Skip to main content

الفصل الرابع: المسيحية وتكييف الدوافع

الصفحة 1 من 4

كان علماء النفس إلى وقت قريب يضعون قوائم محدودة مرسومة مبوبة للغرائز، باعتبارها الدوافع الأساسية للسلوك.

والغريزة على حسب تعريف هؤلاء العلماء: هي عبارة عن استعداد فطري لا يحتاج إلى تعلم، يدفع الكائن الحي إلى القيام بسلوك خاص في موقف معين، ففراخ الدجاج مثلاً في استطاعتها أن تلتقط الحب بعد انقضاء ساعات قليلة على خروجها من البيض [وهذه غريزة البحث عن الطعام]، والطفل عقب ولادته مباشرة يصرخ إذا سمع صوتاً عاليا مدوياً [وهذه غريزة الخوف] وسر على هذا القياس في بقية تعريف الغرائز.

ولقد وضع "وليم جيمس" في كتابه [Principles of psychology] في أواخر القرن التاسع عشر قائمة بالغرائز ذكر فيها أن عند الإنسان ما يقرب من 32 غريزة منها: الصيد- الصراخ- الخوف- التقليد- اللعب- التسلق- الخجل- الغيرة- الطاعة- النظام- التنافس- الشفقة- إدارة الرأس جانباً- الابتسام- الحب- النظافة.

وفي عام 1913 أخرج "ثورنديك" قائمة أخرى تختلف عن القائمة السابقة، وذلك في عام 1913 حيث وضع للإنسان ما يقرب من 42 غريزة، ومن بين هذه الغرائز: الأكل- البلع- الجمع- المقاتلة- البكاء- العض- البصق- التثاؤب- العطس- القيء.

وبعد هذين جاء وليم ماجدويل وذكر في كتابهAn Outlin of Psychology، أن لدى الإنسان الحي 14 غريزة يصحب استثارة كل منها انفعال خاص وهذه الغرائز هي:

1- غريزة المقاتلة: انفعالها الغضب.

2- الغريزة الوالدية: انفعالها الحنو.

3- غريزة الهرب: انفعالها الخوف.

4- غريزة حب الاستطلاع: انفعالها التعجب.

5- الغريزة الجنسية: انفعالها الشهوة الجنسية.

6- غريزة الضحك: انفعالها التسلية.

7- غريزة حب الاجتماع: انفعالها الشعور بالوحدة.

8- غريزة التملك: انفعالها حب التملك.

9- غريزة الحل والتركيب: انفعالها العمل والنشاط.

10- غريزة السيطرة: انفعالها الزهو.

11- غريزة الخنوع: انفعالها الشعور بالنقص.

12- غريزة الاستغاثة: انفعالها الشعور بالضعف.

13- غريزة النفور: انفعالها الاشمئزاز.

14- غريزة البحث عن الطعام: انفعالها الجوع.

ثم أضاف ماكدويل إلى هذه القائمة في عام 1933 في كتابه The Energies of Men بعض الغرائز الأخرى وهي: غريزة الراحة، غريزة النوم، غريزة الهجرة.

ويقول مؤلف كتاب "الدوافع النفسية": إننا إزاء الخلاف القائم على تحديد الغرائز حتى بين القائلين بوجودها ونظراً للتناقض الذي يتصل بالتسمية والغموض الذي لابس نظرية الغرائز، وتلك الآلية البغيضة التي تجعل الإنسان أقرب إلى الآلة منه إلى كائن حي ينمو ويتطور ويتفاعل ديناميكياً يؤثر في البيئة التي يعيش فيها ويتأثر بها، نفضل أن ننحو منحى آخر في تفسير سلوكنا مسترشدين في ذلك بتقدم البحوث التجريبية في السنوات الأخيرة، لا في ميدان علم النفس فحسب بل في علم وظائف الأعضاء، وعلم الأجناس البشرية، والاجتماع، وعلم النفس المرضي، والطب النفسي المرضي.

