۹ المشكلات العقلية والدينية التي تعترض الخلاص وموقفنا ازاءها
۱ - التفكير في كيفية الإيمان : ليست هناك صعوبة البتة في الإيمان الذي نحصل به على الخلاص من الخطية ونتائجها ، فهذا الايمان (كما ذكرنا فيما سلف) لا يزيد عن كونه تصديق شهادة الله عن أن الخلاص هو بالمسيح ، وما أسهل هذا التصديق أمام كل إنسان راغب فى الخلاص المذكور . لكن الصعوبة التي تعترض البعض من جهة هذا الموضوع ، هي " التفكير في كيفية الإيمان " : وهذه الصعوبة تلازمنا في الواقع عند التفكير في كيفية القيام بأى عمل من الأعمال ، مهما كان سهلا وبسيطا . فالمشي (مثلا) سهل وبسيط، لكن التفكير في كيفية القيام به ، يجعله صعبًا أمامنا . لأن هذا التفكير يؤدي بنا الى أن نسأل أنفسنا : هل نبدأ بالقدم اليسرى أم اليمنى ؟ وهل نستمر على هذا المنوال أم نغيره بعد حين ؟ وهل ترتكز أثناء المشى على كعب القدم ام على أصابعها ، أم على الكعب والأصابع معا ؟ ثم أي المفاصل نحركها أثناء المشي وأى المفاصل لا نحركها ؟ وماذا يحدث أن حركنا المفاصل التي لا يجب تحريكها ولم نحرك التى يجب تحريكها ؟ و ….. و ….. لكن كما نمشي دون أن نفكر في كيفية القيام بالمشي ، هكذا يجب أن نؤمن دون أن نتعب أنفسنا فى التفكير فى كيفية الايمان ، لان الايمان (وليس الكيفية التي يتم بها الإيمان)، هو الطريق إلى الخلاص.
ومع كل نقول ، نظرا لأن الأيمان عمل ، وكل عمل يسبقه باعث داخلي ، يجب على من يرى أمامه صعوبة في الإيمان بالمسيح ، أن يدرك أولا فى نفسه أنه خاطىء ، وأنه فى مسيس الحاجة الى الخلاص من قصاص الخطية وسلطانها . ثم يقرأ أو يسمع كثيرا عن محبة المسيح للبشر وموته كفارة عنهم ، وعن مقدار ما يستطيع أن يقدمه لهم من عطايا إذا آمنوا به. وأن يأخذ بعد ذلك فى ترديد ما قرأه أو سمعه بينه وبين ذاته، حتى يتذوق معناه ويتشبع به، وحينئذ يجد نفسه مشتاقا للتمتع بالمسيح وخلاصه الثمين، ويتولد فيه تبعا لذلك الايمان الحقيقي بشخصه الكريم.
۲- عدم الثقة بأن الخلاص هو بالإيمان : فضلا عن الآيات المتعددة التي تثبت أن الخلاص هو بالايمان ، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك أو الريب فى هذه الحقيقة على الإطلاق ، نقول ان معظم الذين يجدون صعوبة في الاعتقاد بها ، هم المترددون الذين يؤمنون بشطر من الكتاب المقدس ولا يستطيعون أن يؤمنوا بالشطر الآخر ، لأننا أن وضعنا أمامهم مثلا الآية : من يؤمن بالابن ، فله حياة أبدية و سألناهم : هل تؤمنون بالابن ؟ فإنهم يجيبون على الفور : نعم . وان قلنا لهم بعد ذلك : إن الله يعلن أن من يؤمن بالابن ، فله حياة أبدية ، فهل لكم أنتم حياة أبدية ؟ فإنهم يصمتون أو يؤولون معنى الآية بما يتفق مع أفكارهم من جهة السبيل الى الخلاص ، والحق ما أحوج هؤلاء الناس الى الاخلاص و الصراحة . أن بدونهما لا يمكن أن ينعموا بالخلاص الذي ينشدونه ، بل يتعبون أنفسهم فى اللف والدوران حوله من وقت الى آخر ، دون أن يتقدموا خطوة واحدة نحوه . ولذلك فإن ما قاله المسيح سابقا لبطرس " يا قليل الايمان لماذا شككت ؟ " (متى ۱٤ : ۳۱) ، هو ما يقوله الآن لكل واحد منهم ، فليتهم يصفون الى صوت المسيح، ولا يشكون فيه على الاطلاق ، لأنه صادق وأمين (رؤيا ٣ : ١٤) ، والصادق الأمين يجب ألا يشك أحد في أقواله . كما يجب عليهم ألا ينتظروا حلما يؤكد لهم أنهم نالوا الخلاص (كما يقول الذين يذهبون وراء الرؤى والأحلام) ، لأن الكتاب المقدس لا يبنى خلاصنا على هذه أو تلك ، بل على الايمان الحقيقي دون سواه.
