الدرس الرابع والثلاثون اليزابيث فراي
( من ۱۷۸۰ - ١٨٤٥ ب . م )
قليلون استطاعوا أن ينجزوا اعمالاً ويقوموا بخدمات لمجتمعهم وللسّجون مثلما قامت به هذه السيدة الجليلة إليزابيث فراي (Fry). ولذلك حق بأن تسمى ملاك السجون ، فبالرغم من واجباتها البيتية المتعددة وهي أم لأحد عشر ولداً نراها تجد متسعاً من الوقت لزيارة بيوت الآلاف من المساكين والمعوزين وتتفقد أحوال العشرات من المدارس والسجون . وقد حملتها للقيام بهذه الأعمال الانسانية رغبة متأصلة فيها لعمل الخير وإسداء العون والمساعدة للآخرين. فقد أعارت إليزابيث فراي نظرة عطف وحنان لتلك الكثرة من ابناء الانسانية الذين سقطوا في مهاوي الآثام، و استهدفوا للاجرام ، وباتوا في بؤس وتشريد وعذاب . فكانت صديقة بالحق للمسجونين والرائدة لإصلاح السجون . أجل لقد تغيرت نظرة المجتمع الى الاجرام والمجرمين بفضل هذه السيدة.
فقبل وفاتها كانت السجون امكنة للتعذيب والتنكيل يقصد منها الانتقام من المجرم لا اصلاحه، لكن هذه السيدة غيرت نظرة المجتمع إلى هذه المشكلة الاجتماعية وبفضل مساعيها أصبحت السجون دوراً للإصلاح . ولم ينحصر هذا التبدل في النظر الى المجرمين في بلادها بل انتقل الى البلاد المجاورة . وحيثما وجد مسجونون ومعذبون فإن تأثير أعمال إليزابيث فراي قد سرى إليهم .
ولدت هذه السيدة الكريمة في بيت عريق اتيل ، عام ١٧٨٠ في مدينة نورفولك من أعمال انكلترا. وكان والدها جون غورني صاحب قلب كبير ، وعلى جانب عظيم من اللطف والرقة، وكانت والدتها صاحبة مواهب نادرة وتعيش لمبادئها السامية ومثلها الرفيعة. وكان الوالدان ينتميان الى طائفة الكويكرز او " جماعة الأصدقاء " وكان مشهوداً لهما بالتقوى وروح الورع . أما اليزابيث فكانت نحيلة الجسم وعصبية المزاج ولم يدر أحد أن هذه الفتاة غير الجذابة سيكتب لها الخلود. ومن تصوَّر ان تكون ذات يوم في طليعة النساء المصلحات ومن رواد اعمال الخير والاحسان .
واستفاقت اليزابيت في سن السابعة عشرة إلى ضرورة تغيير طراز حياتها السابق فقد شعرت في نفسها انها كالمركب الذي فقد ربانه وضل سبيله . ووجدت حياتها تتجاذبها أمواج الحياة، وقد بدا كل ما تراءى لها الغازاً ومعميات إلى أن جاءها قارب النجاة عبر الاتلنتيك بقدوم أحد الوعاظ الشهيرين من الدنيا الجديدة . فاشعل هذا بمواعظه الحية قلبها ، وملأه بالمحبة لبني الإنسان.
فتجدّدت حياتها ، وبرقت الرؤية أمامها وأصبحت تحس بحاجتها الى خدمة اخوانها وبشوق الى العمل الإنساني والبذل والتضحية .
وسرعان ما بدأت تجمع عدداً من الأولاد فتعلّمهم . أو تذهب لزيارة بعض الأرامل والخادمات في أحد المستشفيات . وهكذا تركت هذه الفتاة مسرَّات العالم وملذاته الرخيصة وحولت انظارها للامور الخالدة والمتع الرفيعة. وسكن بجوارها شاب وسيم الطلعة حسن الأخلاق ، وكان رفيقاً لاخوتها في المدرسة فأعجب بها وأحبها ورغب في الزواج منها لكنها رفضته بادئ الأمر خشية ان تحول المسؤوليات الزوجية دون مواصلتها اعمالها الانسانية ، ولكنها عادت فقبلت أن تتزوج .
 واخيراً عقد زواجها على جوزيف فراي عام ١٨٠٠ واستمرت بعد زواجها بهذه الأعمال الانسانية وقد وجدت من زوجها خير منشط ومعين.
