۲ الإيمان والخلاص من قصاص الخطية
إن الخلاص من قصاص الخطية لا يترتب عليه النجاة من دينونتها إلى الأبد فقط ، بل يترتب عليه أيضا تبرير الخطاة وتطهيرهم وتقديسهم ومصالحتهم مع الله وتمتعهم معه بالحياة الأبدية - وكل هذه البركات تؤول إليهم بفضل كفارة المسيح ويحصلون عليها بالإيمان أو بالحرى بالإيمان الحقيقي ، كما يتضح مما يلى :
۱ - الخلاص من قصاص الخطية : فقد قال الوحي عن الله أنه" خلصنا ودعانا دعوة مقدسة ، لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التى أعطيت لنا في المسيح يسوع " ( ۲ تيماثاوس ۱ : ۱) ، وانه " حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا " (تيطس ٣ : ٥) . وقال عن المسيح" ليس بأحد غيره الخلاص . لأنه ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغى أن نخلص " (أعمال ٤٤ : ۱۲) . وقال لنا " لأنكم بالنعمة مخلصون بالايمان ، وذلك ليس منكم هو عطية الله " (افسس ۲ : ۸) .
كما قال " من آمن واعتمد خلص " (مرقس ١٦ : ١٦) . و " آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك " (أعمال ١٦ : ۳۱) . و " الذي يؤمن به (أي المسيح) ، لا يدان ، والذي لا يؤمن به قد دين " ( يوحنا ۳ : ١۸) . و " إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت " (رومية ۱۰ : ۹) . وقال عن الانجيل انه " قوة الله للخلاص لكل من يؤمن " (رومية ١ : ١٦) . وقال بولس الرسول عن نفسه " صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول ، ان المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا " (١ تيموثاوس ١ : ١٢ - ١٥) - ونظرا لأن هذا الخلاص تم بكفارة المسيح ونحصل عليه الآن بالإيمان كما ذكرنا فيما سلف ، لذلك ترد أفعال الخلاص في صيغة الماضي أو الحاضر.
۲ - الغفران : فقد قال الوحي عن المسيح " الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا " (أفسس ۱ : ۷) . وقال لنا " ان كل من يؤمن به (أي المسيح) ينال باسمه غفران الخطايا " (أعمال ۱۰ : ٤٣) . و " حتى ينالوا بالإيمان بالمسيح غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين " (أعمال ٢٦ : ۱۸) . و " قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه " (١ يوحنا ۲ : ۱۲) . و " مسامحًا لكم بجميع الخطايا "
(کولوسي ۲ : ۱۳)
والله عندما يغفر الخطية لا يذكرها على الاطلاق (۱) ، فقد قال " لا أذكر خطاياهم ولا تعدياتهم فيما بعد " (عبرانيين ٨ : ۱۲) . وقال أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي ، وخطاياك لا أذكرها " (إشعياء ٤٣ : ٢٥) ٠ والنبى الذى أدرك هذه الحقيقة قال عن الله " يدوس آثامنا ويطرح في أعماق البحر (۲) جميع خطاياهم " (ميخا ۷ : ۱۹) . وقال آخر لله " طرحت وراء ظهرك خطایای " (اشعیاء ۲۸ : ۱۷) - وغفران الخطايا بالجمع ، يراد به طبعا غفران كل الخطايا ، وليس خطية آدم فحسب كما يقول بعض المنتمين الى المسيحية ونظرا لأن هذا الغفران الكامل الشمال تم بكفارة المسيح ونحصل عليه الآن بالإيمان كما ذكرنا ترد أفعال الغفران فى صيغة الماضي أو الحاضر.
