Skip to main content

الفصل الثاني: قداسة الله

"بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة. لأنه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس" (بطرس 1: 15-16).

يدعو الله كل مؤمن مسيحي لأن يحيا حياة القداسة. وليس من استثناء في هذه الدعوة، أي أنها لا تقتصر فقط على الرعاة أو المرسلين أو حفنة من معلمي مدرسة الأحد المكّرسين. فكل مؤمن إلى أي عرق انتمى، غنياً كان أو فقيراً، مثقفاً أو أميّاً، ذا نفوذ أو نكرة، هو مدعوٌّ لكي يكون قديساً.

ويتساوى جميع المؤمنين المسيحيين في كونهم مدعوّين إلى القداسة، من السمكري إلى المصرفي، ومن ربّة البيت العادية إلى رئيس الدولة المتسلّط.

هذه الدعوة إلى القداسة مؤسسة على حقيقة كون الله نفسه قدّوساً. فلأنّه قدوس، فهو يطلب منا القداسة. كثيرون من المؤمنين المسيحيين في أيامنا الحاضرة لديهم ما يمكن تسميته "قداسة التأدّب". إذ تراهم يتكيّفون مع أخلاق المؤمنين الذين حولهم ومع نموذج سلوكهم. وكلما تباينت المفاهيم المسيحية لنوعية القداسة تراهم يتقلّبون معها. لكن الله لم يدعنا للتشبه بمن هم حولنا، بل دعانا لنكون مثله هو، فالقداسة ليست أقل من التكيّف التامّ مع طبيعة الله الأدبيّة[1].

وكما وردت هذه الكلمة في الكتاب المقدس، فهي تصف جلال الله وطهارة طبيعته وكمالها الأدبيّ. فالقداسة هي إحدى سجايا الله، أي أنها صفة جوهرية من صفات كينونته[2]. وقداسة الله واجبة الوجود شأنها شأن وجوده في كل مكان وحكمته وعلمه بكل شيء، على سبيل التمثيل. فكما أنه لا يعقل إلا أن يعرف ما هو حق، كذلك لا يعقل إلا أن يعمل ما هو حق.

نحن أنفسنا لا ندرك دوماً ما هو الصواب، أو ما هو حق وعادل. وفي بعض الأحيان يشقّ علينا أن نتخذ قرارات حاسمة في الأمور ذات الطابع الأخلاقيّ. فنتساءل: "ما هي الطريقة المثلى للتصرّف؟" وبالطبع، فإن الله لا يواجه البتة مثل هذا المأزق، فإن معرفته الكاملة تستبعد أي احتمال لعدم التمييز بين ما هو حق وما هو باطل.

 ولكننا في بعض الأحيان، ولو كنا ندرك الصواب، ننفر منه أو نتوانى عنه، لأن عمل ما هو حق قد يتطلب تضحية معيّنة، أو ضربة مسددة إلى كبريائنا ( مثلاً، عندما نعلم أن علينا الاعتراف بخطيّة لشخص ما) أو ربما تحول دونه عوائق أخرى. هذا الكلام لا يصحّ أبداً على الله. فالله لا يتردد البتة. فهو دائماً وأبداً يعمل ما هو صلاح وحق دون أدنى تردّد. ومن المستحيل بحسب جوهر كينونة الله أن يتصرف سوى هذا التصرف.

إذاً قداسة الله منزّهة تماماً عن كل ما هو شرّ. نحن نقول أن هذا الثوب نظيف عندما يكون خالياً من أي بقعة، أو أن الذهب خالص عندما ينقّى من الشوائب. كذلك يمكننا أن نقول أن قداسة الله تعني عدم وجود أدنى شرٍّ فيه على الإطلاق، فكما يقول يوحنا: "الله نور وليس فيه ظلمة البتة" (1 يوحنا 1: 5). وعندما ترد الكلمتان "نور" و"ظلمة" في الكتاب المقدس في مثل هذا السياق، يكون لهما مدلول أدبيّ أو خلقيّ. إذاً، يفيدنا يوحنا أن الله براءٌ كلياً من أي شرّ أدبيّ، وأن جوهره الكلي النقاوة هو نبع الطهارة الخلقية الصرف.

