قدوة المسيحي
كلمة ملخصة بتصرف عن عظة للقس جرجس هابيل وهي بعنوان « البشارة الخامسة »
آية الموضوع : «ظاهرين أنكم رسالة المسيح مخدومة منا، مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي ، لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية ( ك ٣ : ٣ )
نفهم من هذه الآية بأن الرسائل إما كتابية أو عملية ، إما أن تكتب بالحبر على الجماد أو بالروح على القلب.
فمن الاولى الكتاب المقدس والمواعظ ، أما الثانية فهي أنت وأنا وكل مسيحي على هذه الأرض وهذا ما قصده الرسول حينما قال " ظاهرين أنكم رسالة المسيح "
قد تضيع الرسالة المكتوبة أو يخفيها عنا الناس فلا نستفيد من محتوياتها ، أما الرسالة العملية فهي كتاب مفتوح يفرض على الناس قراءته أرادوا أم لم يريدوا.
ايها المسيحي - أنت كتاب مفتوح ، والناس تلاحظ كل حركة من حركاتك وكل سكنة من سكناتك ، إن مشيت في الشارع اتجهت اليك الأنظار وراقبك الجميع واقتفوا اثرك ، وإن اتجهت إلى الخمارة تبعوك اليها ، أو الى محلات القمار دخلوها معك ، وان زرت الأيتام والمعوزين رافقوك إليهم ، و مهما عملت ومهما قلت وأية اشارة بدت منك ، واية حركة صدرت عنك ، فجميع ذلك يسجل عليك خيراً كان أم شراً.
كان ولم يزل للإنجيل تأثير عظيم في مشارق الارض ومغاربها ، فقد قلب أوروبا رأساً على عقب ، فبعد أن كان سكانها عبدة أوثان يعيشون في الكهوف والأكواخ الحقيرة ، مدنهم الانجيل، فانتقلوا من مغاورهم أكواخهم الى القصور وناطحات السحاب ، وبعد ان كانوا شبه عراة ينتقلون من مكان الى مكان وهم حفاة تمزق اجسامهم الاشواك وتفترسهم الوحوش أصبحوا يمتطون السيارات والطائرات ، وبعد أن كانت بلادهم قفراً أصبحت وديانهم سهلا وطرقهم اسفلتا.
ولكن الذي تعجز البشائر والرسائل عن تغييره ، قد يتأثر بقدوة جاره الصالحة ومثاله الطيب ، فتجدد حياته وكم من أناس ملحدين آمنوا بواسطة سلوك شخص مؤمن شريف .
وكم من أناس اضطهدوا الكنيسة كما عمل بولس فأثرت فيهم حياة المؤمنين وشجاعتهم وصبرهم وايمانهم، فانقلبوا من مضطهدين للكنيسة إلى محامين عنها ومضطهدين لأجلها .
أعرف في بلاد السودان ، رجلا يونانياً يدعى كليانجي ، هذا كان يشرب ويقامر ومرة في شدة غضبه ألقى إلى البحر انجيلا قدم إليه .
هذا الرجل غيرته سيرة رجل مؤمن اسمه الدكتور جفن ، ولم يكن الدكتور جفن طبيباً، لكن الخواجة كليانجي ظاناً انه كذلك ، ذهب إليه عند منتصف الليل متألماً من مغص حاد.
فما كان من الدكتور جفن إلا أن ذهب إلى مستوصف الإرسالية الخيري راكباً على حمار و أحضر للخواجة كليانجى مسكناً فأثرت هذه المعاملة اللطيفة في الخواجه كليانجي وسلم حياته إلى يسوع وكان آخر عمل اذكره له هو بناء كنيسة واد مدني الإنجيلية من ماله الخاص تذكاراً للدكتور جفن .
إن تأثير القدوة الحسنة لا يماثله شيء مطلقاً ، لا الخطب المؤثرة ولا القصائد الرنانة.
إن القدوة الحسنة أحسن وأجمل وأسلس وأحب وأسهل تفسير لتعليم الرب يسوع وهي واضحة يسهل فهمها على كلا المتعلم والأمي على حد سواء ولا تحتاج الى شروحات البتة.
إن الناس قد سئموا النظريات وتشتاق نفوسهم إلى الامور العملية ، فلا يكفي ان نقول لهم أحبوا أعدائكم ومن لطمك على خدك الأيمن حول له الآخر. بل يجب أن نحب أعداءنا فعلا وأن نحول الحد الأيسر للذي يلطمنا على خدنا الأيمن ، وان نعطي رداءنا للذي يأخذ ثوبنا وأن نسامح سبعين مرة سبع مرات الذين يسيئون إلينا.
بامكان المسيحي أن يكون رسالة دون أن يرقى منبراً أو يلقى عظة أو يكتب كتاباً ، بل يكفي أن يزور الأرملة في كوخها وأن يشاطر الحزين أحزانه وأن يرشد الحائر ويهدي الضال.
و الأمر الوحيد الذي يلزمنا هو تبديل قلوبنا.
قيل إن أحدهم طلب من الساعاتي تغيير عقارب ساعته فقال له الساعاتي ليس العيب في العقارب بل في الزنبلك ، فان أصلحنا الزنبلك مشت العقارب.
وكم من أناس يهتمون بإصلاح هندامهم الخارجي وتجميل ألفاظهم بدلاً من تغيير قلوبهم غير عالمين أنه من فضلة القلب يتكلم اللسان.
إن الطريقة الوحيدة لتغيير قلوبنا هي بمعاشرة يسوع الذي يغيرنا إلى شبهه ويوشحنا بفضائله.
وكلما رافقنا يسوع واكثرنا من أوقات الصلاة معه و الاختلاء به ، وكلما قابلنا حياتنا بحياته ومواقفنا بمواقفه وصبرنا بصبره ووداعتنا بوداعته كلما زادت مقدرتنا على تمثيله والتشبه به ونصبح حقاً رسالة المسيح المكتوبة بروح الله الحي.
- عدد الزيارات: 14