١٢ أهمية التقوى والأعمال الصالحة في حياة المؤمنين
إن الخلاص بالايمان الذى تحدثنا عنه فيما سلف ، وان كان يبعث السلام الكامل إلى المؤمنين الحقيقيين ، غير أنه يثير أحيانا بعض الأسئلة منهم وبعض الاعتراضات من غيرهم، واتمامًا للبحث نستعرض فيما يلي هذه الأسئلة والاعتراضات، ونرد عليها بقدر ما يتسع المجال .
١ - اذا كان المؤمنون الحقيقيون قد حصلوا على الحياة الأبدية بمجرد إيمانهم ، ولا يمكن أن تنزع منهم على الإطلاق ، لذلك لهم الله يخطئوا ويهملوا في الأعمال الصالحة كما يريدون ، وهذا ما لا يتفق مع حق الله على الإطلاق !!
الرد " إن المؤمنين الحقيقيين كما ذكرنا فيما سلف ، ولدوا مرة ثانية من الله وحصلوا منه على طبيعة روحية تكره الفعلية وتمقتها . ولذلك فان فكرة جواز سلوكهم فى حياة الشر هى فكرة بعيدة الاحتمال. فقد قال الرسول لنا " نحن الذين متنا عن الخطية ، كيف نعيش بعد فيها !! " (رومية ٦ : ٢) ، لأن النعمة التي خلصتنا تعلمنا " أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر " (تيطس ۲ : ۱۲) .
فضلا عن ذلك ، فإن الطبيعة الروحية التي حصل هؤلاء المؤمنون من الله عليها من شأنها أن تقودهم للقيام بالأعمال الصالحة بكثرة ووفرة . وإذا قصروا مرة فى شيء من هذه الأعمال ، فإنهم لا يشعرون براحة أو سلام . ولذلك يحاولون جهد الطاقة أن يقوموا بالأعمال المذكورة لكي يريحوا ضمائرهم، وقبل كل شيء لكي يمجدوا الله الذي أحبهم واكرمهم . وقد أشار الرسول إلى أن المؤمنين الحقيقيين طبعوا على القيام بالأعمال الصالحة فقال لهم “ مخلوقين فى المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها “ (افسس ۲ :۱۰
مما تقدم يتضح لنا أن حقيقة عدم تعرض المؤمنين الحقيقيين للهلاك الأبدي لا تشجعهم على السلوك في حياة الشر أو الإهمال في عمل الخير . فهم يشبهون من هذه الناحية الزوجة المسيحية الأصيلة التي مع علمها أن زوجها التقي لا يمكن أن يطلقها أو يهجرها ، لا يخطر ببالها مطلقا أن تسيء إليه أو تتهاون فى شيء من شؤونه . اما اذا كان هناك إنسان يستغل هذه الحقيقة في عمل الشر أو التهاون في عمل الخير ، فإنه لا يكون مؤمنا حقيقيا بل مؤمنا بالاسم ، والإيمان بالاسم لا وزن له ولا قدر عند الله ، إذ أنه هو وعدم الإيمان سواء .
۲ - اذا كان المؤمنون الحقيقيون قد حصلوا من الله على طبيعة روحية ، فلماذا يسقطون أحيانا فى الخطية مثل غيرهم من الناس ؟
الرد : إن المؤمنين الحقيقيين بحصولهم على الطبيعة الروحية ، لا تتلاشى الطبيعة العتيقة منهم ، ومن ثم فإنهم يتعرضون للسقوط في الخطية إذا لم يسلكوا بالروح ، ولذلك قال لهم الرسول " اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد ، لأن الجسد يشتهى ضد الروح ، والروح ضد الجسد ، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون " (۱) (غلاطية ٥ : ١٦ و ١٧) ٠ لكن مع كل ، فإنهم يختلفون كل الاختلاف عن غير المؤمنين والمؤمنين بالاسم إزاء الخطية ، لأنهم اذا سقطوا فيها مرة لسبب ما ، لا يطيقون البقاء فيها ، ومن ثم يسرعون الى النهوض منها والعودة إلى حياة الشركة مع الله والطاعة له . مثلهم في ذلك (إن جاز التشبيه) مثل الابرة المغناطيسية التي إذا انحرفت عن اتجاهها الأصلي لسبب ما ، سرعان ما تعود بطبيعتها الى مركزها الأول. أو مثل الحملان التي إن سقطت في الوحل مرة ، لا يحلو لها البقاء فيه لحظة واحدة ، بل تنهض بكل سرعة وتنفض ما علق بها منه .
۳- لماذا لا يخلص الله المؤمنين الحقيقيين من الطبيعة العتيقة ،لكي يجنبهم السقوط في الخطية ؟
الرد (ا) لو خلصهم الله من هذه الطبيعة ، لما أصبحت لهم ارادة في الامتناع عن الشر أو القيام بالخير ، وبذلك يكونون أقرب إلى الآلات الصماء التي تقوم بأعمالها دون وعى أو إدراك ، منهم الى الكائنات العاقلة التى تقوم بأعمالها بإرادة حرة طليقة . ولما كان الله لا يريد أن تحيا معه مثل هذه الآلات ، كان من البديهي أن يترك الطبيعة العتيقة في هؤلاء المؤمنين لكي، يظهروا عمليا، مقدار كراهيتهم للخطية ورغبتهم في القيام بالأعمال الصالحة في العالم الحاضر .
