الفصل الرابع عشر: العالم أيام زمان
الجزء الثالث: البرهان على حصول الطوفان وعلى فلك نوح
"ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً" (تكوين 1: 31).
لدى قراءتنا سفر التكوين، يدهشنا السجل المختص بالحياة كما كانت قبل أيام نوح. فالناس كانوا يعمّرون أكثر بكثير من اليوم، وكان عندهم عدداً كبير من الأولاد، وكانوا متعافين أكثر منا على ما يبدو. وعلى سبيل المثل، نقرأ أن متوشالح عاش 969 سنة (تكوين 5: 27). كذلك نفهم أيضاً أنه كان أيضاً أنه كان أيضاً انه كان جبابرة على الأرض في تلك الأيام (تكوين 6: 4).
وإذا شئنا أن ندرك هذا الأمر، لابدّ لنا من العودة إلى ما يقوله الكتاب المقدس بشأن العالم قبل الطوفان.
ينقل إلينا الكتاب المقدس بكل مهابة أنه "في البدء خلق الله السموات والأرض" (تكوين 1:1)، قبل أن يبسط أمامنا ما خلقه الله في كل يوم.
ولنتأمل الآن قليلاً في اليوم الثاني. ففي ذلك اليوم قال الله "ليكن جَلَد في وسط المياه، وليكن فاصلاً بين مياه ومياه. فعمل الله الجَلَد وفصل بين المياه التي تحت الجلد التي فوق الجلد. وكان كذلك..." (تكوين 1: 6و7).
والجدير ذكره أن اللفظة الأصلية "للجَلَد" تشير إلى لوحة رقيقة مضغوطة أو مصقولة أو ممدودة.
كل هذا يساعدنا على تصور حالة الأرض قبل الطوفان، والجلد المكوّن من بخار الماء معلّق كمظلة فوقها على بعد بضعة كيلومترات منها. أن شكلاً كهذا كان سيُسفر عنه أمور مدهشة:
1. كان هذا سيعني أنّ اجتياز النور بكميات أوفر عبر هذه المظلة، يُنتج درجات متنوعة من اللون الوردي الفاتح. وقد أظهرت الأبحاث أن هذا اللون هو أفضل ما يساعد على نمو خلايا النباتات [2]. ولعّل أمامنا هنا تفسيراً لاحتواء سجل المستحجرات على كائنات من صنف الطحالب الضخمة المسمّاة لبيدوندرون (Lepidodendrons) والتي يبلغ طولها أكثر من 30 متراً، فيما الأصناف المتوافرة حالياً لا يتعدى علوّها 40 سنتيمتراً. ولا عجب إذاً إن كان الله بعد خلقه الحيوانات، قد أمرها بألاّ تقتات إلاّ على النباتات التي كانت موجودة بوفرة.
2. توصّل البحّاثة إلى تقدير تأثير هذه المظلة في الضغط الجوي. فاعتبروا أن الضغط الجوي قبل الطوفان كان يجب أن يوازي نحو ضعفي نسبته الحالية، وذلك من جراء الغازات تحت المظلة والتي يُفترض أنها كانت مضغوطة. كذلك الأكسجين داخل الغلاف الجوي متوفراً بنسبة أعلى من اليوم. وقد تثّبت ذلك من فقاقيع الهواء التي وُجدت محتجزة داخل الكهرمان (Amber) بحسب سجل المستحجرات العائد إلى ما قبل الطوفان. كانت هذه الفقاقيع تحتوي على الأكسجين بنسبة 30 في المئة مقابل 20 في المئة في أيامنا. وهذه الظروف هي مثالية للحياة. في الآونة الأخيرة، أصبح الأطباء يستعينون أحياناً بردهات طبية يسود فيها ضغط أعلى من الضغط الجوي وتحتوي على كميات أكبر من الأكسجين. لقد اكتشف العلماء أن المصابين بجروح مفتوحة يتعافون بين ليلة وضحاها حين يكونون في ردهات كهذه، بَيْدَ أنهم يحتاجون إلى عدة أسابيع لكي يتماثلوا للشفاء في الردهات العادية. كذلك فإن إنساناً اعتبره الطب ميتاً على أثر تسممه بغاز أول أكسيد الكربون، تمكّن من استعادة صحته في غضون ثلاثة أسابيع داخل ردهة يسود فيها ضغط عالٍ في مركز الأبحاث الطبية التابع لجامعة تكساس. والجدير ذكره أن هذه المعالجة تمت من دون إلحاق أي ضرر بذاكرته. وتذكر التقارير عن حادثة أخرى مشابهة حصلت عام 1996 في انكلترا، أنّ علاجاً كهذا لا يساعد المريض على استعادة ذاكرته فحسب، لكنه يرمّم الأنسجة المتضرّرة بسبب الخرف والشيخوخة، كما أنه يفيد ضحايا السكتة الدماغية.
