Skip to main content

الدرس الثالث عاموس

( شرع في التنبؤ عام ۷٨٧ ق.م. )
في قرية حقيرة تدعى تقوع وعلى بعد ۱۸ كيلومتراً الى الجنوب من أورشليم ولد عاموس . وكان مولده حوالي ٨٠٥ ق .م. ونشأ راعياً للمواشي ، وكان يجمع ثمر الجميز وهو يرعى الأغنام . ولم يتربَّ في مدارس خاصة بل دعاه الله من وراء المواشي. وهناك في البرية الهادئة اتجهت افكاره الى الخالق العظيم . والله يختار خدامه من خيام الرعاة ، و من قصور الملوك . وهو يهيئهم للواجبات التي يدعوهم إليها .
كان عاموس راعياً ، وكثيراً ما اضطرته ظروفه ان يذهب الى المدن لبيع منتوجات أغنامه فكان لا بد له من أن يعرج بطريقه على بيت لحم والقدس ثم يسير إلى بيت ايل والسامرة . وسكن بيت ايل عند ذاك الملك يربعام الثاني . وكانت تختلف كثيراً عن بلدته تقوع لما فيها من ضروب البذخ . ففيها كثرت القصور والمباني العظيمة ، وكان الأغنياء فيها يلبسون الملابس الثمينة ، ويتنعمون بالمآكل الطيبة . وسار في الشوارع الحقيرة فشاهد الفقراء الذين كانوا يعاملون كالعبيد . فأدرك كيف ان الاغنياء يسلبون أموال البسطاء .
ويعتبر عاموس من الأنبياء الصغار ، وخيّل للبعض أن هؤلاء دعوا صغاراً لأنهم كانوا قصار القامة . لذلك قد يتراءى في مخيلة البعض أن عاموس كان قزماً، وإن إشعياء كان عملاقاً ، لكن الواقع أنهم سموا صغاراً لان الأسفار التي تحويها نبواتهم هي قليلة في اصحاحاتها وغير مطولة في مادتها.
رأى عاموس أن أهل زمانه قد زاغوا عن طريق الرب ومالوا عن الروحيات الى الماديات ، إذ ابطرتهم النعمة و انغمسوا في الترف والملذات . ولا عجب في الأغنياء عند ذاك تنعموا بأطايب الحياة، فبيوتهم كانت مبنية من الحجارة ، مملوءة بالرياش ومزينة الأواني الثمينة. في حين أن الفقراء كانوا يجوعون ويباعون كالعبيد ويسكنون بيوتاً حقيرة. وكثيراً ما استعملت المقاييس المغشوشة وطرق الحيل في المعاملات . وعلى وجه العموم فقد كانت حالة المجتمع منحطة. ولذلك هب عاموس يطالب بالعدالة الاجتماعية ويدعو إلى الإصلاح الاجتماعي.
وعندما كان عاموس يشاهد هذه الفروق الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء كان يرجع الى نفسه ويقول : هذه ليست مشيئة الله لأنه هو خالق جميع الناس . ثم انه عندما ذهب الى دور العبادة وشاهد الأغنياء يحتشدون حول المذابح وهم يقدمون الذبائح والقرابين ويسجدون الله ويسبحونه هتف صارخاً : الله لا يرضى بمثل هذه العبادات. وأوحي إليه فتكلم بلسان الله قائلا: " كرهت اعيادكم و لست التي بإعتكافاتكم ... في جميع الأسواق نحيب وفي جميع الكروم ندب ... ولسوف اقتم الأرض في يوم نور واحول اعيادكم نوحاً. وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف و أنت تموت بأرض نجسة . . . " وهكذا أخذ هذا النبي يندّد بالشعب الظالم ويسمعهم صوت الله المنذر لهم .
