Skip to main content

الصعوبة الخامسة

جربت أن أكون في سلام مع الله، لكنني لم أشعر بالراحة وأخشى أن أكون قد حاولت بطريقة خاطئة.

لا يوجد شيء اسمه "حاولت بطريقة خاطئة" لأجل أن تكون في سلام مع الله. أولاً أنت لست في حاجة إلى المحاولة إذا أنت استطعت، وثانياً أنت لا تستطيع إن أنت أردت لأنك لكي تكون في سلام مع الله من جهة خطاياك معناه أن تواجه مطاليبه العادلة من جهتها وأن تحمل دينونته العادلة ضدها. فمن هو الكفؤ القادر على أن يتخذ مثل هذه المواجهة؟ طبعاً ولا واحد. وشكراً لله لأنه لم يطلب من أحد أن يفعل هذا. لأن العمل كله من جانب واحد خارج الإنسان. المسيح هو الذي "صنع الصلح بدم صليبه". والروح القدس المرسل من السماء الآن "يبشرنا بالسلام بربنا يسوع المسيح". إنه بالإيمان بما عمله المسيح يمكن أن يكون لنا سلام. "إذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح". (رو 5: 1).

إن أكثر الناس يقصدون من وراء قولهم "حاولنا أن نكون في سلام مع الله" أي أنهم حاولوا إرضاءه أو كسب عطفه بعمل صالح يشفع لهم عنده كما فعل يعقوب لكي يستدر رضاء عيسو أخيه. قال "أستعطف وجهه بالهدية السائرة أمامي وبعد ذلك أنظر وجهه عسى أن يرفع وجهي" (تك 32: 20). إنهم يتمنون ولكنها مجرد أماني لعل وعسى أن يتجاوز الرب- بحسب تفكيرهم- عن خطاياهم السالفة، ويأخذهم إلى السماء. ولكن هل الخطية والتكفير عنها بمثل هذه السهولة؟ إنهم يكونون على حق إذا كانت الخطية، على حد قول القائل "تشبه شمعة تطفئها نفخة من فمي أو قطرة ماء أسكبها عليها. لو كانت كذلك لسكبت عليها صلاة وأخرجت من قلبي زفرة وصببت عليها قطرات من دموعي لكي أهدئ غضب الله". هؤلاء القوم يتعين عليهم أن يعرفوا أن مجرد إبداء الأسف أو إظهار الندم لا يمكن قبولهما لسداد دين بين إنسان وإنسان. لكنهم عميان إلى الدرجة التي معها يفتكرون أن شيئاً من الأسف أو بعض الندم كافيان لمواجهة مطاليب الله القدوس عن خطايا عمرهم. ليست الخطية بالشيء الذي يُستخف به.

إنها استخفاف بما هو الله في صفته كالنور وكالمحبة؟ إن كانت الخطية كما هي فعلاً في نظره وكما هي في ميزان مطاليبه العادلة، فإن كل دموع النادمين التائبين جميعهم في هذا العالم لا تسد ولا توفى لأن السداد والوفاء بسفك الدم لا بسفح الدمع. "لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" فما هي إذن فحوى الإنجيل؟ هي هذه "المسيح تألم لأجل الخطايا، البار من أجل الأثمة لكي يُقربنا إلى الله" (1بط3: 18). ولاحظوا القول "تألم" لأن "الألم" هو الاستحقاق العادل لخطايانا. لذلك بدلاً من أن نبين بأعمالنا محبتنا لله، الله نفسه بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رو5: 8). وإذا كان يلزم سداد الدين فأظن أن ملء المحيط بالدموع لا ينفع، ولا الأسف على الماضي ينفع مهما كان الأسف صادقاً، ولا العهود من جهة المستقبل تنفع مهما كانت مُخلصة- كل هذه لا تستطيع أن تسوي حساب الخطية. لكن إذا عرف المدين أن صديقاً كفواً تقدم وسدد الدين كاملاً فإنه سوف يكف عن محاولة التصالح مع الدائن.

طبعاً وبلا شك، تبدأ النفس القلقة بهذا الفكر وهو صحيح إنه إذا كان لابد من أن تتصالح مع إله قدوس، وأمام عينيها شريط طويل من الخطايا، فإنه يلزم أن يُعمل عمل. وهنا يدخل الشيطان من أوسع الأبواب ويهمس إليها قائلاً: نعم هذا الإله قدوس وحق لا يتجاوز عن ذرة من حقوقه، فهيا اعملي في الحال ومن هذه اللحظة. ليس أحد مثل الشيطان يعرف تماماً أن عمل الإنسان ليس هو عمل الله. وإن عمل الإنسان ليس هو طريق الله ولا هو ما رسمه الإنجيل- ليس الطريق هو أن عملاً ينبغي أن يُعمل ومن ثم أعمله أنا، بل فكر الله بالحري هو هذا: إن العمل الذي ينبغي أن يُعمل قد عُمل فعلاً. قد عمله المسيح وأكمله ولأجل كمال عمله رفعه الله. ومن هنا جاءت إشارة الرسول بولس بالروح القدس إلى الرب يسوع كما لو كان يشير إلى مُخلّص جالس على عرشه قائلاً لنا "لأنه هو سلامنا".

وجروحه التي نراها في السماء تشهد بأن عمل الفداء قد أكمل. وكما يعود الجيش الغالب ناشراً لواء النصر مبشراً بالسلام والأمان لبلاده هكذا يسوع المسيح المقام من الأموات يبشرنا بسلام أحرزه لنا... "سلام لكم" (يو20: 19) ومع الكلمات "أراهم يديه وجنبه" ليعرفوا ثمن السلام الذي صنعه على الصليب وبه أسكت العدو إلى الأبد. هل بعد هذا الانتصار وبعد جلوس هذا الغالب على يمين العظمة في الأعالي، لا نزال نتلكم عن عمل نعمله نحن لنحصل على سلام مع الله؟ لقد صدق المرنم حين قال:

يا قائد النصر يا محطم القيود

ذقت الموت حقاً فقربت البعيد

أي دمع قد بذلت مع الجهد الجهيد

كل مجهود الناس طراً صفر لا يفيد

بك عشنا وخطونا على درب الخلود

  • عدد الزيارات: 2702