أما باقى الذين يجدون صعوبة فى الاعتقاد بأن الخلاص هو بالايمان فهم العقليون وحجتهم أنهم لا يصدقون ان هناك خلاصًا مثل هذا حتى يؤمنوا بالمسيح . وإلى هؤلاء نقول : أن الإيمان معناه تصديق الله قبل أن نختبر تأثيره فى نفوسنا ، لأن الإصرار على اختبار تأثير الله قبل الایمان به ، معناه الشك في أقواله والشك هو عدم الإيمان ، وبدون الإيمان لا يمكن ارضاء الله (عبرانيين ۱۱ : ٦) . فضلا عن ذلك فإن هؤلاء الأشخاص يجب أن يعلموا أن الإيمان والعقل يسيران جنبا الى جنب، وفى كثير من الأحيان يعتمد العقل على الإيمان وليس العكس فنحن نؤمن (مثلا) أن تناول كمية كبيرة من الأسبرين تحدث تسممًا في الجسم ، ليس لاننا إختبرنا هذه الحقيقة في نفوسنا، بل لأننا آمنا بما قراناه عنها، ومن ثم أصبحنا في غير حاجة الى اختبارها بأنفسنا كما أن الكثير من الاختبارات التي تصادفها في الحياة ، ترينا ضرورة الإيمان قبل الاختبار . فنحن نرى مثلا أن من يثق أن الماء يستطيع أن يحمل جسمه ، يمكنه أن يتعلم السباحة . ومن يثق أن الدراجة تستطيع أن تحمله وتسير به ، يمكنه أن يتعلم ركوبها . ولكن من يشك في هاتين الحقيقتين ، أو يحاول اختبارهما قبل الإيمان بهما ، قلما يستطيع الافادة منهما طوال حياته على الأرض . ولذلك على الأشخاص المذكورين أن يعتمدوا على الله وليس على اختبارهم ، وأن يثقوا فيه قبل أن يختبروا صدق أقواله . وعندما يفعلون ذلك ، ويقبلون المسيح باخلاص في نفوسهم، يمكنهم أن يختبروا حياته فيهم وخلاصه لهم ، مثل غيرهم تماما.
أخيرًا نقول : ان الله ينتظر منا أن نعامله كمــــا يجب اي بإيمان لا يخامره شك على الاطلاق ، واذا كان الواحد منا يؤلمه أن ينظر اليه انسان بعين الشك والريب، فمن المؤكد أن الله القدوس الكامل لا يطيق أن يعامله البشر كما لو كان غير صادق في أقواله ، أو غير قادر ذلك اننا نثق فى بعض الناس ونعتمد عليهم ، ومع على تنفيذ وعوده كثيرا ما يخيبون أملنا فيهم . ولكن ثقتنا في الله لا تخيب أبدا، لأنه مادام قد تكلم ، فلا بد أن يعمل إن السماء والأرض تزولان ، ولكن كلامه لا يزول (متى ٥ : ۱۸) .
٣- ضعف الإيمان : يرتاب بعض الناس في امكانية تمتعهم بالخلاص لأن إيمانهم
(كما يقولون) ضعف . لكن بالرجوع الى الكتاب المقدس ، يتضح لنا أن إيمان الخلاص لا يكون ضعيفًا أو قويًا ، إذ يكفى أن يكون حقيقيًا . فإشعياء النبي بمجرد أن أحس بخطورة خطيته وصرخ "ويل لي إني هلكت " ، أرسل الله إليه ملاكًا يعلن له أنه تعالى كفر عن خطيته (إشعياء ٦ : ٧) ، وزكا بمجرد أن بدت منه رغبة صادقة لرؤية المسيح ، قال له المسيح " أسرع وأنزل ، لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك " ، كما قال له " اليوم حصل خلاص لهذا البيت " ( لوقا ١٩ : ٥ - ۲۸) والابن الضال بمجرد أن رجع الى نفسه وأخذ فى العودة إلى أبيه ، ركض أبوه إليه ووقع على عنقه وقبله " (لوقا ۱٥ : ۲۰) . والعشار بمجرد أن شعر بثقل شره وصرخ من أعماق قلبه " اللهم ارحمني أنا الخاطئ" ، نال العفو والغفران (لوقا ۱۸ : ۱۳) . اللص بمجرد أن حكم على نفسه بأنه يستحق العذاب، وصرخ للمسيح " اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك " ، أجابه المسيح فى الحال " اليوم تكون معي في الفردوس " (لوقا ۲۳ : ٤٣) .
فضلا عن ذلك فقد قال الوحي عن المسيح أنه " قصبة مرضوضة لا يقصف ، وفتيلة مدخنة لا يطفىء " (متى ۱۲ : ۲۰) ، لأنه يشفق على الضعفاء والمترددين ، ويمنحهم كل ما يحتاجون إليه من عون و إرشاد، إن كان فيهم ذرة من الإيمان (۱)، وبذلك يتحول ضعفهم إلى قوة ، و يأسهم إلى رجاء . ومن ثم فأصغر المؤمنين وأبسطهم إدراكًا لهم الخلاص والغفران مثل أعظم المؤمنين وأفضلهم ، طالما يتوافر فيهم الإخلاص في الإيمان .
