الفصلُ السادِس رابِطُ الحُبّ
البُعدُ الروحيَّ هو أساسُ الوحدة التي خطَّطَ لها اللهُ للزَّوجِ والزوجة. الإتِّصالُ هو أداةٌ من خِلالِها يستطيعُ الزوجانِ أن يُغذِّيا ويَصُونا وحدَتَهُما. والإنسِجامُ أو التلاؤُم هو بُرهانُ وحدَتِهما. الحُبُّ هو المُحرِّك الديناميكي العظيم للوحدة التي خطَّطَ لها اللهُ، عندما أعلَنَ أن يُصبِحَ هذانِ الإثنان واحِداً.
هُناكَ سُؤالٌ جيِّدٌ أن يطرَحَهُ الأشخاص الذين يستَعدُّونَ للزواج على أنفُسِهم: "عندما تقولان واحِدُكُما للآخر أُحبُّكِ أو أُحبُّكَ، ماذا تقصُدَانِ بِهَذا؟ هل تعنِي أن لديكَ حاجة وأن الشخصَ الآخر يُلبِّي هذه الحاجة أكثرَ من أيِّ شخصٍ آخر سبقَ والتقيتَه؟ عندما تقوُلانِ، "أُحِبُّكِ أو أُحِبُّكَ،" فهل تعنِيان، "أحتاجُكِ أو أحتاجُكَ؟" إن كانَ هذا هو مَفهُومُكُما للحُبِّ، فَليسَ لكُما وُجهة النظر الكِتابيَّة لمعنى كلمة "حُبّ أو محبَّة."
عندما تقولانِ، "أنا أُحبُّكِ أو أُحبُّكَ، هل تقصُدانِ: أنَّ خيرَكِ أو خيرَكَ هو مُهمٌّ لي تماماً كخيري؟" هذا تعريفٌ أفضل، ولكنَّهُ ليسَ تعريفاً كِتابِيَّاً للمحبَّة المُتشبِّهة بالمسيح.
المُشكِلة الأكبر في الزواج هي الأنانيَّة. وبالعَكس، فإنَّ المُحرِّك أو الدافِع الأقوى في الزواج هو عدم الأنانيَّة، الإهتمام بالغَير، القُدرَة على وضعِ الآخر في وسطِ الدائِرة، والتفكير في طريقةِ سدِّ حاجاتِ الآخر. عندَما تَكتَشِفُونَ التعريفَ الكِتابِيَّ للحُبّ، سوفَ ترون أنَّ المحبَّة المُتشبِّهة بالمسيح هي أعظَمُ مُحرِّكٍ ديناميكي في الزواج،لأنَّ محبَّةَ المسيح تُمكِّنُنا حقَّاً من أن نكونَ غيرَ أنانِيِّين.
قالَ يسوعُ، "مغبُوطٌ هو العَطاءُ أكثر من الأخذ." (أعمال الرُّسل20: 35) لقد شاهدتُ زيجاتٍ تغيَّرت جذريَّاً نحوَ الأفضَل عندما طُبِّقَ هذا المبدأ. غالِباً ما يتزوَّجُ الناسُ لأنَّهم يُريدُونَ أن يأخُذُوا من الآخر كُلَّ ما يستطِيعون الحُصُول عليه. ولكن إن كانا كِلاهُما يُريدانِ الأخذَ ويرفُضانِ العطاء، فلن يحصلَ أحدٌ منهُما على أيِّ شيء. ولكن الأُمُور تتغيَّرُ بشكلٍ جذريّ عندما يُدرِكانِ أنَّهُ "مغبُوطٌ هو العَطاءُ أكثرُ من الأخذ."
إن لم تتعلَّم كيفَ تضعُ الآخَرين في الوسط، لا تُنجِبْ أولاداً. فكما أنَّ الدعوةَ للزواج ينبَغِي أن تكونَ مبنيَّةً على الإرشادِ الإلهي، كذلكَ ينبَغي على الأزواجِ الأتقِياء أن لا يُنجبوا الأولاد إلى أن يقودَهم الربُّ إلى إنجابِ الأولادِ في زواجِهم وفي العالم. إن إنجابَ الأولاد هُوَ أكثَرُ أمرٍ غير أناني يُمكِنُ لزوجينِ أن يعملاه. فخِلال تربيتِهما لأولادَهما لمُدَّةِ عشرين أو خمس وعشرينَ سنةً، عليهما أن يُعطِيا ويُعطِيا ويُعطِيا، بدونِ أيِّ مُقابِل. فإن كانا أهلاً صالِحين، عندما يترُكُ أولادُهما المنـزل، يتزوَّجُ هؤلاءُ الأولاد ويُنجِبُونَ بِدورِهم، ويُضَحُّونَ لأولادِهم. إن هذا يتطلَّبُ الكثير من عدَم الأنانيَّة.
