Skip to main content

أحواض من اللؤلؤ الجلجثة

روبرت ج. لي.

" المسيح مات " - ١ کو ٣:١٥

" ولما مضوا به الى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك" ... لو ٣٣:٢٣

مات المسيح !

مات المسيح من أجل خطايانا !

هكذا تقول الكتب المقدسة

المسيح !

و الجلجثة !

والصلب على الجلجثة !

لأجل هذا ، يسمو جبل الجلجثة ويتعالى على كل الجبال.

عظيم هو جبل سيناء المتسامي في وحدته المتسربل بالسحاب ، المكفن بالضباب، المشتعل بالنار - حيث رعود الجو المزلزلة تقصف وسط الصخور ومضائق الجبال - حيث البرق يلمع في مسالك متعرجة عبر الغيوم السوداء - حيث اعطي الناموس : الوصايا التي لم تكن مجرد همسات اشباح العصر میتٍ، بل وصايا ذات سلطان مواز لسلطانها حين عكَّر اعلانها سكون البرية الدهري.

عظيم هو جبل حوريب القديم حيث العليقة ، المشتعلة بمجد اللاهوت المتنازل ، تحدت نواميس الاشتعال (خر ٣:٣) .

وجبل هور حيث هارون ، قبل أن تحلِّق روحه في أجواء النهار الكامل، سلَّم رداءه الكهنوتي لابنه ثم مات (عد ۳۸:۳۳-۳۹ ) .

وجبل الفسجة ، الذي من على قممه الرفيعة رأى موسى الأرض التي حلف الله  لإبراهيم ليهبها له ( تث ٤:٣٤ )

و عيبال وجرزيم ، اللذان من على جوانبها تليت البركات واللعنات (تث ٢٦:١١ 

والكرمل ، حيث استجاب الله صلاة ايليا بنار من السماء (۱مل ۳۸:۱۸) .

 وتابور ، الذي في ظلاله وعند منحدراته حاربت الكواكب في مداراتها مع باراق وربواته لدحر سيسرا وجنوده ( قض ٢٠:٥ ) .

والمريَّا ، حيث مئة وستون الف رجل ، بقيادة سليمان ، عملوا سبع سنوات ونصف السنة في بناء الهيكل المقدس الجميل .

وحرمون المثلث الرؤوس ، حيث تجلى يسوع وكانت هيئته أبهى من الشمس وثيابه أكثر بياضاً من الثلج .

وجبل الزيتون ، الذي يعبق بذكريات الوداع الحلوة ، حيث رجع المسيح الى السماء في مركبة من السحاب تجرها جياد الريح .

ولكن فوق الكل وأعظم الكل جبل الجلجثة، فهو بالنسبة لسائر الجبال، كناطحة سحاب أمام كوخ حقير، و كشجرة أمام برعم صغير ، وكمدفع أمام مسدس للأطفال في مدى قوته.

لأن هناك تسربل الله بثوبه القرمزي ليخطب ودّنا ..

هناك ، حيث تعانقت الأجيال ، أبطل المسيح الخطية بذبيحة نفسه وافتدى البشر من الموت الى الحياة، ومحا الدين ، الذي كان علينا في الفرائض، بما يعادله من حيث تتميم الناموس ، فاجتاز في ظل الموت الرهيب طوعاً واختياراً دون أن يكون مديونًا للناموس .

هناك رغم قدرته على ضرب اعدائه بصاعقة، اختار أن يموت على الصليب. هناك صفات الله الأزلية حيث جامات غضبها المحرق صُبَّت على الذبيحة الطاهرة بالآلام المبرحة التي جعلت الارض ترتجف هولاً ، والشمس تختبىء في الظلام ، والاجرام تنتحب في دورانها الدهري.

هناك الله ، ابو المطر (اي ۲۸:۳۸) ، ترك يسوع يعطش ، ذاك الذي جاء ليروي عطش البشرية الروحي .

هناك الله ، الذي يكسو الأودية قمحاً (مز ١٣:٦٥) ويشبع صغار الغربان عند صراخها ، تركه عارياً تحت سماء مظلمة ولم يستمع الى صراخه.

لا غرابة أن لبست السماء الحداد ، والشمس حجبت نورها ، والأرض أصابها الدوار علامة دهشتها من أن حبّاً واسعاً وحلواً كهذا يلاقي مصيراً مشؤوما كهذا .

 لا غرابة إن كان كل الناس تجمهروا عند ذلك المشهد لينظروا ما جرى لينظروا الحب المتجسد مرفوضاً ومصلوباً ومعذباً - لينظروا الأسلوب الذي به عامل البشر كمال الفضيلة مجسمًا - عندئذ اخذوا يقرعون صدورهم ثم رجعوا وهم يبكون ( لو ٤٨:٢٣ ) .

 لا غرابة ان كانت الصخور تشققت - كانت الصخور اقل قساوة من قلوب البشر في ذلك اليوم - وكأنها تمزقت لأن حبا عظيماً كهذا قوبل بنكران الجميل.

ليس للأرض خطية أشدّ ظلاماً ، ولا للتاريخ صفحة أشدّ سواداً ، ولا للبشرية لطخة أكثر شناعة من تلك التي ظهرت في صلب المسيح .

