Skip to main content

درّب ولدك

1إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ فَبَاطِلاً يَسْهَرُ الْحَارِسُ.

(مز 127: 1)

1طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ 2لأَنَّكَ تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ. طُوبَاكَ وَخَيْرٌ لَكَ. 3امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ. بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ. 4هَكَذَا يُبَارَكُ الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الرَّبَّ.

(مز 128: 1- 4)

6رَبِّ الْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ فَمَتَى شَاخَ أَيْضاً لاَ يَحِيدُ عَنْهُ.

(ام 22: 6)

قلت أن كلمة الرب تشدد على ضرورة تربية أولادنا في صغرهم وفقاً للآية القائلة "رب الولد في طريقه فمتى شاخ أيضاً لا يحيد عنه" وقد أوردت سبع أسباب تحتم علينا أن نقوم بواجبنا هذا خير قيام. أولاً: لأن الطفولة هي نواة الشيخوخة. ثانياً: لأن الجهالة, على حد قول الكتاب المقدس, مرتبطة بقلب الولد, وعصا التأديب تبعدها عنه. رابعاً: لأن المحبة الحقيقة تفرض علينا أن نربي أولادنا ونؤدبهم بخوف الله وإنذاره. خامساً: لأن التربية في الصغر كالنقش في الحجر. سادساً: يجب أن نربيهم ونهذبهم لكي لا يسكروا قلوبنا في آخرتنا. سابعاً وأخيراً: نربيهم ونهتم بهم لكي لا نعثرهم في شيء. قال الرب: "من أعثر أحد هؤلاء الصغار... فخير له لو طوق في عنقه حجر الرحى وطرح في لجة البحر".

هنا لا بد من السؤال التالي: ما المقصود بالتربية؟ الكلمة بمعناها الأصلي تير إلى الترويض والتعليم والتقويم والتهذيب والتدريب, لأن الغرض من التربية هو أن يصير المرء نافعاً وذا علاقة صحيحة مع نفسه وبيته ومجتمعه وربه. كل تربية لا تستهدف هذه الأمور إنما هي ناقصة وتسيء لا إلى الولد وحده بل إلى العائلة والمجتمع البشري أيضاً.

والتربية الصالحة لها جانبان: جانب علمي وجانب عملي. الجانب العلمي هو جانب المعرفة – وهو أن تعرف ولدك جيداً وأنت تراقبه وتلاعبه وتجاوبه. أما الجانب العملي فهو جانب التأديب والتدريب. ومتى جمعت الجانبين معاً كنت أباً صالحاً وناجحاً,وبذلك ترضي الله وضميرك وتنفع ولدك مدى الحياة. ففي الفصل السابق عالجنا باختصار الجانب العلمي الذي يقول لك اعرف ولدك, أما الآن فسنعالج الجانب العملي الذي يقول لك: درب ولدك.

أولاً دربه على الطاعة واحترام السلطة.

تخاطب كلمة الله الأولاد قائلة: "أيها الأولاد أطيعوا والديكم". ولكن الطاعة لا تأتي بالفطرة بل بالتعليم والتدريب من جانب الوالدين. فالولد المطيع المحترم لسلطة والديه يتصرف بالطريقة نفسها تجاه معلميه في المدرسة ورؤسائه في العمل (في المستقبل) وأيضاً تجاه السلطات الزمنية. والعكس بالعكس.فكل الأولاد الخارجين عن القانون كانوا في معظم الحالات عصاة متمردين غير مهذبين في صغرهم. قيل لأم جورج واشنطن: ما السر في نجاح ابنك؟ أجابت: علمته الطاعة. فمن لا يعلم ولده الطاعة لا يصلح أن يكون أباً أو أماً, حتى ولو مسؤولاً بسيطاً.

ثانياً دربة على ضبط نفسه حتى لو اضطررت أن تستعمل معه الشدة أحياناً.

ولكن حذار أن تضربه وأنت غضبان أو أن تؤذيه. يجب بالحري أن تتحدث معه وتشرح له لماذا تنوي أن تضربه لكي يعرف ابنك أو ابنتك أنه يضرب بدافع المحبة لا بدافع الانتقام. قال لي أحد أولادي مرة: "بابا, أنا أعرف لماذا تضربني. لأنك تحبني". وهذا صحيح. فالجمع بين المحبة والشدة ضروري ويصيب الهدف المنشود. فالشدة تؤدي إلى الميوعة والانفلات.