وإذا استمرت الشكوى من أحد من جهة ضعف الإيمان ، فعليه أن يضع في ذهنه أن هذا الضعف ليس علة لا دواء لها ، إذ أنه ليس أكثر من بطء النفس فى تفهم خلاص الله والتمسك به . لذلك عليه أن يتحول عن ذاته بكل ما فيها من شر أو خير (ان كان فيها ثمة شيء من الخير)، وأن يتأمل فى كفاية كفارة الله فى المسيح حتى يتشبع بها كل التشبع وحينئذ تتغير لغته تغييرا كليا . فلا يقول بعد انى ارتاب في أمر خلاصي أو أظن أنى سأخلص بنعمة المسيح ، بل يقول : أعلم علم اليقين أني خلصت بنعمته الى التمام (١ يوحنا ٥ : ١٣) - فمحبة الله لنا لا حد لها على الإطلاق ، ولذلك فإن الإيمان البسيط لا يبطل وعد الله بالخلاص كما أن الإيمان القوي لا يكون عاملا فى اتمام هذا الوعد . لأن الله يهب الخلاص لكل الذين يريدونه له ، لا لسبب سوى أنه هو الذي وعد به لهم وهو كما تعلم لا يمكن أن يخلف وعده بأي حال من الأحوال . وإذا كان الأمر كذلك ، علمنا أنه أن كان لدينا أسباب تشككنا في استحقاقنا الذاتي للخلاص ، يجب ألا تشككنا في أمانة الله ، فضعفنا نحن شيء ، وأمانة الله شيء آخر . وفي قول المسيح لبولس الرسول " تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل " (۲ كورنثوس ۱۲ : ۹) علاج لكل ضعف نشعر به في هذه الحياة.
٤- الصلاة للحصول على الخلاص : إن الصلاة هي الوسيلة الوحيدة التي ننال بها عطايا الله ، لكن الذين يصلون يومًا بعد يوم طالبين من الله أن يعطيهم (حسب اعتقادهم) الخلاص من عقوبة الخطية وسلطانها . هم فى الواقع يكررون الكلام باطلًا ، لأنهم يطلبون من الله احسانًا سبق وقدمه لهم ، عندما جعل المسيح نفسه كفارة من أجلهم ومن أجل غيرهم من الناس. لذلك فإن الرسول لا يقول لطالب الخلاص (اطلب الخلاص من الرب يسوع المسيح ، فتخلص) ، بل يقول له
"آمن بالرب يسوع المسيح ، فتخلص " . ولذلك فما يجب علينا الآن أن نعمله ، ليس أن نطلب الخلاص من الله ، بل أن نؤمن في قلوبنا انه خلصنا ، فنتمتع في الحال بالخلاص ، وتفيض نفوسنا بالحمد والشكر لله . ولإيضاح هذه الحقيقة نأتي بالآيتين الآتيتين على سبيل المثال :
(أ) قال المسيح " ها أنذا واقف على الباب (أي باب القلب) وأقرع . إن سمع أحد صوتى وفتح الباب ، ادخل اليه واتعشى معه وهو معي (أي أفرح معه وهو معي " (رؤيا ۳ : ۲۰) - ففتح باب القلب كما يتضح من هذه الآية هو من عمل الإنسان ، ولذلك إذا أوصد انسان قلبه وظل يصلى ليلا ونهارا لكي يفتح الله قلبه للمسيح (أو بالحرى يجعله يؤمن به)، فلن يجيبه الله الى هذه الصلاة . لماذا ؟ لأن الله أعلن أن فتح القلب هو من عمل الإنسان ، وليس من عمله تعالى ولماذا جعل الله فتح القلب من عمل الإنسان ؟ طبعًا لكي يثبت الإنسان أنه يريد الخلاص بمحض اختياره ورضاه، لأنه ليست هناك فائدة في هبة تعطى للإنسان رغما عن إرادته.
(ب) وقال المسيح مرة أخرى " من يعطش فليأت . ومن يرد فليأخذ ماء حياة (أو بالحرى الخلاص الذى يهب الحياة مجانًا) (رؤيا ۲۲ : ۱۷) - فتناول ماء الحياة (كما يتضح من هذه الآية) هو من عمل الإنسان ، ولذلك إن لم يتناوله إنسان وظل يصلى ليلا ونهارا لكي يعطيه الله إياه ، فلن يجيبه الله إلى هذه الصلاة . لماذا ؟ طبعا لأن الله أعد لنا هذا الخلاص، وطلب منا أن نتناوله لكي نرتوي ونحيا . ولذلك يجب على كل من يشعر بالعطش الروحي أن يتناوله بنفسه ، لأن الله لا يعمل لنا عملا فى امكاننا ومن واجبنا أن نقوم به، للسبب السابق ذكره . وهذا هو عين ما نفعله في شؤوننا العادية ، فإننا كما يقول المثل " نقود الحصان إلى النهر ، ولكننا لا نجبره على الشرب " .. مع أنه حيوان أعجم لا عقل له ولا إدراك مثل الإنسان.
