الشاكر وسط عواصف البحر!
في وسط عواصف البحر ”أخذ [بولس الرسول] خبزاً وشكر الله أمام الجميع“ (أعمال 35:27). فرق كبير بين أن يوجد معنا - وسط عواصف البحر وصعوبة الظروف - مؤمن مكرس للرب، لم يعاند الرؤيا السماوية... أو أن يوجد معنا مؤمن متمرد على أمر الرب يحاول الهرب من وجهه.
وجد النبي يونان سفينة ذاهبة إلى ترشيش، فدفع أجرتها ونزل فيها هارباً من وجه الرب الذي أمره أن يذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ليعلن لها مدى غضب الرب على شرِّها.. وكادت السفينة تتكسر وتغرق بمن فيها لولا أن ألقى الرجال يونان في البحر وابتلعه الحوت الذي أعده الرب.
وكان بولس الرسول في سفينة ذاهبة إلى روما... كان فيها ليذهب إلى ”قيصر“ ويحاكَم أمامه بغير ذنب جناه. وهاجت العواصف والأمواج، وأنقذ الرب كل من في السفينة بسبب وجوده معهم.. وشكر بولس الرب. وبولس الرسول هو ”معلم الشكر“، كدت أقول ”أستاذ تعليم الشكر“.. ولا يمكن لأحد أن يشكر من القلب إلا إذا عرف وقدَّر التقدير الصحيح ما عمله الله له. فالشكر هو التعبير عن التقدير، والتذمّر هو إعلان التمرّد. ويحذر بولس الرسول بالروح القدس المؤمنين من خطية التذمُّر، وهي خطية عقابها الهلاك الجسدي فيقول: ”ولا تتذمَّروا كما تذمَّر أيضاً أناس منهم فأهلكهم المهلك“ (1كورنثوس 10:10).. ويأمرهم بأن يكونوا شاكرين.
± فيكتب للمؤمنين في أفسس قائلاً: ”وأما الزنا وكل نجاسة أو طمع فلا يسمَّ بينكم كما يليق بقديسين، ولا القباحة، ولا كلام السفاهة والهزل التي لا تليق، بل بالحري الشكر“ (أفسس 3:5و4). ويعود فيقول لهم: ”شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح، لله والآب“ (أفسس 20:5).
± ويكتب للمؤمنين في فيلبي قائلاً: ”لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلم طلباتكم لدى الله“ (فيلبي 6:4).
± ويكتب للمؤمنين في كولوسي قائلاً: ”وليملك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دُعيتم في جسد واحد، وكونوا شاكرين“ (كولوسي 15:3).
± ويكتب للمؤمنين في تسالونيكي قائلاً: ”اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم“ (1تسالونيكي 18:5).
وكما أمر بولس القديسين أن يشكروا الرب في كل شيء، كان هو أيضاً مثالاً للشكر، فشكر الرب وسط عواصف البحر.. وسندرس في هذه الرسالة عناصر شكر بولس الرسول ”الشاكر وسط عواصف البحر“.
شكر بولس الرسول الرب لوعده له بالنجاة
نحن نعيش في بحر العالم الذي تسوء أحواله من يوم إلى يوم، وتتلاطم فيه الأمواج.. وفي وسط عواصف بحر الحياة نحتاج إلى وعد من الرب بالنجاة.. وقد أعطى الرب وعداً لبولس، وبعد أن أخذ هذا الوعد وقف وسط من كانوا معه في السفينة التي تضربها الأمواج بشدة وقال: ”والآن أنذركم أن تُسرّوا، لأنه لا تكون خسارة نفس واحدة منكم.. لأنه وقف بي هذه الليلة ملاك الإله الذي أنا له والذي أعبده، قائلاً: لا تخف يا بولس. ينبغي لك أن تقف أمام قيصر. وهوذا قد وهبك الله جميع المسافرين معك“ (أعمال 22:27-24).
وأعلن بولس لمن معه أنه يؤمن بالوعد الإلهي إيماناً كاملاً، فقال لهم:
”لذلك سُرُّوا أيها الرجال، لأني أومن بالله أنه يكون هكذا كما قيل لي“ (أعمال 25:27).
وأنت يا أخي المؤمن ويا أختي المؤمنة.. آمن قلبياً بمواعيد الله وهو سيتممها في حياتك.