(ب) فضلا عن ذلك فإن بقاء الطبيعة العتيقة في المؤمنين الحقيقيين يدعوهم الى السهر وكثرة الصلاة ، الأمر الذي يسمو بنفوسهم ويؤهلها الزيادة التمتع بالله والاستعداد لعمل مشيئته في هذه الحياة . فإذا أضفنا إلى ما تقدم، أن الله لم يتركنا لذواتنا ، بل وهب لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة ، اللذين بهما قد لنا المواعيد العظمى والثمينة ، لكى نصير بها شركاء الطبيعة الالهية وهب الأدبية هاربين من الفساد الذى فى العالم بالشهوة (۲ بطرس ۱ : ۱ - ٤) ، لا يبقى لأحدنا شكوى من جهة بقاء الطبيعة العتيقة فيه بعد الإيمان .
٤ - كيف يكون المؤمنون الحقيقيون مقبولين لدى الله ، وهذه الطبيعة لا تزال تكمن في نفوسهم، وتصدر منها أحيانا أعمال لا تتوافق مع قداسة الله وكماله ؟
الرد (ا) ان المسيح باتخاذه مركز النيابة عنا ، اعتبر السلب الذي نفذ فيه فعلا أنه نفذ فينا ) أو بالحرى فى طبيعتنا العتيقة الخاطئة ) شرعا ، فقد قال الرسول ان انساننا العتيق قد صلب معه (أي مع المسيح) واننا متنا معه (رومية ٦ : ٦، ٧) . وبما أننا صلبنا مع المسيح ومتنا معه شرعا ، نكون قد خلعنا شرعا جسم خطايا البشرية (كولوسی ۲ : ۱۱ - ۱۳) ، ومن ثم لا يكون له وجود أمام الله بالنسبة لنا نحن المؤمنين (۱) .
( ب) فبقاء الطبيعة العتيقة ، فينا لا يجعلنا إذا في مقام خطاة مذنبين (١) . ولا يقلل من مركزنا كأشخاص مبررين ، لأن الله لا يعود ينظر الينا فى ذواتنا بل فى المسيح ، أو بالحرى بالنظرة التي ينظر بها إليه . فمكتوب " وكما هو السماوي ، هكذا السماويون أيضا " (٢ كورنثوس ١٥ : ٤٨) ومكتوب " لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته ، نصير ايضًا (متحدين معه) بقيامته " (۲) (رومية ٦ : ١٥ ) . ومكتوب " وأقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات فى المسيح" (أفسس :٦،٥) - هذا هو مقامنا الذي يرانا فيه الله منذ ايماننا بالمسيح وهر مقام ثابت الى الأبد لأنه متعلق بالمسيح الثابت في ذاته ومقامه الى الابد .
فاتحادنا بالمسيح ووجودنا فيه أمام الله هو اذا أساس كل بركة لنفوسنا، ولذلك قال الوحي إن الله باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح ، وأنه اختارنا فيه قبل تأسيس العالم ، وأننا نلنا فيه نصيبًا (أفسس ۱ : ٣ - ١٩) : كما صرنا فيه قديسين ، وأن الله أجلسنا فيه السماويات (أفسس ۲ : ٦) . ولايضاح أهمية كلمة " في" ، الواردة هذه العبارات نقول : إذا أتانا انسان مصابة يده (مثلا) بقروح خبيثة ، فإننا لا نطيق النظر إليه، لكن إذا أتانا مرتديا قفازا (جونتي)، فإننا لا ننفر منه على الإطلاق . لماذا ؟ طبعا لأننا لا نرى شيئا من قروحه بسبب وجود يده في القفاز . وهكذا الحال معنا منذ إيماننا بالمسيح ، فإننا لا نبدى أمام الله فى خطايانا، بل نبدو أمامه فى المسيح ، ولذلك يرانا فيه كاملين كل الكمال.
(ج) مما تقدم يتضح لنا أن شخصيتنا القديمة كأولاد آدم أو الإنسان العتيق ، تلك الشخصية التي تفرض علينا الدينونة بسبب الخطية الأصلية والخطايا الفعلية ، قد خلعها الله عنا شرعًا في صليب المسيح (لأن المسيح في نعمته الغنية قبل على نفسه هذه الشخصية ، واحتمل كمل عارها ولعنتها وقصاصها نيابة عنا) وألبسنا عوضًا عنها شخصية المسيح الكريمة الكاملة . فقد قال الرسول " خلعتم العتيق " (کولوسی ۳ : ۹) ، ولبستم المسيح " (غلاطية ۳ : ۲۷) ، ولذلك فنحن مع بقاء الطبيعة العتيقة فينا ، مقبولون أمام الله قبول المسيح أمامه ، ليس لأننا في ذواتنا مثله بل لأننا موجودون أمام الله في شخصه.
