل العلمية كافة. لقد حللوا لأنفسهم نقض جميع النواميس الأدبية والأخلاقية، واتّباع الغش والكذب والنفاق وحتى التزوير لبلوغ أهدافهم. لكن باستطاعتي التصريح، بيقينية صارخة، بأنه لم يتمكن أي واحد منهم من العثور على الإنسان- القرد، الحلقة المفقودة، وذلك لسبب بسيط هو أنه غير موجود.
فلنتناول مثلاً إنسان جافا، الذي أنشأه دوبوا (Dubois) انطلاقاً من إحدى عظام الرجل، والجزء العلوي من الجمجمة وثلاثة أسنان. وهكذا كتم على مدى فترة 30 سنة كونه قد عثر على جماجم بشرية "حديثة العهد" على مقربة منها وعلى المستوى عينه. لكن دوبوا، قبيل موته وبعد أن كان قد أقنع معظم المشككين الأوائل، اعترف بأن الجمجمة كانت تعود إلى قرد. وهكذا لم ينكشف عمل الاحتيال هذا إلا في ساعة احتضاره، إذ أنبه ضميره أي ضميره أي تأنيب، وبعد أن كان قد نجح في إقناع العديد من النشوئيين بأنه وجد الحلقة المفقودة.
ثم جاءت فكرة إنسان نبراسكا التي بنيت على وجود سن واحدة. تأمل في نظرية علمية عن أصل الإنسان مؤسسة على سن واحدة. انطلق النشوئيون من هذه السن وطوروا فكرة إنسان نبراسكا وزوجته والأدوات التي استخدماها. وذلك كله أساسه سن واحدة وخيال خصب. كان هذا يصلح كفكاهة لو لم يدخلوا الصورة في كتب العلوم المدرسية لكي تعلم كحقيقة علمية. وبعد سنوات تبين أن هذه السن كانت تعود إلى خنزير، لا إلى إنسان ولا إلى قرد. ومع هذا لا يزال العديد من الكتب المدرسية تعلم أن إنسان نبراسكا هو الحلقة المفقودة.
إنسان بلتادون (Piltdown) الذي اكتشفه تشارلز داوسن (Charles Dawson) عام 1912 في انكلترا، كان مبنياً على جزء من فك وضرسين وجزء من جمجمة. وهكذا ادعى داوسن عثوره على الإنسان- القرد معتبراً أن عمره يبلغ نصف مليون سنة. لكن سرعان ما انكشفت الحيلة عام 1953 [1]. فالفك كان يخص قرداً معاصراً، جرى برد أسنانه وتلوين عظامه اصطناعياً لتضليل الرأي العام. والحيلة انطلت على أعظم سلطات العالم، حتى إنهم وضعوا أسنان بلتادون على مدى 40 سنة داخل المتحف البريطاني، الأمر الذي يوضح ما للأفكار المسبقة التي يزرعها النشوئيون من سطوة على أذهان الناس.
إنسان بكين في الصين، زعموا أنه الإنسان- القرد وجرى جمعه انطلاقاً من أجزاء متناثرة من جمجمة وفكين وأسنان. ضاع الدليل منذ ذلك الحين بشكل غير قابل للتعليل. لكن لا يزال في أيامنا قوم يدعون بأن إنسان بكين هو الحلقة المفقودة.
إن اكتشافات لويس ليكي (Louis Leaky) ودارت (Dart) للأوسترالوبثكوس وللزنجنثروبوس نقضها ريتشارد ليكي (Richard Leaky) وآخرون معه مبينين أن هذين الأسمين يعودان إلى الذكر والأنثى لأحد انواع القردة المشهورة جداً وليس إلى الإنسان- القرد.
أما الإنسان النيندرتالي والإنسان الكرومنيوني فيملكان قدرات جمجمية تفوق قدرات الإنسان المعاصر. ويجمع العلماء اليوم على أن كلا العينتين ينتميان حقاً إلى فصيلة الهوموسابينس (الإنسان المعاصر). وإلا سينقضيان نظرية النشوء.
ولا بأس في التوقف قليلاً عند هذا الحد لملاحظة ما يلي: لا تزال الأشكال المزعومة عن الإنسان- القرد ترد في الكتب المدرسية ويدرسها التلاميذ بوصفها حقائق علمية، وذلك على الرغم من اطلاع العلماء على الحيل المذكورة أعلاه.