يا لحياة المسيح المنزهة.

 يا التعاليم المسيح المنقطعة النظير .

يا لعجائب المسيح المدهشة.

 يا لقدرة المسيح العجيبة.

غير أن هذه كلها لم تكن تجدي نفعاً في مسألة خلاصنا لو لم تبلغ ذروتها في الصلب.

كل هذه تعتبر ثانوية وعرضيَّة بالنسبة للغرض الواحد الذي جاء من اجله الا وهو الموت حتى يتمكن الانسان المولود مرة للموت، ان يولد ثانية للحياة.

ليس بحياته الطاهرة كان يسوع بديلاً عن الانسان . 

ليس بعجائبه تمّم الناموس ووفى العدالة حقها وأكمل مطاليب قداسة الله

ليس بتعاليمه حمل ويلات الناس ودينونة الله على الجنس البشري .

ليس بقدوته الطيبة أخذ مكاننا تحت الناموس.

 ليس بكرازته فتح ينبوعاً يغسل كل النجاسات.

 ليس بخلقه رد الاهانة الموجهة الى مقام الله بما يعادلها من استحقاق .


انما فقط باحتمال الموت ، الذي كان كفارة وقصاصاً ، استطاع أن يعوض تعويضاً كاملاً عن الحكم الإلهي بما يعادل عثرة الانسان ، وان يقدم رحمة واسعة بما يتفق مع كمال الناموس الأدبي.

بالموت ، أعلن قصد الله في حياته. فلقد وُضع قليلًا عن الملائكة لكي يموت عن الكل . لذلك كان موته غاية حياته.

بالموت ، رفع دَيْنَنا.

"والرب وضع عليه اثم جميعنا " (اش ٦:٥٣)

" تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا " (اش ٥:٥٣) 

البشارة المفرحة

طريق الإنسان وعلاج الله ...

" كلنا كغنمٍ ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا "

اش ٦:٥٣

في الكتاب المقدس ، حقائق ساطعة تنير جوانب الإنسان وخفاياه .

وتوضح معاملات الله تجاه عجز الإنسان الحائر.

كلنا كغنم ضللنا…. والرب وضع عليه اثم جميعنا .

حقيقتان يعلنهما الكتاب المقدس مظهراً ما صدر من كل واحد منا جميعاً.

وما صدر من الله لأجل كل واحد منا ولأجلنا جميعاً. 

أمّا ما صدر منا فهو ان كل واحد منا ، انا وانت وكل إنسان، قد ضللنا كغنم : كلنا وجميعنا . ولم يكن بإمكاننا الرجوع عن الضلال ، أو الإتيان الى راعي النفوس.

 لقد أخطأنا وعصينا ، ملنا كل واحد إلى طريقه . سلكنا طرقاً معوجة بدلاً من السير في الطريق المرضية امامه . كل واحد مال إلى طريقه.

 قد تكون لم تسلك طريقاً ملتوية سلكها جارك أو زميلك او قريبك . وقد تكون نجحت فيما فشل به غيرك .

 لكن الحقيقة الواضحة هي أن كل واحد مال الى طريقه . فان لم تسر في طريق سواك ، فأنت سالك طريقاً خاصاً ، وفي كل الاحوال ملت عن الطريق . وهذا معناه انك اخطأت والخطية هي التعدي . وبما أن الجميع اخطأوا واعوزهم مجد الله. والكتاب أغلق على الكل تحت الخطية . لذلك أنت واحد من المحكوم عليهم وإنك ضللت كالغنم و ملت عن الطريق.

لكن الخبر الطيب والمفرح الذي اسوقه اليك الآن هو ان الله محبة ، وفي محبته لا يشاء أن يهلك احداً ، بل قد رتب بنعمته الوسيلة الصحيحة التي بها يمكنه أن يرفع خطايانا بالعدل و يحررنا منها بل يصيرنا أبيضاً أكثر من الثلج .

ولذلك نسمع الحقيقة الثانية والعظمى في هذه الآية :

"والرب وضع عليه اثم جميعنا ".

لأن عدل الله وقضائه يقولان : إن اجرة الخطية هي موت ، وهذه الاجرة كان يجب أن تدفع قبل ان تغفر الخطايا.

لكن الكتاب المقدس يعلن : " إن الرب وضع عليه اثم جميعنا"

 فاذاً قد وجدنا من دفع اجرة خطايانا ، وهو حمل الله الذي قدم ذبيحة ، ليحمل عنا اجرة الخطية والتعدي.

 إنَّه ربنا المبارك يسوع المسيح الذي تألم مرة واحدة من اجل الخطايا، البار من اجل الاثمة لكي يقربنا الى الله . " مماتاً في الجسد ولكن محيى في الروح".

فالله يستطيع أن يقدم لك عفواً مجانياً وغفراناً كاملًا ، ان قبلت الرب يسوع بديلا عنك ومخلصاً شخصياً لك . وعندها تستطيع أن تشكر الله لأن حمل الله قد رفع عنك خطاياك الى الابد وتستطيع ان تفرح من القلب لأن جميع هبات الله تصبح على حسابك.

اذ أن الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا اجمعين كيف لا يهبنا ايضاً معه كل شيء !!!

  • عدد الزيارات: 14