الفَصلُ الثامِن "الإنسانُ الحَكيم والإنسانُ الجاهِل"
(1كُورنثُوس 3: 18- 20)
عادَ بُولُس ليتكلَّمَ عن المَوضُوع الذي بدَأَهُ في العدد 17 من الإصحاحِ الأوَّل، حيثُ يكتُبُ هُنا في الإصحاحِ الثَّالِث: "لا يخدَعَنَّ أحدٌ نفسَهُ. إن كانَ أحَدٌ يَظُنُّ أنَّهُ حَكِيمٌ بَينَكُم في هذا الدَّهر فَليَصِرْ جاهِلاً لِكَي يَصيرَ حَكيماً. لأنَّ حِكمَةَ هذا العالم هي جَهالَةٌ عندَ الله لأنَّهُ مكتُوبٌ الآخِذُ الحُكَماءَ بِمَكرِهِم. وأيضاً الرَّبُّ يعلَمُ أفكارَ الحُكماء أنَّها باطِلَة." (1كُورنثُوس 3: 18- 20)
لا يُعلِّمُ بُولُس أنَّنا عندما نُصبِحُ أتباعَاً للمسيح، نكُفُّ عن إستِخدامِ عقُولِنا. فلقد أخبَرنا بُولُس في الإصحاحِ الثَّاني أنَّ الرُّوحَ القُدُس يُعلِّمُنا ويُفسِّرُ الأُمُورَ الرُّوحِيَّة للأشخاصِ الرُّوحِيِّين. (2: 13) الكثيرُ من الأشخاص نظيري مثلاً، لم يعرِفُوا أنَّ لديهم عقلٌ ليَستَخدِمُوهُ قبلَ أن يتعرَّفُوا على المسيح. كُنتُ في التَّاسِعَةِ عشر من عُمرى عندما إختَبَرتُ الخلاص. وفي ذلكَ الوقت، كُنتُ أَظُنُّ أنَّ رأسي ليسَ سوى مُجرَّد ثِقل على الجسد. ولكن بعدَ أن تعرَّفتُ إلى المسيح، أصبَحتُ مُدرِكاً أنَّ اللهَ أعطاني عقلاً. وبِمسحَةٍ من الرُّوحِ القُدُس، إستَخدَمتُ هذا العقل أكثرَ جداً بعدَ أن تعرَّفتُ إلى المسيح، ممَّا كُنتُ أستَخدِمُهُ من قَبل. وهذا يَصحُّ على الكَثير من المُؤمنين.
فما الذي يقصُدُهُ بُولُس بحكمَةِ هذا العالم؟ أحياناً عندما تستخدِمُ الأسفارُ المُقدَّسَةُ كلمة "العالم"، تُشيرُ بها إلى نظامِ مُعتَقَدات وقِيَم، وإلى طريقَةِ تفكير هذا العالم، أو ما يعتَبِرُهُ العالَمُ مُهِمَّا. هذا ما قصدَهُ بُولُس بهذا الدَّهر. (18) فإذا تأمَّلنا بهذا، علينا أن لا نتوقَّعَ من الأشخاص غَير الرُّوحِيِّين أن تكُونَ لهُم قِيمة الأشخاص الرُّوحِيِّين.
إنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُوضِحُ هذا تماماً، أنَّنا عندما نَصيرُ مُؤمِنين، يُصبِحُ لدينا قِيَمٌ رُوحِيَّة. ونكُونُ قدِ إختَبَرنا "تجديدَ أذهانِنا." (رُومية 12: 2) فليسَ علينا أن نُفكِّرَ بالطريقَةِ التي يُفكِّرُ بها العالم. فنحنُ في إتِّحادٍ معَ المسيح الحَيّ. والرُّوحُ القُدُسُ يحيا فينا. وأصبَحَ اللهُ مصدَرَ قِيَمِنا وأفكارِنا.
فعندما يضعُ بُولُس أمامَنا هذا التناقُض مُجدَّداً – حكمةُ هذا العالم وحكمة الله – يكتُبُ قائِلاً، "إقبَلْ أن يُنظَرَ إليكَ من قِبَلِ هذا العالم كجاهِلٍ، لكَي تكُونَ في عيني الله حَكيماً بالفِعل." (أمثال 9: 10) إنَّ خَوفَ الرَّبِّ هُوَ الأمرُ نفسُهُ كالإيمانِ بالرَّبّ. فخوفُ اللهِ لا يعني أن تنظُرَ إليهِ وكأنَّهُ طاغِيَة. بل يعني إجلالاً للهِ لأنَّكَ تُؤمِنُ بهِ. فبما أنَّكَ تُؤمِنُ باللهِ، سوفَ تخافُ أن تُنَجِّسَ الهيَكل الذي يحيا اللهُ فيه.
فهل تخافُ من عدَم طاعَةِ الله؟ وهل تُؤمِنُ باللهِ لدرجةِ أنَّكَ تخافُ أن تقتَرِفَ الخَطيَّة وأن لا تُطيعَهُ، لأنَّكَ تُؤمِنُ أنَّهُ سيُؤدِّبُكَ؟ هذا خَوفٌ سَليمٌ لله. وهُوَ أيضاً بُرهانُ الإيمان، وبدءُ الحكمة. فأنتَ تبدَأُ بأن تَصيرَ حَكِيماً عندما تُؤمِنُ بالله. فإن أردتَ أن تكُونَ حَكيماً في عيني الله، عندَها عليكَ أن تقبَلَ بأن يُنظَرَ إليكَ في هذا العالم كجاهِل. فهل أنتَ حَكيمٌ في أُمُورِ الله؟ وهل أنتَ حَكيمٌ في الأُمُورِ الرُّوحِيَّة؟ وهل أنتَ حَكيمٌ في فهمِكَ للأسفارِ المقدَّسة؟
العالَمُ يدعُو شعبَ الله الحُكماء رُوحيَّاً بالجُهَّال. فلا ينبَغي أن نتفاجَأَ عندما نعرِفُ أنَّ "حكمةَ" العالم هِي جهالَةٌ عندَ الله، لأنَّهم لم يعرِفُوهُ بالحكمة. إنَّ خُطَّةَ الله هي أن يُخلِّصَ الناسَ من خِلال الكرازة بالإنجيل. الشخصُ غيرُ الرُّوحي يسمَعُ الإنجيل ويقُول، "جهالَة." أمَّا اللهُ فينظُرُ إلى حِكمَةِ هذا الرجُل العالَمي ويقُول، "جهالة!"
في صَلاتِهِ العظيمة من أجلِ رُسُلِهِ وكنيستِه، نسمَعُ يسُوعَ يُصلِّي قائلاً، "هذه هي الحياةُ الأبديَّة، أن يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحَقيقيَّ وحدَكَ ويسُوعَ المسيح الذي أرسلتَهُ." (يُوحنَّا 17: 3) بحسبِ يسُوع، معرِفة الله وإبنِهِ هي المكانُ الذي تبدَأُ فيهِ الحياة. ويُوافِقُ بُولُس معَ يسُوع عندما يكتُبُ في هذه الأعداد أنَّ أُولئكَ الذين يُحَقِّقُونَ هذا الإكتِِشاف العَظيم هُم حُكَماء، والذين يُفَوِّتُونَ على أنفُسِهم تِلكَ النَّوعِيَّة الأبديَّة للحياة هُم جُهَّالٌ.
- عدد الزيارات: 2885