كانت السجون امكنة للشقاء البشري تضيق بما يزج فيها من مجرمين . وهناك نظريتان في طريقة اصلاح المجرم إحداهما تقول بأن القصاص وحده هو الذي يهيب بالمجرم للابتعاد عن الاجرام ، والثانية بتنمية الميول الصالحة فيه عن طريق التعليم و لفت نظره إلى الحياة الصالحة الهنيئة . والى النظرية الثانية وجهت إليزابيث فراي الأنظار في عملها الإصلاحي العظيم .
ففي احد الايام دخلت هذه السيدة الى مكتب الحاكم طالبة منه أن يسمح لها بزيارة الغرف المخصصة للنساء في السجن فأجابها : إن النساء في السجن شرسات . واستدعى الحاكم سجانا ليرافقها إلى السجن الذي اصرت على زيارته،  فدخلت سجن النساء حيث شاهدت ۳۰۰ امرأة وعدداً كبيراً من الاولاد موضوعين في غرفتين صغيرتين ، ينامون فيهما على الارض ، واذا ما شاهدت النساء غريباً يدخل عليهن هجمن عليه كالذئاب الخاطفة . واخذت تكلمهن بلطف وحنان حتى أثرت عليهن جميعاً . ثم عملت على تأليف لجنة من السيدات للنظر في حالة المسجونات . وأوصت هذه اللجنة ببعض التوصيات هذا بعض منها : وجوب تشغيل المسجونات - ووجوب المحافظة على النظافة - ووجوب تجنب الكلام القبيح - ووجوب الصلاة قبل البدء بالشغل .
وتقدمت إليزابيث فراي ببرامج للإصلاح فطلبت من المسؤولين أن يضعوا سيدة تراقب احوال النساء السجينات ، واقترحت عليهم تشغيل النساء واستغلال أوقاتهنّ بجعلهنّ ينصرفن إلى أعمال النسيج والحياكة . وبفضلها تمَّت بعض الاصلاحات وبمساعيها تحسنت احوال السجناء اذ تشكلت لجنة للعناية بهم و لتفقد احوالهم . وانصرفت هذه السيدة إلى الخدمات الاجتماعية حيث اهتمت بشتى طبقات المعوزين والمعذبين ، فكانت تعنى بالخدم فتزورهم ساعات مرضهم فتنتعش النفوس ، وتبدد غمام اليأس عنهم . . وكثيراً ما كنت تراها تجلس قرب أسرة المرضى تواسيهم او تدلف الى بيوت الحزانى فتعزّيهم، أو تحمل باقات الزهر للمرضى في المستشفيات . وفي الشتاء كانت تأخذ عربة مملوءة بالملابس وتوزعها على الفقراء ، وكأنها بهذا العمل الإنساني تعلِّم الناس المبدأ القائل : " إن العطاء أفضل من الأخذ " .
وامتدت حياتها الزوجية الى ما يزيد عن الأربعين عاماً وقد انجبت أحد عشر ولداً . ورغم كثرة مسؤولياتها وأعمالها كنت تجدها تعتني بأولادها ، وتربّيهم التربية الصالحة . فكانت كل صباح تجمعهم مع من حواه المنزل من خدم وضيوف حول المذبح العائلي وتصلي وإياهم وتحثّهم ليندفعوا وراء الخدمات الاجتماعية والأعمال الإنسانية الخيرية .
وقضت حياتها بخدمة المجتمع. ولم تنحصر خدمتها في نوع واحد من الأعمال بل كانت حياتها كالشمس تنير جميع الجهات . فقد خدمت بلادها وبيتها لأنها لم تهمل واجباتها كوالدة وكربة بيت . ولم يتحمل جسدها هذا الحمل الثقيل والمشقات التي كلفت نفسها فيها ، فساءت صحتها ، وفي مرضها الاخير قالت لاحدى بناتها :" لقد لمس الرب قلبي وانا في سن السابعة عشرة ومنذ ذلك الوقت لم استيقظ يوماً من النوم الا وكنت افتكر تقبل كل شيء كيف يجب أن أخدم الرب أفضل خدمة" .
اسئلة
(۱) اذكر أسماء بعض النساء الشهيرات في بلادك.
 (۲) هل تستطيع المرأة أن تقوم بواجبها لبيتها وللمجتمع ؟
 (۳) كيف كانت حالة السجون في زمن إليزابيث فراي ؟
 (٤) ما هي الإصلاحات التي دعت إليها إليزابيث فراي ؟
 (ه) صف حالة السجون في بلادنا وهل هي في حاجة الى اصلاح ؟
 (٦) من يقوم بالخدمات الاجتماعية في بلادك ؟
- عدد الزيارات: 6