وهذا المنحى الجديد سوف لا يقوم على أساس وجود قوائم محدودة مرسومة، مبوبة من الغرائز والحاجات لأن هذا التحديد في قصور لفهم طبيعة التكوين النفسي، ولأجل أن نتحرر من هذا التحديد وتلك الآلية في فهم السلوك الإنساني وتفسيره سنستعمل لفظاً أكثر مرونة من لفظ "غريزة"، ذلك اللفظ البالي الذي يفيد الثبوت، إن هذا اللفظ الجديد هو [دافع Motive] وهي كلمة أعم وأشمل، تتضمن الفطري والمكتسب من مصادر السلوك الإنساني ولا شك أن هذا الاستعمال يعفينا من التناقض الكائن في كتب علم النفس- من استعمال ألفاظ معروفة لنا جميعاً أمثال "حوافز وبواعث ونـزعات فطرية عامة، وعواطف وعقد" إلى غير ذلك من ألفاظ واصطلاحات عدة، يضيق بنا أمر حصرها في هذا المجال الضيق.

من معناها السيكولوجي الخاص، فتشمل بذلك الحاجات والحوافز والمثيرات والبواعث والعادات والأهداف والانفعالات.

إن المدلول الحرفي لكلمة "دافع" يتضمن كل ما سبق من حيث إنه يتضمن معنى التحريك أو الدفع... هذا من ناحية المعنى اللفظي العام، أما من ناحية المعنى السيكولوجي فكلمة "دافع" اصطلاح يستعمل بكل بساطة للدلالة على فكرة تستخدم لكي نوضح بها أن سلوك الكائن الحي يتوقف في تغيره وتعديله على إخضاع الكائن الحي وتعرضه أو تعريضه لعمليات معينة، ويسمى هذا التفسير باللغة الانجليزية Operational Definition ونستطيع أن ندلل على ذلك بالمثال التالي [مثال الحرمان من الطعام] فطالما كان الكائن شبعاناً فإنه لا يبدي من أنواع السلوك، ما يظهر منه عندما يكون محروماً من الطعام، وحرمان الكائن الحي من الطعام يوجه نشاطه نحو هدف معين هو الطعام بحيث إذا ما حصل عليه فإنه يكف عن هذا النشاط.

ومفهوم الدافع على هذا النحو يختلف عن مفهوم الغريزة، كما عرفها مكدوجل، على أنها "مركب نفسي فيزيقي" ثابتة محدودة بغض النظر عن الموقف، إن السلوك الإنساني بناء على هذا التفسير محتوماً محدوداً لا يحيد عن خطة يمكن التنبؤ بها، فإذا ما رأى الإنسان طعاماً فإنه ينفعل انفعالاً خاصاً، ثم ينـزع نـزوعاً خاصاً، كل ذلك يحدث بطريقة آلية تلقائية، سواء سمح المجال النفسي للفرد بهذا النوع من الاستجابة أم لم يسمح، ومن العوامل المؤثرة على استجابة الفرد في هذه الحالة، نوع الطعام المعروض وقابلية الفرد، ودرجة الجوع التي يكون عليها.

ويجدر بنا أن نذكر هنا أن هناك علاقة وطيدة بين الدافع والطاقة. فالطاقة Energy تتولد في الجسم نتيجة عملية احتراق الطعام وتستهلك عادة في الأعمال البدنية وفي الإشعاع الحراري، ويختزنها الجسم ثم يستهلكها رويداً رويداً وفقاً لمقتضيات الأحوال، أو يطلقها دفعة واحدة، في ثورة غضب مفاجئ مثلاً. بيد أن جانباً من الطاقة يذهب هباء إذا اختل نظام عضلات الجسم فيعمل بعضها ضد البعض الآخر، أو إذا زاول الإنسان أعماله في جود يسوده القلق وتشتت البال.

هذه الطاقة المختزنة في الجسم لإفادته في وقت ما، لا بد من توفر الدافع الذي يستغلها في مختلف الأعمال. فالدافع يوجه الطاقة هذه الوجهة أو تلك، في سبيل التعبير عن نفسه، فهو بمثابة الصمام الذي يطلق الطاقة من محبسها أو تحول مجراها من اتجاه إلى آخر. ومعنى ذلك أن سلوك الكائن الحي لا يمكن أن يتم ما لم يتوفر أمران: أولهما الطاقة. وثانيهما الدافع الذي يسخر هذه الطاقة لصالح الكائن الحي، ويتصرف فيها كي يوجهها هذه الوجهة أو تلك، وتتوقف سلامة السلوك على هذين العاملين.

