Skip to main content

الدرس السادس عشر

"1إِذاً لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ. 2لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ. 3لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِالْجَسَدِ فَاللَّهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ 4لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ. 5فَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَبِمَا لِلْجَسَدِ يَهْتَمُّونَ وَلَكِنَّ الَّذِينَ حَسَبَ الرُّوحِ فَبِمَا لِلرُّوحِ. 6لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ وَلَكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ. 7لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ لِلَّهِ إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعاً لِنَامُوسِ اللهِ لأَنَّهُ أَيْضاً لاَ يَسْتَطِيعُ. 8فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ. 9وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِناً فِيكُمْ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ فَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ. 10وَإِنْ كَانَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ وَأَمَّا الرُّوحُ فَحَيَاةٌ سَبَبِ الْبِرِّ. 11وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ" (رومية 8: 1-11).

لقد جاء بنا الرسول إلى ذروة بحثه في عقيدة التبرير بالإيمان وهو يلخص كل ما تعلمناه حتى الآن بقوله عن الأبرار " إذاً لاشيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع". إن الذين قبلوا شروط المصالحة مع الله بواسطة يسوع المسيح قد تأكدوا بأن خطر الدينونة قد ذهب عنهم وأنهم يقدرون أن يعيشوا بأمان وسلام عالمين أن الله لن يدينهم في اليوم الأخير. وهذا أمر كان لا بد للرسول من ذكره بهذا الشكل بعد أن علّمنا في الفصل السابع من رسالته إلى رومية بأن المتبرر يبقى خاضعاً وهو في هذه الحياة لقوتين مختلفتين: الواحدة تدفعه نحو إرضاء الله وتكييف حياته حسب شريعة الله التي تبقى دستوراً لحياته، والأخرى وهي قوة الطبيعة القديمة الباقية فيه تدفعه نحو القيام بما يسيء إلى الله وإلى نفسه. وقد أفهمنا الرسول بأن الغلبة على الدافع المستمر نحو الرجوع إلى حياة الخطية والعبودية هي في اللجوء إلى المسيح يسوع الذي يعطينا الانتصار على الخطية والشيطان وطبيعتنا الساقطة المدعوة بالجسد. ولئلا يظن البعض أن أمر الخلاص قد أصبح تحت رحمة الإنسان وإن التأكد من النصر النهائي هو غير ممكن مادام الإنسان في وسط معركة الحياة فإن الرسول يقول لنا بكل صراحة وبسلطة من كان قد أُرسل من الله لتعليم الكنيسة في سائر الأجيال "إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع". نعم لا شيء من الدينونة، ليس هناك أي خطر من فشل أولئك الذين صاروا في المسيح يسوع بواسطة إيمانهم ونظراً لنعمة الله الخلاصية.

هذا التأكد التام من عدم الوقوع في دينونة الله ليس لكل إنسان بل فقط للذي هو حسب قول الرسول "في المسيح يسوع" ما هي هذه الحياة التي يحياها المؤمن بيسوع المسيح؟ جواب الرسول هو أنها حياة في الروح أي في الروح القدس. حياة المؤمن الذي نال بره من الله ليست حياة تدور في فلك الأنانية ومحبة الذات، إنها حياة التحرر التام من حياة الجسد والموت. وسوف نلاحظ الصفات التي تتصف بها الحياة في الروح متبعين النص الكتابي.

1. الحياة في الروح هي حياة حرية:

لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت. وبعبارة أخرى إن الإنجيل المقدس يحرر الإنسان من الشريعة التي تحكم على الإنسان بالموت نظراً لعدم تمكن الإنسان من القيام بجميع متطلباتها. طبعاً الحرية التي يتكلم عنها الرسول ليست حرية بدون الله أو ضد شريعته للحياة، إنها الحرية الحقيقية التي تجد كمالها في القيام برغبات الله المختصة بحياة الإنسان.

2. المسيح هو الذي كسب لنا هذه الحرية:

هذا هو السبب الذي يدفعنا إلى تسمية يسوع المسيح بالمخلص أو الفادي لأنه بموته على الصليب وبحياته الكاملة التي عاشها على الأرض حررنا من واجب القيام بإرضاء الشريعة بشكل كامل كطريقة لكسب الحياة الأبدية. لو لم يقم يسوع المسيح بهذا العمل لما كان هناك إنجيل ولا تبرير بالإيمان.

3. صفة المؤمن المميزة هي أنه يسلك حسب الروح وليس حسب الجسد:

يجب ألا يغيب عن بالنا أن عقيدة التبرير بالإيمان التي كنا ندرسها بصحبة الرسول بولس ليست عبارة عن اعتقاد عقلي محض بل إنها تتعلق بحياة المؤمن الذي خلص بنعمة الله المجانية. وهذا المؤمن ليس بالإنسان الذي أخذ على نفسه أن يعتقد بمجموعة من العقائد بشكل سطحي بل إنه إنسان جديد حصل على تغيير هكذا كبير في حياته حتى أنه صار يدعى بخليقة جديدة لله. فحياته إذن حياة تسير بجهة معاكسة للخطية. يكره المؤمن الخطية لأنه يعـيش حسب الروح لا حسـب الجسد أو الطبيعة البشرية الساقطة الموروثة من آدم. وهكذا فإن اعتقاد المؤمن القلبي بأنه لن يدان في اليوم الأخير لا يقوده إلى التقاعس والخمول بل يمكّنه من الحياة، حياة الانتصار والرجاء بالرغم من كثرة التجارب والصعوبات والضيقات التي قد تخيم على سماء حياته.

4. لا يستطيع الإنسان أن يكون مؤمناً متأكداً من خلاصه النهائي وأن يحيا في نفس الوقت حسب الجسد. هذا أمر مستحيل. يحذّرنا الرسول إذاً من الظن بأن عقيدة التبرير بالإيمان كافية لإنقاذنا من غضب الله إن اكتفينا بإبقائها في عقولنا ولم نحيا حسب مبادئها القلبية. يهتم الجسد بما للموت ولكن الروح يهتم بما للسلام والحياة. الجسد (أي كما ذكرنا مراراً: الطبيعة الإنسانية الساقطة التي هي حليفة للشر وللشيطان) هو في عداوة مستمرة لله لأنه لا يستطيع أن يكون خاضعاً لشريعة الله والذين يعيشون حسب الجسد وأهوائه لا يستطيعون أن يرضوا الله.

5. إن كان الإنسان يقول أنه متبرر ولكنه لا يظهر حقيقة التبرير في حياته فإنه مدّع ومنافق. وإن كان المسيح في المؤمن، كما هو في كل مؤمن حقيقي بالإيمان وبواسطة الروح، فإن الجسد هو مائت والروح حي، وليس ذلك فقط بل إن المؤمن ينظر بالرجاء إلى ذلك اليوم الذي يرى اكتمال خلاصه عندما يقيم يسوع المسيح جسده من الأموات.

  • عدد الزيارات: 6469