۳- التبرير : ويراد بالتبرير جعل الذين يؤمنون أبرارًا ، ولذلك فالتبرير ليس هو الغفران ، لأن الغفران يراد به فقط الصفح عن الخطاة بعدم توقيع القصاص الأبدي عليهم ، وبناء على ذلك فإن الذين يحصلون على الغفران دون التبرير ، يظلون فى مركز خطاة (۳) ، ومن ثم فإنهم وان كانوا لا يعاقبون في الأبدية ، لا يتمتعون بالوجود مع الله فيها فيكون مثلهم مثل أبشالوم الذي صفح عنه أبوه ، ولكن لم يسمح له بأن يرى وجهه (۲ صموئيل ١٤ : ٢٤) . أما الذين يحصلون على التبرير فيعتبرون كأنهم لم يخطئوا على الاطلاق ، وليس هذا فحسب ، بل وأيضا كأنهم عملوا كل البر الذى يتطلبه الله منهم (۱) ولذلك فانهم لا ينجون فقط من قصاص خطاياهم، بل يكون لهم أيضا القبول الكامل أمام الله بفضل كفارة المسيح ، وقد أشار الوحى الى هذا التبرير فقال " متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح " (رومية ٣ : ٢٤ - ٢٨) .
"وأما الآن فقد ظهر بر الله (۲) بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون (۱) " (رومية ۳ : ۲۱ - ۲۲). و " لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح الهنا " (۱ كورنثوس ١١:٦)
كما قال" فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رومية ٥: ۱) . و "متبررين الآن بدمه " (رومية ٥: ٩) .
و " لأن غاية الناموس هى المسيح للبر لكل من يؤمن " (رومية ١٠ : ٤) . وقال عن المسيح أن به " يتبرر كل من يؤمن " (أعمال ۱۳ : ۲۸ - ۳۹) . و " أنه أسلم لأجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا (۲) " (رومية ٤ : ۲۵) .
وعن الإنجيل أن فيه " معلن بر الله بإیمان لإیمان" (۳) (رومية ۱ : ۷)
وقال عن الحصول على البر بدون أى عمل صالح من جانبنا " ان الانسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس " (رومية ۳ : ۲۸). كما قال " أما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر ، فايمانه يحسب له برا" (٤) ٠ كما يقول داود النبى فى تطويب الإنسان الذي يحسب له الله برا بدون اعمال : " طوبى للذين غفرت آثامهم (٥) وسترت خطاياهم" (رومية ٤ : ٣ - ٧) - ونظرا لأن تبريرنا تم بكفارة المسيح ونحصل عليه الآن بالإيمان ، لذلك ترد أفعال التبرير في صيغة الماضي أو الحاضر .
٤- التطهير : ويراد بالتطهير ازالة كل أثر للخطية عن المؤمنين من أمام الله حتى يظهروا بلا عيب على الإطلاق (۱) . وقد أشار الوحي إلى هذا التطهير فقال عن الله " إذ طهر بالإيمان قلوبهم" ، ( أعمال ۱٥: ٩). وقال عن المسيح أنه " صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا" (عبرانيين ۱ : ۳) . وأنه " أحبنا وغسلنا من خطايانا بدمه" (رؤيا ٥:۱) · وان دمه " يطهر من كل خطية " (١ يوحنا ۱ : ۷)
وقال عن المؤمنين الذين سيملكون مع المسيح أنهم غسلوا ثيابهم (۲) وبيّضوها في دم المسيح (رؤيا ٧ : ١٤ ) - ونظرا لأن تطهيرنا من الخطية تم بكفارة المسيح ونحصل عليه الآن بالإيمان ، لذلك ترد أفعال هذا التطهير في صيغة الماضي أو الحاضر .
