Skip to main content

الدرس الرابع والأربعون: ينبوع الإيمان

لقد بحثنا في دروسنا الأخيرة في موضوع الحصول على رضى الله وبره ووصلنا إلى القول أن الإنسان لا يقدر أن يقوم بأي شيء للحصول على البر الذي يفتقده بل أن الله هو الذي يقدم لنا هذا البر كهبة مجانية. وكذلك أتينا إلى القول بأن أعمال المؤمن الصالحة ليست ذات قيمة استحقاقية بل إن الله يقبلها لأنها مبنية على الإيمان ويكافئها نظرا لنعمته. ورأينا أيضا أن الإيمان الحقيقي لا بد له من أن يثمر في حياة المؤمن وأن الأعمال الصالحة إنما تشير إلى وجود الإيمان وحيويته.

وهنا نصل إلى هذا الأمر الهام: إن كانت جميع هذه الفوائد العظيمة إنما نحصل عليها بالإيمان(لا بواسطة الأعمال) فمن الضروري جدا لنا أن نعلم علم اليقين عن موضوع ينبوع الإيمان. كيف نحصل على هذا الإيمان؟ الإيمان الصحيح الإيمان القويم، هذا الإيمان أين منبعه؟ الجواب الكتابي هو: وذلك ليس منكم: هو عطية الله" كما كتب الرسول بولس في رسالته إلى مؤمني أفسس (2: 8).

لا بد لنا الآن من أن نسأل: كيف يهب الله هبة الإيمان هل هناك وسائط أو سبل خاصة يستعملها الله تعالى في إعطاء الإيمان؟ وجواب الكتاب هو أن الله يلجأ إلى استعمال وسائط معينة لإيجاد الإيمان القويم في قلوب الناس. وكما قال الرسول في رسالته إلى رومية: " إذا الإيمان بالخَبَر والخبر بكلمة الله" (10: 17).

كل من يريد أن يحصل على الإيمان القويم وأن يصبح بارا ومقبولا لدى الله لا بد له من الاهتمام بموضوع ينبوع الإيمان إن كانت حياتنا الروحية لا تزدهر بدون الإيمان وإن كان مصيرنا الأبدي قاتما بدون الإيمان أفلا يجدر بكل واحد منا أن نضع أنفسنا تحت تأثير ينبوع الإيمان لننال ما نفتقر إليه؟ ولذلك فإننا سنبدأ الآن وفي دروسنا المقبلة في بحث مفصل لينبوع الإيمان أي للطرق التي يلجا إليها الله في إعطائنا هبة الإيمان المبرر.

وإذ نعود على كلمة الله، مصدر إيماننا (أي مصدر اعتقادنا) نبني عليها الأجوبة التي تتعلق بموضوع ينبوع الإيمان. ينبوع الإيمان الخلاصي، ينبوع الإيمان المبرر هو المناداة بإنجيل ربنا ومخلصنا يسوع المسيح كما نجد هذا الإنجيل في الكتاب المقدس. وقد اظهر الرسول بولس أهمية هذا الأمر في اسئلة طرحها على مؤمني الكنيسة المسيحية في رومية قائلا:

" لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص. فكيف يَدعُون بمن لم يُؤمنوا به؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز (أي مناد بالإنجيل)؟ وكيف يكرزون (أي كيف ينادون بالإنجيل) إن لم يرسلوا؟" ويعطينا الرسول خلاصة الأمر في هذه الكلمات الهامة: " إذا الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله" (10: 13- 15و 17).

أولا: الإيمان بالخبر: هذه شهادة السيد المسيح:

قال السيد المسيح: لهذا قد وُلدتُ أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق، كل من هو من الحق يسمع صوتي" (الإنجيل حسب يوحنا 18: 37 )هذا ما يفسر لنا لماذا كان المسيح يتجول في الأراضي المقدسة مناديا بكلمة الله.

مثلا أهناك إيمان صحيح إن لم نكن قد اعترفنا بخطايانا؟ وكيف نعرف أننا غارقين في الخطايا بدون المناداة بكلمة الله؟ كيف نعلم أن السيد المسيح قد علمنا عن الله وأنه قد أتم تدبير الله الخلاصي من أجلنا نحن الخطاة؟ أليس من كلمة الله ومن المناداة بها؟ ألم يقل السيد في الصلاة التي رفعها إلى الله قُبيل الصليب: " لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتم وهم قبلوا وعلموا يقينا أني خرجت من عندك وآمنوا أنك أنت أرسلتني" (الإنجيل حسب يوحنا 17: 8).

كيف نقدر نحن الأموات روحيا أن نعيش ونحيا؟ جواب الكلمة: " الحق الحق أقول لكم أنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون" (يوحنا 5: 25).

وهكذا إذا ما فحصنا حياة السيد المسيح على الأرض أثناء خدمته العلنية نقدر أن نقول أنه له المجد كان ينادي بالكلمة الإلهية معلما الجموع أمر الله وملكوت الله. ولماذا كان يقوم بذلك؟ ألتسلية الناس أم لإنقاذهم؟ وكيف كان يتم إنقاذ الناس؟ أليس بواسطة الإيمان، الإيمان الحي بالمسيح يسوع الذي جاء من السماء لتتميم خطة الله الخلاصية؟ طبعا الإيمان هو عطية الله ولكن الإيمان لا ينـزل علينا كالمطر بل إنما نحصل عليه بواسطة كلمة الله والمناداة بها. ونظرا لأهمية كلمة الله القصوى في إيجاد الإيمان المخلص في حياة الناس نرى أن السيد المسيح حذرنا من مغبة عدم الإيمان قائلا:

" أنا قد جئت نورا للعالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة، وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه: لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم. من رذلني ولم يقبل فله من يدينه: الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير. لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم وأنا أعلم إن وصيته هي حياة أبدية، فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم" (الإنجيل حسب يوحنا 12: 46- 50).

  • عدد الزيارات: 2842