الدرس الرابع والعشرون مارتن لوثر
(من عام ١٩٨٣ - ١٥٤٦ ب . م )
كان القرن الخامس عشر الذي ولد فيه مارتن لوثر حافلا بالانقلابات . فقد أيقظت الحروب الصليبية أوروبا من رقادها ، ومهدت لعصر النهضة وإحياء العلوم . وحدث قبل ميلاد لوثر بربع قرن أن اكتشفت الطباعة وأصبح في الميسور طبع الكتب ونشرها . وفي مثل هذا الجو استقبل هانس وزوجته مرغريت عام ١٤٨٣ المولود الجديد مارتن الذي كان له تأثير كبير في تغيير مجرى التاريخ، ومصير الأمم والشعوب .
ولطالما افتخر هذا المصلح بأنه ابن فلاح ، ولم يرث مارتن عن أبيه من متاع الدنيا كثيرا لكنه ورث ثروة طائلة من الورع والتقوى، وخلقاً متيناً وطيبة في القلب ، وثباتاً على المبدأ والعقيدة ، فقد ترعرع الفتى في بيت كان طابعه الصرامة في النظام اذ ان كل زلة ارتكبها الولد نال عليها عقاباً صارماً . ولم يقتصر هذا النظام الشديد على البيت الألماني بل كان طابع المدرسة الالمانية ايضاً ويذكر مارتن انه جلد ذات يوم ١٥ جلدة لخطأ ارتكبه في تصريف احد الافعال اللاتينية .
وأخذ الفتى مارتن يتجول منشداً للناس بعض الترانيم لسد نفقات تعليمه. وجذب رخيم صوته انتباه احدى السيدات النبيلات التي عطفت عليه ودعته أن يعيش كأحد أفراد عائلتها وهناك وجد مارتن اكراماً وترحاباً . وفي هذا البيت قضى أربع سنوات ضيفاً على تلك العائلة الكريمة . وكان مارتن شغوفاً بالدرس ومحباً للعلم ، لذلك أخذ يستعد لدخول جامعة إرفورت الشهيرة . وتحسنت أحوال والده المالية ، فعمل هذا جميع التسهيلات الممكنة لالحاق ابنه بالجامعة . وانغمس مارتن في جو الجامعة الفكري ، واحبه زملائه وأساتذته ، لسعة تفكيره ولميله الى المرح و لتفوقه في الموسيقى .
وكان مارتن يرغب أن يكون محامياً ، لذلك شغلت دراسته القانون والمنطق، بيد أنه كان يلذ له التعمق في المباحث الفلسفية مما جعل رفاقه ينعتونه بالفيلسوف . واستولت عليه موجة قوية من الخوف في أواخر سني دراسته في الجامعة، وخشي أن يموت دون أن يحصل على خلاص نفسه ، لذلك كان هذا السؤال دائماً يشغل باله : ماذا ينبغي لي أن أعمل كي أخلص ؟ !
وحدث مرة وهو في طريق عودته من زيارة والديه ان نزلت صاعقة بالقرب منه . فراغ بصره وبات مذهولاً، ونذر من تلك الساعة أن يكون راهباً . ولم يطب هذا النذر لوالده الذي اراد من ولده ان يكون محامياً ، الا ان مارتن افهمه ان هذه هي ارادة الله وأنه قد أعلنها له في البرقة الخاطفة . وانخرط مارتن في سلك الرهبنة الأوغسطينية ، وهناك انغمس في التأملات الروحية وفي مطالعة الكتاب المقدس . واخيراً استدعى ليكون استاذاً في جامعة وتنبرغ ( Wittenberg ) وكان كل أحد يلتقي موعظة مثيرة يخبر الناس فيها عن الاختبارات المسيحية التي تذوَّقها.
