Skip to main content

الفصل الرابع: المسيحية وتكييف الدوافع

كان علماء النفس إلى وقت قريب يضعون قوائم محدودة مرسومة مبوبة للغرائز، باعتبارها الدوافع الأساسية للسلوك.

والغريزة على حسب تعريف هؤلاء العلماء: هي عبارة عن استعداد فطري لا يحتاج إلى تعلم، يدفع الكائن الحي إلى القيام بسلوك خاص في موقف معين، ففراخ الدجاج مثلاً في استطاعتها أن تلتقط الحب بعد انقضاء ساعات قليلة على خروجها من البيض [وهذه غريزة البحث عن الطعام]، والطفل عقب ولادته مباشرة يصرخ إذا سمع صوتاً عاليا مدوياً [وهذه غريزة الخوف] وسر على هذا القياس في بقية تعريف الغرائز.

ولقد وضع "وليم جيمس" في كتابه [Principles of psychology] في أواخر القرن التاسع عشر قائمة بالغرائز ذكر فيها أن عند الإنسان ما يقرب من 32 غريزة منها: الصيد- الصراخ- الخوف- التقليد- اللعب- التسلق- الخجل- الغيرة- الطاعة- النظام- التنافس- الشفقة- إدارة الرأس جانباً- الابتسام- الحب- النظافة.

وفي عام 1913 أخرج "ثورنديك" قائمة أخرى تختلف عن القائمة السابقة، وذلك في عام 1913 حيث وضع للإنسان ما يقرب من 42 غريزة، ومن بين هذه الغرائز: الأكل- البلع- الجمع- المقاتلة- البكاء- العض- البصق- التثاؤب- العطس- القيء.

وبعد هذين جاء وليم ماجدويل وذكر في كتابهAn Outlin of Psychology، أن لدى الإنسان الحي 14 غريزة يصحب استثارة كل منها انفعال خاص وهذه الغرائز هي:

1- غريزة المقاتلة: انفعالها الغضب.

2- الغريزة الوالدية: انفعالها الحنو.

3- غريزة الهرب: انفعالها الخوف.

4- غريزة حب الاستطلاع: انفعالها التعجب.

5- الغريزة الجنسية: انفعالها الشهوة الجنسية.

6- غريزة الضحك: انفعالها التسلية.

7- غريزة حب الاجتماع: انفعالها الشعور بالوحدة.

8- غريزة التملك: انفعالها حب التملك.

9- غريزة الحل والتركيب: انفعالها العمل والنشاط.

10- غريزة السيطرة: انفعالها الزهو.

11- غريزة الخنوع: انفعالها الشعور بالنقص.

12- غريزة الاستغاثة: انفعالها الشعور بالضعف.

13- غريزة النفور: انفعالها الاشمئزاز.

14- غريزة البحث عن الطعام: انفعالها الجوع.

ثم أضاف ماكدويل إلى هذه القائمة في عام 1933 في كتابه The Energies of Men بعض الغرائز الأخرى وهي: غريزة الراحة، غريزة النوم، غريزة الهجرة.

ويقول مؤلف كتاب "الدوافع النفسية": إننا إزاء الخلاف القائم على تحديد الغرائز حتى بين القائلين بوجودها ونظراً للتناقض الذي يتصل بالتسمية والغموض الذي لابس نظرية الغرائز، وتلك الآلية البغيضة التي تجعل الإنسان أقرب إلى الآلة منه إلى كائن حي ينمو ويتطور ويتفاعل ديناميكياً يؤثر في البيئة التي يعيش فيها ويتأثر بها، نفضل أن ننحو منحى آخر في تفسير سلوكنا مسترشدين في ذلك بتقدم البحوث التجريبية في السنوات الأخيرة، لا في ميدان علم النفس فحسب بل في علم وظائف الأعضاء، وعلم الأجناس البشرية، والاجتماع، وعلم النفس المرضي، والطب النفسي المرضي.

وهذا المنحى الجديد سوف لا يقوم على أساس وجود قوائم محدودة مرسومة، مبوبة من الغرائز والحاجات لأن هذا التحديد في قصور لفهم طبيعة التكوين النفسي، ولأجل أن نتحرر من هذا التحديد وتلك الآلية في فهم السلوك الإنساني وتفسيره سنستعمل لفظاً أكثر مرونة من لفظ "غريزة"، ذلك اللفظ البالي الذي يفيد الثبوت، إن هذا اللفظ الجديد هو [دافع Motive] وهي كلمة أعم وأشمل، تتضمن الفطري والمكتسب من مصادر السلوك الإنساني ولا شك أن هذا الاستعمال يعفينا من التناقض الكائن في كتب علم النفس- من استعمال ألفاظ معروفة لنا جميعاً أمثال "حوافز وبواعث ونـزعات فطرية عامة، وعواطف وعقد" إلى غير ذلك من ألفاظ واصطلاحات عدة، يضيق بنا أمر حصرها في هذا المجال الضيق.

من معناها السيكولوجي الخاص، فتشمل بذلك الحاجات والحوافز والمثيرات والبواعث والعادات والأهداف والانفعالات.

إن المدلول الحرفي لكلمة "دافع" يتضمن كل ما سبق من حيث إنه يتضمن معنى التحريك أو الدفع... هذا من ناحية المعنى اللفظي العام، أما من ناحية المعنى السيكولوجي فكلمة "دافع" اصطلاح يستعمل بكل بساطة للدلالة على فكرة تستخدم لكي نوضح بها أن سلوك الكائن الحي يتوقف في تغيره وتعديله على إخضاع الكائن الحي وتعرضه أو تعريضه لعمليات معينة، ويسمى هذا التفسير باللغة الانجليزية Operational Definition ونستطيع أن ندلل على ذلك بالمثال التالي [مثال الحرمان من الطعام] فطالما كان الكائن شبعاناً فإنه لا يبدي من أنواع السلوك، ما يظهر منه عندما يكون محروماً من الطعام، وحرمان الكائن الحي من الطعام يوجه نشاطه نحو هدف معين هو الطعام بحيث إذا ما حصل عليه فإنه يكف عن هذا النشاط.

ومفهوم الدافع على هذا النحو يختلف عن مفهوم الغريزة، كما عرفها مكدوجل، على أنها "مركب نفسي فيزيقي" ثابتة محدودة بغض النظر عن الموقف، إن السلوك الإنساني بناء على هذا التفسير محتوماً محدوداً لا يحيد عن خطة يمكن التنبؤ بها، فإذا ما رأى الإنسان طعاماً فإنه ينفعل انفعالاً خاصاً، ثم ينـزع نـزوعاً خاصاً، كل ذلك يحدث بطريقة آلية تلقائية، سواء سمح المجال النفسي للفرد بهذا النوع من الاستجابة أم لم يسمح، ومن العوامل المؤثرة على استجابة الفرد في هذه الحالة، نوع الطعام المعروض وقابلية الفرد، ودرجة الجوع التي يكون عليها.

ويجدر بنا أن نذكر هنا أن هناك علاقة وطيدة بين الدافع والطاقة. فالطاقة Energy تتولد في الجسم نتيجة عملية احتراق الطعام وتستهلك عادة في الأعمال البدنية وفي الإشعاع الحراري، ويختزنها الجسم ثم يستهلكها رويداً رويداً وفقاً لمقتضيات الأحوال، أو يطلقها دفعة واحدة، في ثورة غضب مفاجئ مثلاً. بيد أن جانباً من الطاقة يذهب هباء إذا اختل نظام عضلات الجسم فيعمل بعضها ضد البعض الآخر، أو إذا زاول الإنسان أعماله في جود يسوده القلق وتشتت البال.

هذه الطاقة المختزنة في الجسم لإفادته في وقت ما، لا بد من توفر الدافع الذي يستغلها في مختلف الأعمال. فالدافع يوجه الطاقة هذه الوجهة أو تلك، في سبيل التعبير عن نفسه، فهو بمثابة الصمام الذي يطلق الطاقة من محبسها أو تحول مجراها من اتجاه إلى آخر. ومعنى ذلك أن سلوك الكائن الحي لا يمكن أن يتم ما لم يتوفر أمران: أولهما الطاقة. وثانيهما الدافع الذي يسخر هذه الطاقة لصالح الكائن الحي، ويتصرف فيها كي يوجهها هذه الوجهة أو تلك، وتتوقف سلامة السلوك على هذين العاملين.

