Skip to main content

إصحاح 5، آية 10

10-"حبيبي أبيض وأحمر. معلم بين ربوة".

تتساءل بنات أورشليم قائلات "ما حبيبك من حبيب. . حتى تحلفينا هكذا؟" فلا يسع العروس إلا ان تبادر بالجواب وتقدم صورة جميلة لحبيبها. لقد كان هذا الحبيب مائلا أمام عيني إيمانها، وكان ملء قلبها وعواطفها فلم تتردد في الجواب بل استطاعت على الفور ان تصف حبيبها بأوصافه الجميلة من الرأس إلى القدمين. أنها لم تكن بحاجة إلى فرصة تأمل سابقة، فلم تطلب من بنات أورشليم ان يمهلنها حتى تكون فكرة للجواب على تساؤلهن، بل بالحري ابتهجت بالفرصة التي أتيحت لها. ما أحوجنا إلى القلوب الممتلئة بالمسيح والعيون المتفرسة في جماله، فنكون على استعداد للتكلم عن المسيح والشهادة له "قدسوا الرب الإله في قلوبكم مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم" 1بط3: 15.

* * *

"حبيبي أبيض وأحمر" تبدأ العروس بوصف عام عن كمالات حبيبها قبل ان تذكر أوصافه بالتفصيل والصفة الأساسية التي لحبيبها هي أنه "أبيض" ففي المسيح له المجد كمال أدبي فائق لا أثر للعيب فيه، وهو فريد في هذا الكمال وليس له نظير، فالمولود من العذراء هو "القدوس"(لو1: 35) وهو الذي في كل حياته "لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر"(1بط2: 22) ومن سواه يستطيع ان يقول ما قاله هو لمقاوميه "من منكم يبكتني على خطية؟"(يو8: 46) فهو وحده "الذي لم يعرف خطية" إذ الخطية شيء غريب عنه وعن طبيعته المقدسة (2كو5: 21) وعندما تكلم عن رئيس هذا العالم قال "ليس له في شيء" (يو14: 30) فقد حاول الشيطان ان يجد فيه شيئا من شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ولكنه بعد محاولاته المتكررة وجد أمامه الشخص الفريد الذي "ليس فيه خطية" (1يو3: 5) أنه البار الوحيد والقدوس الوحيد. وهناك على الجبل التجلي ظهرت طهارة شخصه القدوس الخالية من أي أثر للدنس في ثيابه البيضاء اللامعة "وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدا كالثلج لا يقدر قصار على الأرض ان يبيض مثل ذلك"(مر9: 3) وطهارته الكاملة هي البرهان الصادق على سموه الذي تفرد به وعلى مسرة الله به وكما أنها الحجر الأساسي لإيماننا به وثقتنا فيه، فإذا تصورنا ان هناك ذرة صغيرة من العيب فيه، وحاشا لنا ان يخطر ببالنا فكر كهذا، فقد ضاع كل شيء، فلا يكون هو مسيح الله ولا يكون لنا مخلصا. ان كمال ناسوته الذي لا عيب فيه هو حق جوهري ليس بالنسبة لقيمة ذبيحته فقط ولكن بالنسبة لمكان المحبة والإعزاز الذي له في قلوب وعواطف مفدييه.

ليس في الوجود سوى شخص وحيد _ المسيح الذي لا يمكن لكل الأنوار الساطعة والكاشفة ان تظهر فيه أي أثر للعيب أو النقص، بينما ان ابسط نور يمكن ان يكشف ويظهر في أعظم القديسين أمثال موسى وبولس ويوحنا وغيرهم وفينا نحن أيضا عيوبا ونقائص. أما هنا فان أمامنا واحدا هو دون سواه "أبيض".

* * *

ولكنه ليس "أبيض" فقط بل هو أيضا "أحمر" فمع أنه _ له المجد _ "قدوس بلا شر ولا دنس" ولكنه أحب الخطاة _ الأشرار والدنسين، أحبنا نحن الآثمة ومات لأجلنا فوق الصليب. نعم "أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه". ما أعجب ربنا وسيدنا المعبود! أنه تبارك اسمه يستحق تعبد قلوبنا وتأملها ولهجها باستمرار، فهو "أبيض وأحمر" وهل شيء "أبيض" طاهر وقدوس مثل ابن الإنسان المبارك _ يهوه يسوع أصل وذرية داود؟ وهل شيء "أحر" مثل ذلك الدم الغالي الذي سال من جسمه الطاهر في الجلجثة؟

* * *

"حبيبي. . . أحمر" وفي هذه الكلمة "أحمر" إشارة إلى ناسوته الكامل فان كلمة "أدم" معناه "أرض حمراء" فهو الله _ الكلمة الذي "صار جسدا"(يو1: 14) "بالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد"(1تي3: 16). أنه _ له التعبد والإكرام _ يهوه " الكائن على الكل إلها مباركا إلى الأبد"(رو9: 5) ولكنه "أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب"(في2: 7-11).