ه - لكن الا تتلاشى هذه الطبيعة بأى وسيلة من الوسائل ، حتى نضمن عدم التعرض للخطية ؟
الرد : (ا) كلا انها لا تتلاشى على الإطلاق، بل تظل كما هي فينا جنبا الى جنب مع الطبيعة الجديدة طالما نحن فى العالم الحاضر ، ولذلك إذا أهملنا مرة فى الصلاة أو فى حفظ أنفسنا تحت تأثير كلمة الله ، تظهر الطبيعة العتيقة فينا بكل شرورها (اقرأ مثلا : ۲ صموئيل ۱۱) . فمثل الطبيعة العتيقة والحالة هذه ، مثل طبائع الوحوش المفترسة تماما ، فانه وان كان من الممكن ترويضها وتهذيبها ، غير أنها تظل كما هي بكل غرائزها ، ولذلك تنقض أحيانا على مروضيها أنفسهم وتفتك بهم . وكل ذلك مصداق لقول الوحي " المولود من الجسد ، جسد هو " (يوحنا ۲ : ٦) . لكن التجديد الوارد ذكره فى الكتاب المقدس : ليس خاصا بالطبيعة العتيقة بل الجديدة ، فمكتوب " ان خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه ، (کو ۳ : ۹ ، ۱۰) فالطبيعة الجديدة وحدها هي التي تتجدد بتأثير الروح القدس فيها ، وبذلك ينمو المؤمنون فى معرفة الله ، ويزدادون اقترابا منه وتوافقا معه يوما بعد يوم .
(ب) أما الذين يقولون انهم بلغوا القداسة المطلقة في العالم الحاضر ، وأن الطبيعة العتيقة تلاشت منهم تماما بمجرد إيمانهم ، فإنهم في الواقع يخلطون بين التقديس الشرعى (أو الاكتسابي) وبين التقديس العملي، مع أن الأول يختلف عن الثاني كل الاختلاف كما ذكرنا في الفصل الثاني . ومع كل فهؤلاء الناس (كما نعلم جميعا) يخطئون أحيانا بالقول والفعل مثل غيرهم من المؤمنين ، ولكنهم يعللون خطأهم هذا بأنه سطحي لا أصل له فى نفوسهم . غير أنه مهما كانت دعواهم ، فإن مجرد صدور هذا الخطأ منهم ، دليل واضح على بقاء الطبيعة العتيقة فيهم ، اعترفوا بهذه الحقيقة أم لم يعترفوا …. واننا بقولنا هذا لا نقلل طبعا من شأن القداسة العملية ، أو نحول نظر أحد عن السعى بكل قوته إليه ، بل ننير على وجوب الحذر من الطبيعة العتيقة ، وذلك بالابتعاد عن كل شر وشبه شر وبحفظ النفس تحت تأثير الله في كل حين .
٦- لماذا يجربنا الله ، وهو يعلم أنه لبقاء الطبيعة العتيقة فينا ، كثيرا ما نسقط فى الخطية إذا تعرضنا لها ؟
الرد : إن الله لا يجرب أحدا بالخطية ، فقد قال الوحي " لا يقل أحد إذا جرب ، أنى أجرب من قبل الله ، لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحدا . ولكن كل واحد يجرب ، إذا انجذب وانخدع من : شهوته، ثم الشهوة اذا حبلت تلد الخطية ، والخطية إذا كملت تنتج موتا" ، (يعقوب ١ : ١٣ - ١٥) . فنحن إذا بانقيادنا أحيانا وراء أهوائنا ، ندخل أنفسنا فى التجربة ، ولذلك يكون اللوم علينا وحدنا.
۷- إذا كانت الطبيعة العتيقة لا تنزع منا طالما نحن في هذا العالم ، فكيف يكون هناك مجال للنصرة التامة على الخطية ؟
الرد : ( ا ) هناك مجال واسع لهذه النصرة ، لكن ليس بقوتنا الذاتية بل بقوة المسيح العاملة فينا ، فقد قال الرسول " يعظم انتصارنا بالذي أحبنا " (رومية ٨ : ٣٧) ، كما قال أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني " (فيلبي ٤ : ۱۳ ) . ولكى نتمتع بقوة المسيح ، علينا أن نحسب أنفسنا أولا أمواتا عن الخطية ، فقد قال الرسول - احسبوا أنفسكم أمواتا عن الخطية، ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا - اذا لا تملكن الخطية فى جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته ، ولا تقدموا أعضاءكم آلات اثم للخطية ، بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات، أعضاءكم آلات بر لله فإن الخطية لن تسودكم، لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة " (رومية ٦ : ١١ - ١٤) . اذا فان الناموس يطلب القداسة دون أن يساعد على بلوغها ، أما النعمة فتساعد على بلوغها كل المساعدة .
(ب) فنحن يجب أن نحسب أنفسنا أمواتا عن الخطية لأن الله حسبنا أمواتا عنها (۱) هذه حقيقة إلهية راسخة (مثل حقيقة حصولنا على الحياة الأبدية بواسطة كفارة المسيح) ، يجب أن نؤمن بها وأن نحيا بقلوبنا فيها ، وبذلك لا يمكن للخطية أن تثيرنا (لأنها لا تثير الموتى) ، وبالتبعية لا يمكن أن تحرمنا من التمتع بحياة المسيح فينا في أي وقت من الأوقات، والرسول الذي اختبر هذه الحقيقة قال مرة "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا ، بل المسيح يحيا في " (غلاطية ۲ : ۲۰) . والحق ما أهم حياة امانة الطبيعة العتيقة وما أسماها ، لأنها حياة الراحة الكاملة من الخطية وأهوائها . وفى حياة مثل هذه يصفو الجو الروحي أمام النفس تماما ، فتصلى لله كثيرا ، وتفرح به كثيرا ، وتخدمه كثيرا ، ومن ثم تنمو كثيرا وتتبارك كثيرا .