٥ - التقديس : والتقديس يراد به آمران (الأول) التكريس أو التخصيص · فقول المسيح عن نفسه " لأجلهم أقدس أنا ذاتي" ، (يوحنا ۱۷ : ۱۹) يراد به أنه يخصص ذاته لرعايتنا والعناية بنا أثناء سيرنا في العالم .. (الثاني) التكميل . فقول الرسول للتسالونيكيين " وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام " (۱ تسالونيكي ٥: ٢٣) يراد به أن الله يكملهم الى التمام ، ولذلك فتقديس المؤمنين لا يراد به فقط تخصیصهم لله ، بل وأيضا جعلهم كاملين أمامه (۱) . وقد أشار الوحي الى هذه الحقيقة فقال عن المسيح انه " بقربان واحد أكمل إلى الأبد المقدسين" (عبرانيين ١٠ : ١٤) .
وقال عن المؤمنين أنهم " مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة " (عبرانيين ١٠: ١٠) وقال لهم " لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح الهنا " (١ كورنثوس ٦ : ۱۱) . و " أنتم الذين كنتم قبلا أجنبيين وأعداء ، قد صالحكم الآن فى جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه " (کولوسي ۱ : ۲۰ - ۲۲)٠٠ كما قال لهم " وأنتم مملوؤن :
(أو بالحرى كاملون غاية الكمال) فيه (أي في المسيح) ، (كولوسي ۱۰:۲)
ولذلك عندما كان يتحدث الرسول عنهم أو اليهم ، كان يدعوهم قديسين ، فقد قال
" الأخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية"، (عبرانيين ۳ : ۱) . وقال " إلى جميع الموجودين في رومية أحباء الله مدعوين قديسين " (رومية ١ : ٧) . وقال " إلى كنيسة الله التي في كورنثوس مع القديسين أجمعين الذين في أخائية " (٢ كورنثوس ۱ : ۱) وقال "إلى جميع القديسين في المسيح يسوع الذين في فيلبي (۱) " (فیلبي ۱ : ۱) - ونظرا لأن تقديسنا تم بكفارة المسيح ونحصل عليه الآن بالإيمان ، لذلك ترد أفعال التقديس في صيغة الماضي أو الحاضر.
٦- الصلح والسلام مع الله : أو بالحرى ازالة العداوة التي كانت بيننا وبين الله بسبب خطايانا . فقد قال الوحي " فاذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح ، الذى به أيضا قد صار لنا الدخول بالايمان الى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون " (رومية ٥ : ۱ - ۲) . وقال أيضا " لكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة . أى أن الله كان فى المسيح مصالحا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم" (۲) : لأنه جعل الذي لم يعرف خطية (وهو المسيح) خطية (۱) ولأجلنا ، لنصير نحن بر الله فيه ، (٢ كورنثوس ٥ : ۱۹ - ۲۱)... " لأن فيه (أي المسيح) سر أن يحل كل الملء
(أي اللاهوت كله) وأن يصالح به الكل لنفسه ، عاملا الصلح بدم صليبه بواسطته " "وأنتم الذين كنتم قبلا أجنبيين وأعداء في الفكر والأعمال الشريرة قد صالحكم الآن فى جسم بشريته بالموت(كولوسي ۱ : ۱۹ - ۲۲) كما قال " ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه" (رومية ٥ : ١٠) و" لأن المسيح هو سلامنا الذي جعل الاثنين (أي اليهود والأمم معًا) (۲) واحدًا (بعد أيمانهما بشخصه) ،
"ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة (التي كانت بينهما قبل هذا الإيمان) ، لكي يخلق الاثنين في نفسه (بعد ايمانهما) انسانًا واحدًا جديدًا ، صانعًا سلامًا . ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلًا العداوة به" ، (افسس ۲ : ١٥ - ١٦) - ونظرا لأن هذا الصلح تم بكفارة المسيح ونتمتع به الآن بالإيمان ، لذلك ترد أفعال الصلح فى صيغة الماضي أو الحاضر .