أنا واحِدٌ من الأجيال النادِرة اليوم. لقد باركَني اللهُ بأُمٍّ تقيَّةٍ كانت تُؤمِنُ بِخُطَّةِ اللهِ للزواجِ والعائِلة. كانَ لأُمِّي أحدَ عشرَ ولداً فسألتُها ذاتَ يوم، لو أنَّها كانت ستبدأُ حياتَها من جديد، هل كانت ستقبَلُ أن تُنجِبَنا نحنُ أولادَها جميعاً؟ فقالت، "نعم، ولكن قبلَ أن أفعلَ هذا، أُقرِّرُ أنَّهُ لن يكونَ لديَّ أية حياة خاصَّة." قد يبدوَ لكَ الأمرُ غريباً، أنَّ أُمِّي لم تكُنْ لها أيَّة حياة خاصَّة.
أحدُ المُسلَّمَات في القرنِ الحادِي والعِشرين عند الأجيالِ الشابَّة، هُوَ حقُّهم بأن يعيشوا حياتَهم. لِهذا تُصدَمُ الكثيرُ من النِّساءِ من فِكرة كونِهنَّ يُكمِّلنَ الرجُل. ويُصدَمُ الرجالُ بفِكرة أنَّهُ عليهم أن يُحِبُّوا نِساءَهُم ويبذُلُوا نُفُوسَهُم من أجلِهِنَّ كما أحبَّ المسيحُ الكنيسةَ وبذلَ نفسَهُ من أجلِها. فكيفَ بإمكانِكَ أن تعيشَ حياتَكَ لِنَفسِكَ، وفي نفسِ الوقت أن تبذُلَ حياتَكَ لزوجَتِكَ وعائِلتِك؟ الجوابُ هو أنَّكَ لن تستطيعَ أن تعملَ هذا.
قِيلَ عنِ المسيح، "خلَّصَ آخرين، وأما نفسُهُ فلا يستطيعُ أن يُخلِّصَها." (متى 27: 42) أن تُحِبَّ بمحبَّةِ المسيح، عليكَ أن تُضحِّي بِحياتِكَ من أجلِ الذينَ يُحِبُّونَكَ. لقد أحبَّت أُمِّي زوجَها وأولادَها بِمحبَّةِ المسيح. لِهذا لم يكُن لها حياةٌ شخصيَّةٌ لتَعيشَها. ولكنَّها كانَ سعيدَةً. ولقد عاشَت حياةً زوجِيَّةً طَويلَةً، ولم تقرأْ مرَّةً أيَّ كِتابٍ عن الزواج. بل قرأت الكِتابَ المُقدَّس بكُلِّ بساطة. وكانت زَوجَةً وأمَّاً سعيدَةً، لأنَّها إكتَشَفَت دينامِيكيَّةَ زواجِها في الكتابِ المقدَّس.
إن أُسلوبَ الحُبّ الذي إختارتهُ يتعارَضُ معَ موقِف الأنانيَّة في هذا الجيل. وهذا يتعارَضُ مع قولِ يسوع، "ليسَ لأحدٍ حُبٌّ أعظمُ من هذا أن يضعَ الإنسانُ نفسَهُ من أجلِ أحبَّائِه" (يوحنا 15: 13). أو تعليم يسوع، "فإنَّ من أرادَ أن يُخلِّصَ نفسَهُ يُهلِكُها. ومن يُهلِك نفسَهُ من أجلِي فهذا يُخلِّصُها." (لُوقا 9: 24) كتبَ أحدُ المُرسَلين الذي إستُشهِدَ من أجلِ إيمانِه، "حَكيمٌ هو الذي يبذُلَ ما لا يستطيعُ الإحتِفاظ بهِ، لكَي يربَحَ ما لا يُمكِنُ أن يخسَرَهُ أبداً." فأن يُضحِّيَ الشريكَان الزوجِيَّان كُلٌّ بِحياتِهِ من أجلِ الآخر، أو الآخرين، هو أعظَمُ حُبٍّ هُنا. هذا هو نوعُ الحُب الذي نراهُ في تعريفِ دورِ الرجُل والمرأة اللذَينِ جُمِعا معاً في الزواج كما خُطِّطَ لهُ في الكتابِ المقدَّس.
أنا أُسمِّي هذا دينامِيكِيَّة الوِحدَة في الزواج. بالإختِصار: إن العلاقَة الروحيَّة التي يتمتَّعُ بها الشريكانِ معَ المسيح فرديَّاً وكِلاهُما معاً هي أساسُ الوِحدَة. والاتِّصالُ هو الأداةُ التي تُعزِّزُ الوِحدَة. والانسجامُ أو التلاؤُم هو بُرهانُ الوِحدَة. والحُبُّ هو الدِينامِيكيَّة التي تُحرِّكُ الوِحدَةَ.
- عدد الزيارات: 12433