(۱) ان كل امتياز حصلنا عليه من الله يصحبه واجب علينا القيام به . فيما أن الطبيعة العتيقة التى فينا ، قد ماتت أمام الله فى صليب المسيح شرعا (رومية ٦ : ٨ ، كولوسى ۲ : ۳۰ ، ۳ : ۳) ، يجب أن نموت نحن عن الخطايا فعلا (١ بطرس ۲ : ٢٤) . وكما خلعنا جسم الخطايا بصليب المسيح أمام الله شرعا (كولوسی ۳ : ۹ ، ۲ : ۱۹) ، يجب أن نخلع بأنفسنا الإنسان العتيق الفاسد مع أعماله فعلا (أفسس ٤ : ٢٢ و رومية ۱۳ : ۱۲) . وكما لبسنا المسيح أمام الله شرعا (غلاطية ۳ : ۲۷ ، كولوسى ۲ : ۱۰) ، يجب أن نلبسه في سلوكنا فعلا (رومية ١٣ : ١٤ وكما قمنا مع المسيح وجلسنا معه فى السماويات شرعا (أفسس ١٦:٢) يجب أن تكون سيرتنا في السماويات فعلا (فيلبي ۳ : ۲۰) ، وذلك لكى يكون سلوكنا متفقا مع مقامنا كل الاتفاق . فما أشبهنا والحالة هذه بأشخاص كانوا فقراء فأصبحوا أغنياء ، فإنهم لا يحيون بعد حياة الذل والهوان ، بل حياة السمو والرفعة.
أما الذين يحاولون النصرة على الخطية باضعاف أجسادهم المادية عن طريق الزهد والتقشف، فإن يخطئون السبيل إلى النصرة للأسباب الاتية : (۱) أن الخطية ليست في الجسد بل في النفس ، إذ أن يد السارق (مثلا) لا تختلف في تركيبها الجسماني عن يد الأمين في شيء ، إنما الفرق بينهما هو أن نفس الأول غير أمينة ، أما نفس الثاني فأمينة . (۲) أن محاربتنا للخطية بقوتنا الذاتية دليل على أننا نقف أمامها موقف الأحياء بالنسبة لها ، والحال أنه يجب أن نقف أمامها موقف الموتى الذين لا تربطهم بها علاقة ما . فضلا عن ذلك فان هذه المحاربة تكون في الواقع ضرب من الخداع الذي لا يجدي كثيرا ، لأن الخطية التي نحاربها تميل اليها نفوسنا، ونفوس تميل بطبيعتها الى الخطية لا تستطيع أن تحارب الخطية باستمرار محاربة جدية . (٣) كما أن محاربتنا للخطية بقوتنا الذاتية ، وإن أدت بنا إلى النصرة عليها يوما ، غير أن نصرة مثل هذه لا تكون في الواقع نصرة بالمعنى الحقيقى ، لأننا لا نحصل عليها إلا بعد أن نكون قد وقفنا أمام الخطية فترة من الزمن ، وفي هذه الفترة تكون الخطية قد تسربت الى عقولنا وقلوبنا ولو الى حد ما . (٤) أخيرا نقول أن تعذيب الجسد بواسطة الزهد والتقشف بغية النصرة على الخطية ، هو إنكار لقوة المسيح العاملة فينا وعودة الى الأساليب الوثنية (۱) التى لا تجدي ولا تنفع ، لذلك فالسبيل إلى النصرة (كما أعلن الوحي) هو اعتبار أنفسنا أمواتا عن الخطية، لكي تظهر حياة المسيح في جسدنا المائت (٢ كورنثوس ٤ : ١١) ، أو بالحرى الذي في حكم المائت .
٨- ما موقف الله إزاء مؤمن حقيقى يسقط في الخطية ولا ينهض للتو منها ؟
الرد : ان الله يستخدم كل الوسائل لهدايته وإعادته إليه ، وذلك عن طريق الوعظ والإرشاد واختبارات الحياة ، لأنه (أي هذا المؤمن) هو من أولاده الذين ولدهم مرة ثانية لرجاء حي (١ بطرس ۱ : ۳) ، وتعهد المسيح برعايتهم والعناية بهم فى هذا العالم ( يوحنا ١٠ : ١٤ ـ ١٨) . وداود النبي الذي اختبر هداية الله له بعد الانحراف ، قال مرة عنه " يرد نفسي يهديني الى سبل البر من أجل اسمه " (مزمور ۲۳ : ٤) ٠٠ كما أننا إذا تأملنا معاملة المسيح مع تلاميذه، نرى أنه لما سقط بطرس في خطيته المعروفة ، لم يتركه المسيح وشأنه لكي يستمر في زيغانه ، بل أيقظ ضميره بنظرته الثاقبة الفاحصة ، فأحس بطرس بشناعة خطيته وبكى من أجلها بكاء مرا (متى ٢٦ : ٧٥) وليس هذا فقط ، بل أن المسيح في نعمته الغنية لم يهمل بطرس أو يقصيه عن باقي التلاميذ ، بل أعاده الى
نفس المركز الذى كان يشغله بينهم قبل سقوطه (يوحنا ۲۱ : ۱۷) .
