۱۱ ثبات مقام المؤمنين الحقيقيين الى الأبد
لو كانت بركات الفداء ، التى ذكرناها فى الفصلين الثاني والثالث معرضة للزوال عنا لسبب من الأسباب ، لما استراحت نفوسنا أو اطمأنت على الاطلاق . لكن مما يملؤنا سلامًا وابتهاجًا أن هذه البركات لن تنزع منا بأي حال من الأحوال ، إذ فضلا عن أنها ليست متوقفة على أعمالنا بل على كفاية كفارة المسيح إلى الأبد ، الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على ضرورة بقاء البركات المذكورة معنا الى الأبد أيضا ، فهناك أدلة كثيرة تؤيد هذه الحقيقة، نذكر منها ما يأتي :
۱- صدور بركات الفداء ليس من رحمة الله فقط ، بل ومن عدالته أيضًا : لو كان المسيح حصل لنا على هذه البركات دون ثمن ، لكان هناك مجال للظن بأنه من الجائز أن يستردها الله منا إذا أخطأنا لكنه حصل لنا عليها بدمه الكريم الثمين ، ولذلك أصبحت ملكا له بحق الشراء. وبمنحه إياها لنا بالإيمان الحقيقي ، أصبحت حقا مكتسبًا لنا بفضل دمه هذا كما أصبح بقاؤها معنا ليس من باب الرحمة فقط ، بل
ومن باب العدل أيضا ، لأن كل مطالبه قد تحققت في صلب المسيح.
ولذلك قال الوحي " هكذا تملك النعمة (أو بالحرى نعمة الخلاص) بالبر (أي بالعدل) (۱) للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا " (رومية ٥ : ٢١) كما قال " إن اعترفنا بخطايانا ، فهو أمين وعادل (۲) حتى يغفر لنا خطايانا و يطهرنا من كل إثم " (١ يوحنا ۱ : ۹) . وقد رأى داود النبي هذه الحقيقة بروح النبوة قديما فصاح مرة " الرحمة والحق التقيا البر والسلام تلاثما " (مزمور ۸٥ : ٥) .
ومن البديهي أن يكون الأمر كذلك ، لأن الله لكماله المطلق لا تتعارض فيه صفة مع صفة أخرى ، بل إن كل صفاته تتوافق بعضها مع البعض الآخر كل التوافق ، ومن ثم فإنه إن صفح عن المؤمن الحقيقي لا يكون صفحة متعارضًا مع عدالته، لأن مطالبها قد تحققت بالصليب كمـا ذكرنا ، وأن عاقب غير المؤمن أو المؤمن بالاسم لا يكون عقابه متعارضًا مع رحمته تعالى ، لأن هذا الشخص وذاك قد رفضا الرحمة واستهانا بها.
۲- معرفة الله السابقة لطبيعتنا العتيقة المعرضة للخطأ : لو كان الله يجهل هذه الطبيعة ، لكان من الجائز أن يحرمنا من بركات الفداء إذا أخطأنا بعد الإيمان. لكنه كان يعلم كل ما يتعلق بهذه الطبيعة منذ الأزل ، ومع علمه هذا منحنا البركات المذكورة · ولذلك فان الوحي لا يقول عن الله انه " أجزل لنا هذه البركات بكل محبة ورحمة " ، وإن كان هذا حقا لا شك فيه ، لكنه يقول انه " أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة " (افسس ۱ : ۸) . أى أن الله عندما منحنا الغفران وما يتبعه من بركات ، لم يكن واضعًا أمامه المحبة والرحمة فقط ، بل وأيضا الحكمة والفطنة . والحكمة والفطنة (كما نعلم) تعملان حسابا لكل الظروف والاحتمالات المستقبلة بكافة أنواعها ، ومن ثم لا يمكن أن يلغى الله وعوده بالبركة لنا إذا أخطأنا بعد التوبة والايمان . ومن البديهي أن يكون الأمر كذلك ، لأنه لو كان الله فى مقاصده أن يحرمنا من بركات الفداء لسبب من الأسباب ، لما كان قد رضي أن يكون ابنه فدية عنا من أول الأمر.
وللايضاح نقول : إن الإنسان لقصر نظره قد يندفع لمساعدة بعض الأشخاص متأثرًا بما في قلبه من عطف عليهم ، غير واضع أمامه ما عسى أن يعاملوه به في المستقبل. ولذلك إذا ظهر له بعد مساعدته لهم أنهم أنكروا جميله وأساءوا إليه ، ندم على ما أسداه إليهم من جميل ، وتمنى لو كان فى وسعه أن يسترده منهم ، أما الله فعلى العكس من ذلك ، لأنه عندما وهبنا بركات الفداء ، كان يرى ببعد نظره كل الخطايا التي سوف تصدر منا بعد التوبة والإيمان ، ومع ذلك وهبنا هذه البركات بكل سخاء وكرم . لذلك لا يمكن أن يحرمنا منها إذا أخطأنا بعد التوبة والإيمان المذكورين . ولذلك قال الوحي " لأن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة " (رومية ۱۱ : ۹) ، كما قال " ليس الله انسانا فيكذب ، ولا ابن آدم فيندم " (العدد ۲۳ : ۱۹ ) .