وتتضمن قداسة الله أيضاً توافقه التامّ مع طبيعته الإلهية. أيّ أن كل أفكاره وأعماله متوافقة مع جوهره القدّوس. وعلى سبيل المفارقة، لننظر إلى حياتنا نحن، فنجد أننا مع مرور الزمن إذ ننضج في الحياة المسيحية يتكوّن لدينا خلق مسيحي إلى حدٍّ ما. فنرانا ننمو في بعض النواحي، مثل الصدق والطهارة والتواضع. لكننا لا نتصرف دوماً بطريقة توافق خلقنا هذا، فنكذب كذبة أو نسمح لأنفسنا بالانزلاق في شرك من الأفكار النجسة. وبعد ذلك نرتاع من جراء مثل هذه التصرفات لأنها لا تتفق وخلقنا. هذا لا يحدث أبداً مع الله، لأنه يتصرّف دوماً على نحو يوافق جوهره القدّوس. وهذا هو مقياس القداسة الذي إليه دعانا الله إذ يقول: "كونوا قديسين لأني أنا قدوس".

وقداسة الله المطلقة يجب أن تكون لنا مصدر تعزية ويقين. فما دام الله كلّي القداسة، فلنا الثقة بأن أفعاله نحونا هي دائماً كاملة وعادلة. قد نُغْزى أحياناً بأن نشكّ في صلاح معاملة الله لنا ونتشكى من ظلمه لنا. هذه هي كذبة الشيطان، تماماً كما كذب على حواء حين قال لها ما فحواه: "إن الله ظالم في معاملته لكما" (تكوين 3: 4و5). لكنه من المستحيل أن يكون الله في جوهره ظالماً، بل لأنّه قدّوس، فكلّ أفعاله مقدسة.

علينا أن نقبل بالإيمان حقيقة قداسة الله، ولو أظهرت ظروف المحن الشاقة عكس ذلك. فالتذمر على الله هو بالفعل نكران لقداسته وعدالته. وقد قال استيفن شرنوك (Stephen Charnock) في القرن السابع عشر: "إنكارك لوجود الله إساءة إليه أخفّ وطأة من إنكارك لطهارته، فالأول تجاهل لحقيقة ألوهته، أما الثاني فيجعله يبدو إلهاً مشوهاً مقيتاً... فمن يقل إن الله ليس قدوساً يرتكب خطيّة، أفظع من خطيّة الذي يقول إنّ الله غير موجود البتة".

وما زلت أذكر بوضوح كيف تعامل الله معي منذ خمسةٍ وعشرين عاما ًبشأن التذمرّ عليه. فتجاوباّ مع إرادته، استقررت في منطقة سان دياغو من ولاية كاليفورنيا وابتدأت بالبحث عن عمل. وبعد مضي بضعة أسابيع دون إحراز أيّ تقدّم، ابتدأت أتهم الله في عقلي: "ها أنا قد تخلّيت عن كل مخططاتي في سبيل تنفيذ إرادته، والآن ها هي النتيجة: لقد خذلتني". ولكن الرب أنعم عليّ إذ لفت انتباهي إلى سفر أيوب 34: 18و19 "أيقال للملك يا لئيم و للندباء يا أشرار. الذي لا يحابي بوجوه الرؤساء ولا يعتبر موسعاً جميعاً ًدون فقير. لأنهم جميعهم عمل يديه." فبعد قراءتي لهذا المقطع جثوتُ على ركبتّي معترفاً له بفظاعة خطيتي التي ارتكبتها عندما تذمرت، وشككت في قداسته. فسامحني الله برأفته، وحصلت في اليوم التالي على عرضين للعمل.

والاعتراف بقداسة الله هو طريقة من الطرائق التي ينبغي أن نسبح الله بها. فبحسب رؤيا يوحنا للسماء كما وصفها في الإصحاح الرابع من سفر الرؤيا، فإنّ الكائنات الأربعة الحيّة حول عرش الله لم تكن تكفّ عن القول: "قدوس قدوس قدوس الرب الإله القادر على كل شيء الذي كان والكائن والذي يأتي" (رؤيا 4: 8). وفي رؤيا أشعياء لمّا شهد مجد الله، سمع أيضاً السرافيم ينسبون إلى الله هذه الصفة ثلاث مرّات إشادة بقداسته (أشعياء 6: 3). وعندما كان موسى يسبّح الله على إنقاذ شعب إسرائيل من جيش فرعون، أشاد أيضاً بقداسة الله:

"من مثلك بين الآلهة يا رب من مثلك معتزاً في القداسة. مخوفاً بالتسابيح. صانعاً عجائب" (خروج 15: 11).