٩ - ما موقف الله إزاء مؤمن يعيش فى الخطية على الرغم من استخدام الوسائل اللازمة لهدايته ؟
الرد : المؤمن الحقيقي لا يعيش فى الخطية ، لأنها تتعارض مع الطبيعة الروحية التي نالها من الله كما ذكرنا فيما سلف . لكن إن استمر مؤمن في عمل الخطية لسبب من الأسباب ، فإن الله ينزل به ما يراه مناسبا من التأديب حتى يثوب الى رشده ويقلع عن خطيته . وهذا التأديب قد يكون مرضا أو ضيقا أو خسارة أو …. أو ... فقد قال الرسول : لو كنا حكمنا على أنفسنا ( وسرنا فى خوف الله) ، لما حكم علينا لكن ان قد حكم علينا نؤدب من الرب (١ كورنثوس ۱۱ : ۳۲) . وقال أيضا "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ، ويجلد كل ابن يقبله .. فأي ابن لا يؤدبه أبوه ؟ " (عبرانيين ۱۲ : ٦ ، ۷) . وتأديب الرب للمؤمنين ليس بالأمر الهين فقد قال النبي لله عنه " بتأديبات ان ادبت الانسان ، افنيت مثل العث مشتهاه " (مزمور ۳۹ : ۱۱) ، لأنه مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحي (عبرانيين ۱۰ : ۳۱ ) .
وهذا التاديب قد يستمر ، حتى بعد أن يغفر الله الخطية التي استلزمت التأديب ، فداود (مثلا) نال من الله غفرانا عن خطيته (۲ صموئيل ۱۲ : ۱۳) ، ومع ذلك فان سيف التأديب لم يفارق بيته (١٢ : ١٠) - لكن يجب ألا يغيب عنا ان غرض الله من التأديب ليس هو الانتقام من المؤمنين الذين يخطئون (لأن النقمة حملها المسيح بأكملها نيابة عنهم على الصليب) ، بل رد نفوسهم إليه بتنقيتهم من كل عيب وشر . وما يعمله الله مع المؤمنين بالتأديب ، هو ما يعمله الصائغ بما لديه من ذهب فإنه يسلط عليه النار لا لكى يتلفه أو يحرقه ، بل لكي يطهره وينقيه من كل زغل ولذلك قال الرسول عن التأديب أنه للمنفعة لكي تشترك في قداسة الله ( عبرانيين ۱۲ : ۱۰ و ۱۱) ، والنبي الذي عرف فائدة التأديب قال لله مرة أدبني يارب . ( ارميا ١٠ : ٢٤) . ونحن نشكر الله لأجل ما يوقعه علينا من تأديب، كما نشكره لأجلها يسديه إلينا من احسان: لأنه لا يسرنا فقط أن تكون لنا حياة أبدية بفضل كفارته ، بل يسرنا أيضا أن تشترك معه في قداسته باى وسيلة من الوسائل . ١٠ - ماذا يفعل الله لمؤمن حقيقى لا يتوب عن الخطية على الرغم من هذا التأديب ؟
الرد : ان كان هناك مؤمن مثل هذا ، فإن الله يضاعف عليه التأديب . وان استمر بعد ذلك فى خطيته، ينتزع الله حياته من الأرض انتزاعا. فقد قال الرسول للكورنثوسيين الذين استهانوا بمائدة الرب من أجل ذلك فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون (أى يموتون) (١ كورنثوس ۱۱ : ۳۰) . كما قال لهم عن المؤمن الذي في ساعة من ساعات الطيش ارتكب خطية الزنى ، أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد (أى لموته أشر ميتة)، (١ كورنثوس ٥:٥)
- كيف لا يدان هؤلاء المؤمنون وأمثالهم في الأبدية ، مثل غير المؤمنين والمؤمنين بالاسم ؟ .
الرد : بما أن النجاة من الدينونة ليست متوقفة على الأعمال الصالحة التي نقوم بها ، بل متوقفة على كفارة المسيح ، لأن هذه الكفارة هي التي وقت كل مطالب العدل الإلهي . وبما أن العدل الالهى لا يطالب بحقه مرتين ، اذا فهؤلاء المؤمنون لا يدانون فى الأبدية بفضل كفارة المسيح . ولذلك قال الرسول عن الغرض من إهلاك جسد المؤمن السابق ذكره تحت التأديب " لكي تخلص الروح ( أى روح هذا المؤمن) في يوم الرب يسوع " (١ كورنثوس ٥ : ٧ ) . وعن الغرض من تأديب المؤمنين الذين استهانوا بمائدة الرب " لكي لا يدانوا العالم " ( ۱ كورنثوس ۱۱ : ۳۰ ) . وقديما قال الله عن سليمان " أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنا . ان تعوج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم ، ولكن رحمتي لا تنزع منه " ( ۲ صموئيل ۷ : ١٤ ) .
