الإلحاد والجهل والفساد
"قال الجاهل في قلبه ليس إله. فسدوا ورجسوا بأفعالهم" (مزمور 1:14). في منطق أفلاطون أنه لا بد من تحديد معاني كلمات الموضوع الذي نناقشه قبل الخوض في مناقشته، وعلى أساس هذا المنطق السليم نقول: إن كلمة "الإلحاد" معناها "إنكار وجود الله"،
و"الملحد" هو "من ينكر وجود الله". وسنناقش هذه الرسالة في كلمتين:
أولاً: ارتباط الإلحاد بالجهل
وثانياً: ارتباط الإلحاد بالفساد
الإلحاد والجهل
"قال الجاهل في قلبه ليس إله".
الملحد جاهل، ويغلب أن يكون جباناً لأنه لا يجاهر بإلحاده، بل يتكلم به في قلبه... ويظهر جهل الملحد في عدة دوائر:
الملحد جاهل بالتصميم البديع في الخليقة
يقول الرب تبارك اسمه: "ارفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه. من الذي يُخرج بعدد جندها يدعو كلها بأسماء. لكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يُفقد أحد" (إشعياء 26:40).
نظرة متأملة في الفضاء المترامي، وتفكير متأمل في عدد الكواكب المنتشرة في هذا الفضاء، تؤكد للإنسان العاقل أن وراء هذه المجموعة من النجوم والكواكب خالق قادر عظيم.
بحق قال كاتب المزمور: "السموات تحدّث بمجد الله. والفلك يُخبر بعمل يديه" (مزمور 1:19).
فمن ينكر وجود الله هو جاهل بالتصميم الرائع البديع في الخليقة.
الملحد جاهل بحقيقة وحي الكتاب المقدس وصدق محتوياته ونبواته
هذا الكتاب المقدس الذي بين أيدينا يتحدّث بكلماته ومحتوياته ونبواته عن حقيقة وجود الله.. إنه الكتاب الوحيد الذي يعطي الجواب المقنع للأسئلة التي تدور في عقل الإنسان. لماذا وُلدنا على هذه الأرض؟ كيف دخلت الخطية والفساد إلى العالم؟ ما هي صفات الله؟ كيف نستطيع معرفة الله ومعرفة الطريق للاقتراب إليه؟ كيف تعدّدت لغات الناس وكلهم من نسل آدم وحواء؟ كيف نحصل على الغفران ونتيقّن خلاصنا من دينونة الله؟ ما مصير هذا العالم الذي اهتزّت فيه القيم وأصبح غابة تسكنها الوحوش ويأكل الأقوياء فيها الضعفاء؟ ما هو غرض وجودنا ولماذا نعيش؟
كل هذه الأسئلة يجيب عنها الكتاب المقدس بدقة وإقناع.. أضف إلى هذا نبوات الكتاب المقدس التي نطق بها الأنبياء منذ آلاف السنين وقد تمّت، وتتمّ أمام أعيننا، وسوف يتمّ ما بقي منها.
الملحد جاهل بحقيقة وقيمة وصدق الكتاب المقدس.
الملحد جاهل بمصدر الضمير الذي يزعجه ويحكم على تصرفاته
نقرأ في سفر الأمثال: "نفس الإنسان [ضمير الإنسان] سراج الرب. يفتّش كل مخادع البطن" (أمثال 27:20)..
من الذي جَبَل هذا الضمير داخل الإنسان؟..
هذا الضمير الذي يعذّب الإنسان حين يرتكب خطية؟ هذا الضمير الذي دفع يهوذا الإسخريوطي - الذي باع المسيح إلى رؤساء كهنة اليهود بثلاثين من الفضة - إلى خنق نفسه، إذ لما رأى أن المسيح قد دِين ندم وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلاً: "قد أخطأت إذ سلّمت دماً بريئاً. ثم مضى وخنق نفسه" (متى 5:27).
هذا الضمير الذي يجعل "الشرير يهرب ولا طارد" (أمثال 1:28).
هذا الضمير جَبَله الله داخل الإنسان ليحكم تصرفاته وليحكم عليه كما قال بولس الرسول:
"لأنه الأمم الذين ليس عندهم الناموس، متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس، فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم، الذين يُظهرون عمل الناموس مكتوباً في قلوبهم، شاهداً أيضاً ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجّة، في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح" (رومية 14:2-16).
الملحد جاهل لا يعرف مصدر الضمير الذي يشعره بذنبه.
الملحد جاهل بدقة خلق كيانه البشري
يقول النبي داود: "أحمدك من أجل أني قد امتزت عجباً" (مزمور 14:139). وفي الترجمة الإنجليزية: "أحمدك من أجل أنك خلقتني خليقة رهيبة وعجيبة".
