Skip to main content

الربط على الأرض

إن مبدأ الوحدة في اتخاذ القرار متضمن أيضاً في كلمات ربنا في متى 18: 18 "كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء". كان الرب يتكلم في الأعداد السابقة عن التأديب وعن واحد لا يريد أن يسمع للكنيسة أو يتوب عن تعدياته ضد أخيه. فمثل هذا الشخص يجب أن يستبعد من الكنيسة وخطيته مربوطة عليه بالتأديب.

شموليتها - إن هذا العمل الحكمي للربط أو للحل من الخطايا، والذي يقوم به المجتمعون إلى اسم الرب يسوع المسيح، يصبح ربطاً في الأرض وفي السماء بحسب كلمات الرب. لاحظ أن الرب لم يقل "كل ما تربطونه في الكنيسة يكون مربوطاً في السماء، بل قال "كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء". هذا التعبير "على الأرض" يغطي بالتأكيد ما هو أكثر من الكنيسة المحلية الذي اتخذ فيه هذا الإجراء. وكلمات المسيح هذه ترينا أن الإجراء التأديبي الذي تتخذه كنيسة ما باسم الرب هو ربط على كل الكنائس في الأرض. فما يربط بحسب كلمته في اجتماع معين هو ربط على الأرض ومصادقة في السماء ولهذا يقبل هذا التأديب في كل الكنائس. وخلاف ذلك يصبح إنكاراً لوحدة جسد المسيح، والعمل ككنائس مستقلة في مضادة لكلمات الرب التي تجعل من الإجراء الكنسي ربطاً في الأرض وفي السماء.

فإذا استبعد شخص ما بحسب الكتاب من كنيسة محلية فهو خارج كنيسة الله على الأرض ويجب اعتباره مستبعداً من كل كنيسة في كل مكان. وكما قررنا مسبقاً أن الكنيسة المحلية تمثل كنيسة الله في شموليتها، وهي تتصرف نيابة عن كل الكنيسة وليس فقط عن وجهتها المحلية. إن هذه الوحدة في إجراء التأديب بين الكنائس نتعلمه من كلمات الرب في متى 18: 18.

وبحق كتب آخر فقال: [لنفترض أننا استبعدنا شخصاً هنا، ولكنه قبل في مكان آخر، فهذا يصبح دليلاً على أن هؤلاء الذين قبلوه قد أنكروا علينا أننا جسده المجتمعون إلى اسم المسيح وأننا أجريناه بحسب سلطانه. هذا ما يرتبط بالتأديب، وفضلاً عن ذلك فإن وحدة الجسد قد أنكرت تماماً. ومن الواضح أن استبعاد شخص هنا قد تم بسبب الأمانة للمسيح، وعليه فلا يجوز أن يقبل الشخص ليكسر الخبز في مكان آخر. والإخوة الذين اتحدوا في اسم الرب لاتخاذ هذا الإجراء ليسوا معصومين من الخطأ وقد يكون الاعتراض على القرار صحيحاً، ولكن إذا قبل شخص في مكان ما الذي سبق أن رفض في مكان آخر فهذا دليل على نهاية هذه الوحدة والعمل المشترك.. كيف أتمسك برفض شخص من مكان ثم يقبل في مكان آخر؟ من المستحيل أن يتم ذلك. فإن كانت شركتي منقطعة مع من صدر ضده الحكم هنا وفي مكان آخر لهم شركة معه فقد تبددت وحدة الجسد. وأين هو سلطان الرب؟ (يوحنا داربي).

اتخاذ إجراء خاطئ - من الممكن أن تخطئ كنيسة في اتخاذ قرار بالتأديب والحكم. وقد تخطئ كنيسة في فهم فكر الله بسبب هبوط الحالة الأدبية ويحتاج هذا الإجراء إلى تصحيح. وبالرغم من هذا فإن القرار الكنسي مهما كان فيه من ملاحظات فإنه يجب أن يحترم من الكنائس المحلية في إطاره العام لأول وهلة. ولا يحق لكنيسة ما أن تستبعد فوراً هذا الحكم من جماعة مجتمعة إذا ظننت أنه حكم ظالم. لأنها بذلك ستتصرف باستقلالية. ومهما ظنت كنيسة ما أن لها المقدرة والكفاءة أن تحكم على قرار كنيسة أخرى سواء بقبول قراراتها أو لا، فهو بالتأكيد إنكار عملي لحق الجسد الواحد واستقلالية صريحة منها.

ونحن نؤمن بما جاء في هذه السطور التي نقتبسها من كتابات خادم المسيح المحترم يوحنا داربي والذي وضح لنا طريق الله من جهة الأحكام الكنسية والعلاقات الكنسية [لقد وجدت دائماً أن احترام القرار الكنسي للوهلة الأولى (at first view) هو طريق الحكمة والذي يعترف به الله.. إن حكم كنيسة ما، حتى لو ظننت أنه حكم خاطئ، فمن الوهلة الأولى أقبله وأتصرف بموجبه. إن اختباري في طريق الله هو أن أحترم حكم كنيسة الله، بينما لي حرية الاعتراض بعد ذلك وأن أطلب منهم أن يصححوا حكمهم] (خطابات يوحنا داربي مجلد 2 صفحة 475 و 156 طبعة قديمة).