وكذلك في هذه الكلمة "أحمر" إشارة إلى القوة والنشاط والعزيمة الكاملة، وهي نفس الكلمة المستعملة عند جلود الكباش المخصصة والمكرسة لتغطية خيمة الاجتماع بأنها محمرة"(خر26: 14) فهي تشير إلى التخصيص أو التكريس لله وهذا ما تهدف إليه طبيعة المؤمن الجديدة، وكم هو ملذ ان نرى هذه الصورة _ التكريس الكلي _ كاملة في ربنا الحبيب، فهو "أحمر" وقد تجلى ذلك في حداثته "لما كانت له اثنتا عشرة سنة" عندما قال "ألم تعلما أنه ينبغي ان أكون فيما لأبي؟"(لو2) وعندما طهر الهيكل من الباعة "تذكر تلاميذه أنه مكتوب غيرة بيتك أكلتني"(يو2) لقد أظهر أنه "أحمر" في اهتمامه بما لله ولبيته هنا، أنه كان مكرسا لله في كل حياته على الأرض حتى نهايتها، فقد مضى إلى جثسيماني وإلى الصليب لكي يفهم العالم أنه يحب الآب وكما أوصاه الآب هكذا يفعل (يو14: 30و31).

وليس ذلك فقط، فان تكريسه الكامل ظاهر في علاقته بالكنيسة، وبالقديسين كأفراد، فمحبته الفائقة المعرفة التي يحبنا بها تجلت في حياته وفي موته وفي خدمته المستمرة لنا وهو في الأعالي. لاسمه المعبود كل المجد والإكرام.

* * *

"معلم بين ربوة" ( * ) أي أفضل وأسمى من عشرة آلاف، فهو لا مثيل له في الجمال والكمال "أنت أبرع جملا من بني البشر"(مز45: 2) لا بل هو الفريد في الجمال والكمالات. أنه المرتفع كالعلم أو الراية (كما في بعض الترجمات الأخرى) فهو ليس فقط أعظم من ربوات القديسين، بل هو الوحيد والفريد في صفات الكمال وفي المجد والجلال. أنه العلم الوحيد المرتفع الذي تلتف حوله جماهير المفديين "أعطيت خائفيك راية ترفع لأجل الحق"(مز60: 4) شكرا الله فأننا لم نعط مجرد نظريات أو عقائد بل أعطينا شخصيا حيا هو الحق بعينه "هذا هو الإله الحق" فشهادتنا كمسيحيين تتلخص في كلمة واحدة هي "المسيح". "أنا هو الطريق والحق والحياة" هذا هو الراية أو العلم المرتفع بين قديسيه، وهم يلتفون حول هذا العلم ويدعون الجميع لكي يروه ويكرموه. أنه مجدهم وفخرهم ورباطهم، وهو الشخص الوحيد الذي يجب ان يحبوا لأجله وان يجاهدوا حتى الموت لأجله، إذن ليس شيء سواه يستحق الثبات فيه بعزم القلب.

وكان العروس تقول لبنات أورشليم لستن بحاجة إلى البحث الكثير والتفتيش المضني عن حبيبي، إذ هو العلم العالي والمرتفع بين آلاف القديسين. أنه لا مثيل له في محبته ونعمته وقداسته التي لا حد لها.

* * *

وسيكون المسيا _ ملك إسرائيل _ في يومه _ يوم المجد والملك والسيادة على الأرض هو "المعلم بين ربوة" أو بالحري العلم أو الراية المرتفعة "ويكون في ذلك اليوم ان أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدا. . . ويرفع راية للأمم ويجمع منفيي إسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض"(أش11: 10و12).

* * *


( * ) أو المرتفع كعلم أو راية Lifted up as a banner أو حامل العلم A standard bearer

  • عدد الزيارات: 3364