۳- شفاعة المسيح لأجل المؤمنين وتخصيص ذاته لأجلهم طوال وجودهم على الأرض : لو كان المسيح قد ترك المؤمنين وشأنهم بعدما قدم نفسه كفارة عنهم ، لكان هناك مجال للظن بجواز تعرضهم أو تعرض بعضهم للهلاك الأبدي ، ولكنه منذ صعوده إلى السماء وهو يشفع فيهم هناك : فقد قال بولس الرسول عنه " الذي هو أيضا عن يمين الله ، الذي أيضا يشفع فينا " (رومية ۱۸ : ٣٤) . وقال " إذ هو حي في كل حين يشفع فيهم " (عبرانيين ٧ : ٢٥) . وقال انه " يظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا " (عبرانيين ٩ : ٢٤) . وقال يوحنا الرسول " وإن أخطأ أحد فلنا شفيع (۱) عند الآب ، يسوع المسيح البار ، وهو كفارة لخطايانا ، ليس لخطايانا فقط ، بل (ولخطايا) كل العالم أيضا " (١ يوحنا ٢:٢) - ومما تجدر ملاحظته أن القول " لنا شفيع " ، لا يدل على أننا إذا أخطأنا ينهض المسيح للشفاعة لأجلنا ، بل يدل على أنه يقوم بهذه الشفاعة (۲) باستمرار لأجلنا ، لكى يضمن لنا البقاء في مركز القبول الكامل أمام الله في كل الأوقات والظروف ، ويترتب على ذلك أننا اذا أخطأنا ينبه المسيح أيضا ضمائرنا حتى نكره الخطية التى أيتناها ونعترف بهـا بتذلل أمام الله فيغفرها (۱) ، ويعيد لنا حياة الشركة الروحية التي كنا نتمتع بها معه من قبل.
وشفاعة المسيح لأجل المؤمنين لم تبدأ بعد صعوده الى السماء ، بل كان يمارسها وهو بعد على الأرض ، فقد قال عن المؤمنين " ولأجلهم أقدس (أو اخصص) أنا ذاتي ، ليكونوا هم أيضا مقدسين فى الحق " (يوحنا ۱۷ : ١٦) ولذلك تشفع مرة لأجل بطرس الرسول ، فطلب لكي لا يفنى ایمانه (لوقا ۲۲ : ۳۱) كما تشفع لأجل تلاميذه ولأجل المؤمنين جميعا. فقال للآب " لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير …. ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط (أي تلاميذه) بل وأيضا لأجل الذين يؤمنون بي بكلامهم ... أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا ، لينظروا مجدي " (يوحنا ۱۷ : ١٥ - ٢٤) ولا شك أن شفاعة المسيح هذه قد استجيبت بالنسبة للتلاميذ ، وتستجاب بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين في كل البلاد والعصور.
٤- وساطة المسيح وضمانته للمؤمنين : فقد قال الرسول عن المسيح أنه " وسيط عهد جديد لكي يكون المدعوون ، إذ صار موت لفداء التعديات ، ينالون وعد الميراث الأبدي " (عبرانيين ٩ : ١٥) ، وأنه وسيط لعهد أعظم ، قد تثبت على مواعيد أفضل " (عبرانيين ٨ : ٦) . وقال للمؤمنين عنه " قد أتيتم…. إلى وسيط العهد الجديد يسوع ، والى دم رش يتكلم أفضل من هابيل (۲) " (عبرانيين ١٢ : ٢٤) ، ولذلك فمهما كانت مواعيد الله لنا بالبركات الأبدية تفوق العقل والإدراك ، لنا في المسيح " النعم و الآمين (۱) (٢ كورنثوس ۱ : ۲) . لأنه لا يجيب عن تحقيق هذه المواعيد لنا إلا بالقول " نعم" ، والقول " آمين" تكون مضمونة لنا الى أبد الآباد.
والمسيح بوصفه الوسيط والضامن ، قد حقق أمنية القديسين الذين عاشوا فى كل العصور القديمة ، تلك الأمنية التى جاشت مرة في صدر حزقيا الملك التقى ، فصلى الى الله قائلا " ضعفت عيناي ناظرا الى العلاء، يارب قد تضايقت . كن لى ضامنا (۲) " (إشعياء ٣٨ : ١٤) . كما أن هذا الضامن أو الوسيط ، هو ما كان أيوب يتوق إليه لكي ينجو من قصاص خطاياه . فقد قال الله مرة " إن وجد عنده (أي عند الله) مرسل وسيط واحد من ألف ، ليعلن للإنسان استقامته (أي استقامة الله) ، يترأف
(الله) عليه ويقول : اطلقه عن الهبوط الى الحفرة ، قد وجدت فدية . يصير لحمه (أي لحم الإنسان ) أغض من لحم الصبي ، ويعود الى أيام شبابه (رمز الحياة الجديدة التي يحصل عليها) ، فيصلي الى الله فيرضى عنه ويعاين وجهه بهتاف
(أي بترنم الفرح والابتهاج ) . فيرد (الله) على الإنسان بره (ولذلك) يغنى (الانسان) يبن الناس فيقول : قد أخطأت وعوجت المستقيم ولم أجاز عليه (أي على الخطأ) . فدى (الله) نفسي من العبور إلى الحفرة ، فترى حياتي النور " (أيوب ۳۳ : ۲۳ - ۲۸) .