إذاً درب ابنك على ضبط نفسه, لأن الشخصية بدون ضوابط كالسيارة بدون فرامل. تقول كلمة الله "مالك نفسه خير ممن يملك مدينة". أي أن من يضبط نفسه خير من الفاتحين وأبطال الحروب. فمن يضبط نفسه يضبط طبعه ويضبط لسانه ويضبط أيضاً شهواته ونزواته. فالانضباط هو عكس الانفلات.

ثالثاً: دربه على العمل.

وهنا أريد أن أقول للأمهات أن تدريب الولد أو البنت على العمل له تكاليفه. فلا تقل الأم لولدها: حذار أن تتسخ ثيابك. أو حذار أن تفعل هذا أو ذاك وأنت تشتغل. فالولد أغلى من الثياب ومن أدوات العمل, ومستقبله أهم من الماديات. ولا ننسى أن الولد الذي لا يشتغل ينمو كسولاً. ففي وسعه أن يساعد أمه في بعض الأعمال المنزلية السهلة, ومتى كبر قليلاً يمكنه أن يشتغل في الحديقة وما شاكلها. قال الرب في أحد أمثاله: كان لرجل ابنان, فجاء إلى الأول وقال: "يا ابني اذهب اليوم واعمل في كرمي..."ثم جاء إلى الثاني وقال كذلك . وفي رأي أن ذلك الأب كان حكيماً لأنه أراد أن يدرب ابنيه على العمل الاتكال على الذات, فضلاً عن أنه أراد أن يملأ وقتهم بما هو مفيد ونافع. ولا ننسى أن الله نفسه يكره الكسل ويحذر منه في كتابه الشريف. فلما اختار داود ملكاً اختاره فيما كان يرعى غنم أبيه. ولما اختار عماوس نبياً اختاره وهو يرعى ويجني الجميز. وعند ملء الزمن لما تجسد الكلمة وصار إنساناً صار هو أيضاً يشتغل في دكان يوسف النجار. فالرب قدس العمل منذ البداية, ولهذا نقرأ في سفر التكوين أن الله وضع آدم في جنة عدن لكي يشتغل فيها. إذاً العمل شريف وليس فيه عيب مهما كان في نظر الناس حقيراً. هذا فضلاً عن أن العمل يعد الإنسان لتحمل مسؤوليات في المستقبل بحيث لا يكون اتكالياً بل ليأكل خبزه بعرق جبينه وفقاً لسنة الله للبشر جميعاً.

رابعاً: درب ابنك على بلوغ أهدافه دون ضغط منك.

فمتى راقبته وعرفت نوع هواياته ومواهبه وميوله حاول أن توجهه بحكمة نحو ما يصبو إليه. وإلا فإنه سيضيع وسيشعر بالخيبة وسيبقى طيلة حياته يقول: لولا أبي وأمي لكانت حياتي الآن أفضل بكثير. وهكذا يقع فيما نسميه برثاء الذات وسيبقى يندب حظه لأنه ذهب ضحية سواه. لذلك دعه هو يختار مهنة الحياة وشريكة الحياة بعد أن تكون قد دربته وزودته بالمبادئ التي على أساسها يجب أن يبني اختياره.

خامساً دربه على كلمة الله.

هذا مهم جداً جداً. اسمع ما يقوله الله لشعبه في العهد القديم حسبما ورد في الإصحاح السادس من سفر التثنية. يقول: "لتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك. وقصها على أولادك. وتكلم بها حين تجلس في بيتك. وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم". ووصية الله هذه لا يمكن تطبيقها إلا إذا جعلنا هذا الأمر موضوع اهتمامنا الأول. وبناء عليه يجب أن تقرأ الكتاب المقدس مع أولادك كل يوم قبل النوم وأن تصلي معهم. يقول علماء النفس أن الانطباعات التي يتأثر بها الصغار قبل النوم هي من أقوى الانطباعات التي يدوم تأثيرها فيهم.ثم احرص أن تذهب به إلى مدرسة الأحد أو الكنيسة لكي يتدرب على احترام بيت الله وكلمة الله. يقول تقرير طبي أن الاستماع إلى كلمة لله يخفف الكثير من الضغط على الفكر والقلب بحيث يعيش المرء حياة أطول وأفضل. ولا أنسى أن أقول أن أهم ما يفعله الآباء في نظر أولادهم جماعة من المرائين الذين يقولون ولا يفعلون. وهذا يولد في نفس البنين والبنات احتقاراً للأمور الروحية عدا أنه يشكل عثرة لهم فيهلكون بسبب والديهم.

  • عدد الزيارات: 4285