الفَصلُ الرَّابِع "وصفَةٌ لِلشِّفاءِ الدَّاخِلِيّ"
منذُ سنواتٍ عَديدة، كانَ يَقُومُ رَجُلٌ يُدعى John Quincy Adams بإجتِيازِ طَريق. وكانَت صَحَّتُهُ مُزرِيَةً لدَرجَةِ أنَّ إجتيازَ الطريق من جهَةٍ إلى أُخرى تطلَّبَهُ خمسَة دقائِق. فسألَهُ صَديقٌ لهُ صادَفَ أنَّهُ كانَ مارَّاً بالطريقِ، "كيفَ حالُ جُون كوينسي آدامز هذا الصَّباح؟" فأجابَ، "جون كوينسي آدامز هُوَ بحالَةٍ جيِّدة. المنزلُ الذي يعيشُ فيهِ هُوَ في حالَةٍ مُزرِيَة جداً. وبالواقِع، إن هذا المنزِلَ مُخَرَّبٌ لِدَرَجةِ أنَّهُ قد يتوجَّبُ على جُون كوينسي آدامز أن ينتَقِلَ منهُ سَريعاً. ولكنَّ جُون كوينسي آدامز هو بِخَير. شُكراً."
لقد كانَ لدى John Quincy Adams لاهُوتاً جَيِّداً. ومن أجلِ التمييز بينَ الإنسانِ الدَّاخِليّ، (إنساننا الرُّوحِيّ الأبَدِيّ)، والإنسان الخارِجيّ، (جسدنا المُؤقَّت)، وبِهدَفِ إعطاءِ قيمَةٍ أعلى للإنسانِ الداخِليّ من الإنسان الخارِجي، فإنَّ هذا هُوَ بُعدٌ حَيَوِيٌّ من القِيَم الأبديَّة التي يُشارِكُها معنا بُولُس في كتاباتِهِ المُوحى بها.
إنَّ صِحَّةَ الإنسانِ الداخِلِيّ الرُّوحِيّ هي ذات قيمةٍ أعلى جدَّاً من صِحَّةِ الإنسانِ الخارِجِيّ الجسدي. بإمكانِنا أن نختَبِرَ الشِّفاءَ الدَّاخِلِيّ كنتيجَةٍ مُباشَرَةٍ لخلاصِنا. وإيمانُنا الشَّخصِيّ بالإنجيل بإمكانِهِ أن يُحَقِّقَ لنا الشِّفاء الناتِج عن الخلاص. إنَّ تأكيدَ الغُفران، وإختِبار الوِلادَة الجَديدة، الذي يجعَلُ منَّا خلائِقَ جَديدة قَلباً وقالِباً، بالمسيح وفيهِ ومن أجلِهِ، ينبَغي أن ينتُجَ عنهُ إختِبارٌ عجائِبِيٌّ للشِّفاءِ الداخِلِيّ (2كُور 5: 17، 18).
إنَّ المَرَضَ السِّيكُوسوماتِيّ هُوَ مرضٌ في الجسد (باليُونانِيَّة Soma)، حيثُ يكُونُ سببُ المَرَضِ في العَقل، أو في النَّفس (باليُونانِيَّة Psyche). إثنانِ من مَصادِرِ المَرَضِ السيكُوسوماتِيّ هُما الشُّعُورُ بالذَّنب والغضَبُ الناتِج عن الرَّغبَة بالإنتِقام. لهذا، مجالانِ من مجالاتِ الشِّفاءِ الدَّاخِليّ الأساسيَّة، أو الشِّفاء من المَرَض السِّيكُوسوماتِيّ، هُما الغُفران ونعمة الغُفران. أحدُ أساتِذَتي سَمَّى هذين العِلاجَين الرُّوحِيَّين "شفاء الذَّاكِرَة."
ولقد صاغَ Cannon James Glennen، من سِدني، أُوستراليا، عبارَةً جديدة. في كتابِهِ عن الشِّفاء، وفي فصلٍ خاص بالشفاءِ الداخِليّ، إستخدمَ عبارَة "عدم الغُفران." كتبَ السَّيد Glennen يَقُول: "أعظَمُ عقبَةٍ للشِّفاءِ الدَّاخِليّ هي عدم الغُفران. قد نختَبِرُ عَدَم الغُفران لكونِنَا نفتَقِرُ إلى تأكيدِ غُفرانِ اللهِ لنا، أو غُفرانِ الناس الذين أخطَأنا تجاهَهُم لنا. إنَّ مصدَرَ شُعُورِنا بِعَدَمِ الغُفران قد يعني أيضاً أنَّنا لن نغفِرَ لأجلِ الذي أساؤُوا إلينا."