ه - السعي إلى الخلاص بالتدريج : يظن بعض الناس أن الخلاص لا يمكن بلوغه دفعة واحدة بل بالتدريج ، ولذلك يحاولون من وقت الى آخر(حسب زعمهم) أن يحصلوا عليه. وكان لهؤلاء عذر في تصرفهم هذا، لو أن الإيمان عمل بعيد المنال أو أن الذى ينادي لهم بالخلاص بمجرد الایمان ، إنسان يشك في أقواله . ولكن الإيمان (كما اتضح لنا مما سلف) عمل بسيط لدى كل الراغبين بإخلاص فيه ، كما أن الذي ينادي لهم بالخلاص بمجرد الإيمان ، هو الله نفسه - والله لا يغالي في أقواله أو يكذب فيها على الاطلاق ( رومية ٣ : ٤ ) .
ولكي يتضح لنا مقدار الخطأ الذي يرتكبه هؤلاء الأشخاص ، لنفرض أن أبًا طيبًا كريمًا عفا عن زلة ارتكبها ابنه . ولكن هذا الابن لم يستطع أن يصدق أن أباه قد عفا عنه ، ولذلك أخذ يقول له من وقت إلى آخر " اني أحاول يا أبى أن أصدق أنك عفوت عنى كما وعدت " . فترى أى جرح يسببه هذا الابن لقلب أبيه ! ؟ لكن هذا الجرح بدرجة أشد ايلامًا ما يسببه لقلب المسيح كل من يقول له " إني أحاول أن أؤمن أنك غفرت خطایاي وطهرتني بدمك الكريم ! " وإذا كان الأمر كذلك ، يجب على الأشخاص المذكورين أن يضعوا في أذهانهم أن عملية الايمان لا تحتاج من الشخص المخلص وقتا طويلا . فالمرأة الخاطئة ( لوقا ٧ : ٣٦ - ٨) وزكا ( لوقا ۱۹ : ١ - ١٠) وليدية (أعمال ١٦ : ١١ - ١٥) والسجان (أعمال ۱٦ : ۲۵ : ٣٤) والعشار (لوقا ۱۸ : ١٤) واللص (لوقا ٢٣: ٤٣) وغيرهم ، خلصوا جميعًا فى ثوان معدودة . فالإيمان يشبه من هذه الناحية فتح النافذة ، فإننا بمجرد أن نفتحها يدخل النور الى المنزل ويبدد ما فيه من ظلام ، لذلك فإن آمن هؤلاء الأشخاص في الوقت الحاضر تمتعوا بالخلاص في الوقت الحاضر أيضًا.
٦ - تحسين الحياة الروحية قبل الإتيان إلى المسيح : أما الذين لا يريدون أن يأتوا إلى المسيح إلا إذا تحسنت أولا حياتهم الروحية ، ولذلك يصرفون أوقاتًا طويلة فى الصوم والجهاد ، حتى ينتصروا (حسب زعمهم) على الخطية ويصبحوا أهلًا لخلاص المسيح ، فإنهم يناقضون أنفسهم بأنفسهم، لأنهم إن كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون بقدرتهم الذاتية أن ينتصروا على الخطية ويخلصوا أنفسهم منها ومن قصاصها، فترى لماذا يطلبون المسيح ويسعون اليه ؟!
لكن الحقيقة التي يجب أن يضعوها أمامهم ، ونضعها أيضا نحن المؤمنين أمامنا ، أن الانسان مهما حاول وجاهد ، لا يستطيع أن يرتقى بقوته الذاتية درجة واحدة فوق ناموس الخطية الكامن في طبيعته . والدليل على ذلك أننا جميعا نتعرض للخطأ ، ان لم يكن بالفعل ، فبالفكر والقول ، حتى في أثناء الصلاة والصوم . لذلك فليكف هؤلاء الأشخاص عن كل محاولة لإصلاح طبيعتهم العتيقة ، و ليأتوا الى المسيح كمـا هم بضعفهم ونقصهم ، ويقبلوه بالإيمان في نفوسهم ربًا وفاديًا . وعندما يفعلون ذلك ، يتمتعون للتو بالخلاص من قصاص خطاياهم كما يتمتعون بسكنى المسيح فيهم ، وبذلك يرتقون فوق ناموس الخطية ارتقاء تم يخطر لهم ببال . فقد قال الوحي " لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة " (فيلبي ۲ : ۱۳) . كما قال عن الله . يفعل فوق كل شيء ، أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر ، (أفسس ۳ : ۲۰)
