Skip to main content

الدرس الخامس والسبعون: الطلبة الخامسة: غفران الذنوب

ابتدأنا في درسنا السابق في دراستنا للقسم الثاني من طلبات الصلاة الربانية ذلك القسم المختص باحتياجاتنا نحن البشر. وقد رأينا في الطلبة الرابعة أننا نأتي إلى الله قائلين: خبزنا كفافنا أعطنا اليوم، مظهرين بذلك اتكالنا التام على الله الذي يمنحنا ما نحتاجه والذي يبارك أعمالنا وجهودنا ونحن نعمل في هذه الدنيا. أما في الطلبة الخامسة فإننا نتضرّع إلى الله بأن يغفر لنا ذنوبنا وآثامنا وديوننا الروحية لأننا أناس خطأة نُخطئ ضد الله وشريعته وضد أقربائنا بني البشر. في الطلبة الرابعة نتضرع إلى الله بخصوص أمور الجسد والحياة المادية وفي الطلبة الخامسة نتضرع إلى الله بخصوص أمور الروح والحياة الروحية.

وبما أننا نفتقر إلى الغفران في حياتنا الروحية فإن السيد المسيح علّمنا بأن نصلي إلى الله ونطلب منه أن يمن علينا بالغفران. وليس هناك من بشري يقدر أن يقول أنه لا يحتاج إلى هذه الصلاة: الجميع أخطأوا والجميع بحاجة مطلقة إلى الغفران. وكما يموت الناس جسدياً بدون القوت المادي هكذا أيضاً يموت الناس روحياً بدون الغفران.

ونحن نصلي إلى الله بأن يغفر لنا ذنوبنا وخطايانا لأننا عندما نخطئ إنما نخطئ ضده وضد شريعته المقدسة حتى عندما تكون خطايانا ضد أقراننا بني البشر. الله وحده يقدر أن يغفر الخطايا وهو يقوم بذلك من نعمته التي لا نستحقها، لا بسبب أي شيء نقوم به نحن أو نعد بأن نقوم به. ليس هناك من بشري يقدر أن يقوم بالتكفير عن خطاياه. خطايا الإنسان (حسب تعاليم الكتاب) هي خطايا عديدة لا تُعد ولا تُحصى وهي بمثابة ديون هائلة لا يمكننا أن نفيها مهما عملنا وجاهدنا لأننا كلما حاولنا التغلّب على خطايانا بقوانا الخاصة كلما ازددنا غرقاً في بحر الخطية العميق. ولذلك فإننا نأتي إلى الله وإليه فقط قائلين: واغفر لنا ذنوبنا.

ومن الجدير بالذكر أننا عندما نتفوه بهذه الكلمات علينا أن نُعيد إلى ذاكرتنا الذنوب المعينة التي نقترفها في كل يوم أي أنه لا يجوز لنا أن نصلي هذه الصلاة بطريقة عامة أو مبهمة. وأحسن طريقة لتذكّر الخطايا التي نرتكبها هي أن نعيد إلى ذاكرتنا وصايا الله العشر تلك الوصايا التي لخّصها السيد المسيح بكلمتي: محبة الله ومحبة القريب. وكذلك علينا أن نتذكر أن هذه الوصايا يجب أن تفسّر حسب تعاليم الكتاب بأسره أي بصورة متجانسة مع غاية الله في إعطائنا الوصايا. وعندما نقوم بذلك نرى أننا نتعدّى على الوصايا الإلهية ليس بالفعل فقط بل بالفكر والقول والإهمال. وقد تكلم عن هذا الموضوع الهام السيد المسيح في العظة على الجبل الواردة في الإنجيل حسب متى (الفصل5- 7).

عندما نقول في الطلبة الخامسة: كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا لا نكون قائلين بأننا ننتظر من الله أن يغفر لنا ذنوبنا وخطايانا وآثامنا لأننا قمنا بذلك بالنسبة للآخرين. وبكلمة أخرى نحن لا نبني أساساً لغفران الله لخطايانا بواسطة غفراننا نحن لخطايا الآخرين. هذا أمر غير معقول لأن الكتاب بأسره يعلّمنا بأن أساس غفران خطايانا هو عمل يسوع المسيح الفدائي على الصليب. مات المسيح عنا على الصليب وقام من الأموات لبناء أساس تبريرنا. الأساس هو هو لا يتغير ألا وهو المسيح المصلوب.

ما نطلبه من الله إذن عندما نقول: واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا، هو أن يغفر لنا خطايانا لأننا نحن وقد اختبرنا نعمته الخلاصية نمارس نعمة الغفران في حياتنا الاجتماعية. يجب أن يكون من الطبيعي لكل مؤمن متحرر من الخطية (أي من سطوتها ولعنتها) أن يقوم بغفران ذنوب وخطايا الآخرين المرتكبة ضده لأن الله قد غفر خطاياه نظراً لعمل المسيح الفدائي على الصليب. ويعلّمنا المسيح بأن نطلب من الله أن يغفر لنا ذنوبنا كما نحن نغفر أيضاً للمذنبين إلينا وكلما اختبرنا من جديد غفران الله لخطايانا كلما ازدادت الرغبة الأكيدة في قلوبنا بأن نغفر نحن أيضاً ذنوب الآخرين. ومن لا يود إظهار روح الغفران للآخرين بأية صورة فإنه يظهر بذلك أنه لم يختبر غفران الله لخطاياه. وهذا يعني أن المصلي لهذه الصلاة عليه أن يكون قد تصالح مع الله وقبل المسيح كمخلّص له، لأن الخالص والمتحرر والمتجدد هذا فقط يقدر أن يقول: كما أغفر أنا أيضاً للمذنبين إليّ.

ونتعلم من هذه الطلبة أيضاً أننا إنما نعترف لله بخطايانا لأن الله وحده قادر أن يقوم بغفرانها وهذا ينطبق على تعاليم الكتاب وعلى اختبارات رجال الله القديسين منذ القديم. وقد ورد في المزمور الحادي والخمسين للنبي داود ما يلي:

"ارجمني يا الله حسب رحمتك، حسب كثرة رأفتك امح معاصيّ. اغسلني من إثمي ومن خطيتي طهّرني. لأني عارفٌ بمعاصيّ وخطيتي أمامي دائماً. إليك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت لكي تتبرر في أقوالك وتزكو في قضائك. هأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي. قلباً نقياً أخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيماً جدّد في داخلي. لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني. ردّ لي بهجة خلاصك وبروح منتدبة أعضدني فأعلّم الأثمة طرقك والخطاة إليك يرجعون" (1- 5و 10- 13).

  • عدد الزيارات: 3137