والمسيح هو الكائن الوحيد الذي يضمننا (أو بالحرى يضمن وجودنا بلا لوم أمام الله الى الأبد) ، لأنه هو الذي وفي جميع حقوق عدالة الله وقداسته من جهتنا إلى التمام . ونظرا لأن العهد الجديد قائم على ضمانة المسيح للمؤمنين ، لذلك قال الله عن هذا العهد " هذا هو العهد الذي أعهده معهم اجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها على قلوبهم .وأنا أكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبا . ولا يعلمون كل واحد قريبه وكل واحد أخاه قائلا : " اعرف الرب . لأن الجميع سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم . لانى أكون صفوحا عن آثامهم ، ولا أذكر خطاياهم وتعدياتهم في ما بعد " (عبرانيين ٨ : ۱۰ - ۱۲) .
ه - وجود الروح القدس مع المؤمنين وفيهم الى الأبد : ووجود الروح القدس مع المؤمنين وفيهم ، له غرضان هامان هما :
(۱) الشفاعة في المؤمنين وتعضيدهم وتعليمهم طوال وجودهم على الأرض : فمن جهة الشفاعة ، قال الرسول عن الروح القدس أنه " يشفع فينا بأنات لا ينطق بها . ولكن (الله) الذى يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح ، لأنه بحسب مشيئة الله يشفع فى القديسين " (رومية : ۲۸) . وقال أيضا " لأننا لسنا نعلم ما نصلى لأجله ، ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها " (رومية ٨ : ٢٦) . ومن جهة التعضيد قال الرسول عنه ، أن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح" (۲ تيموتاوس ۱ : ۷ ) . ومن جهة التعليم والإرشاد قال المسيح عنه للتلاميذ " فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم ، (يوحنا ١٤ : ١٦) . فضلا عن ذلك فإن وجود الروح القدس في نفوسنا من شأنه أن يولد فينا قداسة السماء وطهارتها ، كما يؤهلنا للشركة الله والتوافق معه في صفاته العلوية السامية. (ب) العربون الذي يؤكد للمؤمنين حصولهم على الحياة الأبدية : فقد قال الرسول عن الله " الذي ختمنا ايضًا (للدلالة على أننا أصبحنا ملكا له) وأعطى عربون الروح في قلوبنا " (٢ كورنثوس ۱ : ۲۲) ، كما قال " ولكن الذي صنعنا لهذا (المجد) عينه هو الله ، الذي أعطانا أيضا عربون الروح " (٢ كورنثوس ٥ : ٥) ، وقال "إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى (١) لمدح مجده " (أفسس ١ : ١٤) - والروح القدس يوصف في هذه الآيات بأنه عربون، ليس من ناحية قيمته وقدره بالنسبة الى الميراث السماوي ، بل من ناحية عمله كضامن للحصول على هذا الميراث ، وذلك لسببين (الأول) ان العربون يكون عادة أقل من قيمة الشيء المطلوب الحصول عليه ، بينما الروح القدس أثمن من المجد السماوى بما لا حد له (الثاني) أن العربون لا يدفعه المالك للمشترى ، بل يدفعه المشترى للمالك . ولكن يتضح لنا من هذه الآيات ، أن الله المالك هو الذي أعطانا عربون الميراث الذي نريد الحصول عليه.
وفى ضوء ما تقدم نقول : إذا كان العربون المقدم للحصول على شياً ما ، أعظم فى قيمته من هذا الشيء ، وكان هذا العربون (فضلا عن ذلك) مقدما ليس من طالب الحصول على الشيء المذكور بل من المالك نفسه ، فلا شك أن الحصول على هذا الشيء يكون مضمونا للغاية . وإن كان ذلك كذلك ، فإن الميراث السماوي هو بكل يقين ملك لنا من وقت حلول الروح القدس فينا ، أو بالحرى من وقت ايماننا بالمسيح ايمانا حقيقيا - وهذه الحقيقة عينها هى التى تقابلنا عند التأمل في الآية القائلة " فماذا نقول لهذا ؟ الذى لم يشفق على ابنه بل بذله من أجلنا أجمعين ، كيف لا يهبنا أيضا معه كل شيء ؟ " (رومية ٨ : ٣٢) ، لأنه إن كان الله قد بذل المسيح نفسه لأجلنا ، لا يمكن أن يمنع عنا بعد ذلك أى بركة من البركات ، لأن كل البركات مجتمعة لا تكون شيئا مذكورا بجانب المسيح .