۷- الاعتماد على الشعور : إن الشعور ليس أساسًا للحكم في أمر من الأمور . فالمريض الذى يقول انه يشعر أنه لا يمكن أن يشفى ، والتلميذ الذي يقول انه يشعر أنه لا يمكن أن يفلح ، يبنيان اعتقادهما على أساس أوهى من نسيح العنكبوت . وعلى هذا النسق فإن الإنسان الذي يقول: انه يشعر أنه لا يمكن أن يخلص ، أو يشعر بأن خطيته لا يمكن أن تغفر أن يشعر أن الله لا يمكن أن يقبله - يبعد نفسه عن طريق الصواب بعدًا عظيمًا، لأنه يبحث عن الخلاص فى شعوره وخياله وليس في المسيح وهذا هو عين الخطأ ، إذ أن الثقة يجب ألا تكون في الشعور (لأن الشعور معرض للتغير من وقت الى آخر ، حسب الظروف والأحوال أو حتى في الإيمان (لأن الإيمان معرض للزيادة والنقصان ، تبعا للحالة أن تكون أولًا الروحية التى يكون عليها الانسان) ، بل إن الثقة يجب أن تكون أولًا وأخيرا في المسيح دون سواه . لأن المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد (عبرانيين ۱۳ : ۸) ، ووعوده لا بد أن تتم بحذافيرها . ولكي لا يبقى هناك مجال للشك من جهة الخلاص أمام الذين يعتمدون على شعورهم وليس على المسيح ، ندعوهم الى التأمل في الدم الذي أمر الله شعبه قديما أن يضعوه على منازلهم حتى لا يهلكهم المهلك. فقد قال تعالى لهم " فأرى الدم وأعبر عنكم " (خروج ۱۲ : ۱۳) - ومن هذا يتضح لنا أن النجاة من الهلاك كانت متوقفة أولا وأخيرًا على رؤية الله وحده للدم . ولذلك لو كان البعض يتطلعون الى هذا الدم أو لا يتطلعون ، أو يشعرون داخل منازلهم بالاطمئنان أو لا يشعرون ، فإن كل ذلك لم يكن يؤثر في قليل أو كثير على نجاتهم من الهلاك .
أما المؤمنون الذين عندما يفقدون الشعور بالفرح الروحي يومًا .. يرتابون في أمر خلاصهم ويتسرب إليهم الحزن واليأس تبعا لذلك ، فنقول . لهم بناء على كلمة الله : ان لم تشعروا يوما يميل الى الفرح ، اجتهدوا أن تفرحوا بأي حال . ففى محبة الله ورحمته مجال واسع للفرح ، والفرح في كل حين . فقد قال الرسول " افرحوا في الرب كل حين ، وأقول أيضا افرحوا " (فيلبى ٤ : ٤) ، لأن الخلاص مضمون الى الأبد بالمسيح ، بناء على كفارته الكاملة التي عملها على الصليب.
۸ - الاسترسال في الحزن على الخطية : يظن بعض الناس أنه من دواعي قبول الله لهم ، أن يحزنوا كثيرا على خطاياهم . لذلك يسترسلون في الحزن والبكاء عليها ظنًّا منهم أنهم بذلك يجعلون أنفسهم أهلا للقبول أمام الله . لكن فات هؤلاء أن الإنسان في أسمى حالاته في ذاته أهلا للقبول أمام الله ، لأن تأهيلنا لهذا القبول يتوقف أولًا وأخيرًا على كفارة المسيح كما ذكرنا مرارًا وتكرارًا . كما فاتهم أن الاسترسال في الحزن فضلًا عن أنه يزيدهم حزنًا فوق حزن ، فإنه يحول بينهم وبين الاستعداد الروحى لقبول خلاص الله ، فيكون مثلهم مثل المريض الذي يحصر تفكيره في مرضه دون سواه ، فإنه يضيف الى مرضه مرضًا آخر .
لذلك على هؤلاء الأشخاص ألا يضعوا أمامهم خطاياهم من وقت الى آخر وينوحوا لسقوطهم فيها ، بل عليهم أن يتطلعوا إلى المسيح الذي كفر عنها ، وبتكفيره أزالها من أمام الله إلى الأبد عن كل من يؤمن إيمانًا حقيقيًا وحينئذ يستريحون كل الراحة و يطمئنون كل الاطمئنان.
وإذا كان الأمر كذلك ، يجب ألا يفخر انسان ان كان قد حزن على خطاياه كثيرًا ، ولا يدب اليأس فى آخر إن كان لم يحزن مثل هذا الحزن . لأن استحقاق التمتع بخلاص الله لا يتوقف على مقدار ما يبدو منا من حزن، بل على كمال كفارة المسيح من أجلنا.
٩- عدم الاستحقاق : أما الذين يعتقدون أن بركات الخلاص ليست مقدمة لهم ولأمثالهم من الأشرار ، بدعوى أنهم لا يستحقون شيئا منها ، وهكذا يتسربلون
(حسب اعتقادهم) بثوب التواضع ، عليهم أن يعلموا أن الله لا يعاملنا على مبدأ الاستحقاق بل على مبدأ النعمة . ومعنى النعمة ليس هو الإحسان للذين يستحقون الاحسان ، بل الاحسان للذين لا يستحقون احسانا. ولذلك يجب على هؤلاء الناس ألا ينظروا الى نفوسهم وما بها من نقائص ، بل أن ينظروا الى الله في محبته ورحمته اللتين لا حد لهما ، فتبتهج نفوسهم وتتمتع بخلاصه.