فإذا أصاب الطاقة نقص كما في حالة المرض، لم يستطع الشخص التعبير الكافي عن دوافعه بالرغم من توفرها، وذلك نتيجة نقص في الطاقة بسبب المرض. فقد نستثير في المريض دافع المقاتلة ولكن نقص الطاقة عنده يجعله يعجز عن التعبير عنه، وكذلك قد يشعر بالميل الجنسي، ولكنه لا يجد الطاقة الكافية للإيضاح عنه، وعلى عكس ذلك قد تتوفر للكائن الحي طاقة زائدة، ولكن الدوافع تكون غير منتظمة، فيؤدي ذلك إلى تبدد الطاقة في غير مصلحة الكائن، كما يحدث في حالة بعض الأمراض النفسية وإجرام الأحداث.

وكل ما يهم علم النفس هو أن الدوافع في حاجة دائمة إلى الطاقة التي تكون دائماً مختزنة في الأنسجة العصبية وفيها وحدها يتاح للدوافع أن تعبر عن نفسها في مختلف صور النشاط.

وتنقسم الدوافع إلى قسمين دوافع أولية Primary ودوافع ثانوية Secondary، أو دوافع عضوية Organic ودوافع نفسية اجتماعية.

والدوافع الأولية هي التي لم يكتسبها الفرد من بيئته عن طريق الخبرة والمران والتعلم، إنما هي استعدادات يولد الفرد مزوداً بها. ولهذا فهي تسمى أحياناً بالدوافع الفطرية، وهي دوافع مشتركة بين جميع أفراد الإنسان والحيوان فهي جزء من كيانهما الحيوي.

أما الدوافع الثانوية فهي من اختصاص الإنسان، وبعضها مشترك بين جميع أفراده مع فوارق شكلية بين بيئته وأخرى أما البعض الآخر فهو شخصي يختص بفرد دون آخر، وهو مرجع ما بين الأفراد من فروق في الخلق، والميل، والاتجاه، والشخصية كما أن الدوافع الثانوية هي دوافع مكتسبة دون أن ننكر أن لبعضها صلة من قريب أو بعيد بالناحية الفسيولوجية.

ويذكر الكتاب المقدس في الأصحاح الأول من سفر التكوين عدة دوافع.

الدافع الأول هو دافع السيطرة: ونقرأ عنه الكلمات "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الذبابات التي تدب على الأرض" تك 1: 26.

والدافع الثاني هو الدافع الجنسي: ونقرأ عنه في الكلمات "فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهما. وباركهم الله وقال: أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" تك 1: 27 و 28.

والدافع الثالث هو دافع البحث عن الطعام: ونقرأ عنه في الكلمات "وقال الله إني قد أعطيتكم كل بقل يبذر بذراً على وجه كل الأرض وكل شجر فيه ثمر شجر يبذر بذراً لكم يكون طعاماً" تك 1: 29.

وبغير شك أن سقوط الإنسان قد انحرف بدوافعه جميعاً إلى طريق التدهور والانحلال، هذا التدهور الذي لوث الحياة الإنسانية بالشر والإجرام والخطية.

لقد خلق الله الإنسان مزوداً بمجموعة من الدوافع لخدمة الفرد، والنوع، والجماعة.

فدافع البحث عن الطعام يحمي الحياة الفردية من الاضمحلال، والدافع الجنسي وضعه الله في الإنسان لحفظ النوع على هذه الأرض، والدافع الاجتماعي لفائدة المجتمع الإنساني، ودافع السيطرة ليدفع الإنسان إلى استغلال موارد الأرض، وإلى السيطرة على كل ما في الأرض من إمكانيات وخيرات.

ولكن الإنسان انحرف حين دخلت الخطية حياته، وانحرفت معه دوافعه إلى اتجاهات غير شريفة وغير سليمة فصارت الحياة في أرضنا حياة مليئة بالأنانية والمصلحة الفردية التي قضت على كثير من المثل العليا وأفقدت الجنس البشري السعادة الحقيقية.

والسؤال الذي يواجهنا الآن: هل تقدر المسيحية على تكييف هذه الدوافع المنحرفة، والسير بها في طريق الصواب؟! والجواب: أجل! وبكل يقين.

وسنأخذ مجالاً في هذا الفصل من الكتاب انشرح كيف تساعد المسيحية الفرد على تكييف دوافعه وبالتالي تقوده إلى طريق السعادة والبهجة والاطمئنان.


الدافع الجنسي:

يظل الدافع الجنسي خاملاً إلى أن يحين وقته، ويمر الإنسان عادة بفترة الكمون، أو فترة الطفولة الهادئة، وتستمر هذه الفترة في المعدل من الخامسة إلى الثانية عشرة، وتلك فترة يبدو أنها متحررة من مظاهر النشاط الجنسي تحرراً تاماً... فنشاط الطفل فيها يتجه إلى المدرسة، واللهو، والرفاق..... ونظرته خلالها إلى الجنس الآخر، نظرة زمالة، ورفقة، سواء في اللهو أو في المدرسة... ولا يكاد ذهنه يعي من الفوارق بينه وبين الفتاة سوى الفارق النوعي أي أنه ذكر وهي أنثى، دون أن يكون لذلك الوعي أي مدلول جنسي يحس له صدى في نفسه.... ثم يأتي دور البلوغ، وفترة المراهقة.

وقبل أن نتحدث عن هذه الفترة نذكر أن ثمة ثلاث أزمات نفسية في حياة كل إنسان.

الأولى: "أزمة مولد الذات" وهي تأتي في حوالي السنة الثالثة من العمر حين يحس الطفل بذاته وينفصل نفسياً عن أبويه، ويرى نفسه شيئاً مستقلاً له كيان يتفاعل مع من حوله.

الثانية: "أزمة اكتشاف الذات" وهي أزمة المراهقة التي يحس بها المرء بنمو جسمه، واستكماله عناصر الرجولة، أو الأنوثة، وتأهبه للاستقلال بنفسه في الحياة، وأداء وظيفته الطبيعية فيه، وتكوين مجتمع خاص به، وتعاونه مع المجتمع الكبير على نطاق واسع معتمداً على قدراته وإمكانياته"

والثالثة: "أزمة الشيخوخة" حين تضمحل قدرة المرء على أداء وظيفته التناسلية وهي أزمة تسمى أحياناً بسن اليأس.

والذي يعنينا ونحن ندرس "الدافع الجنسي" هي "أزمة المراهقة" ففيها تزداد رغبة المرء في الاستقلال وحاجته إلى أن يغدو شيئاً مذكوراً، ومن ثم فهو يسعى إلى إعادة النظر في الروابط التي تربطه بأهله ورفقاء طفولته لينبذ منها ما لم يعد متفقاً مع نظرته الجديدة إلى نفسه وإلى الأمور، وكذلك يعمد إلى مراجعة الحقائق التي كان يقبلها عن طيب خاطر، فينبذ ما لا ينسجم منها مع وضعه الجديد، فما يصدر إليه من أوامر والديه مثلاً لا يتقبله على علاته ويطيعه على الفور، بل يعمل إلى تحليله ووزنه، ويتمرد على ما يعده خليقاً بطفل صغير أي أنه بمعنى آخر يتمرد على كل ما يستهدف جعله تابعاً، أو يقيده بقيود، أو يفرض عليه فروضاً، ويتوق إلى ما يشعره باستقلاله وفرديته، على أنه ينبغي ألا يغيب عن بالنا أن "الفتى" برغم رغبته في الاستقلال وحاجته إلى الإحساس بفرديته وأهميته والسيطرة على الوسط المحيط به، يرغب في الوقت نفسه أن يظل طفلاً مستمتعاً بروابطه العاطفية بوالديه، وبالتبعية التي لا تحمله مسئولية ولا تلقي عليه تبعة.. ومن ثم فما يبديه من نشاط ينبئ عن رغبته في إخضاع البيئة التي تحيط به، إنما يخفي في الحقيقة صراعاً داخلياً يحس له في نفسه قلقاً غامضاً، ويحتاج إلى رعاية وحنان وفهم المحيطين به حتى تمر أزمة المراهقة بسلام.