٦- تثبيت المؤمنين واحضارهم كاملين وبلا لوم الى المجد ، لا يتوقف على أعمالهم بل على أمانة الله والمسيح : فبولس الرسول (مثلا) كان يبنى يقينه بالخلاص الأبدي ليس على أعماله بل على أمانة المسيح ، فقد كان شعاره " لأنني عالم بمن آمنت ، وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم " (۲ تيموثاوس ۱ : ۱۲) وقال الوحي عن المسيح أنه " رئيس كهنة أمين على بيته وبيت المسيح هو المؤمنون الحقيقيون (عبرانيين ۳ : ۱۷). وقال عن الله " إنه إله أمانة ، لا جور فيه البتة " (تثنية ۷۲ : ٤) ، وان أمانته كثيرة ، (مراثى ٣ : ۲۳) ، وانها إلى الغمام " (مزمور ٣٦ : ٥) ، وانها " الى دور فدور " (مزمور ۱۰۰ : ٥) . لذلك قال بولس الرسول للمؤمنين " ربنا يسوع المسيح الذى سيثبتكم أيضا الى النهاية بلا لوم أمين هو الله الذي به دعيتم الى شركة ابنه يسوع المسيح ربنا " (١ كورنثوس ۱ : ۱۹) كما قال " اله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ، ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح . أمين هو الله الذي يدعوكم ، الذي سيفعل أيضا " (۲ تسالونيكی ٥: ٢٣ و ٢٤) . و " أمين هو الرب الذي سيثبتكم ويحفظكم من الشرير " (۲ تسالونيكي ۳ : ۱۳) . و " ربنا نفسه يسوع المسيح والله أبونا الذي أحبنا وأعطانا عزاء أبديًا ورجاء صالحًا بالنعمة ، يعزى قلوبكم ويثبتكم في كل كلام وعمل صالح" ، (۲ تسالونيكي ۲ : ۱٦ ، ۱۷) . و " لنتمسك بإقرار الرجاء راسخًا ، لأن الذي وعد هو أمين" (عبرانيين ۱۰ : ۲۳) و" ان الله سيحضر كم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه " (کولوسي ۱ : ۲۱) . و " اله السلام الذى أقام من الأموات راعي الخراف العظيم ربنا يسوع المسيح بدم العهد الأبدي ، يكملكم في كل عمل صالح لتصنعوا مشيئته عاملا فيكم ما يرضى أمامه بيسوع المسيح " (عبرانيين ۱۳ : ۲۱) . وأن الله الذي " بدأ فيكم عملا صالحا يكمل الى يوم يسوع المسيح " (فيلبي ١ : ٦) وأن الله " يكمل كل مسرة الصلاح وعمل الإيمان (فيكم) بقوة " (۲ تسالونيكي ۱ : ۱۱) . وأن المسيح أحب أيضًا الكنيسة " وأسلم نفسه لأجلها لكى يقدسها مطهرا اياها بغسل الماء بالكلمة ، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة ·لا دنس فيها ولا غضن (۱) ، أو شيء من مثل ذلك ، بل تكون مقدسة وبلا عيب " (افسس ٥ : ٢٥ -٢٧)
وقال بطرس الرسول للمؤمنين " وإله كل نعمة الذي دعانا إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع بعدما تألمتم يسيرًا ، هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم " (١ بطرس ٥ : ۱۰). وقال يهوذا الرسول لهم عن الله " والقادر أن يحفظكم غير عاثرين ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج" ( يهوذا ٢٤) .
۷- ارتباط حياتنا بالمسيح وعدم تعرضها للضياع منا تبعا لذلك : لو كانت الحياة الأبدية التى منحها الله لنا موجودة في حياتنا ، أو معهود بحفظها وصيانتها الينا ، لكان من الجائز أن تضيع منا . لكن هذه الحياة ، هي حياة المسيح ، ولذلك فهى فيه ومعه في الله . فقد قال الرسول إن المسيح هو الاله الحق والحياة الأبدية
(١يوحنا ٥ : ٢٠) وانه " حياتنا "، (كولوسي ۳ : ٤) " وان الله أعطانا حياة أبدية ، وهذه الحياة في ابنه "، (١ يوحنا ٥ : ١١) " وان حياتنا مستترة مع المسيح في الله " (كولوسی ۳ : ۲) - فحياتنا الأبدية إذا هي حياة المسيح نفسه ، حال كونه متحدًا بنا ونحن متحدون به اتحاد الرأس بالجسد واتحاد الجسد بالرأس ، ومن ثم فانها لا تفقد أو تسلب منها على الاطلاق . ولذلك كما دخل المسيح الى المجد ، لا بد أن ندخل نحن أيضا (افسس ۲ : ٦) ، وكما أنه مقبول أمام الله ، لا بد أن نكون نحن أيضا مقبولين أمامه (افسس ۱ : ۳ - ۷) ، وكما أنه سيملك الى الأبد ، لا بد أن نملك نحن أيضا معه (۲ تيموثاوس ۲ : ۱۲) ، لأننا بالإيمان أصبحنا متحدين بشخصه الكريم كل الاتحاد.
واذا كان الأمر كذلك ، فلا الشيطان أو العالم أو ضعفنا الطبيعي أو أي شيء آخر في الوجود ، يمكن أن يحرمنا من الحياة الأبدية مع الله على الإطلاق . وهذا ما دعا الرسول مرة أن يتهلل قائلا " من سيشتكي على مختاري الله ؟ الله هو الذي يبرر (وما دام الله نفسه هو الذي يبرر المختارين ، فطبعا ليس هناك من يشتكي عليهم) . من هو الذي يدين ؟ المسيح هو الذي سارت بل بالحري قام أيضا، الذي هو أيضا عن يمين الله الذي أيضا يشفع فينا (وما دام الديان هو نفسه الشفيع فطبعا ليس هناك من يدين هؤلاء المختارين (۱) ·" فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ، ولا ملائكة ولا رؤساء، ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ، ولا خليقة أخرى( شيطانية كانت أم بشرية) تقدر أن تفصلنا عن محبة الله (لنا) التى فى المسيح يسوع ربنا " (رومية ٨ : ٣١- ۳۹).
۸ - إقامة المؤمنين في السماء وتمجيدهم فيها من وقت إيمانهم بالمسيح : لو كان موضوع إقامة المؤمنين في السماء وتمجيدهم فيها سيبحث أمام الله فى المستقبل بناء على أعمالهم ، لجاز أن يتسرب اليهم الشك في إمكانية تمتعهم بالله في الأبدية ، لكن هذا الموضوع فصل فيه نهائيا بنعمة الله لمصلحتهم من وقت إيمانهم، بناء على مقاصده الأزلية الصالحة من نحوهم . فقد قال الرسول عن الله لأن الذين سبق فعرفهم ، سبق فعينهم (وليس سوف يعينهم) ليكونوا مشابهين صورة ابنه . والذين سبق فعينهم ، فهؤلاء دعاهم أيضًا (وليس سوف يدعوهم) . والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضًا (وليس سوف يبررهم) . والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضا (وليس سوف يمجدهم (۱) " (رومية ٨ : ٢٩ - ٣١) .
