Skip to main content

الفصل التاسع عشر: الشهادة الصامتة

إن صخور الأرض تشهد بصمت. ففي كل نواحي العالم، من الأرض التي تطأها أقدامنا إلى قعر البحار السحيقة فإلى قمم الجبال الشاهقة، هناك مقبرة واسعة تحوي بقايا الحيوانات والنباتات التي وُجدت في وقت من الأوقات على هذه الأرض وعاشت فيها.

لقد تمكنت النظريات العصرية، تحت ستار العلم، من تشويه شهادة المدفن وتحويلها إلى سجل خيالي عن تطوّر بطيء  حصل من طريق النشوء ودام ملايين السنين.

كلام أضحى مقبولاً ويعلمونه اليوم، واأسفاه، في معظم المؤسسات الثقافية المنتشرة حول العالم، بصفته حقيقة علمية. وهذا المفهوم عينه تسرّب أيضاً إلى العديد من المؤسسات المسيحية اليوم، ما أدى، قسرياً، إلى استحداث بعض النظريات التي تعتمد الحلول الوسطية بهدف إدخال النشوء ضمن الفصل الأول من سفر التكوين.

غير أن شهادة الأرض الصامتة تتحدث عن موت وخراب لا عن تطور، إنها تتحدث عن انقراض وليس عن نشوء. عن كنا مخلصين في تعاملنا مع الأدلة والبراهين، لكي نفسرها بطريقة سليمة، فإننا نجد أنها تشهد عن الخالق المقتدر الذي يضبط خليقته ويدينها. عندما تقرر إرسال الطوفان المخيف، نجد أن الله الذي يصفه الكتاب المقدس بأنه إله القدرة والمحبة، والدينونة والرحمة، لم ينسَ الإنسان. وعندما دان العالم في القديم، لم ينسَ رحمته. وهذا إنما يذكّرنا بالمرنّم الذي حيال تأمله في مدى عظمة خالقنا، لم يتوانَ عن التصريح بالقول: "من هو الإنسان حتى تذكره؟" (المزمور 8: 4).

عندما عزم الله على إرسال الطوفان، رتب وسيلة إنقاذ للذين كانوا يؤمنون بكلامه: الفلك. ونذكر هنا أن نوحاً وأفراد عائلته من كل الجنس البشري آنذاك، هم الذين دخلوا وحدهم الفلك، وهكذا نجو من غضب الله.

وفي الكتاب المقدس عينه نقرأ هذه الكلمات التي تفوه بها خالقنا، الرب يسوع المسيح نفسه: "وكما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان. لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع. كذلك يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان" (متى 24: 37- 39).

لقد رأينا مدى دقة الكتاب المقدس. فالله سيدين هذه الأرض كما وعد، والذين سيدخلون الفلك هم وحدهم سيكونون في أمان. غير أن الفلك هذه المرة ليس سوى الرب يسوع المسيح، ابن الله. لقد ترك أمجاده في السماء وجاء إلى أرضنا هذه ليظهر لنا مقدار محبته ومحبة أبيه من نحونا: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3: 16).

لقد دفع ثمن خلاصنا بموته على صليب الجلجثة، بديلاً عنّا، قبل نحو ألفي سنة. وها هو الآن فاتح ذراعيه ينادي كل واحد منا بالقول: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا ألريحكم" (متى 11: 28).

كان الله في أيام نوح قد أغلق الباب في وقت عرفه هو وحده. وهكذا ضاعت الفرصة إلى الأبد بالنسبة إلى الذين بقوا في الخارج. فكن حكيماً أنت، ولا تدع الفرصة تفوتك هذه المرة. ولا تدع العلم الكاذب الاسم يكون جواز سفرك إلى أبدية مخيفة. بل احرص على أن تكون في أمان في الداخل.

  • عدد الزيارات: 3085