ويجدر بنا أن نذكر هنا أن مرحلة البلوغ هي التي يظهر فيها "الدافع الجنسي"، فحين يولد الطفل لا تكون هناك علامة تميز جنسه سوى الأعضاء التناسلية الظاهرة، أما فيما عداها فلا يكون ثمة فارق مميز بين الجنسين، ولهذا تسمى الأعضاء التناسلية بالخصائص الجنسية الأولية.

وتظل الأعضاء التناسلية هي الشيء الجوهري المميز للجنسين حتى يقتربا من طور البلوغ، وكلما اقتربا من هذه المرحلة ظهرت خصائص طبيعية أخرى تميز من حيث الشكل بين الجنسين ثم تكتمل هذه الخصائص الأخرى في سن البلوغ ويصبح الفارق واضحاً متميزاً... هذه الخصائص تسمى الخصائص الجنسية الثانوية، وهي في الفتى تتمثل في خشونة الصوت، وظهور الشعر على مناطق معينة من الجسم، وفي الفتاة تتمثل في استدارة الجسم، وكبر الثديين، وظهور الشعر أيضاً على مناطق معينة من الجسم.

هذا من ناحية التغيرات البدنية الظاهرة، وثمة تغيرات بسيولوجية تصاحب هذه التغيرات البدنية، وتلعب الدور الأكبر في حفز سلوك المراهق وإحساسه وتفكيره وتلك هي التغيرات التي تطرأ على الغدد الجنسية- وهي الخصيتان في الرجل والمبيضان في المرأة- وعلى غدد الجسم الأخرى وأهمها الغدة النخامية في قاع المخ، والدرقية في الرقبة، والغدتان الأدريناليتان وهما فوق الكليتين، وهي الغدد التي تسمى بالغدد اللا قنوية، أو الغدد الصماء، أو الغدد ذات الإفراز الداخلي Endocrine ففي طور البلوغ يزداد نشاط هذه الغدد وتزداد إفرازاتها التي تسمى بالهرمونات، ولكل هرمون تفرزه هذه الغدد دور معين يؤديه في عمليات الجسم المختلفة، أما هرمونات الغدد الجنسية بالذات وهي المسماة بالهرمونات الجنسية فهي التي تتحكم في ظهور هذه الصفات الجنسية الثانوية أي أن ظهور هذه الصفات رهين بنشاط الغدد الجنسية وإفرازها، ولو فرض أن استُئصلت الخصيتان مثلاً- وهما الغدتان الجنسيتان للرجل- لامتنع ظهور الخصائص وبقي الرجل عند البلوغ رفيع الصوت، ناعم الوجه، فاقد الرغبة الجنسية بل لاقترب شبها بالإناث.

وكذلك الحال في الإناث، فالهرمونات الجنسية التي تفرزها الغدد الجنسيتان للأنثى وهما المبيضان تقع عليهما مسؤولية ظهور الخصائص الجنسية الثانوية، ولو حدث أن استُئصل المبيضان قبل البلوغ لما حاضت المرأة.

وكنتيجة لنشاط الغدد الجنسية في الذكر والأنثى يتهيأ الدافع الجنسي لأداء وظيفته الكبرى التي من أجلها أوجده الله وهي حفظ النوع عن التزاوج والتناسل.

وينبغي لنا أن نؤكد هنا أن الزواج ليس خطية على الإطلاق- كما يتصور غير العارفين_ وأنه قد وضع للإنسان في عهد طهارته وبرارته، إذ نقرأ عن ذلك الكلمات" فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم أثمروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا عل سمك البحر وعل طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" تك 1: 27 و28، وهكذا نرى أن الله خلق الإنسان ذكراً وأنثى، وكان غرضه من ذلك هو الزواج وحفظ النوع بأن يثمروا ويكثروا ويملأوا الأرض.

وفي الرسالة إلى العبرانيين نقرأ الكلمات"ليكن الزواج مكرماً عند واحد والمضجع غير نجس" عب 13: 4، وهذا يعني كرامة الزواج وقدسيته.

ولكن الدافع الجنسي وهو من أعظم الدوافع التي وضعها الله في الإنسان، لأننا به نشترك مع الله في عملية" الخلق"، وهو وسيلة تهذيب المشاعر والود نحو الجنس الآخر، قد ينحرف في سبيل ضار، خاطئ، ويصير مصدر شر ونجاسة وبلاء.

ويخطئ الكثيرون في استخدام" الدافع الجنسي" قبل أن ينضجوا نضجاً تاماً، فليس مجرد الوصول إلى سن البلوغ دليلاً على أن الجنسين قد صارا أهلاً لأداء وظيفتهما التناسلية وإنما لا بد من مرور وقت كاف لينضج فيه المراهق أو المراهقة جنسياً وانفعالياً ليصبح كلاً منهما أهلاً لأداء وظيفة التناسل وهي كما قلنا أخطر وظيفة عهد بها الله للإنسان.

كذلك يخطئ الكثيرون حين يحاولون إشباع دافعهم الجنسي بطريق غير شريف، وهم يخطئون في هذا إلى أنفسهم وإلى الجنس البشري كافة، ونحن نرى الكتاب المقدس يحذرنا من خطية" الزنا" ويكرر التحذير والإنذار من تكوينه إلى رؤياه، والسبب يذكره بولس الرسول في كلماته إلى الكورنثيين قائلاً: "ولكن الجسد ليس للزنا بل للرب والرب للجسد .. ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح. أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية؟ حاشا. أم لستم أن من ألتصق بزانية هو جسد واحد لأنه يقول يكون الاثنان جسداً واحدا وأما من التصق بالرب فهو روح واحد. اهربوا من الزنا. كل خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد. لكن الذي يزني يخطئ إلى جسده" 1 كو 6: 13-18.

إن من يشبع دافعه الجنسي "بالزنا" يحكم على نفسه بعذاب الإحساس بالإثم، وهو إحساس مرير ورهيب. وكذلك يخطئ جداً من يحاول إشباع دافعه الجنسي بطريق غير طبيعي، وقد حذر بولس الرسول من السير في هذا الطريق الآثم في الكلمات" لا تضلوا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعوا ذكور.. يرثون ملكوت الله" 1كو 6: 9و10

ويجب أن لا يغرب عن بالنا أنه حين ينحرف الدافع الجنسي عن غرضه المقدس الذي أوجده الله من أجله تظهر على الشخص المنحرف عدة أغراض هي: [1] محبة القصص الجنسية القذرة، [2] إلقاء النكت البذيئة، [3] الاحتفاظ بالصور العارية والمبتذلة، [4] الرغبة في حضور الأفلام والمسرحيات المثيرة، [5] الاهتمام المفرط بالأعمال الجنسية والحكايات السافلة- هذا الاهتمام الذي يبلغ أحياناً درجة الاستحواذ والتسلط، [6] الشك في المعتقدات الدينية، والشك في وجود الله وصدق كلمته، [7] حدوث هزات عنيفة في حياة المرء بالنسبة إلى القيم والمثل العليا.

يحدثنا الواعظ الأمريكي الأشهر دويت لايمان مودي عن شاب ذهب إليه ودار بينهما الحديث التالي:

الشاب: إنني أشك في صدق كلمة الله وسبب ذلك أنني لا أجد في سفر التكوين أي حديث عن زوجة قايين، فهل لك أن تقول لي ممن تزوج قايين؟

مودى: لا شك أنه تزوج أخته لأن وضع الحياة كان يقتضي ذلك، ولم يذكر اسمها لأنها لا تتصل بنسب المسيح له المجد أو بتدبيرات الله.

الشاب: أنا لا أصدق هذا التفسير.. إن زوجة قايين مشكلة تسئ إلى كلمة الله.

وأدرك مودي أن الشاب منحرف جنسياً. فنظر إليه نظرة فاحصة ثم قال: يبدو لي يا صاحبي أن السر ليس في زوجة قايين، ولكنه في امرأة أخرى دنّست طهارتك.

وأحنى الشاب رأسه في مذلة ومضى في طريقه.