أما الإنسان الذى لا يعرف أعماق الطبيعة العتيقة وما يكمن فيها من شر فيعترض قائلا [ لماذا لا يهلك الله الى الأبد كل المؤمنين الحقيقيين الذين يخطئون خطابا شنيعة ، كما يفعل مع غير المؤمنين والمؤمنين بالاسم ! ] وللرد على ذلك نكتفى بالقول : إذا رجعنا الى الكتاب المقدس ترى أن داود النبى (مثلا) قد ارتكب خطيتى الزنى والقتل، ومع ذلك رحمه الله وأعاده الى علاقته الأولى معه ، وهذا هو ما يفعله تعالى مع كل المؤمنين الحقيقيين الذين يخطئون - واننا بقولنا هذا لا نشجع طبعا على عمل الشر أو نبيحه لأنفسنا أو لغيرنا ، ولكن تعظم نعمة الله التى ترثى لنا وتعطف علينا . وان كانت تسمح بحلول التأديب علينا في الزمن الحاضر ، فإنما اكى تجنبنا العذاب الأبدي الذي لا نهاية لهوله .
١٢- كيف يستطيع المؤمنون الذين أخطئوا في هذا العالم ، ان يتمتعوا بالله في الأبدية دون أن يتحرروا من خطاياهم الفعلية ؟
الرد : إن التحرر من هذه الخطايا، بمعنى القضاء عليها والاعتزال عنها ، يكون بواسطة وضع النفس تحت تأثير كلمة الله ، فهي أمضى من كل سيف ذى حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته
(عبرانيين ٤ : ۱۲) ، وقادرة بقوة الله على القضاء على كل شر دفين فى النفس ، والذين لا يقضون على أعمال الخطية بكلمة الله فى الوقت الحاضر ، يطهرهم الله منها رغما عنهم بالتأديب السابق ذكره . ومع كل فنظرا لأن المؤمنين الحقيقيين جميعا حصلوا على طبيعة روحية تتوافق مع الله بالولادة الثانية منه ، ونظرا لأنهم بانتقالهم من العالم الحاضر يخلعون فعلا الطبيعة العتيقة التي تجنح بهم الى الخطية ، لذلك لا يبقى هناك ما يمنعهم من التمتع بالله في الأبدية.
۱۳ - اذا كان المؤمنون الذين يسقطون فى خطايا شنيعة، سيتمتعون بالله في الحياة الأبدية ، يكون الله قد أحسن إليهم بانتزاعهم بالموت من هذا العالم، ولا يكون قد أدبهم أو عاقبهم كما يكون قد وضعهم جنبا الى جنب مع المؤمنين الذين يحفظون أنفسهم بعيدا عن الخطية ويجتهدون في خدمته واكرامه ، بما يقومون به من الأعمال الصالحة !! .
الرد (ا) هناك فرق كبير بين مؤمنين ينتقلون من هذا العالم بعد أن يكونوا قد تمموا رسالتهم فيه ، وبين مؤمنين آخرين ينتزعون منه قبل أن يتمموا رسالتهم . والفريق الأول يشبه ضباط الجيش المجتهدين الذين يظلون في خدمة بلادهم ، حتى تنتهى مدتهم القانونية ويحصلوا على أسمى الدرجات المقدرة لهم . والفريق الثاني يشبه الضباط المهملين الذين يحالون الى الاستيداع قبل نهاية المدة القانونية ، ولذلك لا يتسع المجال أمامهم للحصول على كل الدرجات التى كان من الممكن أن يحصلوا عليها ، لو كانوا مجتهدين فى عملهم مثل زملائهم السابق ذكرهم . وإذا كان ذلك كذلك ، لا يكون الله قد أحسن الى المؤمنين الذين أهملوا في حياتهم الروحية بانتزاعهم من هذا العالم ، بل يكون قد أدبهم كثيرا .
(ب) فضلا عن ذلك فإن الله سيكافئ المؤمنين الذين حفظوا أنفسهم من الخطية واجتهدوا في خدمته وإكرامه . فقد قال الوحي " إن بقي عمل أحد قد بناه عليه ( أي على الإيمان بالمسيح ) فسيأخذ أجرة ، ( ١ كورنثوس ٣ : ١٤) - والأجرة هذه ستكون طبعا بالاضافة الى الحياة الأبدية ، لأن الحياة الأبدية هبة مجانية من الله على أساس كفارة المسيح، وليست أجرة عن عمل صالح ( رومية ٦ : ۲۳) ، أما الذين أخطئوا ولم يكرموا الرب فى حياتهم كما يجب، وإن كانوا سيتمتعون بالحياة الأبدية بفضل كفارة المسيح مثل غيرهم من المؤمنين ، لكنهم سيخسرون الأجرة السابق ذكرها . فقد قال الوحي " وإن احترق عمل أحد فسيخسر (أى سيخسر الأجرة)، أما هو فسيخلص أى سيخلص من الدينونة الأبدية ( ولكن خلاص هذا المؤمن يكون) كما بنار " (١ كورنثوس ۳ : ١٥) ، أى كخلاص شخص شبت النار في بيته فأحرقت كل ما لديه أما هو فنجا بنفسه فحسب، كما كانت الحال مع لوط قديما ( تكوين ۱۹ : ۲ ) .
١٤- إن بعض الذين كانوا يواظبون على الصلاة والصوم والوعظ والإرشاد، انغمسوا فى الخطية وأصبحوا من أشر الخطاة ، ومع ذلك لم تر الله قد وقع عليهم تأديبا ما ، الأمر الذي يدل على أن المؤمنين الحقيقيين يمكن أن يرتدوا وأن يهلكوا بعد ذلك في جهنم الى الأبد !!