فإذا أصاب الطاقة نقص كما في حالة المرض، لم يستطع الشخص التعبير الكافي عن دوافعه بالرغم من توفرها، وذلك نتيجة نقص في الطاقة بسبب المرض. فقد نستثير في المريض دافع المقاتلة ولكن نقص الطاقة عنده يجعله يعجز عن التعبير عنه، وكذلك قد يشعر بالميل الجنسي، ولكنه لا يجد الطاقة الكافية للإيضاح عنه، وعلى عكس ذلك قد تتوفر للكائن الحي طاقة زائدة، ولكن الدوافع تكون غير منتظمة، فيؤدي ذلك إلى تبدد الطاقة في غير مصلحة الكائن، كما يحدث في حالة بعض الأمراض النفسية وإجرام الأحداث.

وكل ما يهم علم النفس هو أن الدوافع في حاجة دائمة إلى الطاقة التي تكون دائماً مختزنة في الأنسجة العصبية وفيها وحدها يتاح للدوافع أن تعبر عن نفسها في مختلف صور النشاط.

وتنقسم الدوافع إلى قسمين دوافع أولية Primary ودوافع ثانوية Secondary، أو دوافع عضوية Organic ودوافع نفسية اجتماعية.

والدوافع الأولية هي التي لم يكتسبها الفرد من بيئته عن طريق الخبرة والمران والتعلم، إنما هي استعدادات يولد الفرد مزوداً بها. ولهذا فهي تسمى أحياناً بالدوافع الفطرية، وهي دوافع مشتركة بين جميع أفراد الإنسان والحيوان فهي جزء من كيانهما الحيوي.

أما الدوافع الثانوية فهي من اختصاص الإنسان، وبعضها مشترك بين جميع أفراده مع فوارق شكلية بين بيئته وأخرى أما البعض الآخر فهو شخصي يختص بفرد دون آخر، وهو مرجع ما بين الأفراد من فروق في الخلق، والميل، والاتجاه، والشخصية كما أن الدوافع الثانوية هي دوافع مكتسبة دون أن ننكر أن لبعضها صلة من قريب أو بعيد بالناحية الفسيولوجية.

ويذكر الكتاب المقدس في الأصحاح الأول من سفر التكوين عدة دوافع.

الدافع الأول هو دافع السيطرة: ونقرأ عنه الكلمات "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الذبابات التي تدب على الأرض" تك 1: 26.

والدافع الثاني هو الدافع الجنسي: ونقرأ عنه في الكلمات "فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهما. وباركهم الله وقال: أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" تك 1: 27 و 28.

والدافع الثالث هو دافع البحث عن الطعام: ونقرأ عنه في الكلمات "وقال الله إني قد أعطيتكم كل بقل يبذر بذراً على وجه كل الأرض وكل شجر فيه ثمر شجر يبذر بذراً لكم يكون طعاماً" تك 1: 29.

وبغير شك أن سقوط الإنسان قد انحرف بدوافعه جميعاً إلى طريق التدهور والانحلال، هذا التدهور الذي لوث الحياة الإنسانية بالشر والإجرام والخطية.

لقد خلق الله الإنسان مزوداً بمجموعة من الدوافع لخدمة الفرد، والنوع، والجماعة.

فدافع البحث عن الطعام يحمي الحياة الفردية من الاضمحلال، والدافع الجنسي وضعه الله في الإنسان لحفظ النوع على هذه الأرض، والدافع الاجتماعي لفائدة المجتمع الإنساني، ودافع السيطرة ليدفع الإنسان إلى استغلال موارد الأرض، وإلى السيطرة على كل ما في الأرض من إمكانيات وخيرات.

ولكن الإنسان انحرف حين دخلت الخطية حياته، وانحرفت معه دوافعه إلى اتجاهات غير شريفة وغير سليمة فصارت الحياة في أرضنا حياة مليئة بالأنانية والمصلحة الفردية التي قضت على كثير من المثل العليا وأفقدت الجنس البشري السعادة الحقيقية.

والسؤال الذي يواجهنا الآن: هل تقدر المسيحية على تكييف هذه الدوافع المنحرفة، والسير بها في طريق الصواب؟! والجواب: أجل! وبكل يقين.

وسنأخذ مجالاً في هذا الفصل من الكتاب انشرح كيف تساعد المسيحية الفرد على تكييف دوافعه وبالتالي تقوده إلى طريق السعادة والبهجة والاطمئنان.

الدافع الجنسي
الصفحة
  • عدد الزيارات: 18395