[بينما الكنيسة المحلية موجودة أساساً تحت مسئولية شخصية لكل من فيها، فهي عندما تتخذ قراراً حكمياً من الله فإنها تربط الكنائس الأخرى بهذا القرار، بحسب مبدأ وحدانية الجسد الواحد. هذه الحقيقة لا يمكن إلغاءها من الآخرين وهي حقيقة لها أهمية عظمى، والتي يبدو أنها صارت منسية من كثيرين. وهذا معناه أن أصوات الإخوة في الكنائس الأخرى يجب أن تسمع في هذه الكنيسة في اجتماعاتها التدبيرية التي تناقش أمور القديسين. هذه الأصوات متساوية للإخوة المحليين ولديهم الحرية في التعبير عنها، بالرغم من أنهم ليسوا أعضاء محليين في هذا الاجتماع. إن إنكار ذلك يصبح حقاً إنكاراً خطيراً لوحدانية جسد المسيح.

[وأكثر من ذلك فإن ضمير الكنيسة المحلية وحالتها الأدبية قد يظهر جهلها أو على القل نقص إدراكها لما يتطلبه مجد المسيح وكرامة شخصه. وكل هذا يكشف عن إدراك ضعيف للغاية وأنه لم تعد لديهم أي قوة روحية للتمييز بين الخير والشر. وربما نجد في كنيسة ما أيضاً الكثير من التحامل والتسرع، أو قد يكون فعلاً انقياد الرأي بتأثير شخص أو أكثر ممن يقودون حكم الكنيسة بعيداً عن الصواب، وبسبب هذا يأتي العقاب ظالماً فيصيب الأخ بضرر جد خطير.

[فإذا كانت الحالة هكذا فإنها تصبح بركة حقيقية أن يتخذ أناس روحيون وحكماء من اجتماعات أخرى خطوة في السعي لإيقاظ ضمير الكنيسة، ويا حبذا لو أتوا بناء على طلب المجتمعين أو هؤلاء الذين يواجهون المشكلة الصعبة في ذلك الوقت. وفي حالة كهذه فإن خطوتهم هذه لا ينظر إليها قط أنها تطفل أو تعدي منهم، بل يجب أن يقبلوا ويعترف بدورهم باسم الرب. أما التصرف بطرق أخرى يصبح مصادقة للاستقلالية وإنكاراً لوحدة جسد المسيح.

[ومع ذلك فهؤلاء الذين أتوا من اجتماعات أخرى لكي يعملوا، لا يجب أن يعملوا بدون بقية الكنيسة، بل طبقاً لضمائر الجميع.

[وعندما ترفض الكنيسة المحلية كل اعتراض ولا ترغب في قبول أي مساعدة وحكم من الإخوة الآخرين، ويصل الصبر إلى مداه معها، عندئذ تأتي الكنيسة الأخرى التي لها شركة مع تلك الكنيسة وتقوم بتصحيح وإبطال هذا الإجراء الخاطئ وتقبل الشخص المستبعد إذا كان الحكم تجاهه غير صحيح، وفي تصحيحها للقرار لا تكون ملامة عندئذ. وحيث أننا وصلنا إلى أقصى مدى في التصرف عندئذ تكون المشكلة أمامنا هي رفض الشركة مع الكنيسة التي اتخذت إجراء خاطئاً، كما كسرت هذه العلاقة مع بقية الذين يعملون في وحدة الجسد. ومثل هذه المقاييس تتخذ فقط بعد تقديم كل عناية وكل صبر حتى تصبح ضمائر الجميع مستريحة في اتخاذ العمل الذي من الله.

[إني ألفت النظر إلى تلك الموضوعات لأن هناك ميلاً لاتخاذ قرارات مستقلة في كل كنيسة محلية برفض السماح بتدخل الآخرين، الذين يقيمون في الشركة من أماكن أخرى].

(مترجمة عن مجلة الرسول الإنجيلي عام 1872).

الإجراءات التقوية:

نلخص ما نؤمن به أنه الطريق لاتخاذ الإجراءات الكنسية في الربط وفي الحل وفي التصرفات الخاطئة، ونضع الجمل الآتية لتلك المبادئ:

1. إنه بشكل أساسي ما تربطه الكنيسة على الأرض يربطه الله في السماء بحسب ما جاء في متى 18: 18. فإن لم يسمع الشخص للكنيسة التي تعمل لأجل الله، فإنه يظهر العناد الذي هو التمرد (1 صم 15: 23).