وقال أيضا" مبارك الله أبو ربنا يسوع الذي باركنا (وليس سوف يباركنا) بكل بركة (٢) روحية في السماويات في المسيح ، كما اختارنا فيه (وليس سوف يختارنا فيه) قبل تأسيس العالم ، لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة " (أفسس ۱ : ٣ و ٤)، وأيضا " الله الذي هو غني في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها (وليس سوف يحبنا بها) ونحن أموات بالخطايا ، أحيانا مع المسيح (وليس سوف يحيينا معه، واقامنا معه (وليس سوف يقيمنا معه) ، واجلسنا معه (وليس سوف يجلسنا معه) في السماويات في المسيح يسوع ، ليظهر في الدهور الآتية (ليس أعمالنا وجهادنا ، وإن كانت هذه لها قيمتها ومكافاتها في الوقت المناسب ، بل ليظهر) غنى نعمته الفائق باللطف علينا (۳) في المسيح يسوع (لأن النعمة الغنية هي الأساس الوحيد (لخلاصنا ) ، " أفسس ۲ : ٤ - ٧ " . وأيضا " شاكرين الآب الذي أهلنا (وليس سوف يؤهلنا) لشركة ميراث القديسين في النور ، الذي أنقذنا (وليس سوف ينقذنا) من سلطان الظلمة ونقلنا (وليس سوف ينقلنا) الى ملكوت ابن محبته " (كولوسی ۱ : ۱۲ ، ۱۳) – واستعمال الأفعال الواردة في هذه الايات فى صيغة الماضي، دليل قاطع على أنه أصبحت لنا الحياة الأبدية بكل أمجادها وبركاتها من وقت إيماننا الحقيقي بالمسيح . ولا غرابة في ذلك على الإطلاق ، لأن المسيح ليس سونى يفدينا ، بل فدانا بالتمام عندما قبل الصليب نيابة عنا .
۹ - سهر الله على المؤمنين ومحافظته عليهم : فقد قال الوحي عن الكنيسة (۱) انه " يحرسها ليلا ونهارًا " (إشعياء ٢٧ : ٣ ، ٤) ، وان " أبواب الجحيم لن تقوى عليها " (متى ۱٦ : ۱۸) . وأن المؤمنين محفوظين ليسوع المسيح " (يهوذا ۱) . وقال المسيح عن جماعة المؤمنين " وأنا أعطيها حياة أبدية ، ولن تهلك الى الأبد . ولا يخطفها أحد من يدى " (يوحنا ۱۰ : ۲۷، ۲۸) .
أما الاعتراض [ بأن المؤمن الحقيقى وان كان لا يخطفه أحد من يد المسيح ، لكن يمكنه (إذا أراد) أن يترك المسيح ، ومن ثم يمكن أن يهلك ]،
فلا يجوز الأخذ به، فضلا عن أن هذا المؤمن لا يمكن أن يترك المسيح لأن المسيح هو الكل فى الكل له ، فهناك سببان يقضيان على هذا الاعتراض قضاءً تامًا
(الاول) إن المؤمن الحقيقى ليس ملكا لذاته حتى يمكنه الانفصال عن المسيح إذا أراد الانفصال عنه ، بل هو ملك للمسيح وعضو في جسده الروحي (١) . فقد قال الوحي عن المؤمنين أنهم " أعضاء جسمه من لحمه وعظامه " (افسس ٥: ٣) ، ومن ثم لا يمكن أن يسمح له المسيح بالانفصال عنه على الإطلاق، لأن بهذا الانفصال (ان جاز التعبير) يفقد المسيح عضوًا من أعضائه، وهذا لا يجوز بأى معنى من المعاني.
(الثاني) أن المسيح قال لنا « وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني ، أن كل ما أعطاني الآب ، لا أتلف منه شيئا ، بل اقيمه في اليوم الأخير" (يوحنا ٦ :٣٩) . فنحن المؤمنين عطية الآب للمسيح ، ولذلك فإنه يمسك بنا كأشخاص أصبحنا فى عهدته . وقال أيضا عن رعيته " أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد (٢) أن يخطف من يد أبي" (يوحنا ۱۰ : ۲۸ ، ۲۹) ، أي أننا لسنا متمسكين بيد المسيح فقط بل وبيد الآب أيضا ، ومن ثم لا يمكن لأحد المؤمنين الحقيقيين أن يفلت من يد الله، حتى إن سولت له نفسه أن يفعل ذلك .