ولكي لا ندع مجالا أمام إنسان ما لليأس من خلاص الله ، نقول : ترى إذا كان الابن الضال بعد أن رجع إلى بيت أبيه (لوقا ١٥ : ١١ - ٢٤) ، رفض أن يعانقه أبوه ، أو يضع الخاتم فى يده ، أو الحذاء في رجليه ، أو الحلة الأولى على جسده . كما رفض أن يدخل الى البيت يأكل من الطعام الفاخر الذى أعده له أبوه ، واكتفى بأن يجلس خارج البيت في أثماله البالية ، وأن يأكل من فضلات الطعام مع الخدم ، شعورًا بعدم استحقاقه لأي بركة من بركات أبيه ، فهل يكون تصرفه هذا دليلا على التواضع أم الغباوة ، وإذا كنا نؤمن جميعا أنه دليل على الغباوة يجب على الأشخاص المذكورين أن يثقوا تماما أن لهم بركات الفداء التي أعلنها الوحى ، مثل أفضل الناس سواء بسواء ، فيحصلون عليها ويتمتعون بها مثلهم.
والحق ما أحوجنا نحن المؤمنين أيضا الى المزيد من الثقة في الهنا ، لأن عدم توافرها فينا هو الذي يحرمنا من التمتع العملي بكل بركات الفداء في الوقت الحاضر ، ولذلك يجب ألا نحد من ايماننا على الاطلاق ، لأننا مهما غالينا فيه لا يمكن أن نخرج به عن الحد الذي ينتظره الله منا ، فهو يريد أن يعطينا ليس كل ما نطلبه فقط ، بل وأيضا أكثر مما نطلبه بدرجة لا تستطيع أن ترقى إليها أفكارنا (أفسس ۳ : ۲۰) .
١٠- البر الذاتي ، وعدة الاحساس بخطايا خاصة : إن التباهي بالبر الذاتي يمنع أصحابه من معرفة حقيقة أمرهم ، ولذلك يظنون أنهم ابرار أو على الأقل أنهم أفضل من غيرهم من الناس ، وأنهم تبعا لذلك لبسوا في مثل حاجتهم الى الخلاص ، ومن ثم فإنهم يبعدون أنفسهم عن رحمة الله كما فعل الفريسيون من قبل (لوقا ١٥ : ٤) . كما أننا اذا درسنا آراء الذين يعتمدون على برهم الذاتي، نجد أنهم لا يعرفون المعنى الذي نقصده من وجوب الإيمان بالمسيح للحصول على الخلاص ، لأنهم يعتقدون أن جميع المنتمين الى المسيح هم مسيحيون أو مؤمنون بالمسيح (١) ، وأن خلاصهم يتوقف على قيامهم بالفرائض والواجبات الدينية ، الأمر الذى لا يوجد له أساس في الكتاب المقدس على الإطلاق ومن ثم على هؤلاء الأشخاص أن يضعوا نصب عيونهم أنهم مهما عملوا من بر، فهم عبيد بطالون ، لأنهم لم يفعلوا إلا ما أمرهم الله به (لوقا ۱۷ : ۱۰) ، وأنهم إن حفظوا كل الناموس وإنما عثروا في واحدة من وصاياه ، فقد صاروا مجرمين فى الكل (يعقوب ٢ : ١٠) ، وأنهم لذلك ليسوا أبرارا أمام الله كما يظنون (رومية ٣ : ١٢) .
وإذا كان الأمر كذلك فإنهم (بشهادة الله) خطاة مثل أشر الناس ، وشهادة الله عنهم أصدق من شهادة الناس وأصدق أيضا من من شهادتهم عن أنفسهم، لأنه وحده هو الفاحص القلوب والعالم بكل ما فيها . وإن لم يسلموا بشهادة الله هذه ، فانهم يضلون أنفسهم ويبعدونها عن الله كثيرا (١ يوحنا ١ : ٨) - هذه هي الحقيقة المرة التي يجب أن يواجهوها الان، وأن يقنعوا أنفسهم بها حتى يدركوا أنهم في حاجة الى خلاص الله مثل أشر الخطاة . وإذا ما بلغوا هذه الدرجة من الإدراك، فليقبلوا المسيح ربًا وفاديًا ، وحينئذ يعرفون ما هو خلاص الله ، وما هي البركات التي تترتب عليه.
أما عن عدم احساس بعضهم بخطايا خاصة في نفوسهم ، فهو دليل ليس على طهارتهم أو قداستهم، بل على اعتقادهم بأن الخطية هي فقط الجريمة المنكرة . ولكن الحقيقة غير ذلك ، لأن الخطية هي أقل انحراف بالفكر عن كمال الله وصفاته العلوية السامية كما ذكرنا في الفصل الأول ولذلك عليهم أن يأتوا بقلوبهم الى الله ، ويقول كل منهم كما قال داود مرة له " اختبرني يا الله واعرف قلبي ، امتحني واعرف أفكاري . وانظر ان كان فيَّ طريق باطل واهدني طريقا أبديًا " (مزمور ۱۳۹ : ٢٣)، وحينئذ سوف يصرخ كل منهم قائلا عن نفسه:" نجس نجس". (لاويين ۱۳ : ٤٥) ، أو" ويل لي إني هلكت " (إشعياء ٦ : ٥) ، أو " اللهم ارحمني أنا الخاطئ " ( لوقا ۱۸ : ۱۳ ) فيترأف الله عليهم ويقودهم إلى الخلاص من الخطية وعواقبها الوخيمة .