وحدثته نفسه أن يزور روما فذهب اليها مشياً على الاقدام مخترقاً الغابات ومتسلقاً الجبال، واخيراً لاحت له روما المنشودة عن كثب بانوارها الساطعة فخرَّ على ركبتيه اجلالاً لها ، ولكنه حزن كثيراً عندما وطئت قدماه المدينة و رآها ملانة بالفسق والفجور.
وحدث أن كردينالاً عُرف باسم تنزل كان يجوب البلاد الألمانية على رأس موكب من القساوسة . وكان هذا يهدف لجمع الأموال لترميم كنيسة القديس بطرس في روما . فيبادر الى بيع صكوك الغفران لجماهير الناس وكان يقول لهم : حالما ترن النقود في الصندوق تنال الأرواح الغفران . وحالما سمع لوثر اخبار تنزل هاجت نفسه. وفي ۳۱ تشرين الأول عام ١٥١٧ علق على باب كنيسة وتنبرغ قضاياه المكونة من ٩٥ مادة في الرد على تصرفات الكنيسة المنافية لمبادئ الإنجيل .
ولم يخطر ببال لوثر أن مبادئه سوف تثير ضجة في العالم أجمع وتكون نواة للإصلاح ، وبوقاً للحرية الدينية. و استدعاه البابا إلى روما ليجيب عن الاتهامات الموجهة إليه بعد أن بعث له بكتاب حرمان . ولكن لوثر احرق كتاب الحرمان على مرأى من الناس. ثم استدعاه الامبراطور ليمثل أمام مجمع ورمس (Worms) . وحذره رفقائه من الذهاب إلى ورمس ولكنه أجابهم بكلمته التاريخية قائلا : لو كان عدد الشياطين هناك بقدر عدد الأجر فساذهب اليها .
ووصل لوثر ورمس وخرجت المدينة لتشاهد هذا الراهب الذي تجاسر أن يتحدى سلطة البابا . ومثل لوثر أمام المجمع وسئل عن كتبه إن كان هو مؤلفها فاعترف بذلك وطلب اليه ان يسحبها فقال : " ان لم اقتنع من الكتاب المقدس بضلالها فانا لا استطيع جحدها فساعدني يا الله ". وأثناء عودة لوثر من ورمس اختطفه جماعة من جنود صديقه أمير سكسونيا وحملوه إلى قلعة فارتبرغ . وعاش لوثر في تلك القلعة متخفياً متنكراً متخذاً اسم جورج له . وكان أعظم عمل قام به هناك ترجمة الكتاب المقدس من اللغة اللاتينية إلى الألمانية . وهناك ايضاً نظم الكثير من الترانيم الروحية . وكانت حياة لوثر سلسلة من الجهاد والنضال . وقد كان له الفضل الأكبر في إرجاع أسس الدين إلى الكتاب المقدس. وتتجلى لنا شجاعته في كل أعماله وكتاباته . وقد بقي يعظ ويؤلف إلى أن وافته المنية . وزحفت السنوات إليه قبل الاوان فقد اعتلت صحته وضعف نشاطه لكن روحه لم تزل حية حتى النهاية . والّذين أحاطوا بلوثر ساعة الموت سمعوه يقول : " أيها الآب السماوي في يديك استودع روحي . وسار موكب الجنازة الى وتنبرغ حيث أودع جثمانه الثرى بين دقات الأجراس الحزينة وسيل من الدموع والعبرات .
اسئلة
(1) كيف أثّر اكتشاف الطباعة على حركة الإصلاح الديني ؟
 (٢) كيف ساعدت حداثة لوثر على إعداده لعمله العظيم كمصلح ؟
 (۳) صف زيارة لوثر لمدينة روما والأثر الذي تركته في نفسه . 
(٤) ما هي صكوك الغفران ؟ وكيف رد لوثر عليها ؟
 (ه) ماذا عمل لوثر في قلعة فارتبرغ ؟
 (٦) ماذا كان من المحتمل أن يحدث في الكنيسة لو لم يظهر لوثر ؟
- عدد الزيارات: 9