لنذكر أن انحراف الدافع الجنسي كثيراً ما يقود الشباب إلى الإلحاد والشك في صدق كلمة الله، وانهيار المثل العليا، والابتعاد عن الاجتماعات الدينية الروحية ذات الطابع المؤثر الفعال.

هذا يأتي بنا إلى السؤال: كيف تساعدنا المسيحية على تكييف الدافع الجنسي؟ وللإجابة نقول:

أولاً: افهم دافعك الجنسي فهماً صحيحاً

لقد أوجد الله هذا الدافع لغرض مقدس عظيم، هو حفظ النوع، وإيجاد الود والترابط بين الجنسين، لكي تبقى الحياة مستمرة متصلة على هذه الأرض فينبغي أن تفهم ذلك جيداً، وأن تحفظ نفسك طاهراً حتى يحين الموعد الذي يعمل فيه هذا الدافع في الطريق وبالوسيلة التي رسمها الله لبقاء النوع، وعليك أن تدرك جميع التغييرات التي تحدث في بدنك، ونفسك، لتقابلها بفهم ووعي، وإدراك، وهدوء، وتعقل، ولا تنس نصيحة بولس لتيموثاوس الشاب "احفظ تعيرات نفسك" ا تي 5: 22.

ثانياً: ابتعد عن المثيرات

إن المثيرات بمثابة النار التي تشعل البارود، فابتعد عنها... هل قلت ابتعد عنها؟! إن بولس يستخدم عبارة أقوى فيقول "اهرب منها" وهو يكتب بالحرف الواحد لتيموثاوس الشاب هذه الكلمات "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها واتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي" 2 تي 2: 22، وكذلك يكتب للمؤمنين في كورنثوس قائلاً "اهربوا من الزنا" 1 كو 6: 18.

فاحذر من أن تبقى وحدك مع فتاة أو امرأة بغير مبرر قوي قاهر للبقاء، وابتعد عن الأفلام السينمائية المثيرة فهي تشعل الدافع الجنسي وتصور الحياة الجنسية في صورة غير صحيحة وغير واقعية، وابتعد عن الحفلات المكتظة بالنساء العاريات واحذر التأمل وإطالة النظر في الصور الجنسية العارية التي كثيراً ما يقدمها الشيطان باسم الفن، والفن الحقيقي منها بريء. احرق هذه الصور، وليكن شعارك كشعار أيوب "عهداً قطعت لعيني فكيف أتطلع في عذراء" أيوب 31: 1. والتطلع هنا يعني إطالة النظر والتأمل وتفحص أجزاء الجسم الأمر الذي يؤدي إلى إثارة الدافع الجنسي.

ونصيحة قلبية أوجهها إلى كل شاب أن يحذر قراءة الأدب الوجودي الذي هو في حقيقته أدب همجي لأنه يكشف عورات النفس الإنسانية، ويمزق الستائر عن الجسد الإنساني وهو كريم في عيني خالقه لدرجة أن بولس الرسول يقول عنه "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم. لأنكم قد اشتريتم بثمن. فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي الله" 1 كو 6: 19 و 20.

واحذر "الرقص العصري" ولا تنخدع بالتسميات الكاذبة التي يطلقها عليه الناس، واسمع كلمات سليمان الملك المختبر الحكيم "أيأخذ إنسان ناراً في حضنه ولا تحترق ثيابه" أم 6: 27 إن الرقص العصري هو فخ رهيب من فخاخ الشيطان للشبان والفتيات والرجال والنساء.

وأخيراً احذر المجتمعات الفاسدة المفسدة.

حدثني صديق جليل عن ابنة قسيس نشأت في بيئة دينية عالية ، وتجددت ونضجت اختباراتها، ثم جربها الشيطان بأن تحاول الذهاب إلى المجتمعات الفاسدة، بحجة أن ترى العالم على صورته الحقيقية، فتحدثت إلى والدها في الأمر، لكنه رفض قائلاً لها "إن المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة" 1 كو 15: 23، فاحتجت الفتاة قائلة "كلا يا أبي إنها لا يمكن أن تفسدني فقد تشبعت بمواعظك واختبرت حياة التجديد فلا خوف علي، وكان الوالد يسمعها وهو جالس إلى جوار المدفأة فأمسك قطعة فحم لم تصل إليها النار وألقاها في خفة على فستان ابنته، فأسرعت بدورها ونفضتها عنها، لكن قطعة الفحم كانت قد تركت أثراً في الفستان هنا نظر إليها أبوها وقال "انظري يا ابنتي... لقد أسرعت بنفض قطعة الفحم عن ثيابك.. ولكن ألا ترين أنها قد تركت أثراً أسود في فستانك..

المجتمعات الفاسدة قد لا تحدرك إلى الأوحال ولكنها تترك أثراً سيئاً في حياتك، إنها تثير الدافع الجنسي فيك بكيفية مخيفة. فاسمع نصيحتي وابتعد عن المثيرات.

ثالثاً: انظر نظرة نظيفة للجنس الآخر

إن كل فتاة هي إحدى ثلاث، فإما أن تكون "أمك" أو "أختك" أو "زوجتك".

ويقينا أن كل واحد منا يريد أن يكون هؤلاء طاهرات عفيفات فاضلات.... فلماذا تطلب لنفسك ما تحرمه على غيرك؟!

ومن الجهة الأخرى ينبغي للفتاة أن تنظر نظرة بريئة طاهرة، وأن تحذر من أن تسلب رجلاً من زوجته أو تسرقه من أسرته... إن الزواج الحق السعيد يتم وفق إرادة الرب وحين يرى الرب إخلاص القلب، سيرسل الشاب المناسب في الوقت المناسب. فلا تتعجلي وقتك واذكري أنه خير لك ألف مرة أن تبقي بلا زواج، من زاج فاشل يحول سعادتك إلى شقاء مرير.

إن النظر للجنس الآخر نظرة مشتهية هو "زنا" بحسب كلمات ربنا "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن. فأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فهو قد زنا بها في قلبه" مت 5: 27.

لذلك أصغ إلى كلمات سليمان الملك الحكيم الذي امتلك ألف امرأة، من كل الألوان، والأحجام، والأشكال ثم قال في النهاية "فكرهت الحياة. لأنه رديء عندي العمل الذي عُمل تحت الشمس لأن الكل باطل وقبض الريح" جا 2 :17. اسمعه هو يقدم لك نصائحه العملية الاختبارية "يا ابني احفظ وصايا أبيك ولا تترك شريعة أمك. اربطها على قلبك دائماً. قلد بها عنقك. إذا ذهبت تهديك. إذا نمت تحرسك. وإذا استيقظت فهي تحدثك. لأن الوصية مصباح والشريعة نور وتوبيخات الأدب طريق الحياة. لحفظك من المرأة الشريرة من ملق لسان الأجنبية. لا تشتهينا جملها بقلبك ولا تأخذك بهدبها. لأنه بسبب امرأة زانية يفتقر المرء إلى رغيف خبز وامرأة رجل آخر تقتنص النفس الكريمة. أيأخذ إنسان نار في حضنه ولا تحترق ثيابه. أو يمشي إنسان على الجمر ولا تكتوي رجلاه. هكذا من يدخل على امرأة صاحبه كل من يمسها لا يكون بريئاً. لا يستخفون بالسارق ولو سرق ليُشبع نفسه وهو جوعان [أي أن إشباع الدافع الجنسي بطريق غير شرف خطر يعرض الإنسان للهلاك] إن وجد يرد سبعة أضعاف ويعطي كل قنية بيته. أما الزاني بامرأة فعديم العقل. المهلك نفسه هو يفعله ضربا ًوخزياً يجد وعاره لا يمحى". أم 6: 20- 33.

ثم يستطرد سليمان قائلاً "يا ابني احفظ كلامي واذخر وصاياي عندك احفظ وصاياي فتحيا وشريعتي بحدقة عينك. اربطها على أصابعك اكتبها على لوح قلبك. قل للحكمة أنت أختي وادعي الفهم ذا قرابة لتحفظك من المرأة الأجنبية من الغريبة الملقة بكلامها.