باتت ردهات الضغط العالي معتمدة أكثر فأكثر داخل مراكز الأبحاث الطبية في جميع أنحاء العالم. إنها تعيد إلينا بعض أوجه العالم الكامل، عالم ما قبل الطوفان، عندما كان الضغط الجوي أعلى ممّا هو عليه الآن ويحتوي على كميات أوفر من الأوكسجين.
وبالنسبة إلى النبات، فإن غرسة بندورة زُرعت في ردهات كهذه، بلغ علوّها أكثر من خمسة أمتار بعد سنتين، كما أنها واصلت نموّها وأنتجت 930 ثمرة [3]. ونفهم من سجل المستحجرات أن ظاهرة النباتات العملاقة كانت شائعة قبل الطوفان. يشير الكتاب المقدس إلى هذه الظاهرة (تكوين 6: 4)، ثم يأتي العلم ليُثبِت دقة كلمة الله.
3. كان لهذه المظلة أثر آخر، وهو حجب الأشعة المضرة عن الأرض. فالوكالة الأميركية لحماية البيئة (American Environmental Protection Agency) أعلنت أنه بعد بضع عشرات من السنين، سيموت واحد من أصل كل ثلاثة من داء سرطان بسبب الزيادة في نسبة الأشعة ما فوق البنفسجية. لكن المظلة المائية كانت، قبل الطوفان، تعمل على حجب جميع الإشعاعات المضرة عن الأرض، مُعززةً الصحة العامة بتخفيضها نسبة حصول التحوّلات الإحيائية المضرة [4].
كان الله قد صرّح بشأن كل ما خلقه أنه "حسن جداً". فلا عجب إذاً إن كان الناس والحيوانات قبل الطوفان يعمّرون أكثر من اليوم وصحتهم أفضل ويعيشون في ظروف مثالية كانت تسود الغلاف الجوي آنذاك. يسخر بعض القوم من الأعمار الطويلة لبعض رجال الكتاب المقدس قبل الطوفان؛ لكننا لا نرى أية مشكلة، في ضوء الأوضاع الكاملة المذكورة أعلاه. وقد رأينا أية تأثيرات نجمت من إعادة بعض ظروف قبل الطوفان على صعيد شفاء الجسد البشري، ومحصول البندورة الناتج من بذرة عاث فيها الدهر فساداً بعد الطوفان لوّث تربتها. فما الذي يدعونا بعد إلى التشكيك في طول أعمار الناس وفي أوضاعهم الصحية المؤاتية قبل الطوفان، إذ كان من نصيبهم التمتع بخليقة الله الكاملة؟
لكن هذه الحالة المثالية، واأسفاه، لم تدم طويلاً. لقد حصل شيء غيّر هذا كله. "ورأى الله الأرض فإذا هي قد فسدت" (تكوين 6: 12). رأى الله شر الناس وقرّر أن يضع حداً لهذه الأوضاع. كان على جميع أشكال الحياة أن تبيد وتزول من الوجود ما عدا أولئك الذين سيدخلون الفلك مع نوح وأفراد عائلته، لأن نوحاً وُجد باراً في نظر الله (تكوين 7: 1).
References in English
1. Baugh, C. panorama of Creation, Creation Publication Services, Texas, 1992, PP. 42- 64.
2. ibid. pp. 51- 52.
3. ibid. PP. 70- 71.
4. Ham, K., Snelling, A. and Wieland, C. The Anwers Book, Master Books, El Cajon, CA, USA, 1992, P. 122.
- عدد الزيارات: 3268