الدرس السادس والثلاثون الدكتور كرنيليوس فان ديك
( من ۱۸۱۸ - ۱۸۹۵ )
كان الدكتور فان ديك من الرواد الذين هبطوا ديار الشرق ومن ابناء الانسانية الذين وقفوا حياتهم على خدمة الآخرين . ولشد ما يذكره أسلافنا في هذه الديار عاملا بينهم ، كطبيب وأستاذ ومبشر . فحياته امتلأت بنشاط الصبا ، ومروءة الفتوة ، وإقدام الشباب ، ومقدرة الكهولة ، وحكمة الشيخوخة .
ولد في مدينة كندرهوك من ولاية نيويورك بأميركا . وامتاز منذ صغره بالاجتهاد والثبات وكان كلفاً بالعلم والعمل . وأتقن منذ صغره اللغتين اليونانية واللاتينية . وشغف وهو صغير بدرس النباتات والحيوانات ، وكان في ساعات فراغه يتردد الى صيدلية والده ويجري فيها بعض التجارب الكيميائية، وكنت تراه عندما يفرغ من عمله يجمع النباتات ويصنّفها ويطلق عليها أسماءها. وكان هذا العمل دليلا على ميله الفطري الى العلم والبحث والتنقيب .
ودرس الطب وساعدته هذه المهنة في عمله التبشيري عندما جاء الى ديار الشرق يعمل في عداد المرسلين الامريكان . وغادر وطنه وهو في الحادية والعشرين من عمره اذ اتى سوريا مرسلًا من قبل مجمع الارسالية الاميركية ، فوصل مدينة بيروت عام ١٨٤٠ . وتعرف بالمعلم بطرس البستاني والشيخ ناصيف اليازجي وغيرهم من لغويي الشرق وأمراء البيان ، وارتبط برباط المودة والصداقة معهم . . وفي مدة قصيرة تعلم اللغة العربية وأدرك اسرارها وحفظ اشعارها و أمثالها وشواهدها، و استقصى اخبار أهلها وعلمائها وشعرائها وتاريخها.
وانتقل الى عبيه حيث انشأ مع صديقه بطرس البستاني مدرسة عبيه الشهيرة ، وأخذ من ذلك الحين في تأليف الكتب اللازمة للتدريس في العربية فألّف في الجغرافيا والجبر والهندسة وحساب المثلثات والعروض وغيرها . ولا يخفى ما لذلك العمل من أهمية لا سيما في وقت كانت المكتبة العربية مفتقرة إلى مثل هذه التصانيف فبذلك كان فان ديك الرائد في هذا الميدان .
وكان الدكتور عالي سميث قد شرع في ترجمة الكتاب المقدس الى العربية وسار فيه شوطاً كبيراً إلا ان المنية عاجلته قبل اتمام هذا العمل العظيم فانتدب الدكتور فان ديك لإتمام الترجمة، فشمر عن ساعد الجد وعانى كثيراً من المشاق بتطبيق كل كلمة مترجمة على النص الأصلي وفي عام ١٨٦٧ خرجت آلاف النسخ من الكتاب المقدس باللغة العربية التى تمت باشرافه لتوزّع وتنشر في شتى البلاد العربية. وما برح كثير من المسيحيين يعتمدون هذه الترجمة التي طبعت عشرات المرات .
ولما تأسّست الكلية السورية الانجيلية ببيروت - وهي الجامعة الأميركية اليوم – انتدب الدكتور فان ديك ليكون استاذاً فيها . فاهتم بمساعدة صديقه الدكتور يوحنا ورتبات ( Wortabet ) بترتيب و تنظيم الدائرة الطبية. وأخذ يدرِّس في الكلية المذكورة علوم البيولوجيا والكيمياء والفلك بعد ان الَّف كتباً باللغة العربية بلغ عددها ٢٦ واضأ نصوص هذه العلوم فيها . ثم عني باستحضار الأدوات اللازمة ووسائل الإصلاح الضرورية . وكان علاوة على هذا وذاك ، يهتم بتحرير مجلة النشرة الاسبوعية ويقوم بأعمال الطبابة في مستشفى مار يوحنا البروسي حيث كان يتقاطر إليه المرضى افواجاً افواجاً .
وقد شهد اثني عشر صفاً من طلبة الطب يأخذون شهادة الكلية في زمانه ويدخلون دوائر الخدمة الإنسانية . وخدم المرضى نحو خمس وعشرين سنة في مستشفى مار يوحنا ، ومستشفى الروم الارثوذكس . وما انفك حتى زمن شيخوخته رقيق الجانب لطيف المعشر ، محباً للجميع وخدوماً لهم . وقد اندمج في الوسط الشرقي وجارى سكان البلاد في لباسهم وطعامهم وعاداتهم. واحتفل المواطنون عام ۱۸۹۰ بمرور خمسين سنة على إقامة الدكتور فان ديك بينهم ، فأقاموا له يوبيلا ذهبياً متذكرين فيه خدماته لأبناء البلاد . ومات عام ۱۸۱٥ بعد أن طوى سبعاً وسبعين سنة من سني الجهاد والكفاح ، قضى خمساً وخمسين منها في خدمة هذه البلاد عن طريق العلم والطب وتجسيم رسالة الناصري في العمل والحياة .
اسئلة
(۱) ماذا تعرف عن حياة فان ديك قبل مجيئه لبلادنا ؟
 (۲) اذكر بعض الخدمات التي قدمها فان ديك لبلاد الشرق .
 (۳) تكلم عن الدور الذي لعبه فان ديك في ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية .
(٤) ما هو الأثر الذي تركه فان ديك في نفوس أهل البلاد وكيف كافأه        المواطنون؟
 (ه) ما هي الأعمال التي قام بها الدكتور فان ديك عدا الطبابة ؟
 (٦) اذكر أسماء أشخاص آخرين من الأجانب خدموا الشرق بعلومهم ؟
- عدد الزيارات: 9