كثيراً ما يُدعى الله في الكتاب المقدّس بأسماء تشير إلى قداسته، منها القدوس أو قدّوس إسرائيل[3]. وبحسب قول آستيفَن شرنوك، فإنّ الصفة "قدّوس" تستعمل أكثر من غيرها في وصف اسم الله. فالقداسة تاج الله. تخيّل لحظة واحدة أنّ الله هو كلّي القدرة (أي أنّ سلطته لا متناهية) وأنّه كلّي المعرفة (معرفته شاملة وكاملة) وأنّه كلّي الوجود (موجود في كل مكان وزمان) ولكن تعوزه القداسة الكاملة. إنّ هذا ينفي صفة الألوهة عنه. فالقداسة كمال سائر السجايا الإلهيّة، لأنّ سلطانه هو سلطان قدّوس، ورحمته رحمة مقدّسة، وحكمته حكمة مقدّسة. إذاً القداسة أكثر من سائر السجايا هي التي تحملنا على تسبيح الله كما يستحقّ.

لكن الله يطلب منّا أكثر من مجرد الاعتراف بقداسته. فهو يقول لنا: "كونوا قديسين لأنّي أنا قدّوس" وله الحقّ المطلق بأن يطلب القداسة الكاملة من جميع خلائقه العاقلة. ولا يمكن لهذه الحال أن تتبدل فليس معقولاً أبداً أن يتجاهل الشر أو أن يوافق عليه، ولا أن يُخفض، ولو لحظة واحدة، مقياس القداسة الكامل الذي لديه. لذلك لا بدَّ أن يقول بالأحرى ما يقوله فعلاً: "كونوا قديسين في كل سيرة". وكما يعلن النبي حبقوق، فإنّ عينيه تعالى "أطهر من أن تنظرا الشر" وهو "لا يستطيع النظر إلى الجور" (حبقوق 1: 13). ولأنّه إله قدوس فهو لا يتغاضى عن أيّة خطيّة نرتكبها مهما بدت لنا بسيطة.

نحاول في بعض الأحيان أن نبرّر لله بعض التصرّفات التي يؤنّبنا عليها ضميرنا. ولكن إذا كنّا ندرك معنى قداسة الله المطلقة، سواء في جوهره أو في ما يطلبه منّا، نرى حالاً أنّه من الصعب تعليل أي انحراف بسيط عن إرادته الكاملة. فلن يقبل الله الذريعة التالية: "طيّب. هذا ما أنا عليه"، أو ذلك التصريح المتفائل "حسناً، ما زلت حديث العهد في هذه الناحية من حياتي".

كلا، فإن قداسة الله لا تتساهل معنا إزاء الهفوات اليسيرة والتقصير في خُلُقنا الشخصيّ. ويحسن بنا، نحن المؤمنين المسيحيين، ولو كنّا قد تبررنا على أساس برّ المسيح وحده، أن نفكّر مليّاً بكلمات كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "اتبعوا... القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عبرانيين 12: 14).

 ولأنّ الله قدوس، فهو لا يجربنا كي نقع في الخطية (يعقوب 1: 13) "لا يقل أحد إذا جُرّب إني أُجرب من قِبَلِ الله. لأنّ الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحداً." ربما لا أحد منّا يتّصور أن الله يُغرينا بفعل الشر، لكننا نشعر وكأنّه وضعنا في موقف حرج لا خيار لنا فيه.