لأني من كوة بيتي من وراء شباكي تطلعت فرأيت بين الجهال لاحظت بين البنين غلاماً عديم الفهم عابراً في الشارع عند زاويتها وصاعداً في طريق بيتها. في العشاء في مساء اليوم في حدقة الليل والظلام. وإذ امرأة استقبلته في زي زانية وخبيثة القلب. صخابة هي وجامحة في بيتها لا تستقر قدماها. تارة في الخارج وأخرى في الشوارع. وعند كل زاوية تكمن فأمسكته وقبلته د. أوقحت وجهها وقالت له على ذبائح السلامة. اليوم أوفيت نذوري. فلذلك خرجت للقائك لأطلب وجهك حتى أجدك. بالديباج فرشت سريري بموشى كتان من مصر. عطرت فراشي بمر وعود وقرفة. هلم نرتو وداً إلى الصباح. نتلذذ بالحب. لأن الرجل ليس في البيت. ذهب في طريق بعيدة. أخذ صرة الفضة بيده. يوم الهلال يأتي إلى بيته. أغوته بكثرة فنونها بلمث شفتيها طوحته. ذهب وراءها لوقته كثور يذهب إلى الذبح أو كالغبي قيد القصاص حتى يشق سهم كبده كطير يسرع إلى الفخ ولا يدري أنه لنفسه، ويختتم سليمان كلماته بهذه النصيحة الغالية "والآن أيها الأبناء اسمعوا لي وأصغوا لكلمات فمي. لا يمل قلبك إلى طرقها ولا تشرد في مسالكها. لأنها طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء. طرق الهاوية بيتها إلى خدور الموت" [سفر الأمثال الأصحاح السابع].

أجل أيها الشاب انظر نظرة نظيفة للجنس الآخر، ولا تدنس طهارتك بالنجاسة.

رابعاً: ضع الله كقوة مسيطرة لدافعك الجنسي

نجد في الكتاب المقدس صورتين لشخصين، الصورة الأولى لداود الذي نقرأ عنه الكلمات "وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جداً. فأرسل داود و سأل عن المرأة فقال واحد أليست هذه هي بثشبع بنت أليعام امرأة أوريا الحثى فأرسل داود رسلاً وأخذها فدخلت إليه واضطجع معها" 2 صم 11: 2- 4، وهنا نجد داود العظيم وقد انحدر إلى هوة السقوط وكسر الوصية السابعة الصريحة. كل هذا لأنه خضع لنداء الدافع الجنسي دون أن يعمل حساباً لله.

وبهذه المناسبة نجد لزاماً علينا أن نوجه كلمة خاصة إلى الفتيات والسيدات "لقد نظر داود الملك والنبي إلى امرأة على السطح تستحم فسقط سقطته الكبرى، فهل ترضى الأخت المؤمنة أن تتسبب في سقوط الشباب بعريها على شاطئ البحر أو بملابسها العارية في الطريق العام؟! أكتب هذا للتأمل والتحذير "وويل لمن يأتي من قبله العثرات".

نأتي الآن للحديث عن الصورة الثانية وهي صورة "يوسف" الشاب البطل الظافر المنتصر، فهذا الشاب قد أحيط بالتجربة المحرقة بصورة رهيبة، وليس شك أنه قد دخل في صراع جبار مع دافعه الجنسي، فهو إنسان، وهو شاب، وفيه حيوية الشباب، ولقد أدرك "يوسف" خلال صراعه أنه لن يستطيع وحده السيطرة على هذا الدافع القوي، فوضع الله كقوة مسيطرة عليه، فلما نادته امرأة فوطيفار لإغرائه، كان الله هناك، وصرخ الشاب العظيم في وجهها "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله" تك 39: 9.

وهنا نرى أن "يوسف" وضع الله كقوة مسيطرة عل الدافع الجنسي من جهة، وحسب الحساب الصحيح لخطية الزنا باعتبارها خطية موجهة ضد الله من جهة أخرى. كما ردد داود بعد ارتكابها للخطية قائلاً "إليك وحدك أخطأت والشر قدام عينيك صنعت" مز 51: 4 ولما ألحت عليه المرأة وجد أن أسلم طريق هو الهرب "فترك ثوبه في يدها وهرب وخرج إلى خارج" تك 39: 12.

وما أجمل أن يفعل كل شاب مثل ما فعل يوسف الشاب!!

خامساً: لا تدبر أمراً لإشباع الدافع الجنسي

يكتب بولس في رسالته إلى أهل رومية قائلاً "لنسلك بلياقة كما في النهار لا بالبطر [أي المرح الزائد] والسكر لا بالمضاجع والعهر لا بالخصام والحسد. بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات" رو 13: 13 و 14.

قال الولد لأمه: سأذهب إلى شاطئ البحر يا أماه.

قالت الأم: أنا لا أريدك أن تستحم في البحر اليوم.

قال الولد: سأذهب ولكنني لن أستحم.

وذهب الولد.... ونـزل البحر واستحم. وعاد إلى البيت ليأخذ حماماً بالماء العذب.

فقالت له الأم: هل نـزلت البحر؟

قال: نعم يا أماه.

قالت: ألم تعدني أنك لن تنـزل البحر؟

قال: البحر أغراني يا ماما فنـزلت.

قالت: هل نـزلت بملابسك؟

قال: كلا كنت قد أخذت معي لباس البحر، خوفاً من أن يغريني البحر فلا أستطيع النـزول.

قالت الأم: آه أيها الولد الأثيم، لقد دبرت الأمر قبل أن تذهب للبحر.

وكثيرون يفعلون هكذا مع الدافع الجنسي فيهيئون له السبيل للنصرة عليهم.

فاحذر من أن تدبر لنفسك جلسة، أو خلوة، أو مكاناً لإشباع شهواتك بطريق غير نظيف.

سادساً: احذر خداع الغريزة ولا تستمع لندائها

في رسالة يعقوب نقرأ هذه الكلمات "لا يقل أحد إذا جرب إني أجرب من قبل الله. لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحداً ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتاً" يع 1: 13، 15.

أذكر مرة أن سأل أحدُ أصدقائي مرسَلَةً أمريكية قديسة انتقلت إلى المجد: ماذا يفعل إزاء الأفكار الجنسية الملحة؟ وكانت المرسلة جالسة فقامت وأغلقت باب غرفة خاوية ثم شرعت تقرع عليه برفق أولاً ثم بشدة ازدادت مع الوقت. وبعدئذ عادت إلى مكانها وسألت صديقي: هل فتح لي أحد؟. أجاب كلا! قالت: افعل هكذا مع الأفكار الجنسية الملحة... اتركها على الباب، أسرع بأن تشغل نفسك بعمل جليل، ستذهب الأفكار دون أن تقتحم رأسك.

أجل اثبت في صراعك، ولا تتذبذب في حياتك المسيحية وأذكر الكلمات التي قيلت عن دانيال "أما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا يخمر مشروبه فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس" دا 1: 8. فعلى قدر عزمك وثيابك تكون نصرتك. وأذكر كلمات بولس الرسول "إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون. هادمين ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" 2 كو 10: 4 و 5 وطبقْ نصيحته الإيجابية للفيلبيين على حياتك "أخيراً أيها الأخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صبته حسن إن كانت فضيلة وإن كان مدح ففي هذه افتكروا" في 4: 8 وأذكر أن الأفكار الإيجابية الطاهرة تطرد الأفكار السلبية النجسة.

سابعاً: حول دافعك الجنسي إلى أعمال عظيمة

يخشى الكثيرون ضبط دافعهم الجنسي لئلا يصابوا بالأمراض النفسية نتيجة "كبت" هذا الدافع، وتردد كلمة "الكبت" على أفواه الرجال والنساء دون فهم لمدلولها.

والكبت ليس معناه ضبط المرء لدوافعه المعروفة بل أن الكبت لا يتضمن وعي الفرد بما يكبته من دوافع فاستخدام كلمة الكبت بمناسبة وبغير مناسبة ضار جداً بالشباب، لأن ضبط الدافع الجنسي ليس كبتاً على الإطلاق.

ويمكننا القول بأن التصرف الحكيم إزاء الدافع الجنسي هو تحويل هذا الدافع إلى أعمال عظيمة.

