Skip to main content

في نبوات أشعياء وإتمامها والتعليق عليها - المسيح هو المتواضع المختار

الصفحة 14 من 16: المسيح هو المتواضع المختار

المسيح هو المتواضع المختار

النبوة: "هوذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي". وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم. لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفىء إلى الأمان يخرج الحق. لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته” (أشعياء 42: 1-4).

الإتمام: "فلما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكي يهلكوه. فعلم يسوع وانصرف من هناك. وتبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعاً. وأوصاهم أن لا يظهروه. لكي يتم ما قيل بأشعياء النبي القائل: هوذا فتاي الذي اخترته. حبيبي الذي سرت به نفسي. أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق. لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف. وفتيلة مدخنة لا يطفىء. حتى يخرج الحق إلى النصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الأمم” (متى 12: 14-21).

التعليق: في النبوة وإتمامها دعي المسيح "عبد الرب". ولمنع الإلتباس نقول أن هذه الكلمة "عبد الرب" عامة لا خاصة ولا تتعين إلا بالقرينة. ولذلك رأينا ما يأتي:

1- عبد الرب المذكور في إش 42: 19 هو الشعب المختار الذي أصيب بالعمى الروحي في عصر أشعياء الذي قال عنه "من هو أعمى إلا عبدي؟" وذلك لعصيان الشعب على الله.

2- عبد الرب المذكور في إش 41: 8و9 و44: 1و2 و21 هم المختارون من شعب الله.

3-  عبد الرب المذكور في هذه النبوة وإتمامها هو المسيح بالذات (كما في أشعياء 49: 1- 9 و50: 4- 10 و52: 13 و53: 12). وقد دعي المسيح هنا بالعبرانية "عبد الرب" كما دعي باليونانية في ذات الموضع "فتى الرب" وكلاهما دال على التواضع لأن المسيح- وهو ابن الله ابن الله الأزلي بلا بداية([2])، ورَبّ الْمَجْد أزلا وأبداً- تنازل مختاراً بتواضع عجيب إلى أن صار عبداً وهو السيد لأجل خيرنا حتى اتخذ بولس الرسول هذا التنازل المدهش أقوى مثال بقوله: “فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس. وإذ وجد في إلهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة... ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (فيليبي 2: 5- 11).

وإذا قال معترض: إذا كان عبد الرب هو عموم الشعب فكيف يكون عبد الرب هو المختارين؟ وإذا كان هو المختارين فكيف يكون هو المسيح بالذات. ألا يدل هذا على منافاة ظاهرة؟ فلهذا المعترض وأمثاله نقول: أنه لا منافاة البتة بين المعاني الثلاثة لأن المسيح هو رأس شعب الله (الكنيسة) التي هي متحدة به ممتزجة فيه كجسد واحد. فمثلاً: المسيح نور العالم (أش 42: 6 ويو 8: 12) والكنيسة كذلك نور العالم (متى5: 14- 16)، المسيح مهان النفس مكروه الأمة عبد المتسلطين (أش 49: 7) والكنيسة كذلك مضطهدة مهانة كقول المسيح "سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدّم خدمة لله” (يو 16: 2)، وكما هو ظاهر من سفر أعمال الرسل كله ومن تاريخ الكنيسة. وأما إذا وجدنا وصفاً لا يوافق مقام المسيح وقداسته كأعمى وأصم وغيرهما فمن المؤكد أن الروح القدس قصد بهذا عموم الشعب حال سقوطه لا المسيح ولا مختاريه. فافهموا ترشدوا.

الحكمة الإلهية رأت أن كل البشر لا يليقون لخلاص بعضهم بعضاً. فاختارت حكمة الله أن يتجسد الرب يسوع المسيح لخلاص العالم ولذلك سرت به نفس الله أبيه ووضع روحه عليه ليخبر الأمم بحق الخلاص بالهدوء والسلام لأنه "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته " ولأنه وديع متواضع القلب محب للسلام مبغض للأمجاد العالمية فلم يجادل ولم يأذن لتابعيه بالجدل، ولم يفتخر ولم يأذن لتابعيه بالافتخار. ولذا جاء مخالفاً لنزوات رؤوس رؤساء شريعة موسى صابراً على القصبة المرضوضة حتى تقوى وعلى الفتيلة الخامدة حتى تنير مخرجاً الحق بعمله الساكت الهادىء إلى النصرة. وبما أنه تواضع مختاراً فقد علمنا بهذا أنه هو وحده رجاء الأمم من أقصى الأرض إلى اقصائها، وعليه فلا عجب إذا كانت الكلمة "عبدي الذي اخترته الخ" تفيد أنه الابن الأزلي الأبدي القيوم.

المسيح المهان
الصفحة
  • عدد الزيارات: 71118