مقدمة
الخلاص هو الموضوع الرئيسي في الكتاب المقدس. وحيث أن الله لا يمكن أن يفاجأ بضيقة, ليس له علم سابق بها, فلا غرابة عندنا أن يكون المسيح قد بذل حياته فدية عن كثيرين, "بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق" (أعمال2: 23).
وقد كان الله يعمل, في كل التاريخ السابق, نحو هذه اللحظة الحاسمة. "فلما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه" (غلاطية4: 4). وبعبارة مختصرة, لقد كان تدبير الله للخلاص سابقاً للخليقة, لا فكراً طارئاً فيمل بعد الخليقة.
هذا واضح جلياً في أفسس1: 3-7. من ذلك نعلم أن الله قد عمل في المسيح بطريقة عجيبة جداً وفعّالة جداً, حتى ينال المؤمنون بالمسيح "كل بركة روحية". وأول هذه البركات أن الله بمنتهى حريته المطلقة "اختارنا فيه قبل تأسيس العالم", وقصد أن نصير "قديسين وبلا لوم" (عدد4-5) وأن نصير أبناءه بالتبني. نحن بالطبيعة لا يمكن أن ننال شيئاً من هذه البركات, لأننا بطبيعتنا غير قديسين, وحياتنا دنسة ملومة, وفي علاقتنا بالله لسنا أولاده. لكن الله أعد حلاً لكل تعاستنا وخطيتنا وابتعادنا. "لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (عدد7). وخطة الخلاص تتركز في المسيح, وتتم بصليبه. فلا خلاص بغير المسيح, ولا خلاص في المسيح بغير صليبه.
لكن موضوع الخلاص لا يقتصر على العهد الجديد وحده. فإن كتّاب العهد الجديد يستعملون باستمرار تعبيرات ونصوصاً يرجع أصلها إلى العهد القديم, مثلاً: اختار, فداء, الدم, الإثم, النعمة, وغيرها. فإن الخلاص نفسه يقدّم في العهد القديم كما في العهد الجديد. في العهد القديم يقدم في المسيح بالرمز, أما في العهد الجديد فيقدم في المسيح ظاهراً. وها تتجلى وحدة الكتاب المقدس العظمى. وسنحاول في هذا الكتيّب أن نوضحها ونعرضها, ونقدم تعليم العهد الجديد في صورتها السديدة, وذلك بأن نبدأ دراستها في العهد القديم.
والعهد القديم يقدّم عمل المسيح في الخلاص عن طريق فكرة "العهد". وإذا أردنا أن نعالج الأمر في خطوطه العريضة نبدأ تطور "العهد" بعهد الاختيار, وذلك أوضح من اختيار إبراهيم (تكوين15: 17), ثم بعهد الفداء مع الشعب في سيناء (خروج20- 24), ثم يتدرج إلى العهد الجديد كما يتنبأ عنه إرميا (31: 31وما بعده) وكما أكمل في المسيح (لوقا22: 20).
- عدد الزيارات: 1692