١١ - الاختيار : أخيرًا يظن بعض الناس أن الخلاص ليس للجميع بل لأشخاص اختارهم الله ، ومن ثم لا يتوبون عن خطاياهم ولا يقبلون المسيح مخلصًا لهم ، بدعوى انهم ان كانوا من المختارين فان الله سوف يأتي بهم إليه رغمًا عنهم . وإن كانوا من غير المختارين فانهم لا يمكن أن يخلصوا مهما فعلوا - وللرد على هؤلاء نقول : حقا ان الوحى أعلن أن الله اختارنا (نحن المؤمنين) فى المسيح قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة (افسس ١ : ٤ - ٦) ، لكن من الناحية الأخرى أعلن لنا أن الله لا يسر بموت الشرير، بل أن يرجع من طريقه ويحيا (حزقيال ۳۳ : ۱۱) ، وأن الله يريد جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون (۱ تيموتاوس ۲ : ٤) ، وأن الله أحب العالم (بأسره) لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يوحنا ۳ : ١٦) .
من هذا يتضح لنا أن الله وإن كان قد اختار بعض الناس للحياة الأبدية، غير أنه لا يأتي بهم اليه رغما عنهم بل بإرادتهم ، الأمر الذي يدل على أن هناك علاقة مباشرة بين اختيار الله الأزلي للمؤمنين ، وبين إيمان هؤلاء المؤمنين وطاعتهم لله في الزمن الحاضر . ولذلك فإن كنا لا نعرف كل شيء عن الاختيار الأزلي لسمو أفكار الله عن أفكارنا (رومية ۱۱ : ۳۳ ) ، لكن يمكننا أن نقول بكل يقين : إن هذا الاختيار لا يقوم عقبة أمام أى إنسان فى سبيل التوبة والايمان الحقيقي ، لأن الاختيار ليس إلا مظهر من مظاهر نعمة الله ومساعدته للراغبين في الإتيان إليه . لذلك فكل خاطيء يضع في قلبه أن يتوب عن خطاياه ويقبل إلى المسيح، سوف يرى أن روح الله يعضده ويساعده ويبعث الى نفسه بكل رجاء وأمل . وسوف يعلم في النهاية ، إن كان يؤمن إيمانًا حقيقيًا ، أن الفضل فى خلاصه لا يرجع إلى اجتهاده الشخصي بل الى نعمة الله وحدها.
أما الذي يظل فى خطاياه ويقول " ان كان الله قد اختارني ، فإنه لا بد أن يأتي بي إليه رغما عنى فى يوم من الأيام " ، وهكذا يظل عائشاً في خطاياه، ففضلا عن أنه يبنى اعتقاده على غير أساس ، فإن قوله هذا دليل على أنه يصر على البقاء فى الخطية ، وبالتالي على أنه غير أهل للخلاص ، لأن الله لا يخلص أحدا رغما عن إرادته - فالمسيح يعرض نفسه على جميع الناس ، والناس لهم أن يقبلوه ولهم أن يرفضوه ، فإذا قبله واحد منهم يصبح للتو ابنا لله له حياة أبدية معه، وإذا رفضه آخر ، يظل فى خطاياه ويجلب على نفسه شقاء أبديا ، وبئس المصير.
مما تقدم يتضح لنا أن الحياة المسيحية ، مع الاعتماد على الله فيها كل الاعتماد ، ليست حياة سلبية بل حياة ايجابية ، فنحن يجب أن نقلع عن الخطية بأنفسنا ، ويجب أن نقبل المسيح مخلصًا لنا بأنفسنا ، ويجب أن نأخذ الروح القدس بالايمان بأنفسنا ، ويجب أن تتلقى عطايا الله ومواهبه بالإيمان بأنفسنا أيضا.
_____________________________________________
(۱) لأن الكلمة " توبوا " ترد في الأصل اليوناني (میتانويت) ، معناها الحرفي (كما يقول علماء اللغة اليونانية) " تبدلوا ، أو غيروا عن اتجاهكم ".
_____________________________________________
(۱) إن الاستماع لأقوال الله ، يدل ولا شك على الرغبة في التعرف عليه أو التقرب منه ، لكن سماع هذه الأقوال بالاذن شيء وسماعها بالقلب فيؤثر فى النفس ويقودها للاتصال بالله شيء آخر ، لأن الأول لا يؤدي إلا الى زيادة المعلومات عن الله ، أما الثاني فيؤثر فى النفس ويقودها للاتصال بالله.
_____________________________________________
(۱) " العبادة " هي تقديم الإكرام والسجود لله لما يتصف به تعالى من سجايا سامية، مثل المحبة والقداسة والقدرة والعلم والسمو . أما الصلاة فهي طلب ما نحتاج إليه منه في هذه الحياة . لذلك فالعابد يقدم شيئا لله ، أما المصلي فيطلب شيئا منه ، والأول يتأثر بالله دون سواه ، أما الثاني فيتأثر بحاجته أمام الله.