٧- الخلاص من الطبيعة الخاطئة : والمسيح لم يخلصنا في الماضي من عقوبة الخطية الأبدية، ويخلصنا فى الوقت الحاضر من سلطة الخطية وتأثيرها على نفوسنا فحسب، ولكنه وعد أيضا أنه سيخلصنا من الطبيعة الخاطئة نفسها ، أو بالحرى يغير أجسادنا الى صورة جسد مجده . فقد قال بولس الرسول " هكذا المسيح أيضًا ، بعد ما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانية بلا خطية (أو بالحرى بدون أي عمل خاص بالخطية) للذين ينتظرونه" (عبرانيين ۹ : ۲۸) . وقال " فان سيرتنا نحن هي في السموات التي منها ننتظر مخلصا هو الرب يسوع الذي سيغير شكل جسد تواضعنا (أو بالحرى جسد الضعة) لكي يكون على صورة جسد مجده (۱) " (فیلبي ۳ : ۲۱) .
وقال " فان خلاصنا الان أقرب مما كان حين آمنا " (رومية ۱۳ : ۱۳) . وقال عن المؤمنين أنهم عتيدون " أن يرثوا الخلاص " (عبرانيين ۱ : ١٤) وقال أيضا عنهم "لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه" (رومية ٨ : ۲۷) . وقال بطرس الرسول لهم " أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص مستعد أن يعلن في الزمان الأخير " (١ بطرس ٥:۱) . وقال يوحنا الرسول " نعلم أنه إذا أظهر (المسيح) نكون مثله ، لأننا سنراه كما هو"
(١يوحنا ٣ : ٤) - وإن كان هذا الخلاص لم يتم بعد ، لكن نوقن كل اليقين أنه سوف يتم ، كما قال الرسل المذكورين بالوحي الإلهي.
۸ - التمتع بالحياة الأبدية : قال المسيح "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " ( يوحنا ٣ : ١٦) . وإن من يسمع كلامه ويؤمن بالذي أرسله فله حياة أبدية ولا يأتى الى دينونة بل قد انتقل من الموت الى الحياة (أي لا توجد أمامه بعد دينونة عن أى خطيّة من خطاياه) . وأن " من يؤمن بالابن تكون له الحياة الأبدية ويقيمه الابن فى اليوم الأخير" (يوحنا ٦ : ٤) . وقال المسيح عن نفسه أنه " القيامة والحياة من آمن به ولو مات فسيحيا". وكل من كان حيا وآمن به فلن يموت إلى الأبد.(يوحنا ١١ : ٢٥ و ٢٦) . ونظرًا لأن الانعام بالحياة الأبدية تم بكفارة المسيح ، ونحصل عليه الآن بالإيمان بالمسيح ، لذلك ترد أفعال الحصول على هذه الحياة فى صيغة الماضي أو الحاضر.
___________________________________________
(۱) وهذا عكس ما نفعله أحيانا ، فقد نصفح عمن يسيء إلينا ، ولكن إساءته تظل كامنة في نفوسنا زمنًا طويلًا ، ولذلك تسبب لنا من وقت الى آخر نفورا منه .
(۲) عبارة مجازية للدلالة على أن الله لا يذكر مطلقا الخطايا التي يغفرها.