شعر الملك شاول هذا الشعور إبّان حملته الأولى على الفلسطينيين (1 صموئيل 13). وكان عليه قبل خوض المعركة أن ينتظر سبعة أيام قدوم النبي صموئيل ليقدم محرقة ويلتمس إحساناً من الرب. ولمّا انتظر الملك شاول سبعة أيام قدوم صموئيل من دون طائل، اضطرب وتولّى بنفسه تقديم المحرقة. شعر شاول بأنّ لا خيار لديه، إذ دبّ الذعر في قلب الشعب وابتدأ يتفرق، فيما كان الفلسطينيون يرصُّون الصفوف للمعركة، وفات موعد وصول صموئيل. كان عليه أن يتصرف. لقد زجَّه الله في موقف حرج، بدا فيه المخرج الوحيد في عصيان أوامر الله الواضحة. وبعصيانه لإرادة الله الواضحة، خسر مملكته (1 صموئيل 13: 14). ما هو الحل بالنسبة إلينا؟ أنشعر أحياناً أن لا خيار لنا سوى ستر الحقيقة قليلاً أو ارتكاب مخالفة طفيفة؟ عندما ينتابنا هذا الشعور، فنحن في الحقيقة نُصرّح بأنّ الله يجربنا بالخطيّة، وأنّه هو وضعنا في مأزق لا مناص منه.

 الخاضعين لإمرة سواهم هم على الخصوص عرضة للوقوع في هذه التجربة. إذ كثيراً ما يضغط رؤساء العمل على مرؤوسيهم ليرتكبوا تصرفات غير مستقيمة أخلاقيّاً أو غير شريفة. وقد واجهت الإغواء عندما كنتُ ضابطاً شاباً في البحرية. فمقابل كمية قليلة من البن تقدم لأشخاص معيّنين، تتمكّن سفينتنا من الحصول "مجاناً" على أنواع مختلفة من المعدات الأساسية والضرورية لمهمتنا. وكان التعليل لذلك: "في جميع الأحوال، هذه الأشياء كلُّها هي ملك للبحريَّة". فاضطررت آخر الأمر للمثول أمام قائد الوحدة، مجازفاً بمستقبلي في البحرية، معلناً عدم استعدادي للاشتراك في أعمال كهذه.

 ولأنّ الله قدوس، فهو يكره الخطيّة. والكراهية كلمة قاسية وصعبة حتى إننا لا نحبّذ استعمالها. فنحن نعنّف أولادنا إذا قالوا إنّهم يكرهون شخصاً ما. ولكن لكي نصف موقف الله من الخطيّة فإنّ كلمة قوية مثل "الكراهية" تعبر عن المعنى بصدق. ولمّا تكلم الله عن مختلف الخطايا في شعبه قال: "لأنَّ هذه جميعها أكرهها" (زكريا 8: 17). إذاً الكراهية هي شعور مشروع تجاه الخطيّة. وفي الواقع أننا نحن أيضاً كلّما نمونا في القداسة ازداد بغضنا للخطية. فقد قال داود في المزامير: "من وصاياك أتفطّن. لذلك أبغضت كل طريق كذب" (مزمور 119: 104). فإذا كان ذلك شعور إنسان، فكم بالحري شعور الله. حقّاً، كلما نمونا في القداسة ازداد بغضنا للخطية. ولمّا كان الله هو القدوس المطلق، فإنّ بغضه للخطية غير محدود.

نحن نقول عادةً: "الله يكره الخطية لكنه يحب الخاطي". وهذه حقيقة مباركة، لكننا نثب فوق الجزء الثاني. ولكن لا يمكننا الهروب من الواقع الحتمي بأنّ الله يبغض خطايانا. قد نستخفّ نحن بخطايانا أو نلتمس لها عذراً، لكن الله يكرهها.

لذلك كلّ مرة نخطئ نفعل شيئاً يبغضه الله. هو يكره أفكارنا الشهوانية وحسدنا وكبرياءنا، كما يكره حدة انفعالاتنا والتعليل المنطقي الذي نعمل به إذ نقول إن الغاية تبرّر الوسيلة. نحن بحاجة لأن يستولي علينا الفكر بأنّ الله يكره هذه الأشياء كلها. فنحن نعتاد هفواتنا إلى الحدّ الذي يهبط بنا تدريجياً إلى حالة التعايش السلميّ معها، لكن الله لا يتوقّف أبداً عن بغضها.