(۱) فهو يشبه من هذه الناحية الموسيقار الموهوب الذي له أذن موسيقية فإنه يستطيع إدراك أقل خطأ قد يوجد فى لحن ما ، بينما لا يستطيع غيره ادراك هذا الخطأ على الاطلاق.
(۲) أذكر أن أحد أساتذة الفلسفة كان يتحدث مرة في حفل عن الأدلة على وجود الله، وكان الكل يصغون اليه بانتباه الا رجل واحد وعند الانتهاء تقدم الى هذا الرجل وقال له " لماذا لم تكن مصغيا الى حديثى مع أهميته العظمى لكل الناس ؟ " فأجابه الرجل بكل بساطة " الله الذي تحاول أن تثبت وجوده ، أعرفه أنا معرفة شخصية ، ولي معه علاقة مستمرة " ، فبهت أستاذ الفلسفة وسكت.
_____________________________________________
(۱) كان الكهنة والملوك فى العهد القديم يمسحون بزيت مقدس عند تعيينهم في وظائفهم (لاويين ۸ : ۱۲ و ۱ صموئيل ١٦ : ١٣) رمزًا لحلول الروح القدس عليهم (أعمال ۱۰ : ۳۸) و (١ يوحنا ۲ : ۲۰) ولذلك يسمى الروح القدس مجازا "المسحة " .
(۲) مما يجدر الاشارة اليه في هذه المناسبة ، أن الكاثوليك والأرثوذكس والانجيليين يتفقون معا على حقائق الإيمان المسيحي الجوهرية (مثل قيام الله بثلاثة أقانيم ، ولاهوت المسيح ، وموته بالجسد كفارة عن الخطية ، وقيامه بعد ذلك من بين الأموات ، وصعوده إلى السماء) والفرق بينهم أن الفريقين الأولين يتمسكان بتقاليد توارثوها من القدماء لا يؤدي التمسك بها الى الحياة الأبدية ، أو عدم التمسك بها إلى الهلاك الأبدي . ولذلك لو التف كل المسيحيين حول المسيح وحده ، لاتحدت قلوبهم وأفكارهم .. وإن بقى شيء من الاختلاف بعد ذلك بينهم فإنه لا يؤثر على وحدتهم الروحية على الاطلاق . ولذلك عليهم أن يضعوا نصب أعينهم أن المسيح هو الذي يوحدهم ، ولكن آراءهم وتفسيراتهم هي التي تفرقهم.
(۱) وإن كان المؤمن حسب الظاهر هو الذي يقوم بالأعمال الصالحة لكن العامل الرئيسي الذي يقوده للقيام بها هو الله . فقد قال الرسول " لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة " يجب أن يكون المؤمن فى حالة التكريس الكامل لله (فیلبی ۲ : ۱۳) ، ولذلك حتى تكون الأعمال الصالحة التي يقوم بها ، خالية من الشوائب التي ذكرناها في الفصل الأول.
_____________________________________________
(۱) أما الذي يتساءل من وقت الى آخر : " ماذا ينبغي أن يفعل لكي يخلص ؟ فلا يكون مؤمنًا حقيقيًا، لأن القاعدة العامة هي أن الايمان الحقيقي لا يدع مجالا للشكوك أو الوساوس على الاطلاق . غير أن هناك حالة شاذة لهذه القاعدة سببها عدم المعرفة الكاملة بكلمة الله ، أن يوجد مؤمنون يعيشون بالتقوى والأمانة أمام الله ، ومع ذلك لا يثقون ثقة تامة أن لهم حياة أبدية - فمثلهم والحالة هذه ، مثل جماعة من الفقراء يوجد بين أيديهم كنز ثمين ، وهم لا يدرون عن قيمته شيئا - لكن الله الذي يعرف قلوب هؤلاء المؤمنين ، لا شك أنه يعاملهم بالمعاملة التي يعامل بها أمثالهم من الذين يثقون أن لهم هذه الحياة.
_____________________________________________(۱) وحتى الايمان الذى يتطلبه المسيح من الراغبين في التغلب على أي صعوبة من الصعوبات ، لا يشترط فيه أن يكون عظيما . فقد قال مرة لتلاميذه : " لو كان لكم ايمان مثل حبة خردل، لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا الى هناك ، فينتقل "
(متى ۱۷ : ۲۰) - ان الله يسرّ بمن كان إيمانهم عظيمًا، لكنه لا يهمل قليلي الايمان على الإطلاق ، لأنه ان كان يوبخهم، غير أنه يساعدهم ويخلصهم
(متى ٨ : ٢٦) .
_____________________________________________
(۱) مما تجدر ملاحظته في هذه المناسبة ، أن أي إنسان في البلاد المسيحية ، إن لم يكن مؤمنا حقيقيا ، فيندر أن يقول عن نفسه أنه مسيحي.
_____________________________________________
- عدد الزيارات: 6