دفع الثمن ثانية أو لكم الخيار
إن دمشق عاصمة ، الجمهورية السورية ، مشهورة بمصنوعاتها اليدوية وبصناعها المهرة الذين يتقنون جميع ما يقومون به من أعمال .
وكان بين هؤلاء العمال صانع حاذق جدا. وقد بلغت مهارته بعمله الحد الاعلى بالعمل المتقن ، حتى أصبح المرجع الأول في صناعة الأدوات النحاسية كالمزهريات والمواقد والاطباق الخ. وكان كرام القوم يحتفظون بقطع من عمله كتحف نادرة
يتفاخرون بها أمام ضيوفهم ويباهون بها أقرانهم . كان أندر ما عمل ذلك الصانع الماهر ابريقاً وطستًا فاقا جميع ما عمل من مصنوعات أخرى بالفن والذوق السليم ، فكانا مضرب الأمثال في الإتقان والأناقة وقصدهما الناس للتفرج عليها من كل مكان.
لكن حدث أن ملأ الحسد قلب صانع آخر ، فجاء في الظلام الحالك واختطف تلك التحفة النادرة ونقش عليها اسمه ، ثم وضعها في واجهة محله مدعياً انها من صنعه.
تأسف صاحب تلك التحفة الرائعة لما حدث وحزن على فقد تحفته ، وأخذ يسعى لاستردادها من سارقها بشتى الطرق فأرسل بعضاً من خدامه الى السارق يطلبها منه، فأهانهم ذلك الرجل الشرير وردهم على أعقابهم آسفين .
ثم عاد صاحبها الاصلي فأرسل إلى اللص بعض الأعيان علهم يقنعونه لارجاع المسروق ، لكنه ثبت على ادعائه الأول ولم يسلمها ، بل طلب بها ثمناً غالياً اغاظة بصاحبها الاصلي.
اخيراً اضطر عامل تلك التحفة على شراء تحفته التي سرقت منه بأضعاف أضعاف قيمتها .
ايها القارئ العزيز ، قد صنع الله الإنسان على صورته تعالى، فكان مثال الجمال والكمال والابداع يمجد خالقه، وينظر الى باقي المخلوقات من حيوان ونبات نظرة المالك إلى ما ملكت يداه ، فيتنقل بينها من مكان إلى آخر، ويقطف منها ما شاء ويأكل ما شاء ، لا يعكر مزاجه معكر ولا يزعج خاطره مزعج ، بل كانت تطفح البهجة من وجهه ويشع النور من محياء ويشيع السرور من قلبه .
ساء ذلك الشيطان الحسود والعدو اللدود ، فاجتذب آدم إليه بكلام معسول كقول الشاعر : يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب وهكذا فرق بين الإنسان وعامله وظن أنه بعمله هذا قد ملك القامة وان آدم قد أصبح طوع أمره.
صحیح ان الله سبحانه تعالى غضب على آدم و طرده من وجهه ،لكنه كأب محب فقد سعى عز وجل لتقويم الانسان وتوجيهه ورده الى الصواب، مستخدماً شتى الطرق لاجل غايته هذه دون جدوى ، بل ذهبت جميع اتعابه ومساعيه وتوجيهاته أدراج الرياح .
أخيراً قرر رأيه تعالى بأن يتنازل ويجالس الإنسان ويعاشره كالند للند.
فتجسد ورافق الناس في غدرهم ورواحهم إلى أن قربهم الى قلبه وافهمهم غايته.
لكن الإنسان مع فهمه لمقصد الله ، فإنه لم يتمكن من اتباعه الى العلى ، لأنه كان يحمل عبئاً ثقيلا على كاهله انهك قواه فكان يقوم من سقطة ليقع في اخرى وفوق ذلك فقد كان قلبه متعلقاً بأملاكه ومقتنياته الأرضية.