نحتاج أن ننمي في قلوبنا شعور البغض عينه الذي يكنّه الله للخطيّة. فأساس القداسة الحقيقية هو كره الخطيّة بحد ذاتها، ليس لأنها شيء يقلق سكينتنا أو يحبط عزيمتنا، بل لأنها تحزن الله ولا ترضيه ويجب أن ننمي في نفوسنا موقف يوسف الذي قال عندما تعرض للتجربة: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله".

إنّ الله يكره الخطيّة أينما وجدت، في القدّيس أو الخاطئ على السواء. فهو لا يبغض الخطية في قلب إنسان ما ويتغاضى عنها إذا وجدت في إنسان آخر. فهو "يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد" (بطرس 1: 17). وفي الواقع، فإن البيّنات الكتابية تدل أن الله قد يحكم على قدّيسيه الذين يخطئون، بقساوة لا يعامل بها العالم. فمثلاً كان داود رجلاً حسب قلب الله (أعمال 22:13) لكن بعد خطيّته إلى أوريا قال له الرب: "والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد" (2 صموئيل 12: 10). وموسى حرم الدّخول إلى أرض كنعان بسبب عمل واحد أظهر عدم الإيمان، رغم السنين الطويلة التي قضاها في الخدمة الأمينة. ويونان بسبب عصيانه زُجّ في سجن مرعب في بطن حوت ضخم ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، كي يتعلم عدم الهرب من أوامر الله.

وقد ننخدع نحن بمكر قلوبنا، فنتهاون أحياناً بأمر التجربة ونعلّل النفس بأن نعترف بالخطيّة في أي حين ثم نلتمس الغفران. وهنا تكمن الخطورة، فإن الله يحكم بغير محاباة، ولا يتغاضى أبداً عن زلاّتنا، ولا يقرر البتّة عدم التدخل إذا كانت الهفوة طفيفة. كلا، فإن الله يبغض الخطيّة بشدة أينما وجدت ومتى وجدت.

إنّ التأمل المستمر بقداسة الله وما تستدعيه من كراهية للخطيّة، رادعاً قوياً دون الاستخفاف بالخطيّة. فنحن نوصى بأن نسير زمان غربتنا بخوف (1 بطرس 1: 17). صحيح أن محبة الله لنا بابنه يسوع المسيح يجب أن تكون الحافز الأساسي لنا على طلب القداسة، ولكن في بُغض الله للخطية وما يستدعيه من حكم صارم عليها، حافزاً قوياً أيضاً وليس أقل اتصافاً بالصفة الكتابية.

إن قداسة الله هي مقياس سامٍ وكاملٌ إلى التمام، ومع ذلك يبقى هو المقياس الذي يلزمنا الله إياه. ولا يعقل أن يطلب منّا أقل من ذلك. صحيح أن الرب يقبلنا بمجرد استحقاق المسيح، لكن قياس الله لأخلاقنا ومواقفنا ومشاعرنا وتصرفاتنا يبقى هو ذاته: "كونوا قديسين لأنيّ أنا قدوس"، ويجب أن نأخذ هذه الوصية على محمل الجد إذا ابتغينا النمو في حياة القداسة.

[1] في تعريف للكلمة يقدمّه أحد القواميس: "القداسة أساساً هي التشبّه بالله". ويقول شارلز هودج (Charles Hodge) في معرض كلامه عن روميّة 6: 19:" النتيجة المترتبة على طاعة الله هي التكيف القلبيّ مع الصور الإلهية". كما يقول بينك (A. W. Pink) "قوام القداسة ذلك التغيّر الداخلّي في النفس، الذي يصهر عقولنا وعواطفنا وإرادتنا في بوتقة الانسجام مع الله".

[2] إن السجايا التي تنسب إلى الله تشير إلى صفاته الجوهرية وهي تستنتج من المقاطع الكتابية التي تصف الله. ونستدل على سجية القداسة من الشواهد التالية، تمثيلاً- خروج 15: 11، لاويين 19: 2، مزمور 89: 35، أشعيا 57: 15، 1 بطرس 1: 15و16.

[3] راجع مثلاً مزمور 89: 18, أشعياء 40: 25, 43: 14, هوشع 11: 9 حبقوق 3: 3, إرميا 51: 5, حزقيال 39: 7.

  • عدد الزيارات: 4268