تأمَّلُوا بحِكمَةِ رَبِّنا الكامِلَة، عندما علَّمَ تلامِيذَهُ بأن يُصَلُّوا كُلَّ يَومٍ، "إغفِرْ لنا خَطايانا، كما نغفِرُ نحنُ أيضاً للَّذِينَ أساؤُوا إلينا." (متَّى 6: 12) يُخبِرُنا عُلَماءُ اللُّغَةِ اليُونانِيَّة أنَّ طَلَبَ الغُفران في صَلاةِ التَّلاميذ قد يُمكِنُ ترجَمَتُها بالحَقيقَة "إغفِرْ لنا خطايانا بما أنَّنا قد سبقَ وغفرنا لأُولئكَ الذي أخطأُوا إلينا."
إنَّ تلكَ النَّظرَة إلى تعليمِ رَبِّنا عن الغُفران تُقدِّمُ تحَدِّياً كبيراً للأشخاصِ الذين أُسيئَت مُعامَلَتُهُم. لقد سَمِعتُ ضَحايا أُسيئَت مُعامَلَتُهم يَقُولُونَ أنَّ رغبَتَهُم الحَقُودة بالإنتِقام لم تُساهِم إلا بِزِيادَةِ معاناتِهم العاطِفيَّة، وأنَّ ذلكَ الحقد والغَضَب أخَّرَ عمَلِيَّةِ شِفائِهم الدَّاخِليّ. وإعتَرَفَ هؤُلاءُ أنَّهُ فقط عندما تمَّتَ إزالَةُ عقبَةِ عدَمِ الغُفران، عندها فقط بدأت عملِيَّةُ شفائِهم الدَّاخِليّ. أتَظُنُّونَ أنَّ يسُوعَ كانَ يعرِفُ ذلكَ عندما جعلَ من المُصالَحَةِ والغُفران جزءاً حَيَويَّاً من وصفَتِهِ للصَّلاةِ والشِّفاءِ الدَّاخِليّ؟
عندَما نُخطِئُ، نحتاجُ أن ننظُرَ إلى فَوق ونُؤمِنَ بأوَّلِ حقيقَةٍ من حقائِقِ الإنجيل، والتي هي الأخبار السَّارَة أنَّ اللهَ يغفِرُ خطايانا، لأنَّ يسُوعَ ماتَ من أجلِ خَطايانا. ثُمَّ نحتاجُ أن ننظُرَ حولَنا، وأن نغفِرَ لأُولئكَ الذين أخطَأُوا ضِدَّنا، ونطلُبَ الغُفران لأُولئكَ الذين أخطَأنا بِقَسوَةٍ ضِدَّهُم.
عندما نعتَرِفُ بِخَطايانا ونضَعُ ثِقَتَنا بمَوتِ يسُوع المسيح على الصَّلِيبِ لأجلِ غُفرانِ خَطايانا، نحتاجُ أن ننسَى ما ينساهُ اللهُ وأن نتذكَّرَ ما يتذكَّرُهُ. فاللهُ يغفِرُ خطايانا وينساها. وكَلِمَةُ اللهِ تُؤكِّدُ لنا ذلكَ.
في العهدِ الجَدِيد، نتعلَّمُ أن نعتَرِفَ بِخَطَايانا، ولدينا الوعدُ بأنَّهُ، "إن إعتَرَفنا بِخَطايانا، فاللهُ أمينٌ وعادِلٌ حتَّى يغفِرَ لنا خطايانا ويُطَهِّرَنا من كُلِّ إثمٍ." (1يُوحَنَّا 1: 9). في العهدِ القَديم، يُخبِرُنا اللهُ بِوُضُوح قائِلاً، "لأنِّي أغفِرُ إثمَهُم، وخَطِيَّتُهم لا أذكُرُها فيما بعد." (إرميا 31: 34).