(۳) فمثلهم والحالة هذه مثل المذنبين الذين بعد صدور الحكم بالإدانة ضدهم ، يوقف تنفيذه بأمر عال (مثلا) ، فإنهم على الرغم من عدم تنفيذ هذا الحكم لا يعتبرون أبرارا أو كاملين في نظرنا على الاطلاق
_____________________________________________
(۱) أن التبرير المذكور أعلاه كامل فى ذاته كل الكمال ، ولا يحتاج الى أي عمل من جانبنا لكي يكون أكثر كمالا ، لأن الذي عمله هو الله نفسه . ونظرا لأن هذا البرّ هو هبة مجانية منه لنا ، يمكن أن يدعى البر الاكتسابي تمييزا له عن البر العملي (أو بالحرى العمل الصالح الذي نقوم به في العالم الحاضر بتأثير الروح القدس في نفوسنا) ، والذي أشار إليه الرسول بالقول " لأن ثمر الروح هو فى كل صلاح وبر وحق" (أفسس ٥: ٩) ومما تجدر ملاحظته فى هذه المناسبة ( أولا) أن البر العملي ليس هو أساس قبولنا الأبدى أمام الله لأننا مقبولون أمامه (كما ذكرنا فيما سلف) بالبر الاكتسابي الذي وهبه لنا مجانا بفضل كفارة المسيح (ثانيًا) ان البر العملي لأنه من عملنا نحن ، قلما يكون كاملا كل الكمال ، لأننا لسنا كاملين في أعمالنا . ومع ذلك فإن الله لا يهمل هذا البر بل يعطينا عنه جزاء خاصًا) إلى جانب البر الأبدي الذي هو هبة مجانية منه) ، كما يتضح بالتفصيل في الفصل الثاني عشر.
(۱) من العبارة المذكورة أعلاه يتضح أيضا أن البر الذي يتمتع به المؤمنون أمام الله ، ليس برًا ذاتيًا لهم ، بل هو بر الله نفسه موهوبًا لهم بفضل كفارة المسيح . ومن ثم فإنه أفضل من البرّ الذي كان لآدم قبل السقوط بدرجة لا حد لها . وإذا كان ذلك كذلك ، جدير بكل منا أن يتحول عن كل بر فيه (مهما كان شأنه) ليكون له بالإيمان بالمسيح البر الإلهي نفسه ، كما فعل بولس الرسول من قبل ، فقد قال : " وليس لي بري الذي من الناموس" (أو بالحرى الذى لى على أساس قيامي بالأعمال التي يتطلبها الناموس) ، بل الذي بإيمان المسيح ، البر الذي من الله بالایمان " (فیلبی ۳، ۸ - ۱۰) .
_____________________________________________
(۱) العبارة " بر الله ... على كل الذين يؤمنون " ، يراد بها أن هذا البر هو عليهم كرداء يستر خطاياهم ، ولذلك لا يبدو منها شيء أمام والنبي الذي أدرك هذه الحقيقة قال عن الله " البسني ثوب الخلاص وكسانى ثوب البر " ( إشعياء ٦١ : ١٠) . لتحقيق مطالب عدالة الله وقداسته . (۲) لأن قيامة المسيح من الأموات برهنت ان كفارته كافية كل الكفاية (۳) يراد بهذه الآية أن السبيل للتمتع ببر الله هو على مبدأ الإيمان وليس الأعمال ، وأن هذا البر يعطى لكل من له في نفسه ايمان (٤) أن الرسول لا ينفى هنا أهمية الأعمال الصالحة ، بل ينفي الاعتقاد بأن هذه الأعمال تكفى الخطاة الذين يعملونها للحصول على التبرير أمام الله . لكن الذين تمتعوا بير الله بفضل كفارة المسيح ، يجب عليهم أن يعملوا أعمالا صالحة بل وأن يعملوا ايضا هذه الأعمال بكثرة ووفرة (١كورنثوس ١٥ : ٥٧) ، لا لكى يتمتعوا بغفران أفضل أو تبرير أكمل ، بل لكي يمجدوا الله الذى أحسن إليهم بالغفران والتبرير (٥) وطبعا لا يقول النبى هنا (طوبى للذين لم يفعلوا خطية) ، لأنه ليس هناك إنسان لم يفعل خطية على الاطلاق . ولذلك فالطوبى وكل الطوبى هي للخطاة الذين سترت خطاياهم وأصبحوا أبرارا أمام الله بفضل كفارة المسيح التي آمنوا بها واعتمدوا عليها .