يقول "سيجموند فرويد" إن هناك طريقتين إزاء الدافع الجنسي "الضبط" أو "الإبدال" وفي إمكان كل شاب أن يضبط نفسه بنعمة الله، وأن يسير بدافعه الجنسي في طريق الإعلاء ولقد خلق الله فينا الدرة على تحويل هذا الدافع إلى أعمال عظيمة نافعة... ويقرر علماء النفس أنهم وجدوا عنصراً جنسياً قوياً في كثير من آثار الموسيقيين والشعراء، ففي وسع كل شاب أن يجد منفذاً لهذا الدافع في الموسيقى، والشعر، والأدب، والعمل العقلي المبتكر، والترنيم، والخدمة، والعمل الفردي، والكتابة، والعاطفة المضحية حتى يحين موعد عمله الشرعي الطبيعي.

وهل هناك صورة أروع من صورة مس ليليان تراشر، التي رفضت الزواج وحولت هذا الدافع إلى خدمة مضحية رائعة، وصارت أماً لألوف الأولاد والبنات على ضفاف النيل، وجعلت حياتها بركة كبرى للكثيرين.

إن نعمة الله كفيلة بالارتفاع بدوافعنا إلى المكان الذي فيه نسمو بها إلى خدمة خالدة مباركة.

ثامناً: انظر إلى زوجتك النظرة المسيحية

إن كثيرين من المتزوجين غير سعداء لأنهم لم يفهموا حقيقة الدافع الجنسي، ومن وراء هذا الدافع تنشأ المتاعب الكبرى في الحياة العائلية، لذلك يجدر بنا ونحن نعالج هذا الموضوع الخطير أن نوجه كلمة للمتزوجين. يقول الأستاذ تومسون "إن الحب البشري قد تطور إلى علاقة كثيرة التعقيد، وأصبحت الجاذبية الجنسية التي كانت في أولها بسيطة نسبياً أكثر رقة، وإن كان عنصر العاطفة هو الغالب فيها. وبذلك تقوى هذه الجاذبية حتى تصبح حباً غريزياً وشعرياً معاً. كشجرة نفذت جذورها في الطبيعة الحيوانية وانتشرت فروعها عالية في ضوء الشمس تحمل ثمار الروح. ولذا فلا يجب أن يكون العملية الجنسية مجرد عملية حيوانية خالية من العاطفة الحقيقية لأن هذا يجعل المرء ينظر إلى الموضوع كله بعين المقت والزراية والسخط والكراهية فتصبح العلاقة الجنسية علاقة وحشية وتنقلب أسس الحياة العائلية إلى شقاء مقيم".

إن أجمل منظر رأته أرضنا، هو منظر آدم حين أحضر له الرب شريكة حياته حواء وعندئذ تلقاها آدم بالترحاب وهو يهتف مهللاً "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أخذت" تك 2: 22 فالمسيحي الحقيقي يرى في زوجته صورة طبق الأصل منه، فهي عظم من عظامه، وهي لحم من لحمه، ولم يهمل أحد جسده قط يقوته ويربيه، وهكذا يجب أن يلاحظ الرجل زوجته ويرعاها، ويكفل لها الهناء والبهجة والسرور.

إن المسيحية وضعت قانوناً واضحاً صريحاً يقول: "رجل واحد لامرأة واحدة". فهي لا تبيح مجال تعدد الزوجات. وهذه هي نصوص الكتاب:

(1) عندما كانت الأرض خالية من البشر إلا من آدم وحده، نقرأ الكلمات "فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام. فأخذ واحد من أضلاعه وملأ مكانها لحماً وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم. فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أُخذت. لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً" تك 2: 21- 25. وفي هذه الآيات نرى وحدة الزواج... رجل واحد وامرأة واحدة في وقت كانت الحاجة فيه ماسة إلى أكثر من امرأة لإكثار النوع على الأرض خلق الله امرأة واحدة للرجل الواحد... وحين تحدث الرجل الواحد عن زوجته الواحدة، تحدث بحب وعطف وتقدير ومساواة "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي"، والوحي الإلهي يقول "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً" هنا وحدة الزواج المسيحي إنها وحدة في الجسد، كما هي وحدة العاطفة، إنها كوحدة القيثارة والقوس، فكما أن القيثارة لا تعزف بدون قوسها،ولا القوس يعزف بغير القيثارة كذلك في الزواج المسيحي "يكونان جسداً واحداً" ويخرجان معاً أعذب أنغام الحياة.

(2) في إنجيل متى الأصحاح [19] نقرأ الكلمات "جاء إليه الفريسيون ليجربوه قائلين هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب فأجاب وقال لهم أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً. إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان.... وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزنى. والذي يتزوج بمطلقة يزنى" مت 19: 3- 9.

إذن لا طلاق في المسيحية، رجل واحد لامرأة واحدة مدى العمر، وإلى أن يحتوي جسدهما أو جسد أحدهما القبر "وما جمعه الله لا يفرقه إنسان"، إن الزواج في المسيحية يعني وحدة القلب، والعاطفة، والأهداف، والغايات، إنه اتحاد في الجسد، والروح ، والعاطفة.

(3) يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل كورنثوس "ولكن لسبب الزنا ليكن واحد امرأته وليكن لكل واحد رجلها: 1 كو 7: 2 ويستطرد الرسول قائلاً "ليوف الرجل المرأة حقها الواجب وكذلك المرأة أيضاً الرجل. ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل وكذلك الرجل أيضاً ليس له تسلط على جسده بل للمرأة. لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضاً معاً لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نـزاهتكم" 1 كو 7: 3- 5.

وهذه كلمات جامعة مانعة تؤكد أن الزواج المسيحي لا تعدد فيه، بل رجل واحد لامرأة واحدة، لا يملك أحدهما جسده، بل يملك كل منهما جسد الآخر!!

وكيف يمكن أن يكون جسد الرجل ملكاً للمرأة إذا أباحت المسيحية تعدد الزوجات؟ وإذا تزوج الرجل أكثر من واحدة فمن مهم تمتلك جسده؟ وكيف يمكن أن يتفرغ الرجل- إلى حين- للصوم والصلاة أي بعيداً عن الاتصال الجنسي وهو ملزم أن يوفى زوجاته في حالة إباحة المسيحية تعدد الزوجات هذا الحق الواحب؟ وكيف يقدر الرجل أن يوفى المرأة حقها الواجب وهو مرتبط بغيرها؟!

إن المسيحية ترقى بالدافع الجنسي، وتعطى للزواج مكانته القدسية، وتنظم الأسرة على أساس متين من الوحدة التي لا تنفصم.... وهنا السعادة القصوى... سعادة الرجل والمرأة والأولاد على سواء.


دافع البحث عن الطعام:

الطعام.. الطعام... مَن مِنَ البشر يقدر أن يحيا بغير الطعام؟! كلنا يبحث عن الطعام، ويأكل ليعيش، ولكن كثيرين من الناس انحرف فيهم هذا الدافع، فصار شعارهم "لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت"، فهل يمكن أن نجد في المسيحية ما يساعد المرء على تكييف هذا الدافع القوي؟ أجل إن المسيحية تقدم لك هذه الخطوات:

أولاً- اشكر على كل طعام يقدم لك، فالشكر يجعل الطعام لذيذاً:

حين كان سيدنا على الأرض، كان يشكر قبل أن يأكل، وكان بهذا يعطينا درساً في شكر الله على عطاياه، والشكر يضفي على "الشاكر" شعوراً تلقائياً بالرضا عن ما أمامه، فيأكل و هو يشعر بلذة الطعام ويقول بولس لتلميذه تيموثاوس "لأن كل خليقة الله جيدة ولا يرفض شيء. إذا أخذ مع الشكر. لأنه يقدس كلمة الله والصلاة" 1 تي 4: 4 فاشكر الله على كل طعام يقدم لك، وثق أنك ستجد طعمه لذيذاً في فمك، فلذة الطعام في الرضا به والاقتناع بكفايته.

ثانياً- تيقن من رضا الله على ما تأكله:

وضع الكتاب المقدس قوانين واضحة للتيقن من رضا الله على ما نأكله.