فضلا عما تقدم ، فإن الرسول لكى لا يدع أى مجال للشك أمامنا من جهة خلاصنا الأبدي ، قال " ان الله ولدنا ثانية لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات لأجلنا ، نحن الذين بقوة الله محروسون بإيمان الخلاص (۳) مستعد أن يعلن في الزمان الأخير (۱ بطرس : ٣ - ٥) - فالميراث السماوي محفوظ لنا ، ونحن محفوظون له بقوة الله التي لا يمكن أن تقهرها قوة ما ، سواء أكانت شيطانية أم بشرية - ولكى تتضح لنا أهمية الحقيقة الواردة في هذه الآيات نقول : إذا أراد إنسان أن يحفظ ميراثًا لابنه ، فإنه يضعه تحت وصاية أمينة ، تكفل له التمتع بالميراث طوال حياته على الأرض. ولكن مهما أوتى هذا الإنسان من الفطنة والذكاء فى اختيار الأوصياء ، لا يستطيع أن يحفظ ابنه الميراث ، فقد يموت هذا الابن صغيرا ، أو يصاب بمرض عقلى أو جسمى يمنعه من التمتع بالميراث . أما الله والحمد له كل الحمد، فإنه يحفظ الميراث السماوي لنا ويحفظنا أيضا لهذا الميراث ، ولذلك لا يمكن أن نفشل فى التمتع به ، أو ينزع هو منا بأى حال من الأحوال .
۱۰ - مبدأ عدم الطلاق : بالرجوع إلى الكتاب المقدس نرى أنه ينهى عن الطلاق ، فقد قال إن الله " يكره الطلاق " (ملاخي ۲ : ١٦) . ويرجع السبب في ذلك الى وحدة الزوج والزوجة أمام الله . فقد قال الوحي عن كيفية تكون حواء " فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام . فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما . وبنى الرب الاله الضلع التي أخذها من آدم امرأة ، و أحضرها إلى آدم (۱) . فقال آدم : هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمى . هذه تدعى امرأة لأنها من امرء أخذت . لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا"، ( تكوين ۲ : ۲۱) .
والوحدة المعنوية التي جعلها الله بين الزوج والزوجة هي رمز لعلاقة المسيح مع المؤمنين . فقد قال الرسول " كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم. من يحب امرأته يحب نفسه . فانه لم يبغض أحد جسده قط ، بل يقوته ويربيه كما الرب أيضا للكنيسة ، لأننا جميعًا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه . من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الإنسان جسدا واحدا . هذا السر عظيم ، ولكني أقول من نحو المسيح والكنيسة " (أفسس ٥: ٢٨ - ۳۲) . ولذلك شبه بولس الرسول المؤمنين بالعذراء من جهة العلاقة الروحية بالمسيح فقال لهم : " فإني أغار عليكم غيرة الله ، لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح " (۲ كورنثوس ۲:۱۱) ، وشبههم يوحنا الرسول بالعروس فقال انه رآهم " كعروس مزينة لرجلها " (رؤيا ۲۱ : ۲) .
واننا نشكر الله من كل قلوبنا لأجل مبدأ عدم الطلاق ، ليس فقط لأنه يصرف نفوسنا عن الأهواء الجسدية ، بل وأيضا لأنه يعلمنا أن المسيح قد اقترن بنا نحن المؤمنين الحقيقيين ، وأننا أصبحنا معه وحدة واحدة غير قابلة للتفكك أو الانفصال على الإطلاق ، لأن " ما جمعه الله لا يفرقه انسان " (متى ١٩ : ٦) أو شيطان .
۱۱ - محبة الله اللانهائية للمؤمنين : تحدثنا كثيرا فيما سلف عن محبة الله للمؤمنين وعرفنا أنها تفوق العقل والإدراك ، ونسجل هنا أنها أيضا محبة لا نهائية بالمعنى الذي نفهمه من اللانهائية . فقد قال المسيح مرة للآب عن المؤمنين "أحببتهم (أنت) كما أحببتني " (يوحنا ۱۷ : ۲۲) ، وقال مرة لتلاميذه " كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا ، (يوحنا ١٥ : ٩) فالآب أحبنا بذات المحبة التي أحب بها المسيح والمسيح أحبنا بذات المحبة التى أحبه بها الآب . ومحبة الآب للمسيح لا نهاية لها ، ومن ثم تكون محبة الآب لنا ومحبة المسيح لنا لا نهاية لها أيضا . ولذلك قال الرسول عن المسيح إن الذين أحبهم ، أحبهم إلى المنتهى ( يوحنا ۱۳ : ۱) ، والمنتهى الذي لا نهاية له.
وإذا كان ذلك كذلك ، فطبعا لا يمكن أن يهلك أحد المؤمنين الحقيقيين ولا يمكن أيضا أن يقل المجد الذي سيتمتعون به ، عن مجد المسيح نفسه . وقد أشار المسيح الى هذه الحقيقة فقال مرة للآب عنهم " وأنا أعطيتهم المجد الذي أعطيتني" (يوحنا ۱۷ : ۲۲ ). كما أشار إليها الرسول (۱) فقال" وإله كل نعمة الذي دعانا الى مجده (وليس إلى المجد) الأبدي في المسيح يسوع (۱بطرس ۵ : ۱۰) . وفى ضوء هذه المعاملة الطيبة المملوءة بالمحبة والجود نقول بكل يقين : أنه إذا أمكن أن تقل محبة الآب المسيح يوما من الأيام، يمكن أيضا أن تقل محبته للمؤمنين الحقيقيين ، ويمكن أن يتعرضوا للهلاك تبعا لذلك . أما ومحبة الآب المسيح لا تتغير على الاطلاق بل تظل كما هي بكل كمالها الى الأبد لذلك لا يمكن أن يهلك واحد من هؤلاء المؤمنين على الاطلاق.