_____________________________________________
(۱) أن التطهير المذكور أعلاه كامل كل الكمال ولا يحتاج الى أى عمل من جانبنا لكي يكون أكثر كمالًا ، لأن المسيح نفسه هو الذي قام به لأجلنا بدمه الكريم . ونظرًا لأن هذا التطهير هو هبة مجانية من الله لنا، لذلك يمكن أن يدعى التطهير الاكتسابي تمييزًا له عن التطهير العملي الذي هو تنقيتنا لأنفسنا أثناء السير فى العالم الحاضر من كل أمر لا يتفق مع قداسة الله. والتطهير العملي هو ما أشار إليه الرسول في قوله " لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح " (٢ كورنثوس ۷ : ۱) - ومما تجدر ملاحظته في هذه المناسبة (أولًا) أن التطهير العملي ليس هو أساس قبولنا الأبدى أمام الله ، لأننا مقبولون أمامه (كما ذكرنا فيما سلف) بالتطهير الاكتسابي الذي وهبه لنا مجانا بفضل كفارة المسيح (ثانيًا) ان التطهير العملي لأنه من عملنا نحن ، قلما يكون ذلك فلهذا التطهير كاملا كل الكمال لأننا لسنا كاملين في أعمالنا . ومع فائدته وقيمته ، لأنه كلما طهرنا أنفسنا أكثر ، أصبحنا أكثر ، استعدادًا لخدمة الله والتمتع به ، و هيأنا أنفسنا للحصول على جزاء خاص إلى جانب التطهير الأبدي الذي هو هبة مجانية من الله ، كما ذكرنا فيما سلف .
(۲) كلمة " ثياب " مستعملة هنا بالمعنى المجازي للتعبير عن الحالة التي يظهر فيها المؤمنون أمام الله ، لأن دم المسيح لا يستعمل في غسل الثياب بل في غسل القلوب، أو بالحرى فى ازالة كل أثر للخطية يمكن أن يوجد فيها أمام الله.
_____________________________________________
(۱) أن التقديس المذكور أعلاه كامل الكمال ولا يحتاج الى أي عمل من جانبنا لكي يكون أكثر كمالًا ، لأن المسيح نفسه هو الذي قام به لأجلنا بواسطة دمه الكريم . ونظرا لأن هذا التقديس هو هبة مجانية من الله لنا ، لذلك يمكن أن يدعى التقديس الاكتسابي تمييزا له عن التقديس العملي ، الذي هو انفصالنا عن الخطية وتكريس نفوسنا لله وحده : وقد أشار الوحى الى هذا التقديس فقال " مكملين القداسة في خوف الله " (۲ كورنثوس ۱:۷) .
ومما تجدر ملاحظته في هذه المناسبة (أولًا) أن التقديس العملي ليس هو أساس قبولنا الأبدى أمام الله . لأننا مقبولون أمامه (كما ذكرنا فيما سلف) بالتقديس الاكتسابي الذي وهبه لنا مجانا بفضل كفارة المسيح (ثانيًا) ان التقديس العملي لأنه من عملنا نحن ، قلما يكون كاملا كل الكمال لأننا لسنا كاملين في أعمالنا ومع ذلك له فائدته وقيمته ، لأننا كلما قدسنا نفوسنا أكثر ، أصبحنا أكثر استعدادا لخدمة الله والتمتع به ، و هيأنا أنفسنا للحصول على جزاء خاص ، إلى جانب التقديس الأبدي، كما ذكرنا فيما سلف.
_____________________________________________
(۱) مما تجدر الإشارة إليه أن المؤمنين الموجودين في هذه الكنائس لم يكونوا كاملين ، بل كانت لهم خطايا خاصة ، وكان الرسول يعظهم كثيرًا لكي يقلعوا عنها - اقرأ مثلا (١ كورنثوس ۳ : ١ - ٤ ، ٥ : ٢)، ذلك كانوا بالنسبة إلى علاقتهم مع الله ، فى مقام القديسين ومع المحبوبين ، وذلك لوجودهم ليس فى ذواتهم ، بل في المسيح القدوس .