وأول قانون هو ما ذكره بولس الرسول لأهل كورنثوس "فإذا أنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فافعلوا كل شيء لمجد الله" 1 كو 10: 31 فسل نفسك قبل الطعام، هل مواد هذا الطعام لمجد الله؟ هل هي لصحة جسدي وروحي ونفسي؟ أم لملذاتي وإثارة شهواتي؟!

القانون الثاني نجده في رسالة كولوسي "وكل ما عملتم بقول أو فعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله والآب به" كو 17: 3 فهل ما تأكله تقدر أن تأكله باسم الرب يسوع؟ هل يرضى يسوع له المجد أن يشاركك مواد طعامك؟

القانون الثالث نجده في رسالة كورنثوس الأولى "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن. فمجدوا لله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي الله" 1 كو 6: 19 و 20 فهل أنت متيقن أنك لست ملكاً لذاتك؟ وهل ترفض أي طعام أو شراب يضر جسدك لأنه هيكل الروح القدس؟!

نقرأ عن دانيال هذه الكلمات "أما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس" دا 1: 8 لقد كانت المائدة الملكية بابل تحمل الأطايب وكؤوس الخمر، ولكن دانيال أدرك أنه هذا الطعام الفاخر ليس لمجد الله، وأنه لا يمكن أن يتناوله وهو واثق من ملكية الله له، فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس.

واسمع رجاءه لرئيس السقاة "فقال دانيال لرئيس السقاة: جرب عبيدك عشرة أيام فليعطونا القطاني لنأكل وماء لنشرب ولينظروا إلى مناظرنا أمامك وإلى مناظر الفتيان الذين يأكلون من أطايب الملك ثم اصنع بعبيدك كما ترى" دا 1: 11- 13.

وماذا حدث بعد الأيام العشرة؟ "وعند نهاية العشرة الأيام ظهرت مناظرهم أحسن وأسمن لحماً من كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك. فكان رئيس السقاة يرفع أطايبهم وخمر مشروبهم ويعطيهم قطانى" [ويراد بالقطانى عند علماء العرب جميع الحبوب التي تطبخ كالعدس والفول واللوبيا والحمص] دا 1: 15 و16.

فقبل أن تأكل طعاماً تيقن من رضا الله على ما تأكله، وثق أن بالجسم قدرة على تحويل الأطعمة التي تصل إلى معدتك إلى العناصر التي يحتاجها، وأن العبرة في راحة الضمير والإحساس برضا الله القدير. ودرب نفسك على الاكتفاء والقناعة كما تدرب بولس الرسول فكتب قائلاً "فإني قد تعلمت أن أكون مكتفياً بما أنا فيه. أعرف أن أتضع وأعرف أيضاً أن أستفضل في كل شيء وفي جميع الأشياء قد تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص. أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" في 4: 11- 13.

فلو دربت نفسك على الاكتفاء والقناعة، صار طعامك كيفما كان نوعه لذيذاً في فمك، حلواً في مذاقك، إن هذا التدريب سيمتعك بالسعادة الداخلية سعادة الرضى والاكتفاء والقناعة.

ثالثاً- لا تجعل الطعام هدفاً لحياتك:

 إذا أكلت لتعيش فستحيا سعيداً، أما إذا عشت لتأكل فما أشقاك... إنك ستصبح شرهاً لا تشبع ولا ترتوي.

وهنا لا بد من كلمة عن "الصوم" فمن الضروري أن نتعلم السيطرة على دافع البحث عن الطعام، عن طريق الانقطاع عن الطعام للتفرغ لما هو أسمى من الطعام لدراسة كلمة الله والصلاة ، فهناك حقيقة هامة نسيها الكثيرون وذكرها ربنا له المجد هي أنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" مت 4: 4.

فيجب أن تكرس أياماً بينك وبين إلهك في كل أسبوع أو في كل شهر لتنقطع عن الطعام في ذلك اليوم، وتبقى مع الرب لتشبع به ومع كلمته لتحيا وتتغذى بها. ولقد كان بولس الرسول كثير الصوم وهو يكتب عن هذا قائلاً "في أصوام مراراً كثيرة" 1 كو 11: 27.

لقد صام ربنا في البرية، انقطع كلية عن الطعام، تاركاً لنا مثالاً لنتبع خطواته، فلنتعلم في مدرسته، ولنكيف دافع البحث عن الطعام وفق مشيئته.


الدافع الاجتماعي:

يوجد الدافع الاجتماعي عند الإنسان والحيوان وقد أثبتت الأبحاث المتصلة بعلم نفس الطفل أن هذا الدافع لا يوجد عند الأطفال قبل نهاية النصف الثاني من السنة الأولى... وهذا الميل إلى الاجتماع لا يوجد في الطفل منذ ميلاده، وإنما ينشأ نتيجة تفاعل الفرد بالمجتمع على مستوياته المختلفة في البيت، والمدرسة، والعمل، وعلى هذا فالأسلم لنا أن نفترض أن الدافع الاجتماعي يستند في أساسه إلى عوامل مكتسبة.

وينحرف هذا الدافع بالفرد فيقوده إلى الانضمام إلى المجتمعات الفاسدة والانسياق بلا تفكير وراء عادات وتقاليد وعقائد الجماعة، واتباع الكثيرين إلى فعل الشر. ولذا فإن هذا الدافع في حاجة إلى تكييف ليسير وفق إرادة المسيح:

ولكي يسير الإنسان في المجتمع بطريقة سليمة نافعة يجب أن يتحرر من الأوثان والأوهام وهي كما ذكرها "بيكون" وجاءت في كتاب مسائل فلسفية تتلخص بما يلي:

أولاً- أوهام الجنس Idols of the Race

وهي تعبر عن الأخطاء التي يقع فيها الإنسان مساقاً بطبيعته البشرية من ذلك ميله إلى التسرع في إصدار أحكام لا تبررها مقدمات ونـزوعه الطبيعي إلى التسليم بأفكار لمجرد أنها تصادف في نفسه هوى، أو تشبع عنده نـزوة، أو تسد في حياته حاجة، أو تحقق له مصلحة وكثيراً ما يتخير الإنسان شواهد تؤيد فكرة لأنه يميل إليها، ويغض النظر عن شواهد أخرى تتنافى معها، ويسوق بيكون إيضاحاً لوجهة نظره قصة رجل كان يستخف بأثر النذور التي تقدم للقديسين في تحقيق مطالب الناس، فأخذوه إلى معبد وأطلعوه على كثير من اللوحات التي علقها أصحابها على جدران المعبد اعترافاً منهم بنجاتهم من الغرق لما نذرو من نذور للقديس، وقيل له: ألا تعترف بعد هذا بأن النذور لهذا القديس كفيلة بتحقيق المطالب؟ ولكنه قال في حكمة وتهكم: ولكن أين يا ترى أجد لوحات الذين نذروا النذور له التماساً للنجاة من الغرق ومع هذا ابتلع البحر جثثهم دون اكتراث لنذورهم؟!

هذه النقيصة الكامنة في طبيعة الجنس البشري كثيراً ما تنتهي بالاعتقاد بالخرافات والتسليم بصحة الأوهام، فإذا صدقت مرة أو مرات نبوءة عراف بادر الإنسان بتصديقه بعد ذلك، متغافلاً عن المرات التي يثبت فيها كذب هذا العراف.. وينعق البوم فيتفق أن تقع على أثر نعيقه كارثة، فيبادر الإنسان الساذج بالاعتقاد بأن البوم ينذر بالكوارث، دون أن يضع في حسابه عشرات المرات التي يسمع فيها هذا النعيق دون أن يعقب ذلك سوء.

ثانياً- أوهام الكهف Idols of the Cave

تعبر أوثان الجنس عن نقيصة في طبيعة الجنس البشري بوجه عام، وتعبر أوثان الكهف عن الأخطاء التي يقع فيها الإنسان مسوقاً بشخصيته الفردية التي تتضافر على تكوينها تربيته وثقافته ومهنته ونحوها من عوامل لا يتحتم أن يشاركه فيها الإنسان.

