Skip to main content

الفَصلُ السَّادِسُ "وصفَةٌ لِلمِحنَة"

الصفحة 1 من 3

إسمعوا الكلمات التي ختم بها يسوع العظة العظيمة التي قدّمها على الجبل: "كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ وَيَسْمَعُ كَلامِي وَيَعْمَلُ بِهِ أُرِيْكُمْ مَنْ يُشْبِهُ. يُشْبِهُ إِنْسَاناً بَنَى بَيْتاً وَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ. فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ صَدَمَ النَّهْرُ ذَلِكَ البَيْتِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسَاً عَلَى الصَّخْرِ. وَأَمَّا الذي يَسْمَعُ وَلا يَعْمَلُ فَيُشْبِهُ إِنْسَاْناً بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دُوْنِ أَسَاسٍ. فَصَدَمَهُ النَّهْرُ فَسَقَطَ حَالاً وَكَانَ خَرَابُ ذَلِكَ البَيْتِ عَظِيْمَاً". (متَّى 5: 24- 27).

تخيّلوا أنّ جميعكم يتمتّع بموهبة الرسم، وأنّني أعطيت كلّ واحدٍ منكم لوحةً ومجموعةً من الريشات والطلاءات، وكُلَّ المَعِدَّاتِ اللازِمة لِرَسمِ لوحَةٍ جَميلة. ولنفترض أنّي قلتُ لكم: "أرسموا كلّ ما يخطر في بالكم عندما أقول كلمة "حياة"". فماذا ترسمون؟

في هذه الإستعارة العظيمة التي أنهى بها يسوع العظة على الجبل، رسم لنا صورة الحياة. فثمّة منزلان يقعان جنباً الى جنب، وفجأةً ضربتهما العواصف. هذه هي الحَياةُ بالنسبَةِ لِيَسُوع. في وصفِهِ للحَياة، صرَّحَ يسُوعُ أنَّ هذَين المَنزِلَين يبدُوانِ مُتَشابِهَين – قبلَ أن تَهِبَّ عليهِم العاصِفة. ولكن، عندما ضربت العواصف المنزلينِ، تكتَشِفُونَ أنَّهُما ليسَا مُتَشَابِهَين. سقط أحدهما سقوطاً عظيماً لكنّ الآخر بقي سليماً في موقعه. ويكمن الفرق بينهما في ما يلي: إنّ المنزل الذي سقط سقوطاً عظيماً كان قد بُنِيَ من دون أساسٍ أي على الرمل، أمّا المنزل الذي لم يقع فقد بُنِيَ على صخرةٍ صلبةٍ.

لو قامَ أشخاصٌ في مُقتَبَلِ الشَّبابِ بِرَسمٍ لَوحَتِهِم للحَياة، لكانَت صُورتُهُم مثالِيَّةً، تُشبِهُ شخصاً يتزحلَقُ على رُؤُوسِ الأمواج. أمَّا الصُّورَةُ التي يرسُمُها أهلُهم، أو أجدادُهم، فقد تكُونُ مُتَشائِمَةً، مثلَ شخصٍ يجلِسُ في سَفينَةً تغرَقُ، على بُعدِ ثمانينَ كِيلُومتراً من الشاطِئ، بِدُونِ أيَّةِ مُساعَدَةٍ تبدُو في الأُفُق. إنَّ صُورَةَ يسُوع عن الحياة ليسَت مِثالِيَّة ولا مُتشائِمَة. إنَّها واقِعيَّةٌ. فالحياة قاسيةٌ. بالنسبة الى يسوع، الحياة هي بمثابة عواصف. وبِحَسَبِ الصُّورَة التي رسمَها يسُوعُ عنِ الحَياة، ليسَ أحدٌ مَعفِيَّاً من العواصِف – ولا سِيَّما أتباع يسُوع.

عندما يواجهُ بعضُ تلاميذ يسُوع الأتقِياء عواصفَ معيّنةً، يعتَقِدُونَ أنَّهُ لا ينبغي أن تحدُثَ أيَّةُ عاصِفَةٍ لهُم، لأنَّهُم تلاميذ مُخلِصين ليسُوع المسيح. يُوجدُ لاهُوتٌ شائِعٌ في العالَمِ اليوم يُسمَّى، "لاهُوت الإزدِهار،" الذي يُعلِّمُ أنَّ شعبَ اللهِ لا يجِب أن يتألَّموا ولا أن يمرَضُوا، بل ينبَغي أن يكُونُوا دائماً مُزدَهِرين، وفي صِحَّةٍ جَيِّدة، وأغنِياء. كَثيرُونَ يتعلَّمُونَ أنَّ يسُوعَ وعدَهُم بِحَياةٍ ستكُونُ خالِيَةً من أيَّةِ مِحَنٍ. هؤُلاء مُقتَنِعُونَ بأنَّ الحَياةَ لا يُفتَرَضُ بها أن تكُونَ صَعبَةً على المُؤمن، وأنَّهُم عندَما قَرَّرُوا أن يُؤمِنُوا ويتبَعُوا يسُوع، مُنِحُوا حصانَةً ضِدَّ عواصِفِ الحياةِ ومِحَنِها.

لقد بدّدَ يسوعُ هذه الخُرافة، بالطريقَةِ التي ختمَ بها موعِظتَهُ على الجَبل. في تلكَ الخاتِمة، قدّم يسوع أيضاً تصريحاً عميقاً حول نتائج المحن. لقد قال إنّ ثمّة الكثير من الناس يعتقدون أنّ الحياة التي كان يَعِدُ بها أتباعَهُ تبدأ من بوّابةٍ عريضةٍ ويتبعها طريقٌ عام عريض وسهل. لكنّ ذلك ليس صحيحاً. لقد علَّمَ يسُوع أنَّ المدخَلَ الواسِعَ والسَّهلَ للحَياة سوفَ يَقُودُ إلى الدَّمار (متَّى 7: 13).

بيَنما كانَ يسُوعُ يُعَلِّمُ بهذه الصُّورة المجازِيَّة، وعدَ أنَّ تلاميذَهُ سوفَ يكتشِفُونَ أنَّ نوعِيَّةَ الحياة التي وعدَ بها تبدَأُ معَ بابٍ ضَيِّق، يتبَعُهُ نظامٌ صعبٌ وإنضِباطِيٌّ للحَياة. ولكنَّهُ وعدَ أيضاً أنَّ الحياةَ الصعبَةَ والإنضِباطِيَّةَ التي سيعيشُها تلميذُهُ سوفَ تُؤدِّي إلى حياةٍ فَيَّاضَةٍ، سبقَ ووعدَ بها أُولئكَ الذين كانُوا سيتبَعُونَهُ (يُوحنَّا 10: 10). كانَ واقِعيَّاً بشكلٍ كافٍ ليُعَلِّمَ أنَّ قلّةً من الناس سوفَ يتبَعُونَهُ وسوفَ يكتَشِفُونَ هذه النَّوعِيَّة من الحياة.

إنَّ قِراءَةً دقيقَةً للعهدِ الجديد ولتاريخِ الكَنيسة، تُظهِرُ أنَّ القِلَّة التي إتَّبَعَت يسُوع، اكتشفت تلكَ النَّوعِيَّة من الحياة، عندما إلتَزَمَ أعضاؤُها بأن يتبَعُوا يسُوع من خلالِ البابِ الضَّيِّق، وأن يَمشُوا على طَريقِ التلمذَةِ الصَّعب والمُنَظَّم، بِحَسَبِ شُروطِ المسيح.

وصفَةٌ للمِحنة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 7234