لقد جرى اكتشاف عدد كبير من الجماجم البشرية على مستويات تحت المستوى الأعلى. وإذا أخذنا العمود الجيولوجي على محمل الجد، فعندئذِ ينبغي لجماجم الإنسان المعاصر ألا تظهر إلا في المستويات العلوية، على أن يحتل ما يسمى أسلاف المستويات التحتية. غير أن العثور على العديد من الجماجم البشرية تحت المستويات العلوية يجعل إنسان اليوم معاصراً لأسلافه المزعومين، بل أقدم منهم في بعض الحالات. وبالمقابل، اكتشف الأخصائيون عدداً كبيراً من الجماجم البشرية تشهد أنه لم يحصل أي تعكير للطبقات. غير أن النشوئيين يتجاهلون هذه النتائج مع غيرها من التي تناقض هذه النظرية الهشة.
"لوسي" الشهيرة التي اكتشفها جوانسون (Johanson) في اثيوبيا في السبعينات من هذا القرن، زعموا أنها الحلقة المفقودة (المرأة- القرد). إلا أن هذا الزعم سقط منذ ذلك الحين على أثر الأبحاث التي قام بها مشاهير العلماء مثل الدكتور تشارلز أوكسنارد (Charles Oxnard)، أستاذ علم التشريح وعلم أحياء البشرية الذي قضى سنين يدرس الأمر بكل دقة في أكثر مختبرات العالم تقدماً [2]. وصفت المجلة الأوسترالية (Weekend) في عددها الصادر بتاريخ 7- 8 أيار (أغسطس) 1983 موقف ريتشرد ليكي، مدير متاحف تاريخ الطبيعيات في كينيا، من اكتشاف لوسي كما يلي:
"رداً على صدى الانتقادات التي كانت قد وجهت إلى أبيه على مهارته في إعداد الجماجم، فإن جمجمة لوسي جاءت ناقصة جداً حتى إنها كانت في معظمها من (نسج الخيال المصنوع من جص باريس)، ما يجعل من المستحيل التوصل إلى أي استنتاج ثابت بشأن نوعها" [3].
إن الاكتشافات المتعلقة بالمستحجرات، شكك في صحتها الباحث الشهير في حقل علم التشريح البروفسور اللورد سولي زوكرمان (Prof. Lord Solly Zuckerman) مع أخصائيين آخرين يعدون مرجعاً في هذا الحقل. وهكذا في كتابه "ما بعد البرج العاجي" (Beyond the Ivory Yower) ما يلي:
"السجل مدهش جداً حتى إنه بات من حقنا التساؤل هل كان هذا الحقل لا يزال يحوي قسطاً كافياً من العلوم" [4].
إن أولى اكتشافات ريتشرد ليكي في العام 1973 للإنسان الحديث، والبالغ عمره 8,2 مليون سنة بحسب أساليب التأريخ التي يعتمدها النشوئيون، محقت كل الاكتشافات السابقة العائدة إلى الإنسان- القرد. وقد قال ليكي في هذا الاكتشاف:
"إن ما اكتشفناه يمحو بكل بساطة كل تعلمناه عن النشوء البشري، وليس لدي أي بديل أقدمه" [5].
يا للحالة المأساوية. وإذا تذكرنا أيضاً الثغرات في أساليب التأريخ والتناقضات بينها، فإن هذا كله يظهر أولاً البنية الهشة لنظرية النشوء، وثانياً، حقيقة أن جميع أشكال الإنسان- القرد التي عرضوها لم تكن في الواقع سوى من نتائج أوهامهم النشوئية. فالذين يدعمون النشوء لا يفعلون ذلك بدافع اهتمامهم بالعلوم، إنما يعتمدون ذلك كذريعة لهم للتخلص من الله في حيواتهم. إنهم لا يريدون أن يكونوا مسؤولين تجاه الله خالقهم. وهم يفضلون أن يكونوا على صورة قرد يعفيهم من تحمل مسؤولية تصرفاتهم، وهكذا احتجزوه داخل أقفاص لمنع حصول أي شيء من هذا القبيل.
كلمة الله تحذر الناس من سلوك هذا السبيل الخطر، كما أن الروح القدس يناشد نفوسهم الخالدة بهذه الكلمات:
"لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ. إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلَهٍ بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى وَالطُّيُورِ وَالدَّوَابِّ وَالزَّحَّافَاتِ. لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضاً فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ. الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ" (رومية 1: 18- 25).
References in English:
1- Vere, F. Lessons of Piltdown, EPM, UK 1959.
2- Oxnard, E. New Perspective on Human Evolution, University of Washington Press, Seattle and London, 1987, P. 227.
3- Weekend Australian, 7- 8 May 1983, Magazine, P. 3. quoting R. Leaky.
4- Zuckerman, Lord Solly, Byond the Ivory Tower, Taplinger Pub. Co. New York, 1970, P. 64.
5- Gish, D. T. Evolution: The fossils say No! Creation Life Publishers, San Diego, 1979, P. 149.
- عدد الزيارات: 3392