من هنا اختلفت نظرة الناس للحياة، وتباينت وجوه الرأي عندهم، وكثيراً ما تنتهي ميول الفرد الخاصة به إلى إيقاعه في أخطاء جسيمة، فيعمى عن الحقائق التي تتنافى مع أهوائه ونـزواته، ويفهم الأمور على غير وجهها لمجرد أن حقيقتها تتنافى مع رغباته. فمن الناس المتفائل المقبل على الحياة، والمتشائم النافر من الدنيا ومن فيها، منهم السمح الكريم النفس، والمتعصب الحاقد... ولا يمكن أن تبدو الأمور في نظر الجميع على وجه واحد، من هنا وجب الحذر من الانسياق مع الأهواء الذاتية والميول الشخصية اتقاء للخطأ وتفادياً للزلل.

ثالثاً- أوهام السوق Idols of the Market

وهي يعبر عن الأخطاء التي تنشأ عن غموض اللغة أداة التفاهم والتعبير عن الأفكار والمعروف أن نشأة الألفاظ في أي مجتمع ترجع إلى حاجاته العملية، ولكن سرعان ما تتحكم هذه الألفاظ في تصور الناس للأشياء، وكم أفاد السفسطائيون قديماً من غموض الألفاظ، واستغلوا اشتراكها في هدم حقائق العلم ومبادئ الأخلاق، بل في تأييد موضوع ومعارضته معاً! وسبيل الخلاص من هذا أن تحدد معاني الألفاظ وتعرف مدلولاتها على وجه دقيق، كما أشار بهذا سقراط في مناقشة للموقف السفسطائي.

رابعاً- أوهام المسرح Idols of the Theatre

وهي تعبر عن الأخطاء التي يقع فيها الإنسان عن وعي، بسبب تسليمه بآراء الفلاسفة والمفكرين الذين أثاروا إعجابه فالمذاهب الفلسفية والأفكار التي تلقاها عن السلف تشبه المسرحيات التي تشير إلى عوالم من خلق مؤلفيها وليست من الواقع في شيء، ورما في الأمر أن الإنسان متى اعتقد في صحة رأي تلقاه من غيره، تعذر عليه بعد هذا أن يتخلى عنه عندما يثبت بطلانه.

ومن أظهر الأمثلة على هذا أن أرسطو كان يرى أننا إذا ألقينا بجسمين مختلفي الثقل من مكان مرتفع بلغ الأثقل الأرض قل الأخف، وآمن العالم بعده بهذا قضية مسلمة نحو عشرين قرناً من الزمان! تسلق أستاذ في جامعة بيزا هو "جاليليو" برج الجامعة وأجرى أمام جمع من أساتذته تجربة يثبت فيها بطلان هذا الزعم، وألقى بجسمين مختلفي الوزن، بعد أن فرغ الهواء الذي يؤثر في سرعة سقوطهما، فسقط الجسمان في وقت واحد! فأثبت أن اختلاف سرعة السقوط مرده إلى مقاومة الهواء على نحو ما أشرنا من قبل. ولكن شهود التجربة من العلماء أنكروا أمرها استناداً إلى أن أرسطو قال غير ذلك. بل أنبوا "جاليليو" لأنه فكر في البحث في موضوع سبق أ، عالجه أرسطو وأبدى فيه رأياً، واضطر جاليليو إلى ترك منصبه في جامعته.

هذه هي الأوثان التي تؤدي بالناس في حياتهم اليومية والباحثين في دراساتهم العلمية إلى الوقوع في الخطأ، فتحجب عنهم الحقائق وتجرهم إلى مهاوي الزلل، ومن أجل هذا حذر بيكون من مغرياتها وأوجب تحرر العقل من سيطرتها، عن طريق الاعتصام بالصبر وعدم التعجل في إصدار حكم في موضوع قبل أن تتوافر مبرراته، وبهذا نتجنب مفاتن الضلال منذ البداية.

إن الإنسان كمخلوق اجتماعي يجب أن يعيش حراً، ولا حرية غلا بالحق ولذا قال السيد له المجد "وتعرفون الحق والحق يحرركم" يو 8: 32.

إن الحق هو شخص المسيح الكريم، الذي شهد عن نفسه بصدق قائلاً "أنا هو الطريق والحق والحياة" يو 14: 6.

فمن يبحث عن الطريق يجد فيه الطريق الأوحد.

ومن يبحث عن الحق يجده الحق المتجسد.

ومن يبحث عن الحياة يجد فيه الحياة.

ومن يجد المسيح، يتكيف الدافع الاجتماعي في حياته تكيفاً حقاً، فيجتمع مع المؤمنين باسمه كما قال "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" مت 18: 20.

ويجتمع بحسب الحق الكتابي المعلن في الكلمة المقدسة، ويناقش نفسه في هدوء عن مصادر عقائده ومعتقداته، حتى لا يضل في غمرة الجري وراء القطيع، وفوق هذا كله يتعلم الفرد كيف يتعاون مع قطيع الرب في الخدمة والعمل لاتساع ملكوته.

وعلى هذا القياس تأخذ المسيحية بيد كل فرد مخلص، يؤمن بالمسيح المصلوب لأجل خطاياه، كمخلص شخصي لنفيه، فتكيف له كل دوافعه، وتسطر على انفعالاته الضارة التي تسيء إلى صحته الجسدية والنفسية فيحيا سعيداً موفقاً في حياته متحرراً من الخوف من الدينونة، ومن هموم الحاضر، ومن الإحساس بآثام الماضي، مردداً مع الرسول الجليل كلماته القائلة "إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع الساكنين ليس حسب الجسد بل بحسب الروح" رو 8: 1، وسر فرحه وسعادته هو في يقينه عمل روح الله في حياته، وبالنصرة التي يهبها له في صراعه ولذا فهو يهتف قائلاً "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت" رو 8: 2 فكما أن الطائرة قد صنعت بقانون يجعلها ترتفع في الجو منتصرة على قانون الجاذبية، كذلك المسيحي يسكن فيه روح الله الذي يجعله يرتفع فوق انحراف دوافعه الإنسانية. كما يقول بولس للمؤمنين في غلاطية "وإنما أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون. ولكن إذا انقدتم بالروح فلستم تحت الناموس... وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف. ضد أمثال هذه ليس بناموس. ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" غلا 5: 16- 24.

إن المسيحي المولود من الله، الذي يتمتع بسكنى روح الله القدوس في قلبه يسيطر على انفعالاته بنعمة الله، ذلك أن قانون حياته وتصرفاته يتركز في كلمات الرسول بولس التي كتبها للقديسين في أفسس- تلك الكلمات الذهبية القائلة: "لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه. لأننا بعضنا أعضاء البعض. اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرب الشمس على غيظكم ولا تعطوا إبليس مكاناً. لا يسرق السارق في ما بعد بل بالحري يتعب عاملاً الصالح بيديه ليكون له أن يعطي من له احتياج لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم بل كان ما كان صالحاً للبنيان حسب الحاجة كي يعطي نعمة للسامعين، ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء. ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح" أفسس 4: 25- 32.

وكذلك في كلماته إلى أهل كولوسي حين قال "لا تكذبوا بعضكم على بعض إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حس صورة خالقه... فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة. محتملين بعضكم بعضاً ومسامحين بعضكم إن كان لأحد على أحد شكوى. كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً. وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال وليملك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دعيتم في جسد واحد وكونوا شاكرين. لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنغمة مترنمين في قلوبكم للرب. وكل ما علمتم بقول أو فعل فاعلموا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله الآب به" كولوسي 3: 9- 17.

ويقيناً أن من يكيف دوافعه وانفعالاته وفق هذه الكلمات الإلهية.

فيمتنع عن الكلام الرديء.

ولا يحزن روح الله القدوس.

ويتصرف بلطف مع الآخرين.

ويغفر للمسيئين.

ولا يسمح للغيظ أن يبيت في قلبه أو يحرق أعصابه ويشوش هدوء نفسه.

ويحيا حياة الشكر الدائم لله.

يلبس المحبة التي هي رباط الكمال.

ويسلك بالروح فلا يتمم شهوة الجسد، ويعمل كل شيء لمجد الله.

فلا بد أن يحصل على السعادة النفسية، تلك السعادة التي تهبها المسيحية الحقيقية.

  • عدد الزيارات: 18113