الرد : إن الأساس الذي نبني عليه إيماننا ، ليس هو ما نراه بعيوننا بل ما يعلنه الله لنا في كتابه . وبما أن الله يعلن لنا في هذا الكتاب أن المؤمنين الحقيقيين لن يهلكوا الى الأبد . اذا فلا داعي للجدال أو المناقشة فى هذا الموضوع . لكن لكي لا ندع مجالا للشك أمام أى انسان من جهته نقول ، كما قلنا فيما سلف ، أن المؤمن الحقيقي ليس هو من يقول عن نفسه أو يقول عنه غيره انه مؤمن حقيقى ، بل هو ما يقوله الله عنه أنه كذلك . لأن الشيطان يمكن أن يغير شكله الى شبه ملاك نور فيظن بعض الناس أنه ملاك بينما هو الشيطان بعينه (٢ كورنثوس ۱۱ : ١٤) . وعلى هذا النسق هناك أشخاص يعيشون بين المؤمنين كمؤمنين ، ولكنهم ليسوا بمؤمنين ، فقد قال الرسول عن أمثالهم " منا خرجوا ، لكنهم لم يكونوا منا ، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا " ( ١ يوحنا ۲ : ۱۹ ) ، لذلك يجب ألا يزعزع أمر من الأمور ايماننا من جهة عدم تعرض المؤمنين الحقيقيين للهلاك الأبدي.
١٥ - اليس الاعتقاد بعدم هلاك المؤمنين الحقيقيين جرأة تتعارض مع التواضع الذي يجب أن يتصفوا به ؟!
الرد : نظرا لأن عدم هلاك هؤلاء المؤمنين لا يتوقف على أعمالهم أو سلوكهم بل يتوقف أولا وأخيرا على كفارة المسيح وحدها ، لذلك فان هذا الاعتقاد لا يبعث الى نفوسهم بشيء من العجب والكبرياء ، بل بالعكس يملؤهم بالاتضاع والخشوع، ويدعهم أن يفتخروا ألا يفتخروا بأنفسهم بل بالرب دون سواه ( ۲ كورنثوس ۱۰ : ۱۷) . ولقد صدق أحد الكتاب الارثوذكس في قوله " لا شيء يأتي بالإنسان الى احساس التواضع مثل ارتباطه بعمل الرب الفادي .. (لأن) فى ظل الفداء وعمل نعمة الله الغنية يحني الإنسان هامته ليعطى المجد والكرامة لفاديه الحبيب (۱) ، أما المتكبرون فهم الذين يفتخرون بالأعمال التي يدعونها صالحة ، ويعتقدون أنهم أهل بها للحياة الأبدية دون غيرهم من الناس ، الذين لا يأتون مثل هذه الأعمال ، كما كانت الحال مع الفريسي الوارد ذكره في ( لوقا ۱۸ : ۱۰ ) .
٦ ۱- ان كان المسيح خلص المؤمنين من كل قصاص الخطية ،فلماذا يموتون الموت الجسدى مثل غيرهم من الناس ؟
(ا) إن المؤمنين يتعرضون للموت الجسدى ، لأن أجسادهم مثل أجساد غيرهم من الناس، أصبحت بسبب الخطية معرضة للضعف والمرض والموت. وكان من الممكن أن يغير الله أجسادهم وهم على الأرض الى أجساد غير قابلة لهذه الأعراض ، عندما آمنوا بالمسيح وقبلوه ، لولا أنهم أصبحوا بالإيمان شعبا سماويا لا أرضيا (أفسس ۱ : ۳ ، فيلبي ۳ : ۲۰) ، والشعب السماوى موطنه في السماء وليس على الأرض ، وحياته بالروح وليس بالجسد ، فضلا عن ذلك فإن بقاءهم في العالم الحاضر يسبب لنفوسهم آلاما متعددة بسبب الشرور الكثيرة التي تحيط بهم فيه . ولذلك قال الوحي أنه من وجه الشر يضم الله إليه الصديقين (إشعياء ٥٧ : ١) ، بعد أن يتمموا رسالتهم في هذا العالم . (ب) ومع كل فالموت ليس هو الوسيلة الوحيدة التي تنتهى بها حياة المؤمنين الحقيقيين من الأرض ، فهناك من انتقلوا الى السماء دون أن يذوقوا الموت مثل أخنوخ وإيليا (تكوين ٥ : ٢٤ ، ٢ ملوك ٢) . وهناك من سينقلون أيضا إليها دون أن يذوقوه . مثل المؤمنين الحقيقيين الذين سيكونون أحياء على الأرض عند مجيء المسيح في المرة الثانية فقد قال الرسول " هوذا سر أقوله لكم : لا نرقد كلنا ، ولكن كلنا نتغير في لحظة في طرفة عين . عند البوق الأخير . فانه سيبوق فيقام الأموات عدیمی فساد ونحن نتغير (۱)، لأن هذا (الجسد) الفاسد (أي الذي فسد بالموت) لا بد أن يلبس عدم فساد . وهذا (الجسد) المائت (أى القابل للموت) ، لا بد أن يلبس عدم موت ، ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ، وهذا المائت عدم موت ، فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع ( أو تحول) الموت إلى غلبة (ولذلك سينادى المؤمنون قائلين) أين شوكتك يا موت . أين غلبتك يا هاوية " ( ١ كورنثوس ١٥ : ٥١ - ٥٥)
(ح ) ونظرا لأن الموت الحاضر بالنسبة الى المؤمنين لم يعد موتا بل أصبح انتقالا الى المجد ، لذلك صاح أحدهم قائلا " لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدا ، لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح " ( فيلبي ۱ : ۲۱ - ٢٤ ). وأيضا " لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا الأرضي . (أى أجسادنا الأرضية المؤقتة) فلنا في السماء بناء من الله (أى الجسد الممجد) غير مصنوع بيد أبدي · فنثق ونسر بالاولى أن نتغرب عن الجسد (أى ننتقل من هذا العالم ونستوطن عند الرب) ، ( ۲ کورنثوس ٥ : ١ - ٨) . ومن ثم فالموت بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين يكون رقادا ، أو ، نوما " ( يوحنا ۱۲ : ۱۱) ، لأنهم يقومون بعده إلى حياة سعيدة بأجساد ممجدة مثل جسد المسيح نفسه كما ذكرنا ، ولذلك فانهم لا يخشون الموت ولا ما بعد الموت .