ولكن اللهَ يتذكَّرُ بأنَّنا خُطاةٌ. أمَّا نحنُ فَنَنسى أنَّنا خُطاةٌ. هذا سببٌ واحِدٌ على الأقل لكونِنا نسقُطُ في الخَطِيَّة مراراً وتِكراراً. فعِندما نعتَرِفُ بخطايانا، نُظهِرُ أنَّ إيمانَنا يتصدَّعُ إذا تذكَّرنا خطايانا وحَمَلنا معنا ثِقلَ شُعُورِنا بالذَّنبِ، بعدَ أن يكُونَ اللهُ قد غفرَ خطايانا ونَسِيَها.
سَمِعتُ مرَّةً قِصَّةً عن رَئيسِ رَهبَنَةٍ في بارِيس، الذي قِيلَ لهُ أنَّ واحِدَةً من الرَّاهِباتِ في ديرهِ كانت تقُولُ أنَّها كانت تتكلَّمُ معَ يسُوع كُلَّ لَيلَة. فاستُدعِيَت الرَّاهِبَةُ إلى مكتَبِ رَئيسِ الرَّهبَنة، وعندما أكَّدت الإشاعَة المُنتَشِرَة عنها، قالَ لها رَئيسُ الرَّهبَنة، "عندما يتكلَّمُ معكِ يَسُوع في المرَّةِ المُقبِلَة، إسأليهِ السُّؤالَ التَّالِي: "أيَّةُ خَطِيَّةٍ إرتَكَبَها رَئيسُ رَهبَنَةِ باريس قبلَ أن يُصبِحَ كاهِناً؟"
بعدَ بِضعَةِ أيَّامٍ، طلبَت الرّاهبَِةُ مَوعِداً لِلِقاءِ رَئيسِ الرَّهبَنَة. فسألَ رَئيسُ الرَّهبَنةِ الراهِبَةَ قائِلاً "هل تكلَّمتِ معَ يسُوعَ مُجدَّداً يا إبنَتي؟" فأجابَتِ الرَّاهِبَة، "نعم." "وهل طَرَحتِ عليهِ سُؤالي؟" فقالَتِ الرَّاهِبَةُ أنَّها بالفِعل طرَحَت عليهِ هذا السُّؤال. فسألَها المُونسينيُور، "وماذا قالَ يسُوع؟" فأجابَتِ الرَّاهِبَة، "قالَ يسُوعُ بأن أقُولَ لكَ أنَّهُ لا يتذكَّرُ." إن كُنَّا نُؤمِنُ بالعهدِ القَديم والعَهدِ الجَديد، هذا هُوَ الجوابُ الذي ينبَغي أن نتوقَّعَ سماعَهُ على سُؤالِ المُوسينيور. فهل هذا هُوَ الجوابُ الذي توقَّعتَ سماعَهُ؟
عندما نُطَبِّقُ إنجيلَ الخلاصِ على خطايانا، علينا بِبَساطَةٍ أن نُدَرِّبَ أنفُسَنا لنتذكَّرَ ما يتذكَّرُهُ اللهُ وأن ننسى ما ينساهُ اللهُ. علينا أن نُطَبِّقَ هذا النِّظامِ الرُّوحِيّ، وأن نقبَلَ تأكيدَ الغُفران في الإتِّجاهاتِ الثَّلاث التي وصفتُها. – أن نُكَرِّرَها، علينا أن ننظُرَ إلى فَوق وأن نقبَلَ غُفرانَ الله. علينا أن ننظُرَ حولَنا وأن نغفُرَ للآخرين كما غفرَ لنا اللهُ، وعلينا أن نقبَلَ غُفرانَهُم عندما أخطَأنا نحنُ تجاهَهُم. وأخيراً، علينا أن ننظُرَ إلى الدَّاخِل ونغفِرَ لِنُفُوسِنا.
إنَّ الدمجَ بينَ هذين النِّظامَين الرُّوحِيَّين سوفَ ينتُجُ عنهُ شِفاءٌ داخِلِيٌّ، الذي سوفَ يُقنِعُنا أنَّ الخلاصَ يَقُودُ إلى شفاءٍ داخِليٍّ هُوَ أكثَرُ أهمِّيَّةً من الشِّفاءِ الجَسَدِيّ.
- عدد الزيارات: 2953