خلاصة وخاتمة
في انسجام كامل مع طرائقه التي استخدمها في الإتيان بـ "منتجات نهائية" عالية العقيد إلى الوجود بشكل مفاجئ خلال خدمته العلنية القصيرة على الأرض، خلق ابن الله الأرض كموطن دينامي فعال وكامل التجهيز للإنسان في فترة وجيزة جداً من الزمن. لم تنشأ الأرض عن "شواش" في الغاز أو الغبار أو التراب. ولم تتبرد من كتلة منصهرة من الصخور والمعادن. لقد خُلقَت بطريقة فائقة الطبيعة صرفة خلال ستة أيام حرفية وامتلأت بشكل كامل بكل الأنواع الرئيسية من الأحياء التي وُجدت على الإطلاق بما فيها الإنسان.
إن البدائل الطبيعية للرواية التي أوحى بها الله عن الأصول قد صار متعذر الدفاع عنها علمياً على نحو مطّرد في العقود الأخيرة في حين بلغ مخزوننا من المعرفة في الأرض وعلوم الحياة نِسَبَاً مذهلةً. لا يزال الفلكيون، ورغم اكتشافاتهم المذهلة، يخفقون في تفسير كيف تطورت الأرض والشمس والقمر والنجوم إلى شكلها الحالي بعمليات طبيعية. وأخفق الجيولوجيون وعلماء المستحاثات في تفسير كيفية توضع طبقات المستحاثات الضخمة، وكيف اختفت كل "الحلقات المفقودة"، وكيف بدأ عصر الجليد، وكيف تسيل الحمم البركانية الهائلة على سطح الأرض. وأخفق البيولوجيون والجينيون في تفسير كيفية نشوء الأرض بشكل عفوي تلقائي، وكيف تشكلت شيفرة الحمض النووي، ولماذا تتكاثر جميع المخلوقات الحية كل بحسب جنسها، وكيف تنجو الفرضيات النشوئية من المعادلات المميتة في القانون الثاني في الترموديناميك. علماء الإنسان أو الأنتروبولوجيون أخفقوا بشدة في ردم الهوّة البيو-ثقافية الواسعة التي تفصل أدنى إنسان عن أعلى حيوان.
يوضح الكتاب المقدس أن الأرض الأولى كانت غير ملوثة أو مشوبة وشديدة التنظيم وتشكل بيئة منسجمة بشكل كامل مع البشر الأوائل. لقد كانت الطبيعة في انسجام مع الإنسان لأن الإنسان كان في انسجام مع الله. ففي البداية، لم تكن هناك حيوانات تأكل اللحوم. صحيح أن النباتات والثمار كانت عرضة للأكل وبالتالي للإندثار؛ وأن البكتريا كانت تشكل مادة نباتية ميتة للتلاشي؛ ولكن لم يُهرَق دم أي إنسان أو حيوان من خلال دمار مشترك ولم تحدث كوارث طبيعية تعرض حياة الكائنات الحية للخطر. رغم أن القانون الثاني في الترموديناميك (الانتروبيا[201])كان فعالاً، إلا أن تأثيراته المؤذية على عالم الإنسان كان يوازنها تحكم الله المبارك على كل الأنظمة الفيزيائية والبيولوجية. على نفس المنوال، فإن زيادة تعداد السكان لم يكن يشكل تهديداً للمحيط الحيوي لأن الله كان فوق، وليس تحت، قوانينه الخاصة (ولا يزال هذا الواقع صحيحاً اليوم). إن معدلات التكاثر في كل الكائنات الحية كانت تحت سيطرته.
كل هذا، بالطبع، أمر يستحيل على الفكر البشري أن يستوعبه اليوم عن طريق العلم التجريبي لوحده بمعزل عن الإعلان الإلهي الخاص. إننا منهمكون في عالم "يئن ويتمخض" (رومية 8: 22) بسبب لعنة عدن (تك 3: 16- 19)، حتى أننا لا نستطيع أن نتخيل كيف كانت الأرض الكاملة بالأصل بمعزل عن تفسير الله لنا من خلال الصفحات التي تحوي كلمته المكتوبة. وإذ نحن مُحتجزون بين فكي كماشة القانون الأول والثاني للترموديناميك، ومقيدون إلى نظام في الظاهر أبدي وتشاكلي، فلا يمكننا أن نصور حقاً أحداث الخلق الأصلية، أو إعادة البرمجة الفورية المفاجئة للكائنات الحية من أجل "عبودية الفساد"، أو الدمار الذي حدث بشكل فائق الطبيعة والدفن الجماعي للأشياء على مستوى كوني.
ولكن هذه مشكلتنا بشكل أساسي، وليست مشكلة الله. فهو لم يؤمن لنا تلميحات مذهلة وكافية ملائمة عن الوقائع البدائية في الطبيعة بحد نفسها، بل أعطانا روايةً واضحةً ومنسوبةً إلى ذاته عن الحقائق العظيمة لخلقه وإدانته واردة في الكتاب المقدس. بالتأكيد هناك كثيرون يصرون على أن القول بأرض حديثة نسبياً هو خداع من جهة الله. هكذا اتهامات هي تجديفية وغير عادلة بآن معاً. إن كان الله قد أخبرنا عن طرقه الخلاقة، وترتيب الأحداث في خلق مختلف الكينونات، والفترة الزمنية التي انقضت بين هذه الأعمال الخَلْقية، فليس لنا أن نلوم إلا أنفسنا على جهلنا. إضافة إلى ذلك، إن كان البشر حقاً موضوعيين في هكذا مسائل سوف ينظرون إلى الجانب الآخر من الجسر للحقائق التجريبية التي لم تسمح فقط بل تتطلب أصلاً حديث العهد لأنظمة بيولوجية وفيزيائية.
إن المسيحيين ملتزمون بعمق بالافتراض أنه في كل مجال إشكالي، سواء كانت الأصول الجوهرية الأساسية أو المصير النهائي، أو المعاني الجوهرية والقيم والأولويات، فإن الله الذي أعلن عن نفسه بشكل سام رفيع في الرب يسوع المسيح وكلمته المكتوبة، لا يمكن أن يكذب ولا يمكن أن يخيب في نهاية الأمر أولئك الذين يضعون عليه ثقتهم وإيمانهم. إن النظام الطبيعي يتطلب خالقاً؛ وعجب العجاب هو أن ذاك الخالق العظيم جاء إلى الأرض ليدفع الثمن الكامل لخطيئة البشر وليجعل ممكناً لأولئك الذين يؤمنون به أن يختبروا بامتلاء غايته الأبدية في الخلق. ولذلك فإن الأرض الأولى كانت مجرد تذوق مبدئي للأرض الجديدة التي سوف يخلقها الله يوماً ما (رؤيا 21: 1).
[201]- الانتروبيا: (entropy): عاملٌ رياضيّ يُعتبر مقياساً للطاقة غير المستفادة في نظام ديناميّ حراريّ [فريق الترجمة].
- عدد الزيارات: 4110