فما أسعد المؤمنين في حياتهم ، وما أسعدهم في موتهم ، وما أسعدهم أيضا بعد موتهم . ولكن الفضل وكل الفضل في هذه السعادة يرجع إلى إله كل نعمة ( ١ بطرس ٥ : ١٠ ) ، له المجد والقدرة والعظمة والسلطان الى أبد الآباد.
_____________________________________________
(۱) اقرأ الترجمة العربية للكاثوليك ، وأية ترجمة أخرى باللغات الأوروبية
(۱) ولذلك يجب ألا يكون له أي وجود في نظر ايماننا أيضا ، لأنه ليس هناك أي مبرر يدعونا الى اعتباره موجودا أمامنا ، ما دام الله قد ازاحه من أمامه الى الأبد في صليب المسيح.
_____________________________________________
(۱) لايضاح حقيقة وجود الخطية فينا وليس علينا ، قال بعض الشراح أن المسيح عندما كان معلقا على الصليب كانت الخطية عليه (لأنه رضي أن يحملها على نفسه عوضا عنا) ، لكنها لم تكن فيه (لأنه قدوس في ذاته كل القداسة ) . واللص الذي لم يؤمن بالمسيح كانت الخطية فيه (لأنه كان خاطئا بالطبيعة والفعل) وكانت أيضا عليه (لأنه رفض المسيح) . أما اللص الذي آمن بالمسيح (والذي يمثلنا نحن المؤمنين) ، فان الخطية كانت فيه مثل اللص السابق تماما (لأنه كان خاطئا بالطبيعة والفعل مثله (ولكنها لم تكن عليه) لأنها حسبت على المسيح بسبب إيمان هذا اللص به) - وما دام قد رفع الخطية عن المؤمنين بفضل كفارة المسيح ، فإنه لا يعود ينظر اليها فيهم كأنها جريمة تستلزم قصاصا ، بل كأنها مرض يستلزم علاجا . والواقع يؤيد هذه الحقيقة كل التأييد ، لأن المؤمنين الحقيقيين يكرهون الخطية ، وان سقطوا فيها مرة لا يطيقون البقاء فيها ، بعكس الاشرار تماما كما ذكرنا
(۲) مما تجدر ملاحظته في هذه الآية ، أنها وان كانت تقول " اننا صرنا متحدين مع المسيح بشبه موته " ، لكنها تقول بعد ذلك " اننا نصير متحدين معه بقيامته " بدون كلمة " شبه ". ويرجع السبب في ذلك إلى أن المسيح فى نعمته الغنية لم يشأ أن يشركنا فعلا فى موته ، لكنه أشركنا فعلا في قيامته ومجده . فعند الصليب احتمل وحده كل قصاص الخطية وعارها ولعنتها ، لكن عند القيامة أشركنا معه فى كل أمجاده - وهذا ما يفعله كل أب كريم ، فإنه يتحمل الآلام وحده ، ولكنه يشرك أبناءه معه فيما يناله من سؤدد ومجد .
_____________________________________________
(۱) فطبقة الزهاد بين الوثنيين الذين يطلق عليهم اسم " الفقراء" ، يصومون اياما كثيرة ، ويعذبون اجسادهم بطرق متنوعة . فيمشون على المسامير ويحرقون بعض أجزاء من أجسامهم أو يقطعونها ، ظنا منهم أنهم بهذه الوسائل يمكنهم القضاء على الخطية الكامنة فيهم ، ولكن لن يتحقق ظنهم بالوسائل المذكورة على الإطلاق ، لأن الخطية ليست في الجسد بل في النفس.
_____________________________________________
(۱) مقالة للدكتور راغب عبد النور ، فى مجلة الكرازة الصادرة في فبراير سنة ١٩٦٦ .
_____________________________________________
(۱) وهذا التغيير هو ما يعبر عنه فى الكتاب المقدس في موضع آخر بـ " فداء الجسد " ، الذي تحدثنا عنه في الفصل الثاني.
- عدد الزيارات: 5