(۲) فالله لم ينتظر حتى نأتي إليه نحن المذنبين ، ونطلب منه الصلح والسلام كما هو المفروض شرعًا ، بل إنه وهو المساء إليه ، تقدم الينا و صالحنا لنفسه ، وذلك مع الفارق الذى لا حد له بينه وبيننا كما أنه لم يجعل شرط الصلح فدية نقدمها إليه ، كما هو المتبع في إجراءات الصلح ، بل صالحنا دون أن يلزمنا بفدية ما وقد فعل ذلك ليس لأن هذه الفدية غير ضرورية بالنسبة لعد الته ، بل لأننا لا نستطيع تقديمها إليه مهما عملنا من أعمال صالحة . وقيام الله بالفدية المذكورة بنفسه أمر يتوافق مع كماله كل التوافق ، وذلك لسببين (الأول) أن عدالة الله وقداسته لهما حقوقهما التى يجب ألا تهمل بأي حال من الأحوال ، لأن اهمالها معناه أن الله أصبح غير عادل أو غير قدوس ، وهذا محال (الثاني) ليس هناك كائن في الوجود يستطيع أن يفي مطالب عدالة الله وقداسته سوى الله ، لأن هذه المطالب لا حد لها ، ولا يستطيع أن يفي مطالب لا حد لها إلا من لا حد له ، وليس هناك من لا حد له الا الله .
(۱) هذه الآية يمكن أن تفهم بمعنيين (الأول) أما أن يكون المسيح قد اعتبر على الصليب خطية (وطبعًا ليس من الناحية الأدبية بل الشرعية ، أى أنه لم يجعل خطية بل كخطية) . لأنه بقبوله على نفسه خطية العالم بأسره (١بطرس ۲ : ٢٤) ، أصبح كما لو كان ليس خاطئا فحسب، بل وأيضا كما لو كان هو الخطية بعينها . ويؤيد هذا التفسير أننا بكفارة المسيح لم نصبح أبرارا فقط ، بل أصبحنا الله ، أو البر بعينه ، كما يتضح من الشطر الثاني من هذه الآية بر ( الثاني) وإما أن يكون المسيح قد اعتبر على الصليب " ذبيحة خطية ،، ويؤيد هذا التفسير أن كلمة " خطية " كانت تستعمل قديما للتعبير عن ذبيحة الخطية " فقد جاء في (خروج ۲۹ : ٧٦) " تقدم ثور خطية كل يوم " والمراد "ثورة ذبيحة خطية " وذبيحة الخطية كما نعلم كانت رمزا للمسيح من جهة كونه كفارة الله عن العالم ، ولذلك كانت تحرق بأكملها خارج المحلة ، اشارة الى حلول قصاص الخطية عليها عوضا عن الخطاة " (عبرانيين ۱۳ : ۱۱ - ۱۳ ) .
(۲) إن التفرقة التي كانت قبل المسيح بين اليهود وبين غيرهم الأمم ، كان أساسها الفصل بينهم وبين الوثنيين الذين لم تكن لهم علاقة بالله . لكن مذ جاء المسيح انتهت هذه التفرقة تمامًا ، لأنه أعلن أن اليهود والأمم معًا خطاة ، وأنهم جميعا فى حاجة الى خلاص الله (رومية ١ ، ۲، ۳ : ٩ - ٢٠) ، ولذلك لم يعد هناك مجال أمام اليهود للتفاخر على غيرهم من الأمم على الإطلاق.
_____________________________________________
(۱) إننا في أجسادنا الطبيعية لا نستطيع رؤية الله أو النظر الى مجده (عبرانيين ۱۲ : ۲۱ ، خروج ۳۳ : ۱۸ - ٢٣) ، ولذلك كان من البديهي ، أن يغير الله أجسادنا هذه، عندما يأخذنا الى سمائه، حتى نستطيع أن نراه ونتمتع به.
_____________________________________________
- عدد الزيارات: 3