نظرة شاملة إلى الجسد البشري، والنفس البشرية، والعقل البشري تدفعنا للتعجّب!
فالجسد البشري يحتاج إلى عدد غير قليل من الأطباء لفحص أعضائه؛ طبيب للقلب، وطبيب للعيون، وطبيب للأذن والأنف والحنجرة، وطبيب للكلى، وطبيب للأمراض الباطنية.
والنفس البشرية عجيبة ورهيبة، لذا تخصّص كثيرون من الأطباء في معالجة الأمراض النفسية.. كالفصام، والوسوسة، والكآبة، وغيرها كثير..
والعقل البشري هو مخزن المعلومات.. في تلافيف المخ البشري توجد الذاكرة، والعاطفة، والرغبات، والغرائز.. هذا العقل وصل إلى اختراع الطائرات، والغواصات، والراديو، والتلفزيون، والكمبيوتر.. ووصل باختراعه إلى القمر..
لا بدّ أن يكون خالق الإنسان، خالق حكيم وعظيم!!
الملحد جاهل بهذا الجمال، وهذه الدقّة، وهذه الرهبة في خلقة الإنسان.
الملحد جاهل بعرض، وطول، وعمق وعلو محبة المسيح
بدون اختبار محبة المسيح الفائقة المعرفة يظل الإنسان تائهاً وشارداً في الحياة حتى يموت. محبة المسيح في عمقها الذي وصل إلى الإنسان الغارق في طين الحمأة، وعلوها الذي رفع الإنسان بإيمانه بعمل الفداء الذي أجراه المسيح بموته على الصليب إلى الحياة في السماويات.. محبة المسيح في عرضها الذي احتضنت به الأفراد، وطولها الذي شملت به العالم كله هي الطريق لإشباع حاجات الإنسان.
وأول هذه الحاجات – أن يُحِبّ ويُحَبّ.
الملحد جاهل بهذا الحب الإلهي العجيب.
الإلحاد والفساد
من ينكر وجود الله يعلن عن جهله.. لكن الإلحاد يرتبط ارتباطاً قوياً بالفساد. لذلك نقرأ: "قال الجاهل في قلبه ليس إله. فسدوا ورجسوا بأفعالهم".
الفساد هو وليد الإلحاد
زرت وأنا في القاهرة شاباً كان يدرس الطب في جامعة القاهرة، وكانت تهمّه الأمور الروحية.. سألني: قسيس لبيب، في ذهني مشكلة تزعجني.. بين أساتذتنا في الكلية أستاذ دمث الأخلاق، مهذّب، رقيق في معاملاته للطلبة.. لكنه ملحد.. وكلما فكرت فيه انزعجت نفسي، إذ كيف يكون ملحداً ورقيقاً في ذات الوقت؟
قلت: هل هذا الأستاذ متزوج؟
قال: وما دخل الزواج في إلحاد هذا الأستاذ؟
كررت السؤال: هل هذا الأستاذ الملحد متزوج؟
أجاب: كلا.. ولكنه يعيش مع عشيقة.
استطردت: هذا هو سبب إلحاده.. "قال الجاهل في قلبه ليس إله. فسدوا ورجسوا بأفعالهم". فالإنسان ينكر وجود الله ليستمرّ في زناه، وريائه، وانحطاط أخلاقه وتصرفاته دون أن يخشى رقيباً أو حسيباً.
وهناك الذين يدَّعون كذباً أنهم يعرفون الله، وتُظهر أعمالهم رياءهم وخداعهم للناس ولأنفسهم، وعن هؤلاء يقول الرسول بولس: "يعترفون بأنهم يعرفون الله، ولكنهم بالأعمال ينكرونه، إذ هم رجسون غير طائعين، ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون" (تيطس 16:1). فإذا قال لك واحد: أنا ملحد.. فاعرف أنه فاسد في علاقاته وتصرفاته.. وإذا رأيت شخصاً مرائياً يتصرّف تصرفات رجسة وفاسدة.. فاعلم أنه ملحد.
الفرق بين الملحد الأول، والملحد الثاني.. أن الأول يقول في قلبه "ليس إله".. والثاني بأعماله الرجسة "ينكر وجود الله".
لكن الله موجود.. ويوم الدينونة قريب.. ويا ويل الملحدين الفاسدين!!
فإذا كنت واحداً منهم.. فتب توبة حقيقية.. وآمن بالرب يسوع فتخلص من إلحادك، ونجاستك، وتنال الغفران والحياة الأبدية.
مقتبس من مجلة صوت الكرازة بالإنجيل
- عدد الزيارات: 11185