۱۲ - توسط الله بقسم لتأكيده وعده لنا بالخلاص الأبدي : أخيرا نقول : فضلا عن أن الذي وعدنا بالخلاص الأبدي هو الله الذي لا يكذب ولا يندم على الاطلاق ، فانه لكي يطمئن نفوسنا ولا يدع أى مجال للشك امامها من جهة وعده المذكور ، أقسم بذاته ( وهو الذي ليس في حاجة الى أن يقسم البتة) أن يتممه بنفسه لنا . فقد قال الرسول "فإن الناس يقسمون بالأعظم (مقاما)، ونهاية كل مشاجرة (أو مجادلة) عندهم لأجل التثبيت هي القسم . ولذلك أن أراد الله (بمحض مشيئته) أن يظهر أكثر كثيرا لورثة الموعد عدم تغير قضائه ، توسط بقسم ، حتى بأمرين عديمي التغير (هما الوعد والقسم) ، لا يمكن أن الله يكذب فيهما ، تكون لنا تعزية قوية أو بالحرى راحة كاملة واطمئنان ثابت) نحن الذين التجأنا لنمسك بالرجاء الموضوع أمامنا . الذي هو لنا كمرساة للنفس مؤتمنة وثابتة (إذ أن هذه المرساة) تدخل الى ما داخل الحجاب (أو بالحرى الى قدس أقداس الله نفسه ، مكان الأمان الذي ليس بعده امان) ، حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا " (عبرانيين ٦ : ١٣ - ٢٠) ولذلك فحيث يوجد المسيح فى السماء ، لا بد أن نوجد أيضا معه الى الأبد.
_____________________________________________
(۱) كلمة " البر" تعنى فى الأصل " الاستقامة " ، كما تعني "العدل أيضا " .
(۲) أن الغفران كما نعلم ، هو من باب الرحمة أو التساهل في مطالب العدل ، ولكن الوحى يعلن فى الآية المذكورة أعلاه أن الغفران هو من باب العدل والأمانة ، فترى ما السبب في ذلك ؟ (الجواب) طبعا لأن كفارة المسيح لا بد أنها حققت كل مطالب عدالة الله وقداسته من جهة المؤمنين الحقيقيين الى الأبد ، حتى أصبح من العدالة والأمانة للحق أن تغفر لهم خطاياهم التي يعترفون بها أمام الله.
_____________________________________________
(۱) ان شفاعة المسيح لا تعنى أنه يتوسل الى الله لأجلنا حينما نسقط في خطية ما حتى يعفو عنا ويرضى ، بل تعنى أنه قائم أمام الله في كل حين لأجلنا ، لكي نكون نحن المؤمنين في مركز القبول التام أمامه (عبرانيين ۹ : ۱۱ - ۲۸) ، وأيضا لكي يرد نفوسنا ويهدينا إذا انحرفنا عنه (مزمور ۲۳ : ۳) ، وذلك بواسطة التأثير عليها بكلمته .
(۲) إن المسيح لا يقوم بالشفاعة بوصفه ابن الله ، بل بوصفه ابن الإنسان الوسيط بين الله والناس (١ تيموثاوس ۲ : ٥) . وهذا مما يملؤنا ثقة واطمئنانًا من جهة القبول الدائم أمام الله ، لأن المسيح بوصفه ابن الإنسان ، يرثى لنا ويحس بضعفاتنا، ومن ثم فانه يعين المتألمين والمجربين منا (عبرانيين ٤ : ١٥)
_____________________________________________
(۱) إن الغرض من هذا الغفران ليس ، طبعا ، هو نجاة المؤمن من الدينونة الأبدية، بل اعادته الى حياة الشركة مع الله التي كانت له من قبل كما ذكرنا أعلاه ، لأن النجاة من الدينونة المذكورة قد تحققت له الى الأبد منذ ايمانه بالمسيح ايمانا حقيقيا ، كما اتضح لنا في الفصول الثلاثة الأولى.
(۲) دم هابيل يطلب من الله الانتقام من قايين ، أما دم المسيح فكان يطلب من الله الصفح عن الذين صلبوه . فقد قال وهو على على الصليب " يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون " (لوقا ( ٢٣ : ٣٤)
_____________________________________________
(۱) كلمة الآمين هنا ليست بالهمزة "أمين" بل بالمدة " آمين " ، ومعناها " استجب يا الله ".
(۲) لا شك أن حزقيا ، قبل أن ينطق بهذه الصلاة ، كان قد جال ببصره فى كل مكان ، فلم يجد كائنًا يستطيع أن يضمن قبوله أمام الله ولذلك ألقى بنفسه عند قدمى الله دون سواه ، لكى يكون ضامنا له ، ولقد أصاب في ما فعل .
_____________________________________________
(۱) يراد بالمقتنى " المؤمنون أنفسهم " ، لأن الله اقتناهم لنفسه . ولذلك قيل عنهم أنهم " شعب اقتناء" ، (۱ بطرس ۲ : ۹) . والفداء الذي ينتظرونه ليس هو فداء أرواحهم (لأن هذا تم نهائيًا بالصليب) ، بل فداء أجسادهم ، أو بالحرى تغييرها الى صورة جسد المسيح ، كما ذكرنا في الفصل الثاني.
_____________________________________________
(۱) " الغضن" ، هو التجاعيد التي تظهر على الوجه وتدل على الرهن والإعياء والشيخوخة ، والمراد بالآية المذكورة أعلاه أن المسيح سيحضر المؤمنين الى مجده، وهم ممتعون بكل جمال وكمال أدبي.
_____________________________________________
(۱) المختارون ليسوا أشخاصًا اختارهم الله رغما عنهم ، بل أشخاص اتوا اليه بمحض رغبتهم معتمدين على رحمته ونعمته في المسيح ، كما ذكرنا فيما سلف.