2. هناك احتياج للخضوع بعضنا لبعض، وللرب في القرارات الكنسية (1 بط 5: 5). فإذا لم تكن الكنيسة متحدة الرأي في اتخاذ الحكم، فإن فريقاً لا يمكنه أن يفرض حكمه على الآخرين المعارضين. ولكن من جهة أخرى إذا كانت الكنيسة على نطاق متسع لها رأي واحد في هذا الحكم، فإنه بحسب الكتاب يخضع الآخرين لحكمها، حتى لو اعتقدوا أنه حكم خاطئ، ما لم يكن هناك شيء حيوي وهام جداً في هذا الأمر.

3. لكن لو كان هناك حكم كنسي ظالم وليس له ما يسنده كتابياً، فنحن لا نؤمن أن ديان كل الأرض الذي يصنع العدل والحق (تك 18: 25) سيفرض على شخص تحت المسئولية أن يخضع دائماً لما هو ظلم ومضاد للكتاب.

إن كلمات الرب "كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء" ليست غير مشروطة أو مطلقة، أو ربما يساء فهمها وكأنها تساوي دائماً "مصادق عليه في السماء". إن عرش السماء يمكنه أن يصادق فقط على ما هو عادل وبحسب كلمة الله وروحه. إن الإجراء الكنسي ينظر إليه وكأنه ربط في السماء، ولكن إذا لم يكن بحسب الكلمة وإرادة الله فسيصبح سبباً للأسى وللحزن والتشويش، بدلاً من أن يكون سبباً للوحدة برباط السلام التي تجتذب القلوب معاً في سعادة وقداسة وحرية الشركة في الروح.

4. وفي مثل هذه الحالات من اتخاذ أحكام كنسية خاطئة وظالمة، فلا بد من إجراءات تقوية وترتيب صحيح. فإذا فعل كل إنسان ما هو حسن في عينيه فإنه لا بد من التشويش كنتائج لهذا العمل، كما كان في أيام القضاة في اسرائيل (قض 17: 6، 21: 25)، وبالتالي يبطل السلطان ويصبح ملغياً. "الله ليس إله[1] تشويش بل سلام" (1 كو 14: 33).

والإجراء التقوي الصحيح بالنسبة للأفراد أو الكنائس التي لها التدريبات الكافية في حالة صدور الأحكام الخاطئة، أنها تستحضر بالنعمة تدريباتها لتلك الكنيسة، وتسعى أن تريها "الطريق الأفضل" (1 كو 12: 31). فإذا كانت عيننا بسيطة (single) عندئذ سيكون مسعانا هو مجد الله وليس تبرير ذواتنا. ولهذا فإن مبدأ النعمة في الحكم سيطبق على الكنائس كما على الأفراد.

5. والكنيسة في مثل هذه الحالة يلزمها أن تعيد النظر في حكمها الذي اتخذته الذي لم يستودع من الله وليس بحسب كلمته للإخوة في مجموعهم. إن كلمة الله معطاة للتصحيح وللتقويم كما لأغراض أخرى (2 تي 3: 16)، وعلى الكنائس والأفراد أيضاً وجوب الخضوع لها.

6. ونهاية هذه الأمور أن الخضوع للسلطة العليا يأتي قبل الخضوع للسلطة التابعة. والدعوة أن "نسمع ما يقوله الروح للكنائس" (رؤيا 2: 7 و 11 و 17 و 29)، لها الأسبقية على وصية "يسمع للكنيسة" (مت 18: 17). وهذا يتفق مع مبدأ "يجب أن يطاع الله أكثر من الناس" (أعمال 5: 29). فإذا تصرفت الكنيسة في إرادة ذاتية أو تصرفاً خاطئاً، فإنها تتصرف مثل الناس (1 كو 3: 3). وسيبقى المسيح رأس الكنيسة، وعلى الكل أن يخضع له.

7. فإذا تمسكت كنيسة بحكمها بشكل دائم، وهو ما رآه الإخوة عموماً أنه حكم غير عادل ومضاد للمكتوب، فهذا يظهر عدم خضوعها للرب رأس الكنيسة، وهو ما يفقدها صفتها ككنيسة. ومثل هذه الكنيسة يجب أن تقطع من الشركة من الآخرين. وهذه حالة مستعصية، وإجراء كهذا يجب اتخاذه بعد استنفاذ كل مجهودات وفرص النعمة التي تفشل في علاجها.

ونحن نثق أن ما تقدم سيساعد قراءنا أن يدركوا بأكثر وضوح الطريق الإلهي بالنظر إلى الأحكام الكنسية والعلاقات الصحيحة التي يلزم أن تكون بين الكنائس خاصة عندما تواجه الفشل والصعوبات. ليتنا نحفظ من المبالغة في الإجراءات من كل نوع، سواء في هذا الاتجاه أو غيره، وليتنا نحفظ من الاستقلالية بأي صورة من الصور.


[1] تأتي author بمعنى موجد أو مؤلف، وعندئذ يقرأ النص "الله ليس موجد التشويش بل السلام" (المعرب).

  • عدد الزيارات: 3776