شكر بولس الرسول الرب وسط شدة أمواج المياه
الشكر الجميل، هو أن تشكر وأنت في قلب العاصفة! هو أن تشكر يوم تبدو جميع الأبواب مغلقة أمامك! هو أن تشكر يوم تخسر كل ما تملكه في حياتك!
هكذا فعل ”أيوب“ حين خسر في يوم واحد سبعة آلاف من الغنم، وثلاثة آلاف جمل، وخمس مئة فدان بقر، وخمس مئة أتان. ومع كل هذه الخسائر الفادحة، مات أولاده وبناته العشرة إذ صدمت ريح شديدة زوايا البيت الذي كانوا فيه فسقط عليهم فماتوا جميعاً.. وحين دخل أيوب في هذه الكوارث لم يفقد إيمانه بالله ولم يجدِّف عليه.. ولم يشكّ في محبته، بل شكر الله قائلاً: ”عرياناً خرجت من بطن أمي وعرياناً أعود إلى هناك. الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً“ (أيوب 21:1). هذا هو الشكر الجميل!
وفي قلب العواصف، وثوران البحر شكر بولس الرب إذ رأى أعمال الرب كما قال كاتب المزمور:
”النازلون إلى البحر في السفن، العاملون عملاً في المياه الكثيرة، هم رأوا أعمال الرب وعجائبه في العمق. أمر فأهاج ريحاً عاصفة فرفعت أمواجه. يصعدون إلى السموات يهبطون إلى الأعماق. ذابت أنفسهم بالشقاء. يتمايلون ويترنحون مثل السكران، وكل حكمتهم ابتُلعت. فيصرخون إلى الرب في ضيقهم، ومن شدائدهم يُخلِّصهم. يهدّئ العاصفة فتسكن، وتسكت أمواجها. فيفرحون لأنهم هدأوا، فيهديهم إلى المرفأ الذي يريدونه. فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم“ (مزمور 23:107-31).
هكذا شكر بولس الرسول الرب وسط شدة عواصف المياه.
فهل تشكر حين تصدمك كوارث الحياة؟ وتقول مع المرنم:
قلبي دوماً يفيض سلام ولو هاجت جيوش الظلام
فهو لي... يسوع لي!
أشكر في كل شيء!
شكر بولس الرسول الرب على نعمة الحياة
”الحياة أفضل من الطعام..“ هذه كلمات الرب يسوع.. وبغير شك الحياة أفضل من الممتلكات.
أولئك الذين نجوا من الموت، هاربين من إعصار ”كاترينا“ الذي هدم بيوتهم، وأغرق ممتلكاتهم.. أدركوا أن الحياة أفضل بكثير من الممتلكات.
ويقيناً إن كل ما نملكه إلى زوال.. وهذا ما سجَّله بولس الرسول بالكلمات: ”فأقول هذا أيها الإخوة: الوقت منذ الآن مقصَّر، لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم، والذين يبكون كأنهم لا يبكون، والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون، والذين يشترون كأنهم لا يملكون، والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه. لأن هيئة هذا العالم تزول“ (1كورنثوس 29:7-31).
وقد أكد بطرس الرسول زوال هذا العالم بالكلمات: ”ولكن سيأتي كلص في الليل، يوم الرب، الذي فيه تزول السموات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها“ (2بطرس 10:3).
لهذا شكر بولس الرسول الرب وهو في قلب عواصف البحر لأجل نعمة الحياة.. وكتب للمؤمنين في كورنثوس يقول: ”لذلك لا نفشل. بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدّد يوماً فيوماً. لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً. ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى، بل إلى التي لا تُرى. لأن التي تُرى وقتية، وأما التي لا ترى فأبدية“ (2كورنثوس 16:4-18).
فيا نفسي، شدي أوتار قلبك لتشكري إلهك، ورددي بكل قوتك وبأعلى صوتك كلمات داود الملك والنبي:
”باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل حسناته. الذي يغفر جميع ذنوبك. الذي يشفي كل أمراضك. الذي يفدي من الحفرة حياتك. الذي يكللك بالرحمة والرأفة. الذي يشبع بالخير عمرك، فيتجدّد مثل النسر شبابك“ (مزمور 2:103-5).
مقتبس من مجلة صوت الكرازة بالإنجيل
- عدد الزيارات: 9473