_____________________________________________
(۱) التمجيد هنا هو طبعا التمجيد شرعًا على أساس تمجيد المسيح (الذي نحن متحدون به) بواسطة قيامته من بين الأموات (رومية ٦: ٥) ، غير أن هذا التمجيد سيكون فعلا ، عندما ننتقل الى السماء.
(۲) مما تجدر الإشارة اليه أن الوحي لا يقول إن الله باركنا ببركات كثيرة ، أو باركنا بمعظم البركات، بل يقول انه باركنا بكل بركة - فما نحتاج إليه الآن إذا ، ليس أن يعطينا الله بركة جديدة ، بل أن نكتشف نحن البركات التي وهبها لنا ، وأن نقوم باستثمارها والإفادة منها.
(۳) فالله لم يمنحنا نعمة فقط ، بل منحنا نعمة غنية فائقة كلها لطف وعطف ومحبة . وهذا ما يملأ قلوبنا سلامًا وابتهاجًا ، وأفواهنا حمدَا وترنمَا ، ويقودنا إلى التعبد والسجود لالهنا الطيب الكريم.
_____________________________________________
(۱) " الكنيسة " ، لغة ، هي جماعة من البشر تربطهم رابطة ما (أعمال ۷ : ۳۸) ، وحسب الاصطلاح المسيحى يراد بها المؤمنون الحقيقيون بالمسيح في جميع البلاد ، مهما اختلفت أجناسهم أو طوائفهم فقد قال الوحي عن الكنيسة " أن المسيح أحبها وأسلم نفسه لأجلها " (أفسس ٥ : ۱۷) . والمسيح كما اتضح لنا مما سلف ، لم يبذل نفسه لأجل جماعة خاصة من المؤمنين ، بل لأجل جميع المؤمنين في كل العالم. ويمثل الكنيسة العامة هذه ، المؤمنون الحقيقيون الذين يجتمعون باسم المسيح في بلدة ما (متى ۱۸ : ۲۰). ومن ثم فلا يراد بالكنيسة البناء الذي يجتمع فيه المسيحيون للعبادة والصلاة ، أو رجال الدين الذين يقومون بالخدمات الدينية بينهم ، كما يظن بعض الناس.
_____________________________________________
(۱) جسد المسيح المادي ، هو الذي كان يعيش فيه على الأرض والذي تغير الى جسد ممجد عندما صعد الى السماء وجسده الروحي هو المؤمنون ، لأنهم يقترنون به اقترانًا روحيًا ، ويعلنون في سلوكهم نعمته وافضاله . وجسده التذكارى هو العشاء الرباني ، لأنه يذكرنا بأن المسيح مات عوضا عنا على الصليب (لوقا ۲۲ : ۱۹) .
(۲) مما تجدر ملاحظته أن كلمة (أحد) في القول " لا يقدر أحد " يمكن أن يراد بها الإنسان أو الذات أو الشيطان أو .. أو .. ولذلك فإن سلامة المؤمن مضمونة الى الأبد كل الضمان . نعم أن الخطية التي تسقط فيها أحيانا تعطل علاقتنا مع الله، ولكن لا يمكن أن تفصم اتحادنا بالمسبح فما نفقده بالسقوط فى الخطية اذا ، ليس هو الخلاص بل بهجة الخلاص . ولذلك عندما سقط داود فى خطيته لم يقل لله (رد لي خلاصك) ، بل قال له " رد لي بهجة خلاصك " (مزمور ۵۱ : ۱۰) (۳) "الخلاص" هنا، يقصد به الخلاص من العالم الحاضر الشرير. بتغيير اجسادنا الى صورة جسد المسيح ونقلنا الى مجده الأبدي ، كما ذكرنا في الفصل الثاني.
_____________________________________________
(۱) هناك أوجه شبه بين الكيفية التي تكونت بها حواء ، والكيفية التي تكون بها المؤمنون الحقيقيون الذين هم بمثابة عروس المسيح . فحواء تكونت من أحد أضلاع آدم عندما أوقع الله عليه سباتا ، والمؤمنون تكونوا من قلب المسيح أو بالحرى من محبته العميقة عندما مات كفارة عنهم ، اذ انه لو لم يمت ، لما كان لهم وجود معه . وآدم أحب حواء وقال انها عظم من عظامه ولحم من لحمه ، والمسيح أحب المؤمنين ، وشهد الرسول بالوحي أنهم من الناحية الروحية أعضاء جسد المسيح من لحمه وعظامه.
_____________________________________________
(۱) مما تجدر ملاحظته فى هذه المناسبة أن للمسيح بوصفه (ابن الله) مجدا ذاتيًا يلازمه منذ الأزل الذي لا بدء له الى الأبد الذي لا نهاية له . وهذا المجد خاص به وحده ، وليس لنا أن نشترك معه فيه على الإطلاق. ولكن بوصفه ابن الإنسان الكامل الذي أرضى الله وحقق كل مطالبه ، اكتسب مجدا آخر . وقد أشار الرسول الى هذا المجد فقال عن الله ، أنه رفع المسيح وأعطاه اسما فوق كل اسم (فيلبي ٢: ۹) وبوصفنا متحدين مع المسيح اتحاد الجسد بالرأس ، قد أصبح لنا امتياز الاشتراك معه ، في مجده المكتسب هذا .
_____________________________________________
- عدد الزيارات: 6