وكانت مملكة الشمال عند العبرانيين قد بلغت معظم قوتها ، وقهرت الممالك المجاورة لها . وكذلك كثرت عند مملكة الجنوب الجيوش والحصون . فاستسلمت لحياة الرخاء والترف. وسرعان ما انغمس الشعب بالملذات و تمتع بالكماليات . ولذلك نجدهم يكتفون بمظاهر الدين ، فكانوا يجتمعون في أماكن العبادة لتقديم الذبائح، ولكن قلوبهم كانت بعيدة عن البر والصلاح.
فهذا السلوك المقرون بنسيان الله وروح عدم المبالاة بأمور الدين هو الذي شغل بال عاموس. ومن أجل ذلك توجه الى معبد بيت ايل ، ووبخ الكاهن امصيا بكلمات قارصة على هذه المظاهر الخداعة ، والعبادة الزائفة ، ورغم أن الكاهن امصيا طرده ، إلا أنه ما انفك يوبخ الشعب على تماديهم في الترف وانغماسهم في الملاهي وحياة الفجور ، واسرافهم في القسوة والجور على الفقراء . سفر عاموس مليء بالاشارات الى حياة الفلاحين ، وهو الذي تنبأ فيه عن سبي الشعب اليهودي وسقوط دولتهم . وفي نهاية السفر نجده يشير إلى عظمة مملكة المسيا المنتظر .
وشدد عاموس على البر والصلاح، وإصلاح الحالة الاجتماعية فنسمعه يقول 
" ليجر الحق كالمياه والبر كنهر دائم ". وكان كلام عاموس قاسياً وتهديده للمفسدين عنيفاً . وقد أمل الشعب بأنه إذا تاب فانه ينجو من العقاب الإلهي ، لذلك كان ينصحهم  قائلا " اطلبوا الخير لا الشر لكي تحيوا - ابغضوا الشر أحبوا الخير . . " وأشار في الإصحاح الثامن من سفره إلى الجوع الروحي الذي يفتقر اليه الشعب فقال : " هوذا أيام تأتي يقول السيد الرب أرسل جوعاً في الأرض لا جوعاً للخبز ، ولا عطشاً للماء بل لاستماع كلمات الرب "
كان عاموس على بساطته يرى نقائص شعبه . كان يذهب إلى الأسواق ليبيع ثمر الجميز وصوف الغنم فكان يرى الغش والفساد، فيشتعل قلبه غضباً . كان يرى ظلم الفقير ومرح الغني فتثور نفسه في داخله . وعندما رأى الخطر محدقاً بشعبه ترك رعاية المواشي وقطف الجميز وجال منذراً وقائلا إن الله قد أمرني أن اتنباً . ووجه كلامه الى الأغنياء فقال : " انكم تدرسون المسكين ، وتضايقون البار وتصدون البائسين في الباب ... أنكم تكبرون الشاقل وتعوجون موازين الغش "
ولا نعرف شيئاً عن ايام عاموس الاخيرة وان كان الملك يربعام قد تركه وشأنه ، فقد يكون خليفته أمر بقتله ليتخلص منه ومن انذاراته . وإذا كان صوت عاموس قد أسكت قبل اوانه ، فانه لم يطل الوقت حتى قام أنبياء آخرون بدأوا في تعاليمهم ودعوتهم للإصلاح الاجتماعي من حيث انتهى عاموس.
اسئلة
(١) من أي بيئة اختار الله عاموس ؟
(۲) ماذا يقصد بالإصلاح الاجتماعي، وكيف كان عاموس مصلحاً اجتماعياً ؟
 (۳) ماذا تعرف عن امصيا - تقوع - بيت ايل - يربعام . مملكة الشمال؟
(٤) ما هي الإصلاحات التي دعا إليها عاموس ؟
(٥) اقرأ المختارات التالية من سفر عاموس واحفظ بعضها غيباً (عاموس ٧:٣ و عاموس ٨ و عاموس ٥: ٨ و عاموس ٩ : ١٤ - ١٥ و عاموس ٥ : ٢٤ و عاموس ١٢:٨)

  • عدد الزيارات: 29