هنا ظهرت محبة الله على أجلى وأبهى مظاهرها ، إذ قدم الإله المتأنس للانسان جوهرة ثمينة تفوق قيمتها جميع مقتنيات العالم وتبرع أن يأخذ عنه حمله الثقيل الذي يؤخره عن اللحاق به فيتمكن من الصعود الى الاعالي بسرعة فائقة على طريقة الطائرة النافورية ولا يضطر للجوء الى ارض الاعداء او السقوط بين براثن الشيطان .
وهكذا اشترى الخالق المخلوق الذي عمله كما فعل ذلك الصانع الدمشقي تماماً واضطر ان يدفع ثمن التحفة التي كان قد عملها اضعاف اضعاف قيمتها.
أيها القراء ، ماذا تقولون بهذا العرض السخي المقدم لكم من يد عاملكم القدير ؟
هل تقبلونه فيريحكم من أثقالكم وأحمالكم وهمومكم ، أم تفضلون ان تبقوا تحت سلطة إبليس فيتلاعب بكم كما يتلاعب القط بالفأر أو كلاعب الكرة يقذفها برجله ذات اليمين وذات اليسار، مرة يدفعها الى فوق واخرى الى اسفل؟
أتختارون إبليس الذي يلهو بكم ويلهيكم بملذات هـذا العالم الوقتية التافهة ، ويغرقكم في أوحال الخطيئة وأدناسها ، ثم يدوس على رؤوسكم فتهلكون خنقاً أو فطيساً كما يقولون ؟ أم تذهبون الى من اشتراكم بدمه الغالي ، وهو مستعد أن يحمل أثقالكم عنكم وان يرفعكم بين يديه القويتين الحنونتين ، ويضمكم الى قلبه الطاهر ، ويغسلكم من جميع أدرانكم، ويسلمكم جوهرة الخلاص الثمينة ومواهب كثيرة تستطيعون بواسطتها شفاء الأمراض واقامة الموتى؟
أتفضلون معاشرة الشيطان الرجيم عدو البشرية جمعاء ، خادع الجدود اللئيم ومعذبهم الذي أغواهم وابعدهم عن الحدب بمكره ، واخذ يباهي بما ليس له حق فيه؟ أم ترجعون الى من أحبكم وسفك دمه في سبيل خلاصكم ؟ أتفضلون معاشرة جالب المصائب والأمراض ، الذي تقشعر من رؤيتها ورؤيته الابدان ؟
أم تسعون وراء من يخلصكم من تلك المصائب و الأمراض، ويجعلكم خليقة جديدة ، ويلبسكم الحلة الملوكية ، والخاتم الملوكي ويفرح بمن يتوب ، ويضمه الى قلبه، ويعامله كما يعامل الأب الحنون ابنه والأم الرؤوم ابنتها ؟
لكم الخيار بين إتباع الشيطان وشهواتكم الجسدية الشريرة، إطاعة القدير الذي يعطيكم الغلبة على انفسكم واعدائكم وبين لكم الخيار بين مرافقة الاردياء أو معاشرة الاتقياء.
الخيار بين مطالعة الكتب الشريرة والتآليف الكفرية، أو الرجوع الى الكتاب المقدس الذي يلهمنا الحق والصواب. لكم الخيار !
الهمنا اللهم حقك وامنحنا رضاك
اعطنا ان نقبل الهبة المجانية المقدمة لنا على الصليب
لا تسمح اللهم ان نبقى بيد الشيطان يتلاعب بنا كما يتلاعب القط بالفأر
بل انتشلنا من بين مخالبه وظللنا بظل جناحيك
احمنا اللهم كما تحمي الدجاجة فراخها تحت جناحيها
احمنا اللهم من أنفسنا ومن أفكارنا لا تسمح اللهم ان نعمل إلا ما تريدنا إنت ان نعمله وان لا نقول إلا ما تريدنا أن نقوله
باركنا اللهم ومجد ذاتك بضعفنا واجعلنا بركة لغيرنا
اكراماً ليسوع استجبنا آمين
- عدد الزيارات: 15